حوار باقان أموم

 


 

 

حوار مع باقان أموم
* هنالك إتهام موجه لكم بتجاوز الخطوط الوطنية الحمراء بعد دعوتكم لأمريكا للتدخل لحل مشكلة أبيى لإدارة المنطقة وعائدات البترول المنتج فيها!! .. ما تعليقكم؟
هذا إتهام فارغ المضمون لأنه أولاً لا توجد خطوط وطنية حمراء متفق عليها، لا توجد خطوط وطنية فى الأصل قبل أن تكون حمراء أو خضراء، ومشكلة السودان هى أننا لم نجتمع كسودانيين للوصول بالتراضى إلى إطار وطنى أو أُسس يقوم عليها السودان منذ الإستقلال. أن مشكلة السودان نبعت من غياب ذلك الإطار الوطنى الجامع المتفق عليه. فالسودان دخل أزمته منذ قيامه نتيجة لفقدان هذا المشروع الجامع. والأزمة السودانية الطاحنة التى دخلناها منذ الإستقلال كانت نتيجة لفشل السودان ولفشلنا نحن السودانيين فى تبنّى تلك الأُطر والأُسس التى  تُحدد الأرضية المشتركة بيننا، المشكلة أصلاً فى غياب الخطوط الفاصلة بين ما هو متفق عليه وما هو مختلفٌ عليه. إن غياب الإتفاق حول تلك الخطوط الوطنية أدى إلى خلق المشكلة السودانية التى قادت إلى الحروب الأهلية والمآسى الكبيرة وما عانيناه فى جنوب السودان وجبال النوبة والنيل الأزرق وشرق السودان وما نعانيه الآن فى دارفور. غياب تلك الخطوط أيضاً هو الذى قاد إلى الإزاحة القسرية والتهجير لأهالى منطقة أبيى والتطهير العرقى الذى تعرضوا له منذ عام 1964 إلى الآن، فعن أية خطوط وطنية حمراء يتحدثون؟ ماذا نقول عن القتل الجماعى لمواطنى أبيى وطردهم بالآلاف من مناطقهم؟ . إن إتهامنا بتجاوز ما يسمونه بالخطوط الحمراء هو إتهام زائف ولا أخلاقى. ونحن فى الحركة الشعبية نوجّه نضالنا المستمر فى البحث عن القواسم المشتركة ولإيجاد الخطوط الفاصلة بين ما نتفق عليه والذى يحمى حقوق ومصالح مواطنينا بما فى ذلك مواطنى منطقة أبيى، تلك الخطوط هى التى يمكن أن تكون حمراء وبالتالى لا نتجاوزها. إذن مشكلة أبيى هى بسبب غياب الخطوط الحمراء الذى جعل الحكومة تحرّض مجموعات بعينها لتتعدّى على حقوق المواطنين ومجموعة كبيرة من السودانيين فى منطقة أبيى التى عانى شعبها ويلات الإزاحة والتهجير القسريين ومحاولات إغتصاب أراضيها إلى يومنا هذا. ودعنا نتساءل ألا تشكل محاولات إغتصاب أراضى دينكا نقوك تعدّى على الخطوط الحمراء بالنسبة لبقاءهم ؟!
* ألا تعتبر دعوتكم لأمريكا بإستلام منطقة إبيى وإدارتها هى دعوة جديدة للإستعمار؟!
ما دعيت له ليس لإستعمار أبيى من جديد؛ فقط طرحت إمكانية اللجوء إلى التحكيم لدى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن وصلنا كشريكين إلى طريق مسدود فى إيجاد حل سياسى لإزالة العقبات التى وضعها المؤتمر الوطنى أمام تنفيذ بروتوكول أبيى، والدعوة إلى اللجوء للتحكيم مبنية على ما أتفقنا عليه مع المؤتمر الوطنى بأنه فى حالة فشلنا فى الوصول إلى حل سياسى يمكن أن نلجأ إلى التحكيم إلى طرف ثالث لذا إقترحنا بعد فشل الحوار السياسى لأكثر من عام لحل مشكلة أبيى أن يلجأ الطرفان إلى التحكيم لدى الولايات المتحدة الأمريكية. لهذا فإن دعوتنا للتحيكم لدى الولايات المتحدة الأمريكية لا تعتير دعوة للإستعمار وإنما دعوة لتجاوز الأزمة بحثاً عن السلام  وهذا يتماشى مع ما إتفقنا عليه مع المؤتمر الوطنى، وإقتراحنا اللجوء إلى الولايات المتحدة الأمريكية كان لاسباب موضوعية ومنطقية يعرفها جيداً المتابعون لهذا الملف.
* ولماذا أمريكا دون غيرها؟!
لأن الولايات المتحدة الأمريكية هى الجهة الوحيدة المقبولة لدى الطرفين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية لحل مشكلة أبيى، وأمريكا هى الجهة التى قدمت مقترح حل مشكلة أبيى، وإقترحت كيفية إدارتها وقَبِل المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية بصيغة ذلك الحل. أمريكا إقترحت أن يُستفتى أهل أبيى وقبل الطرفان بذلك، إقترحت أمريكا أن يحمل مواطنو أبيى مواطنة مشتركة فى كل من ولايتى غرب كردفان وبحر الغزال وقبل الطرفان، وأمريكا إقترحت أن توضع المنطقة تحت إدارة خاصة تحت إشراف رئاسة الجمهورية وقبل الطرفان، وقدمت أمريكا عن طريق السناتور جون دانفورث صيغة لتقسيم عائدات البترول المنتج فى منطقة أبيى وكذلك قبل الطرفان بالمقترح وهو مثبت فى إتفاقية السلام الشامل. كل هذه المقترحات الأمريكية وجدت قبول لدى الطرفين وشكلت أساساً لحل مشكلة أبيى. ويجب أن ينتبه أولئك الذين ينتقدوننا ويتهموننا دون الرجوع إلى إتفاقية السلام الشامل نفسها ودون الرجوع إلى الخلفية التى على أساسها توصلنا إلى برتوكول حل مشكلة أبيى، والذين يدقون الطبول ويطلقون الإتهامات دون الرجوع إلى أتفاقية السلام الشامل فلينتبهوا إلى أنهم يفضحون جهلهم بالأمر وأن مواقفهم هذه تعبر وتدافع عن مصالح  ضيقة وهو ما يكشف تغاضيهم عن همّنا الأساسى وهو تحقيق السلام العادل وتثبيت الأسس العادلة لبناء السودان الوطن الذى يجد فيه الجميع بما فيهم أهلنا فى أبيى والمسيرية حقوقهم مع الصفوة فى الخرطوم على حد سواء.
* ولماذ لا ترجعون إلى الإيقاد؟!
أود أن أوضح الآتى، أولاً؛ أن المؤتمر الوطنى رفض وساطة دول الإيقاد لحل مشكلة أبيى منذ بداية المفاوضات مما إضطرنا إلى اللجوء إلى الوساطة الكينية. ثانياً؛ حكومة الإنقاذ السابقة رفضت مقترحات الوسيط الكيني وتوصلت تلك الوساطة إلى طريق مسدود وجاءت المبادرة الأمريكية وقبل المؤتمر الوطنى أو حكومة الإنقاذ السابقة فقط بالمقترحات الأمريكية لحل مشكلة أبيى!! وبذلك أصبحت أمريكا الوسيط الوحيد الذى قدم مقترحات لحل مشكلة أبيى وقبل الشريكين بها. وإقتراحى باللجوء إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليس الأول من نوعه لأن الطرفين فى المادة (2-2) من الملحق المفسّر لبروتوكول أبيى طلبا مساعدة أمريكا والتى تُقرأ: "على الطرفين أن يطلبا من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة و"إيقاد" ترشيح خمسة خبراء محايدين ذوى دراية ومعرفة بالتاريخ والجغرافيا وأية خبرة ذات صلة. ويرأس أحد هؤلاء الخبراء (مفوضية حدود أبيى). إتفق الطرفان أن يطلبا من الولايات المتحدة الأمريكية... وأكرّر الولايات المتحدة الأمريكية أولاً ثم بريطانياً ثانياً ومن الإيقاد أخيراً، خبراء محايدون ليشكلوا مع الطرفين مفوضية تحديد وترسيم حدود منطقة أبيى، وأكثر من ذلك أتفق الطرفان على أن يرأس الخبير الأمريكى تلك المفوضية! لكل هذه الأسباب مجتمعة كان منطقياً أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية الجهة الأولى المؤهلة التى يمكن أن يلجأ إليها الشريكان لتجاوز الصعوبات التى تواجهما فى تنفيذ بروتوكول أبيى هذا إذا أردنا السلام وأعملنا العقل ورجعنا إلى الإتفاقية. عندها يكون مقترحنا منطقياً ومنسجماً مع الحق والحقيقة.
* ولكن المؤتمر الوطنى يقول أن الخبراء تجاوزوا التفويض الممنوح إليهم؟
الخبراء لم يتجاوزوا التفويض الذى منحناه إيّاهم والموقف الذى أتخذه المؤتمر الوطنى عقب صدور التقرير هو موقف مؤسف وتراجع مخجل عن عهد قطعه المؤتمر الوطنى على نفسه أمام الشعب السودانى والعالم ولا أقول أمام الله. هذا الموقف هو حالة أخرى من حالات نقض العهود نضيفها إلى السجل الحافل فى القائمة التاريخية لنقض العهود والمواثيق التى درج عليها أهل السلطة فى المركز. وأسمح لى أن أكشف لك زيف ذلك الموقف أولاً فى المادة (1) من ذات الملحق والتى تُقرأ: "بعد التوقيع، وبالرغم مما تضمنته المادة (5-1) من برتوتوكول أبيى، يتعين على الطرفين تشكيل (مفوضية حدود أبيى) المكلفة بتحديد وترسيم حدود المشيخات القبلية التسع التابعة لدينكا نقوك الذين حُولوا إلى كردفان فى 1905، ويشار إليها فيما بعد بمنطقة أبيى". وفى المادة (4) من ذات الملحق إتفقنا على تحديد طريقة وأسلوب عمل الخبراء المحايدين وإتفقنا على أن الخبراء هم الذين يقرّرون القواعد والإجراءات بخصوص عمل المفوضية والتى تُقرأ: "فى تقرير نتائج تحرياتهم، يتعين على الخبراء فى اللجنة مراجعة الأرشيف (السجلات) البريطانية والمصادر الأخرى ذات الصلة بالسودان أينما يحتمل وجودها وذلك سعياً إلى التوصل إلى قرار يستند إلى تحليل علمى وبحثى. كما يتعين على الخبراء تقرير قواعد الإجراءات بخصوص (مفوضية حدود أبيى)". أما فى المادة (5) من الملحق المفسر لبروتوكول أبيى تعهد الطرفان بقبول التقرير وإلتزامهما بنتائجه وتُقرأ: "ترفع (مفوضية حدود أبيى) تقريرها النهائى إلى الرئاسة قبل نهاية الفترة قبل الإنتقالية. ويصبح تقرير الخبراء الذى توصلوا إليه حسب المنصوص عليه فى قواعد الإجراءات بخصوص (مفوضية حدود أبيى) نهائياً وملزماً للطرفين".
من كل ذلك يتضح أن ما ذهب إليه المؤتمر الوطنى لا يعدو عن كونه تراجعاً عن عهده وفى هذا ظلم لمواطنى أبيى الذين يريدون العودة إلى ديارهم لينعموا بالسلام وهم تواقون للرجوع إلى أرضهم ليعيدوا بناء حياتهم المحطمة. فإنسان ومواطنى أبيى عانوا حياة النزوح والشتات والتسّول واللجوء. لماذا يفتقر هذا البلد لضمير حى؟ ولماذا لا يشعر الناس بألم وبؤس أهالى أبيى، أى وطنى هذا الذى لا يشعر بمعاناة الإنسان فى أبيى؟   
* لماذا تطالبون بتدخل دولى لفرض تنفيذ بروتوكول أبيى؟
نحن لا نطالب بتدخل دولى كتطور جديد لأننا إتفقنا منذ البداية على أن حل مشكلة أبيى يكون برقابة دولية حسبما ما جاء فى بروتوكول أبيى. المادة (1-2-5) من نفس البروتوكول تُقرأ: "نشر مراقبين دوليين فى أبيى لضمان التنفيذ الكامل لهذا الإتفاقات". إن هذه المادة تنص على نشر المراقبين الدوليين للتأكد من التنفيذ، وكذلك المادة (7-4) المتعلقة بالترتيبات الأمنية فى نفس البروتوكول تنص على إلتزام الطرفين نشر المراقبين الدوليين وتُقرأ: " نشر المراقبين الدوليين فى أبيى لضمان التنفيذ الكامل لهذا الإتفاقات". هذا يعنى أن المجتمع الدولى ملزم أن يعمل ويتأكد من تنفيذ بروتوكول أبيى وبالتالى التدويل متفق عليه من قبل الطرفين مسبقاً والمواد المذكورة آنفاً تؤكد على ذلك.
* لماذا لا تلجأون إلى الإيقاد التى كانت وسيطاً فى المفاوضات ؟!
الإيقاد لم تكن وسيطاً لأن المؤتمر الوطنى أو حكومة الإنقاذ السابقة رفضت وساطة دول الإيقاد لحل مشكلة أبيى على الرغم من إصرار الحركة الشعبية على ذلك. إن حكومة الإنقاذ رفضت الوساطة الإقليمية ورفضت أيضاً مقترحات جيراننا الكينيين وقبلت مقترح الولايات المتحدة الأمريكية فقط، لذا فإن الرجوع إلى الولايات المتحدة الأمريكية هو الإتجاه العقلانى والمنطقى والصحيح إذا أردنا حل مشكلة أبيى بعيداً عن الإثارة والتلفيق ومحاولات الإتهام بالعمالة وما شابه ذلك من نعوت.  
* لماذا لا تتسلم الحركة الشعبية إدارة المنطقة؟!
تسلمنا لإدارة المنطقة يعنى فرض حل من جانب واحد وسيقود إلى تصادم بين الطرفين، والدعوة لفرض حل من جانبنا دون اللجوء إلى التحكيم هى دعوة وتحريض للحرب، والعودة إلى الحرب لا يمكن أن تكون إلا الخيار الأخير، ولن يلجاً إليه الطرفان إلا عند استنفاذ كل الخيارات الأخرى والحرب ليست خياراً محبّذاً لنا لأننا جرّبناها من قبل وعانينا منها كثيراً.
* ما هو موقفكم فى حال رفض الولايات المتحدة الأمريكية دعوتكم لها للتدخل؟!
الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن لها أن ترفض التدخل بحكم مسئوليتها السياسية والأخلاقية لأنها قدمت مقترح الحل وكانت الجهة الوحيدة التى قبل الطرفان بوساطتها، فضلاً عن أنها الجهة الأقدر على مساعدتنا فى تجاوز العقبات لتحقيق التطبيق الكامل للبروتوكول مثلما ساعدتنا فى الوصول إلى الحل من قبل.
* لماذا اللجوء إلى الأجنبى وتفضيله على الخيار الوطنى بين الشريكين أو إشراك القوى السياسية السودانية فى حال تعذر الوصول إلى حلول بينكم كشركاء أو إحالة الملف برمته إلى أهل المنطقة كخيار أخير؟!
نحن دائماً كنا نفضل الحلول الوطنية ومنذ نشأتها ناضلت الحركة الشعبية لتحرير السودان من أجل الوصول إلى حل بالجهد الذاتى لذا خضنا حرب التحرير. وبعد النضال الطويل الذى خاضته من أجل فرض برنامجها وحلها جلست الحركة الشعبية إلى الطرف الآخر السودانى للوصول إلى تسوية وقدمنا مقترحات الواحد تلو الآخر للوصول إلى حل ولم ننجح حتى آتى جيراننا فى الإقليم من دول الإيقاد وقدموا وساطتهم. وصحيح أن هذه الوساطة غير سودانية ولكن الطرفان قبلاها سعياً لإيجاد حل. والحركة الشعبية منذ 1984 أتخذت موقف مبدئى بإستعدادها للتفاوض من دون شروط مع حكومات الأمر الواقع فى الخرطوم. وبالتالى فقد كانت أولوياتنا البحث عن الحل الوطنى. وبتوصلنا إلى إتفاقية السلام الشامل بوساطة دول الإيقاد والولايات المتحدة الأمريكية فى حالة أبيى، وفى العامين المنصرمين من عمر تنفيذ الإتفاقية وضعنا فى أولويتنا البحث عن الحل الوطنى السياسى ودخلنا مع المؤتمر الوطنى فى حوار مستمر لإقناعهم بإزالة العراقيل أمام تنفيذ إتفاقية السلام الشامل وجلسنا معهم لساعات طويلة على مدى العامين الماضيين بحثاً عن حل سياسى عبر الحوار معهم، إلا أن الحقيقة هى أننا كشريكين وصلنا إلى طريق مسدود فى سبيل إيجاد حل وطنى ولذا طرحنا أن نلجأ إلى ما إتفقنا عليه فى حال فشلنا فى إيجاد الحل السياسى ألا وهو اللجوء إلى طرف ثالث للتحكيم.
أما الحديث عن اللجوء إلى القوى السياسية الأخرى وإشراكهم فى إيجاد الحل، فالواقع أن الحركة الشعبية والمؤتمر الوطنى توصلا فى نهاية ذلك الصراع الطويل إلى إتفاق لذا فإنهما يمتلكان قدرة وإمكانية أكبر لحل المشكلة، ويجب ألا ننسى أن جزء كبير من القوى السياسية كانت فى السلطة ولم تستطيع أن تحل المشكلة فعلى سبيل المثال حزب الأمة كان جزءاً من المشكلة لانه قام فى فترة حكمه بتسليح المليشيات من مجموعات من المسيرية وتشجيعهم للهجوم وتهجير أهل منطقة أبيى، وأن بعضاً من قيادات حزب الأمة كانوا جزءاً من المشكلة وحرضوا المسيرية ضد الدينكا وكانوا يتاجرون بأسم المسيرية مثل عبد الرسول النور الذى كان والياً والموجود الآن فى الخرطوم وكان يعمل على تجنيد أهله والزج بهم فى أتون الحرب التى دارت بجنوب السودان ويفنوا فيها دون أى سبب يذكر وتحويلهم إلى أدوات فى حرب الدولة السودانية ضد الجنوب من أجل أن يستوزر أو يكافأ من قبل تلك الدولة وهؤلاء القادة أضروا أولاً وأخيراً بمصالح ومراكز المسيرية لأن مصالح المسيرية تتعدى حدود أبيى وبحر الغزال فمصالح المسيرية مع الجنوب وهم أيضاً من المهمشين فى السودان من قبل دولة الجلابة وهذه الدولة إتفقت الآن مع الجنوب الذى كان متمرداً عليها، والجنوب الآن أصبح جزءاً من السلطة أما المسيرية فقد خليت بهم هذه الدولة ورمتهم فى سلة مهملاتها فحتى نسبة الـ2% من عائدات البترول المنتج فى أبيى التى أنتزعت للمسيرية لا يريدون إعطائهم لها.  
* فى رأيكم لماذا يصر المؤتمر الوطنى على عدم تنفيذ بروتوكول أبيى ..؟ أهو نتيجة لضغوط من المسيرية ..؟ أم أن التنفيذ يضر بالمصالح الوطنية ..؟  ولماذا تصر الحركة الشعبية على تنفيذ هذا البروتوكول تحديداً؟.
حقيقة لا توجد أى ضغوط من المسيرية وليس للمسيرية أية مصلحة فى أن تغتصب أراضى دينكا نقوك. المشكلة الحقيقية هى أنه وبعد أكتشاف المزيد من البترول فى المنطقة  دفع المؤتمر الوطنى إلى التمسك أكثر بعائدات البترول وأصبحوا غير راغبين فى توزيع تلك العائدات وهو السبب الأول والأخير فى رفضهم لتنفيذ بروتوكول أبيى. أما عن ضغوط المسيرية التى يتحدث عنها بعض الناس فهى من مجموعة من قيادات المسيرية ترتبط مصالحهم بالمجموعات الحاكمة فى وسط السودان إذن السبب الحقيقى هو البترول وعائداته لأن أهلنا المسيرية لا يرغبون فى إغتصاب اراضى نقوك لأن مصالحهم تتعدى منطقة أبيى إلى بحر الغزال وأعالى النيل وحتى بعد عشرين عاماً فإن مصالح المسيرية ستصل إلى الأستوائية. نحن مع الإحترام الكامل لمصالح المسيرية فى المراعى وفى المياه ونحترم مصالحهم وحقوقهم ليس فى أبيى فحسب بل حتى فى بحر الغزال وأعالى النيل نحن مع حق المسيرية فى التنمية والعيش بسلام مع جيرانهم فى المنطقة. ولدينا حوارات مع المسيرية. فالحركة الشعبية مع الإحترام الكامل وحماية مصالح دينكا نقوك والحركة مع إحترام مصالح المسيرية ونحن على ثقة أن مصالح القبيلة لا تتعارض لولا أستغلال المركز، فمن المؤسف أن المصالح الإقتصادية للصفوة الحاكمة الضيقة تعلى على حياة ومصالح المواطنين السودانيين فى المناطق المهمشة ولنا أن نتساءل أيهما أهم بضع دولارات من عائدات البترول أم أن ينعم الأطفال وأهلنا دينكا نقوك وفى منطقة أبيى والمسيرية فى دار المسيرية بالسلام؟!   
* تحدث بروتوكول أبيى عن تقسيم عائدات بترول المنطقة بنسبة 50% لحكومة الوحدة الوطنية، 42% لحكومة الجنوب، 2% لدينكا نقوك، 2% للمسيرية، 2% لولاية غرب كردفان و2% لبحر الغزال، هل تم تقسيم هذه النسب فى ظل عدم تنفيذ البروتوكول؟! وإن تم تقسيمها فاين ذهبت هذه الأموال والتنمية معدومة فى المنطقة؟
أولاً تقسيم هذه النسب هو مقترح أمريكى وقبل به الشريكين إلا أنه لم يتم تنفيذ هذا المقترح وفى رأى لم يتم التنفيذ لعدم الرغبة فى توزيع هذه العائدات توزيعاً عادلاً وهو لب المشكلة وهو سبب رفض المؤتمر الوطنى تنفيذ بروتوكول أبيى. أما عائدات البترول فلا نعرف أين تذهب لأننا لم نشارك لا فى إدارة تلك المنطقة ولا إدارة عائدات بترولها. نحن مع تنفيذ البروتوكول ليستفيد أهلنا دينكا نقوك والمسيرية لأنهما أحوج للسلام والتنمية وعدم تنفيذ البروتوكول يستخدم كذريعة حتى لا يجد لا المسيرية ولا الدينكا ولا الجنوب أنصبتهم من عائدات البترول التى كان من الممكن أن تفيد فى بناء المدارس والمستشفيات وتوفر مياه الشرب النقية وشق الطرق وتحقيق التنمية فى المنطقتين وللشعبين معاً المسيرية والدينكا المهمشين تاريخياً.
* هل يمكن أن نفسر إصراركم لضم منطقة أبيى إلى جنوب السودان خطوة أخرى فى طريق الإنفصال؟
ابدأً، الحركة لم تصر على ضم أبيى إلى الجنوب إتفقنا كطرفين أن يتم إستفتاء مواطنى أبيى، بصرف النظر عن نتائج الإستفتاء فى جنوب السودان، فى أن يختاروا إما الإستمرار فى ولاية غرب كردفان أو يرجعوا إلى بحر الغزال فى جنوب السودان هذا هو الإتفاق ونحن نطالب بتنفيذ الإتفاق كما هو وكما تم النص عليه فى إتفاقية السلام الشامل بأن يكون القرار لأهل المنطقة.
* الكثير من القوى السياسية السودانية عبرت عن رفضها لمقترح لجوءكم كحركة شعبية لتحيكم أمريكا .. ما هو تعليقكم؟!
ربما نتيجة لمشاعرهم التى يمكن أن نسميها مشاعر محلية ضيقة، بمعنى أنها تعبر فقط عن مشاعر المجموعة الحاكمة فى وسط السودان الذى لا يهتم بحياة أو مصير المواطن فى منطقة أبيى أو دار المسيرية والذى لا يعتبرهم هؤلاء الصفوة أنهم مواطنون ذوى حقوق فى الأساس وبالتالى فإن اللجوء إلى التحيكم الأمريكى يضر بمصالح الصفوة، والسؤال الذى يطرح نفسه أنه فى حال تنفيذ الحل الأمريكى ورجوع أهل أبيى إلى مناطقهم وساد السلام فيها بماذا يضرهم؟ ألا يعتبر ذلك مصلحة وطنية؟! لهذا فأن من يهاجموننى فى الصحافة فإنما يعبرون عن مصالح محلية ضيقة ولا تعبر عن مصالح كل السودان وهى السلام العادل والديمقراطية.
* هل يمكن أن نعتبر أن موقفكم هذا أدى إلى عزلكم عن القوى السياسية السودانية الأخرى؟
أبداً لأننا نرى أن القوى السياسية السودانية لها إدارك كامل بتاريخ الإشكالية فى منطقة أبيى، وكل الوطنيين والديمقراطيين الذين يرون أن الوطن أكبر من مصالح الحاكمين فى الخرطوم ويؤمنون بأن أبيى وكردفان والجنوب ودارفور والشرق جزء من هذا الوطن والذين يرون أن تاريخ مواطنينا العميق فى كجبار والذى تجرى محاولات إغراقه جزء من الوطن لا يمكنهم أن يعتبروا موقف الحركة الشعبية الباحث عن السلام بتنفيذ إتفاقية السلام والوفاء بالإلتزامات والبقاء على العهود موقف غير وطنى. ونحن نرى أن موقفنا موقف وطنى أصيل ونحن نبحث عن حلول ونطلب الحلول لتحقيق السلام والديمقراطية والآن وصلنا إلى طريق مسدود عن طريق الحوار لذا نقترح بكل جدية اللجوء إلى التحكيم، هذا ما تفرضه علينا المسئولية الوطنية والأمانة دفاعاً عن حقوق المهمشين.
* إستنكرت الصحافة السودانية وكُتّاب الرأى والأعمدة فيها تصريحاتكم الأخيرة. أيعنى هذا الإستنكار والإستهجان أن موقف الحركة غير وطنى و يندرج تحت خانة الخيانة الوطنية كما وصفه البعض؟!
لم أجد بين من يكتبون فى صحافة الخرطوم كاتباً من أبيى ولا من المسيرية، وكتاب الأعمدة وصُنّاع الرأى الذين كتبوا ويكتبون لو أنهم كانوا يكتبون من أبيى وعنها لكان رأيهم مختلفاً بكل تأكيد. ولربما يكتب هؤلاء ولا يدرون أننا نتحدث عن أطفال وأسر فى أبيى تم طردهم من مناطقهم وهم الآن أما فى معسكرات النزوح أو لاجئون فى دول الجوار وفقدوا ممتلكاتهم وحياتهم نحن نتحدث عن هذا ولو كان هؤلاء الكتاب يتحدثون عن هذه المآسى لكانت الصورة مختلفة وبالتالى فإن هؤلاء الكتاب فى قفص الإتهام وإلا فعن من يتحدثون؟ هل يتحدثون عن مصالح الإنسان البسيط فى أبيى؟ هل يتحدثون عن الإنسان البسيط من المسيرية الذى يرعى بماشيته فى مناطق الدينكا فى قوقريال مثلاً؟ أو أنهم يعانون فى تفسير ماهية المصلحة الوطنية. إذا كنا نتحدث عن المصلحة العامة والمصلحة الوطنية فإنها تكمن فى مساعدة مواطنى أبيى بالرجوع إلى مناطقهم وإلى أرضهم ليقرروا مصيرهم ببقائهم إما فى غرب كردفان أو يكونوا جزءاً من جنوب السودان بمحض إرادتهم، فهذه هى المصلحة الوطنية الحقيقية لا الدعوة إلى إزاحتهم عن أرضهم وإباداتهم وتطهيرهم. المصلحة الوطنية ليست فى بذر روح الكراهية بين المسيرية ودينكا نقوك وأنما فى البحث عن المصلحة المشتركة. ونؤكد أن المصلحة الوطنية الحقيقية هى البحث عن كيفية التعايش بين الدينكا والمسيرية وكيف يحصلا على جزء من عائدات البترول المنتج فى أبيى.  
* ترى قيادات المسيرية أن موقفكم هذا يستهدف الإضرار بأراضيهم ومصالحهم على حدٍ سواء. ما مدى صحة هذا الإتهام؟!
هذا الإتهام صادر عن مجموعات تتحدث باسم المسيرية وتتاجر بأسمهم، فلا الحركة الشعبية ولا دينكا نقوك لديهما الرغبة فى الإستيلاء على أراضى المسيرية ولا الإضرار بمصالحهم فهنالك مساحة جغرافية كاملة تسمى دار المسيرية وهى معروفة تاريخياً وليس للدينكا رغبة فى غزوها وإحتلالها. فى المقابل ليس للمسيرية رغبة فى إحتلال أراضى الدينكا، ولكن الحكومات فى المركز إنتهاءاً بالإنقاذ أستخدمت مجموعات من المسيرية وشكلوا ما يسمى بقوات المراحيل كأدوات حرب لدعم الحكومة فى المركز ضد الجنوب، وهو ما أضر بالمسيرية أنفسهم لأنهم ماتوا فى حروب لا مصلحة لهم فيها وأضروا بعلاقاتهم مع جيرانهم الدينكا وها هى الحكومة فى المركز تصل إلى إتفاق مع الجنوب. فأين مصالح المسيرية الآن؟ إن هنالك غضب عارم فى أوساط المسيرية ضد هذه السياسات وويواجههم الآن تحدٍ كبير ألا وهو تحسين علاقاتهم مع جيرانهم بعد ما تم الإضرار بمصالحهم بواسطة قوات المراحيل التى قامت بتهجير الدينكا من مناطقهم وساهمت فى الدمار الذى لحق بالمنطقة وبالجنوب عامة. ونحن فى الحركة الشعبية نطالب بأن تكون هنالك مصالحات بين الدينكا والمسيرية لأنهما مشهمين ولذا فإن مصالحهما مشتركة كمهمشين وفى كيفية أن يتحرّروا من سياسات الصفوة الحاكمة فى الخرطوم.
* يقال أن دينكا نقوك وقياداتهم مع بقاء المنطقة فى غرب كردفان ويريدون الإبقاء على علاقاتهم مع المسيرية، فلماذا تريد الحركة التدخل ضد إرادة أهل المنطقة؟ أهو الطمع فى بترول المنطقة؟!
نحن ننادى بأن يتم التأكد من هذا الرأى بأن يُستفتى مواطنو أبيى ليقرروا ما يريدون ونحن مع إعطائهم الحق فى أن يقرّروا ذلك، فإن أرادوا البقاء فى غرب كردفان فهذا أحد خيارات الإستفتاء وإذا أرادوا الرجوع إلى بحر الغزال فهذا هو الخيار الآخر ونحن مع هذا الحق ولكن المؤتمر الوطنى ضد إعطاء دينكا نقوك هذا الحق وهذا يؤكد أن لهم رأياً آخر غير الإحتكام إلى أهل المنطقة ولا ندرى لماذا الخوف من إعطاء دينكا نقوك حق الإختيار. أما إتهامنا بالطمع فى موارد بترول المنطقة فهذا غير صحيح لأننا قبلنا بمقترحات تقسيم نسب عائدات البترول 50% تذهب إلى حكومة الوحدة الوطنية و42% تذهب إلى حكومة الجنوب وليس الحركة الشعبية و2% للمسيرية و2% لدينكا نقوك و2% لبحر الغزال و2% لغرب كردفان، ما نريده الإلتزام بتنفيذ العهود والمواثيق التى إتفقنا عليها، ولكن ما عايشناه خلال العامين الماضيين هو التنصل والتراجع بإستمرار عما تم الإتفاق عليه وهذه هى المشكلة، مما يشعرنا بأن المصالح الضيقة تُعلّى عند البعض على مصلحة المواطن والوطن.
* كادت مشكلة أبيى أن تنسف المفاوضات برمتها فى بداية التفاوض، من وجهة نظركم هل يمكن لأبيى أن تنسف ما تبقى من عمر الفترة الإنتقالية قبل الوصول إلى محطة الإستفتاء؟
تحدثت الصحافة السودانية عن تفجيرى لقنبلة أبيى وهذا غير صحيح، فنحن فى الحركة الشعبية وفى تلك المقترحات التى تقدمنا بها نبحث عن إمكانية نزع فتيل قنبلة أبيى. صحيح أن عدم تنفيذ بروتوكول أبيى يشكل خطراً كبيراً على مجمل الفترة الإنتقالية وعلى مجمل مستقبل السودان وعدم تنفيذ البرتوكول يجعل المواطنين فى جنوب السودان يفقدون الثقة فى مصداقية المركز فى الإلتزام بالمواثيق والعهود وبالتالى تتكرر مأساة جنوب السودان والتى لو تكررت فى حالة أبيى لن تتوفر الثقة فى المستقبل ما سيضطر الناس إلى البحث عن المخارج. قد يقود ذلك إلى فشل الفترة الإنتقالية ويؤدى رأساً إلى الإنفصال، وقد يقود إلى أن تتحول منطقة أبيى كما يقول البعض إلى "كشمير" السودان أو إلى "كوسوفو" السودان أو "بادمى" السودان، وجهودنا فى الحركة الشعبية تتجه نحو تفادى تلك السيناريوهات بنزع فتيل قنبلة أبيى الموقوتة.    

 

آراء