حول كتاب “حياتي وبلادي وعالمي” للدبلوماسي الأمريكي جيمس ليونارد. عرض وتلخيص: بدرالدين الهاشمي

 


 

 





حول كتاب "حياتي وبلادي وعالمي" للدبلوماسي الأمريكي السابق بالخرطوم  جيمس ليونارد ماك (2)

My Life  My Country  My World by James L. Mack

عرض وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي

*******                 ********          
هذا هو الجز الثاني والأخير من عرض وتلخيص مختصر لبعض ما ورد في فصل عن السودان في مذكرات السيد/ جيمس ليونارد ماك الدبلوماسي الأميركي السابق في الخرطوم عن أيام عمله في سفارة بلاده في الخرطوم بين عامي 1964 – 1967م. في الجزء الأول تعرضنا لأيام الرجل الأولى في الخرطوم وعن من قابلهم من عائلة المهدي. في هذا الجزء الأخير نعرض لبعض ما جاء في مذكراته عن علاقاته الشخصية مع بعض الشخصيات السودانية الأخرى في العاصمة، وعن من قام بدعوتهم لزيارة السودان من الأمريكيين المشهورين من الشعراء والمؤرخين والأطباء وغيرهم.  أورد المؤلف في هذا الفصل عن السودان بعض أوجه نشاط زوجه ماريجري في المجال الاجتماعي وتنسيق الزهور وغير ذلك من النشاطات الاجتماعية والخيرية مثل "دار المايقوما لمجهولي النسب" ومدرسة من حرموا نعمة البصر في الخرطوم بحري.
تطرق المؤلف للمعونة الأميركية التي كانت حكومة عبود العسكرية قد قبلتها (بعد تمنع الحكومات السابقة لأسباب مختلفة) وشملت مختلف أنواع العون لجامعة الخرطوم والمدارس الثانوية وبناء الطرق البرية وإرسال العديد من طلاب الدراسات العليا للحصول على درجات علمية عليا. كان بعض السياسيين في السودان والولايات المتحدة يعارضون تلك المعونة، ويعدونها موافقة ضمنية على النظام العسكري الديكتاتوري الحاكم، وإطالة لعمره، بل إن المظاهرات الطلابية المناهضة لحكومة عبود (والتي يقول المؤلف إن الشيوعيين هم من قاموا بتنظيمها) كانت تهاجم أول ما تهاجم السفارة الأميركية وتهتف بالشعار المعروفDown Down with the USA . تعرف السيد/ ماك على أوجه بعض الطلاب المتظاهرين ضد أمريكا حين شاهدهم في اليوم التالي يجلسون في المكتبة الأميركية يطالعون دروسهم. تقدم لبعضهم وسألهم لماذا يتظاهرون ضد أمريكا ثم يجلسون في مكتبتها؟ كانت إجابتهم جميعا أنهم لا يخلطون بين موقفهم السياسي ودراستهم! يقول المؤلف أن هؤلاء الطلاب كانوا يرددون فقط ما يمليه عليهم قادتهم السياسيين دون كبير تبصر. حكى المؤلف أيضا عن حادثة حاول فيها نحو ثلاثين أو أربعين من الطلاب المتظاهرين ضد أمريكا التسلل لمبنى السفارة عن طريق سلم الحريق، وكان جنود البحرية المكلفين بحراسة السفارة على أهبة الاستعداد للقيام بما يلزم لصدهم. قام السيد/ ماك بفتح النافذة ومخاطبة المتظاهرين الغاضبين وقال لهم: "الصادق المهدي لن يكون راضيا عما تفعلونه. جماعة المهدي يرغبون في مظاهرات سلمية وليس غزو السفارة". تعرف عليه أحد الطلاب فنصح جماعته بالانسحاب، ونال السيد/ ماك تقديرا من الحكومة الأميركية لحسن تصرفه في ذلك اليوم!   
كانت إحدى أوجه نشاط الملحق الثقافي الأمريكي بالخرطوم هي محاولة  إشاعة الثقافة الأميركية الغنية  في البلاد لمجابهة الدعاية القوية التي كان يقوم بها الإتحاد السوفيتي في دول العالم الثالث،  فقام بدعوة عدد من مشاهير الأميركيين في مختلف ضروب الثقافة والعلم والشعر والطب والفن لزيارة السودان. كان من هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر البروفيسور وليام ليو هانزبري، الخبير بتاريخ أفريقيا وثقافاتها في جامعة هاوارد بواشنطون. كان البروفيسور هانزبري مهتما بتاريخ النوبيين في منطقة وادي حلفا والنوبة في جنوب كردفان كذلك. أقيم حفل استقبال للبروفيسور الزائر في حديقة مقر الملحق الثقافي في يوم الجمعة 16/10/ 1964 أمه عدد كبير من مثقفي السودان (رغم أن "اليوم أكان جمعة"!) منهم بروفيسور النذير دفع الله مدير جامعة الخرطوم، ودكتور مكي شبيكة المؤرخ الشهير وعميد كلية الآداب، وعدد من أصدقاء السيد/ ماك مثل الوزير اللواء المقبول الأمين الحاج والقاضي محمد يوسف مضوي والصحافي بشير محمد سعيد وغيرهم. أشاد السيد/ ماك باثنين من الصحافيين السودانيين الذين أتوا – دون موعد سابق!- لعمل مقابلة مع المؤرخ المشهور دون أن يحملا آلة للتسجيل أو أي أوراق وأقلام لتسجيل ما يقوله الرجل، وظلا ينصتان باهتمام لكل كلمة يتفوه بها. فوجيء السيد/ ماك في صبيحة اليوم التالي بتلخيص شامل وواف في صفحة كاملة باللغة العربية للحديث الذي أدلى به البروفيسور، وعزا ذلك للتدريب على الحفظ الذي يكتسبه السوداني من حفظ القرآن في الصغر، وأرسل ذلك التقرير الصحفي (أو ربما ترجمة له) للبروفيسور والذي أشاد به. كذلك دعا السيد/ ماك القانوني الأميركي دكتور هنري شيبرد لإلقاء بعض المحاضرات بكليتي القانون والاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة الخرطوم ونادي اللوتري، والتقى بعض خريجي كليات القانون الأميركية مثل خلف الله الرضي والأمين التاتي وحسن عمر أحمد، وأمضى وقتا لس بالقصير يناقش دكتور حسن الترابي مقارنا بين قوانين الشريعة والقوانين الأميركية.
من أبرز من دعاهم السيد/ ماك لزيارة السودان كان الشاعر الأمريكي (من أصل أفريقي) لانجستون هيوز. وضع السيد/ ماك ضيفه في غرفة في "فندق السودان" لا تبعد كثيرا عن حديقة الحيوان. انزعج الشاعر الكبير من أصوات الطواويس وزئير الأسود فقال لمضيفه – ربما مازحا-  إنه لم يقطع تلك المسافة الطويلة ليأتي للسودان لتزدرده الحيوانات الوحشية! لعل القارئ لهذه المذكرات كان يؤمل في أكثر مما سجله السيد/ ماك عن زيارة ذلك الشاعر الضخم، وعن نشاطه في غضون زيارته تلك، لا سيما وأنه كان معروفا لكثير من المثقفين السودانيين (الذين اكتسبوا حب الشعر من العرب كما قال). ذكر المؤلف إنه وبمساعدة أسحق الخليفة شريف وأحمد عبد الحليم قام بتحضير لقاءات للشاعر مع أساتذة وطلاب جامعة الخرطوم، والتقى بمدير الجامعة بروفيسور النذير دفع الله المحب للشعر. شهد محاضرات الشاعر أفرادا من الأخوان المسلمين والحزب الشيوعي السوداني وما من رابط يجمعهم غير حب الشعر!  التقى كذلك في حفل للشاي الشاعر الأمريكي بمجموعة من شعراء السودان ، والذين أذهلوه بقدرتهم الفائقة على قراءة مطولات من أشعارهم وشعره هو بالعربية والإنجليزية والفرنسية أيضا!  دفع نجاح ذلك الحفل الشعري السيد/ أسحق الخليفة لدعوة الشاعر لحفل ضخم آخر في داره في اليوم التالي (ذبح من أجل تحضيره ثورا ضخما!) حضره السيد/ اسماعيل الأزهري رئيس البلاد، ورئيس الوزارة السيد/ الصادق المهدي ودكتور حسن الترابي ولفيف من ذوي الهيئات والحيثية. كذلك جلب السيد/ ماك للسودان فرقة فنية أمريكية  اسمها The De Paur Chorus  لقيت قبولا منقطع النظير عند طلاب الجامعة، بيد أن حفلها في الاستاد الرياضي كان كارثيا لضعف الاستعداد التقني عند فني الصوت، فأغضب وأثار ذلك جمهور الحضور الذين لم يكن بمقدورهم سماع ما تردده الفرقة.
كذلك جاء في مذكرات السيد/ ماك رصد مختصر لزيارة دبرها لخمسة من الجراحين الأمريكيين لإجراء بعض العمليات الجراحية المعقدة وإلقاء بعض المحاضرات للأطباء والطلاب في كلية الطب بجامعة الخرطوم، وتعرض لأسلوب المحاضرات التي قدمها المختصون الأمريكيون واختلافه عن أسلوب الإلقاء والتدوين الذي كان يمارسه البريطانيون (والسودانيين كذلك) منذ عقود طويلة (كان هذا بالطبع في منتصف ستينات القرن الماضي، ولكن يبدو أن العالم الآن بأسره قد تبنى الطرق التعليمية والتدريسية الأميركية. الكاتب). عبر الجراحون الأمريكيون عن اعجابهم بقدرة الأطباء السودانيين على العمل تحت ظروف قلة الأجهزة الحديثة وضعف تأهيل الكوادر الطبية المساعدة، وأخذ العجب منهم كل مأخذ عندما أخبرهم أحد الجراحين السودانيين بأنه قد أجرى ذات مرة عملية جراحية دون الاستعانة بطبيب تخدير أو فنيين مساعدين أو جهاز لنطر القلب!               
حكى المؤلف عن أول حفل يلتقي فيه باللواء ا. ا. ا. (عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وصديق الرئيس إبراهيم عبود وأحد أهم وزراء حكومته) وكان ذلك الحفل قد أقامه رجل سوداني من أصل إغريقي اسمه ايفي باسولي وكان يعمل موظفا بشركة بترول بالخرطوم وزميل دراسة في المدرسة الثانوية لذلك اللواء. لاحظ السيد / ماك أن كثيرا من كبار ضباط الجيش كانوا ضيوفا دائمين على حفلات ايفي المشهورة بعامر الطعام وفاخر الشراب والسهر حتى خيوط الفجر الأولى. كانت تلك الحفلات فرصة ذهبية للدبلوماسي الأجنبي الذي يتمتع بقدرة على احتمال السهر الطويل لينصت لما يتفوه به أولئك الضباط بعد أن تنحل عقد ألسنتهم (بفعل ما تجرعوه) بمعلومات عن الحكومة والصحافة والسياسة، مثل من من الصحفيين يشكون في أنه عميل للروس، ومن من الضباط له اتجاهات اشتراكية. خلص السيد/ ماك إلى أن هؤلاء الضباط كانوا يهدفون لحماية بلادهم من الحكومات الخارجية المعادية والقادة السياسيين عديمي الضمير. بعد نهاية حفل ايفي دعا اللواء ا. ا. ا. الدبلوماسي الأميركي وزوجه لمواصلة السهرة في ما أسماه "نادي ليلي" في طرف المدينة، وأخذهما معه في سيارته الرسمية والتي كان يقودها سائقه الرسمي نحو الخرطوم بحري. تاه السائق وهو يقود السيارة في الظلام على شارع ترابي، فتولى اللواء ا. ا. ا. القيادة بنفسه مثيرا فزع الدبلوماسي وزوجه، خاصة وأنه كان مخمورا، ولكنه نجح أخيرا في الوصول لذلك "النادي الليلي" المغمور. عند الواحدة صباحا أعادهما اللواء ا. ا. ا. لدارهما (في شارع المطار) سالمين وودعهما بعد أن وعدهما بالاتصال بها هاتفيا في اليوم التالي. أخبره السيد/ ماك بأنه لا يمتلك هاتفا، وأنه ما زال في قائمة المنتظرين لتركيب هاتف في داره، فرد الوزير بسرعة بأنه سيدخل له هاتفا بعد ساعات قليلة. ظن الدبلوماسي أن الرجل يهرف بفعل ما ظل يحتسيه طوال الليل. ما أن أشرقت الشمس إلا وعمال الهاتف يطرقون الباب ومعهم هاتف جديد لتركيبه في بيت الدبلوماسي! وكأن ذلك لم يكن كافيا لإدهاشهم حتى ظهر خلف العمال الوزير اللواء الهمام وهو يطلب من العمال سرعة انجاز تركيب هاتفين (وليس هاتفا واحدا) في بيت الدبلوماسي. ذكر السيد/ ماك أن زوجته طلبت من الوزير الكريم أن يجلس ويتناول كوبا من القهوة أو الشاي، ففاجأها بطلب مشروب "أكثر قوة" ! سجل الدبلوماسي أن ذلك اللواء ظل صديقا وفيا لعائلته حتى بعد سقوط حكومة عبود، ويداوم على زيارتهما إلى حين غادرا البلاد، ووصفه في مكان آخر في مذكراته بأن له "قلب من ذهب".
حكى المؤلف في موضع آخر وهو يرصد سجل علاقاته مع الوزراء وكبار المسئولين السودانيين عن تجاوز بعضهم لقواعد البرتوكول أحيانا، وضرب لذلك مثلا  بحفل عشاء  أقامه صديقه محمد إبراهيم خليل (عميد كلية القانون السابق ووزير الحكومات المحلية ثم الخارجية في عدد من الحكومات التي تلت حكومة عبود) وداعا للسفير البريطاني الذي كان عليه مغادرة السودان بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. تعجب المؤلف من أن الوزير لم يقم – كما هي العادة- بدعوة سفراء أو وزراء آخرين لذلك الحفل، وبدا غريبا أن يودع وزير الخارجية السوداني سفير أهم دولة ذات تاريخ وصلات مشتركة مع السودان بتلك الطريقة، بينما قام بدعوة الملحق الثقافي الأمريكي وزوجه لذلك الحفل بحكم علاقته الشخصية السابقة معهما. كذلك أخذ المؤلف على الوزير السوداني عدم اهتمامه بإجلاس الحضور بأي نوع من الترتيب بحسب المكانة أو العمر أو الجنس، بل كان الحاضرون يجلسون وكأنهم في عشاء عائلي "enfamille". أصابت الدهشة الجميع عندما حضر الطعام فطلب الوزير من السفير البريطاني وزوجه تناوله بالطريقة الشعبية السودانية، وأتبع القول بالعمل فشمر يدي جلبابه الأبيض الناصع وبدأ في قطع اللحم بيده.اليمنى. رفض السفير البريطاني مجاراة مضيفه ومحاكاته وقال له في دبلوماسية وتهذيب إنجليزي صميم بأنه يفضل أن يأكل بالشوكة والسكين، وأنسحب بهدوء بعد العشاء مباشرة. كانت المرة الأخرى التي يرى فيها المؤلف ذلك الوزير بعد أن صار – كما قال- شريكا قانونيا للسوداني اليهودي قرنفلي هي عندما دعاه لتجربة سيارته المرسيدس الجديدة على الطريق الجديد الذي بنته المعونة الأميركية (لعل المقصود هو شارع الخرطوم – مدني. الكاتب).
كذلك تطرق المؤلف للدعوة التي تلقاها من السيد/ عبد الرحمن النور، القاضي السابق والقيادي في حزب الأمة ووزير الإعلام والعمل للعشاء في داره بأمدرمان، والذي كان قد التقاه ذات مرة في بيت صديقهما المشترك محمد يوسف مضوي. اقترح عليه النور أن يحضر معه من يرغب من أعضاء السفارة (والتي كانت قد أغلقت عمليا بعد قطع العلاقات بين البلدين عقب حرب الأيام الستة) خاصة وأن حفل العشاء سيحضره أيضا السيد/ الصادق المهدي وثلة من كبار رجال حزب الأمة وعائلة المهدي مثل أسحق الخليفة شريف والدكتور حسن الترابي وأحمد إبراهيم دريج من الأبيض (هكذا أورد المؤلف!). أجلس المضيف السيد/ ماك بجنب السيد/ الصادق (كنوع من التكريم دون شك) وتبادلا الحديث عن زوجة السيد/ الصادق سارة والتي كان الدبلوماسي الأمريكي قد زارها عندما وضعت مولودها بالمستشفى، وعن والدته والتي قابلها الرجل عند زيارته لقصر السيد الصادق. ذكر الدبلوماسي الأميركي بأنه قال للسيد/ الصادق إنه من المؤسف أن تلام الولايات المتحدة علي هزيمة العرب في حرب الأيام الستة، وقبل أن يجيب السيد الصادق، عاجله الدبلوماسي الأمريكي بسؤاله إن كان يرغب في مقابلة المسئول الأعلى في السفارة الأميريكية (السيد/ كليو ويل) فأومأ بالإيجاب. يبدو أن السيد/ ماك معجب للغاية بالسيد/ الصادق المهدي، فاسمه يرد في كل صفحة تقريبا في هذا الفصل عن السودان. أتى على سيرته مرة أخرى وأعاد ما قاله في أكثر من موضع عن بياض جلبابه وأناقة عباءته وعمامته ذات "العزبة" ولمعان عصاه وذلك عند الحديث عن رياضة محببة لبعض السودانيين وهي سباق الخيل، و أن السيد/ الصادق يمتلك اسطبلا للخيول العربية الأصيلة، وذكره أيضا عند الحديث عن احتفالات السفارة الأميركية بالخرطوم بعيد الثورة الأميركية في الرابع من يوليو عام 1964م. شهد ذلك الحفل اللواء حسن بشير نصر ممثلا للرئيس عبود، وظهر في الحفل أيضا السيد/ الصادق رغم أنه – كما ذكر المؤلف- كان يحرص على عدم حضور المناسبات العامة خلال فترة الحكم العسكري. بعد شهور من ذلك الحفل شهد السيد/ ماك حفل عيد استقلال السودان في القصر الجمهوري، وقدم وصفا مختصرا للقصر وما يحتويه وأشاد بالمحافظة على كنوزه التاريخية لامعة كأنها صنعت بالأمس. الطريف أن عينا السيد/ ماك التقطت من بين 5000 مدعو لذلك الحفل الرجل السوداني/ الإغريقي الأصل ايفي باسولي (الذي ورد اسمه آنفا عند الحديث عن اللواء ا.ا.ا.) ، والتقطت كذلك العقيد عثمان حسين، والذي قال إنه يمتلك عربة من نوع ايدزل  Edsel يحافظ عليها دوما نظيفة لامعة!
من الشخصيات الاجتماعية اللامعة التي التقاها السيد/ ماك في غضون سنواته القليلة بالسودان الدكتور بشير البكري، مرة عندما كان الرجل يعمل مديرا لمصرف النيلين بالخرطوم (وهو بنك فرنسي سابق)، وقبل ذك في باريس في عام 1961م عندما كان سفيرا للسودان في فرنسا. من طريف ما ذكره البكري عندما سأله السيد/ ماك في الخرطوم عن الفرق بين الوظيفتين، وأيهما يفضل أجاب بذكاء بأنه كان في أيام السفارة يحيل كل مشكلة تجابهه للخارجية في الخرطوم، بينما تتوقف كل المشاكل عنده كمدير للمصرف! تماما كما قال الرئيس الأمريكي ترومان وهو يشير لطاولة مكتبه: "هذه هي المحطة النهائية لكل المشاكل!"
لا شك إن المؤلف – وكما هو واضح من انجازاته في خلال فترة عمله بالسودان- قد أفلح في عمل ما بعث من أجله، وكما قال هو بنفسه في ختام كتابه: " عندما يبعث بالموظف الأمريكي لعمل ما في الخارج فإن أهدافه يجب أن تكون هي ذات أهداف بلده الذي بعثه." ولكن إن كان من تعليق على هذا الفصل من مذكرات الرجل (البالغة الصراحة) فهي أنه جنح فيها دون فائدة تذكر لسرد قصص كثيرة يغلب على بعضها النقد الساخر، أو هتك أسرار البعض ممن قصدوا (بل وبالغوا) في إكرام الرجل وزوجه. ولعل تلك القصص تؤيد رأي من يقولون بأن السوداني - وعلى وجه العموم- ضعيف أمام الأجنبي، ولديه استعداد غريب للقيام بإكرامه والعناية به لدرجة قد تثير استغراب (بل وأحيانا امتعاض) المكرم نفسه.
لا علم لكاتب هذه السطور بتاريخ كتابة هذه المذكرات (والتي صدرت لأول مرة في عام 2008م، والمؤلف من مواليد 1916م) إذ أنها تحفل بكثير من الأخطاء في كتابة الأسماء والأماكن. ولعل طول العهد بتلك الأيام كان هو سبب تلك الأخطاء والهنات. كذلك يفتقد المرء في هذه المذكرات الوحدة والتماسك (coherence)، وكأن من جمعها قام فقط بجمع ولصق مذكرات صغيرة مبعثرة كتبت في أزمان مختلفة. كان المرء يتمنى أن لو أتت هذه المذكرات بأكثر مما أتت به من تحليل للأحداث التي عاصرها المؤلف وما ورائها، وليس فقط تسجيلا متقطعا لبعض ما شاهده أو تذكره المؤلف من مقابلات لبعض الشخصيات السودانية. بيد أن المرء قد يجد  للمؤلف بعض العذر في ذلك على اعتبار أنه كان يعمل ملحقا ثقافيا صغير السن وعديم التجربة بالعالم الخارجي، ولم تكن له علاقة له مباشرة بالأحداث السياسية في السودان، وبالتالي تصعب مقارنة مذكراته بالمذكرات الغنية بالمعلومات والتحليل التي نشرها مثلا السفير الأمريكي السابق دونالد بيتريسون والذي عمل بالسودان بين عامي 1991 – 1995م  (وكنا قد عرضنا لكتابه "في داخل السودان: الإسلام السياسي والصراع والكوارث" في مقال سابق تم نشره في كتاب "السودان بعيون غربية – الجزء الثاني")، خاصة وأن ذلك السفير قد أتى للسودان في عهد تميز بعداء سياسي وايديلوجي مستعر بين السودان والولايات المتحدة الأميركية، بينما عمل السيد/ ماك كملحق ثقافي في عهد مختلف الهوية والتوجه.  
دعم المؤلف في نهاية كتابه تلك المذكرات بصور فوتوغرافية قديمة (بالأبيض والأسود) عن أيامه في السودان، ثم في الصومال (وهي الدولة التي عمل فيها بعد مغادرته للسودان) وعن بعض أوجه نشاط زوجه في مجال تنسيق الزهور وغير ذلك، وبعض هذه الصور قد تعد الآن صورا نادرة. من تلك الصورة صورة أخذت لعربات الجيش تجوب شارع القصر في أيام ثورة أكتوبر 1964م، بالإضافة لصور أخرى للإمام الهادي والرئيس إسماعيل الأزهري والوزراء في مناسبات مختلفة.
كما ذكرنا من قبل فكاتب المذكرات شاعر، وقد أورد في نهاية مذكراته بعضا من قصائده، وقصيدة واحدة للشاعر الشهير الذي دعاه للخرطوم لانجستون هيوز في مدح الإمبراطور الإثيوبي هيلاسيلاي بمناسبة عيد استقلال اثيوبيا في 5/5/1966م (زعم المؤلف أنه أقترح على الشاعر أن يخفف فيها من المدح الزائد للإمبراطور وذكره باضطهاده للارتريين ولشعبه كذلك). تشرح كثير من قصائد السيد/ ماك وتبين مواقفه السياسية مثل قصيدته التالية والمعنونة "السودان"، والتي لم يسجل تاريخ تأليفها:
THE SUDAN
Sun baked with rich African soil.
Unconscionable slaving by the North,
Guns ringing out as Southerners recoil,
Conversely, can freedom ever spring forth?
Oil glowing underground on Southern soil,
Northerners eager to see the oil run,
Kill in the name of religion and spoil,
Will blacks profit when the rigs have begin?
A lone bullock straining on the Nile bank,
While for most black back breaking work goes on.
Southerners still fighting as the sun sank.
Will Southern dignity ever be won?
Freedom and democratic government
Will it in this tormented land be sent?
Southerners to Northerners:
Ask Allah -
Where's humanity?    

badreldin ali [alibadreldin@hotmail.com]

 

آراء