دارفور … بنكرياس السياسة السودانية (3/3)
auwaab@gmail.com
تتعرض هذه الورقة التي وردت في كتاب "ستون عاما علي الاستقلال" الذي حرره الدكتور حيدر ابراهيم بالنقد للعوامل التاريخية البنيوية والسياسية الإدارية التي اضاعت فرص التنمية التلقائية أو المؤسسية في دارفور حتى أضحى الجسم معلولا والفؤاد معطوبا، فلا الحلول الجزئية عادت مجدية ولا التبريرية باتت مسلية. الأدهى من كل ذلك، ان تُقابل العنصرية بعنصرية مضادة، مثل قولهم "النخب الدارفورية" او "النخب النيلية". خطورة الاسناد الجغرافي هو انه يمنح بعض العصابات العنصرية التي تعاقبت علي حكم السودان -- دون تنسيق او توافق في ما بينها -- شرعية لا تستحقها، كما تتوهم لديهم عبقرية هم ابعد الناس عنها. إنهم يسعون لتجيير مشاعر (مثل الانتماء لجهة او عرق او دين) لصالح موقفهم الانتهازي المتمثل في ضرورة الهيمنة بغرض الاستحواذ علي المال والمال فقط. إذن يمكنا ان نقول عن العنصري أنه "وطني غير مخلص." لأته يمارس العنصرية كتكتيك وتهفو نفسه الي الوطن كمجرد نزوع مؤقت. لا محيص للنخب عن مواجهة التحديات بأمانة علمية وواقعية تجعل الإنسان في كآفة ربوع الوطن هو المستهدف باستراتيجيات البناء والتطور؛ أداته في ذلك التخطيط المنهجي والإشراف المتكافئ لكل ابناء الوطن المتخصصين والحادبين دون بخس للمظالم التاريخية او إنكار للمزايا الاستراتيجية التي تملكها بعض الاقاليم دون الاخري.
الراهن السياسي والاجتماعي الدارفوري
أصبحت حالة منظمات المجتمع المدني السودانية والدارفورية خاصة، أشبه بمستنقعات جونقلي أو وحول بحر العرب، والتي تتفرق مياهها فتصبح متسيبة ولاهية عن الغرض الذي أنشئت من أجله؛ فهي في حاجة إذن إلى قنوات تجميع ومرافئ توجيه هادفة كى تكتسب الطاقة الإيجابية اللازمة لإحداث التغيير المنشود. وإذ ظلت مجهودات المجتمع المدني (سواءً في المركز أو الأطراف) تفتقد التنسيق، فإنها حتماً ستواجه التهميش، الأمر الذي سيعزلها عن المنابر السياسية والحوارات الثقافية، لا سيما إبعادها من الدورة الاقتصادية المتكاملة، والمنسقة والمتداخلة. وقتها سيفقد المجتمع أدوات مهمة ومهارات كان سيكتسبها لهزيمة الاستقطاب الإثني/والقبلي الذي تمارسه الدولة سوياً مع الألاعيب التي يقوم بها عملاؤها لإسكات صوت أغلبية السكان. إن محاولات النظام السوداني المفضوحة والرامية إلى تمزيق المجتمع السوداني السياسي والمدني بشكل كامل، والتي ظلت تمارسها لمدة تزيد عن ربع قرن من الزمان، ستجعل من السودان بلدا شبيهاً بلييبا، إذا ما حدث فراغ في السلطة ستكون للفوضى تأثيرات قاتلة على كل الحزام السوداني وليس فقط الأمة السودانية.
ويظل الشعب السوداني رهينا لمحاولات النظام الحاكم المستمرة لتدمير الأمة وتمزيق إرثها، وذلك باستخدام الأساليب الناعمة والخشنة. وتشمل الأساليب الناعمة الدعاية، واستمالة النخب المحلية، وعمليات التعداد العبثية، والانتخابات التي تتم بصورة مخجلة، وما يشبه النظام الفيدرالي العاجز، والترتيبات الإدارية التي تتم خصيصاً لتمزيق الهامش (متمثلا في دارفور، والنيل الأزرق وجنوب كردفان) وإضعاف قدرته على دعم هوية مشتركة. أما الأساليب الخشنة فهي تتمثل في القصف الجوي العشوائي، أي ضرب أي كائن متحرك، والتدمير المكثف للقرى، وتدمير ممتلكات السكان، وعمليات الاغتصاب المتوالية، والقتل النشط للسكان الاصليين (يطلق عليهم أحيانا أهل الدار) والعمل السلبي الهادف لتدمير الكيان العربي (مجموعات الرعاة فيدارفور وكردفان)، وذلك من خلال إمدادهم بالأسلحة والذخائر ليتقاتلوا مع بعضهم البعض.
ومن الواضح أن حكومة الإنقاذ تقوم بالحرب كمهمة موضوعية، وتستخدم الأيديولوجية كمبرر لهذه المهمة، فمن خلال عمليات تفتيت ومراوغة تسخر الحكومة كل إمكانياتها السياسية والإدارية لإعاقة كل المجهودات الوطنية لإيجاد حلول تستخدم النهج السياسي والمدني. وأبرز مثال لذلك هو محاولة نائب وزير خارجية الولايات المتحدة روبرت زوليك في دارفور عام 2006 (وهي تعتبر من المحاولات الذكية النادرة للتعامل مع هذه القضية) لحل الصراعات بين المجموعات الاثنية في دارفور، قبل أن تقوم الطغمة الحاكمة بمفاقمة الأوضاع واتخاذ الإجراءات الإدارية الهادفة لتمزيق الإقليم. وكان إعلان الحكومة بتقسيم الإقليم الي ثلاث ولايات ولاحقا إلي خمس عبارة عن محاولة من النظام لإعطاء القادة العسكريين والسياسيين مطلق الصلاحية لتمزيق المجتمع الدارفوري، الذي يعاني أصلاً من التشرذم. ومن خلال التبوؤ بالمصالح الانتهازية قامت الحكومة مباشرة بعد اتفاقية أبوجا بإحداث فتنة بين الحركات، وامتدت يدها للعبث بالعلاقة بين الحركات والأغلبية الصامتة. بهذا الأسلوب نجحت الحكومة في تفتيت المجتمع الدارفوري رأسياً وأفقياً. فليس من العجب أن يتدهور الوضع بصورة متزايدة ويتحول من مجرد تمرد إلى حرب أهلية إلى "أم كواك" (وهذا مصطلح تقليدي يعني الفوضى أو حرب الجميع ضد بعضهم البعض). وعن طريق الإمداد بالأسلحة والذخائر أصبحت الدولة فاعلاً أساسياً وليس فقط داعية للحروب بين القبائل.
ولقد كان لتكثيف الصراع أثرا سلبي على قوات اليوناميد، إذ فشلت في أداء واجباتها، وذلك على النهج التالي:
- فشلت في إيصال المساعدات الإنسانية في دارفور، أو حتى في إيجاد جو آمن لرجوع النازحين المحليين و اللاجئين إلى ديارهم.
- فشلت في محاولاتها لتطوير ودعم احترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية في دارفور.
- فشلت في المساعدة في تطوير حكم القانون، سواءً من خلال بناء المؤسسات أو دعم الإمكانيات المحلية لدرء الكوارث.
- فشلت في دعم تطبيق البنود المضمنة في اتفاقية سلام دارفور.
بالرغم من كل هذه النواقص، فإن وجود اليوناميد في دارفور يشكل ضرورة إذا أردنا تفادي الهلاك الذي يواجهه النازحون المحليون وإضافة الي الحرب الدائرة رحاها بين ميليشيا الحكومة والحركات، فإن المواطنين كثيراً ما يصبحون هدفاً للاعتداءات الإثنية، وقد يدفعهم هذا الوضع المتردي إلى مواجهة العدوان عزلا، فقد تم حديثاً حصار مجمعات اللاجئين ومجمعات اليوناميد من قبل الميليشيات الحكومية وذلك حينما انتشرت الإشاعة القائلة بأن رئيس الجمهورية السوداني قد منع من مغادرة جنوب أفريقيا. ولم يتم فك الحصار عنهم، إلا بعدما وصل الرئيس السوداني لبلاده عائداً من جنوب إفريقيا.
إن الحكومة السودانية تتخذ موقفاً استراتيجياً ضد التنمية في دارفور، وليس أدل علي ذلك من اتخاذها الحرب ذريعة لتعطيل طريق الغرب، والاتجاه لتكملة شريان الشمال في ذات الوقت الذي نشبت فيه الحرب، وقد كان حري بها أن تعجل لإيقاف نزيف الخاصرة الذي حتما سيدمي الذاكرة. إن المنابر والمؤتمرات والإعلانات العديمة المعنى تتخذ وسيلة للتغطية على أيديولوجية الدولة العنصرية التي لا تتردد في تلميع قادة الميليشيات على حساب المفكرين والنخبة من المثقفين والسياسيين وقوى المجتمع المدني وتضخيم شأنهم كي يظل أفق المواطن خفيضا وهمته مهيضة. هذا الموقف غير الجاد يؤثر سلباً على استدامة اتفاقيات السلام سواء أن كان ذلك في دارفور او كافة أنحاء السودان.
اهتمت مجموعة من المفكرين/النشطاء الدارفوريين مؤخرا بدراسة المصاعب التي تواجه المجتمع المدني في سعيه للوصول إلى سلام مستدام في دارفور. وقد عمل هؤلاء بحزم من أجل تأسيس منبر المجتمع المدني الدارفوري (داسف)، والذي يعمل على ضرورة السماح باستقطاب مكثف في دارفور، يضع أسساً سلمية للتقدم الاجتماعي والسياسي. ويجب العمل على توضيح رؤية هذا المنبر بصورة مؤسسية، كما يجب القيام بتدريب مكثف لكوادر هذا المنبر في القضايا الخاصة بالحوكمة حتى لا يتحول المنبر إلى منظمة غير فاعلة.
إن الهدف الرئيسي لهذه الجماعة هو توحيد المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في دارفور (حوالي 40 منظمة)، وهي منظمات فاعلة ولها وجود فعلي على الأقل في الولايات الثلاث لدارفور الكبرى. وهي تشمل منظمات غير حكومية، ومنظمات للنساء والشباب، والطلاب، ومنظمات النازحين المحليين واللاجئين، ومنابر متعددة وطوائف دينية. وهي جماعات تعمل من أجل الرفاه الاجتماعي وتؤكد على قيم السلام والتنمية المستدامة وتطوير الديموقراطية.
ومن الواضح تماماً أن النظام في السودان سيركع على قدميه قريباً، إذا لم يكن بالوسائل السياسية سيتم ذلك من ناحية اقتصادية، وبدلاً من انتظار حدوث فراغ سياسي، فعلي اعضاء المجتمع المدني العمل على وجود منبر يمهد الطريق إلى إحداث تغير ديموقراطي. فالنظام الحاكم يعمل على إحداث بلبلة للجماهير من خلال بثه دوما للتساؤل الآتي: "من هو البديل؟" هذا التساؤل يعمل على إثارته المتواطئون الذين يعملون على الحفاظ على هذا النظام بأي شكل، خشية افتضاحهم ومثولهم أمام العدالة. البديل هو الوعي الجماهيري ورغبة المواطنين في خلق اتحاد يصون كرامتهم ويحفظ لهم حقوقهم.
بإعلانهم أن "الملك يجلس عارياً "تجرأ بعض خبراء الأمم المتحدة متحلين بالأمانة وواصفين الوضع طبقاً للحال في دارفور علي مواجهة الواقع الذي يلزم الاعتراف بفشل اتفاقيات دارفور كافة أو بالأحري موتها السريري. بيد أن هذا الموقف قد سبب الإحراج لبعض الجهات مما حدي بالمجموعة بالاستقالة. تم تعيين طاقم جديد من خبراء الأمم المتحدة وهم يعرفون ما هو مطلوب منهم هذه المرة، إذ قدموا تقريراً يتناقض مع كل ما كان في التقرير السابق وحوروا الحقائق كالآتي: زعموا أن الدولة التي كان موقفها تجاه المجتمع المدني تخريبياً بدأ في التغير، وأن مواقفها التي وصفت بالتعنت وإنكار المأساة تحولت إلى مواقف ايجابية تتسم بالموضوعية، وأن معسكر الكراهية تحول إلي مبادرة تنادي بوقف العنف وقبول المساعدات الإنسانية والتي تقدم بلا ضغوط أو تدخلات.
إن فشل الاتفاقيات مرده إلي فشل المجتمع المحلى (والدولي) في تقديم مظلة دبلوماسية سياسية/مدنية، هذا إذا لم نتحدث عن التواطؤ أو التباطؤ في وضع آلية للتطبيق. وبدلاً عن الرؤية الأيقونية التي سادت مجتمع السفارات في الخرطوم، والتي أقعدت دولها عن مساعدة الشعب السوداني في اختراق الجدار السياسي والعسكري السائد، ترى مجموعة (داسف) ضرورة تأسيس منبر للسياسات يسهم في خلق رؤية تربط المواطنين (محلياً وفي مناطق الشتات) بفهم مبدئي وأخلاقي للتنمية، وبالتالي تعبئة الأقلية الصامتة ودفع الشباب -- الذي يمثل 70% من سكان السودان -- إلى تبني منهجية علمية وموضوعية في الإصلاح (Policy-Oriented Reform).
ثانياً: عن طريق قراءة الخريطة الاجتماعية المعاصرة، ودفع المواطنين للعب أدوارهم في المجالات السياسية، وذلك كضرورة تاريخية لا غنى عنها في مجال صنع السلام، ويمكن للمنبر أن يبدأ تدريجياً ببناء خلايا التغيير في المحليات المختلفة. لقد تحول الفضاء العمومي بفضل الاتصالات التي أصبحت أكثر تنوعا وأكثر اتساعا - من مجال هيمنة المنظمات القومية إلى ساحة متعددة الأشكال والزوايا، يمكن أن تشكل أرضية تساعد المجتمع المدني علي خلق شبكات للتواصل ذات إمكانيات إبداعية وخلاقة.
ثالثا: يجب ان يكون للبحوث دورا مهم في نشر المعرفة ودعم استراتيجية التطور القومي في السودان. وكي يكون لهذا المنبر إرث مؤسسي وثقافي هائل يستطيع المجتمع المدني من خلاله تطوير السياسات لابد من تضمين آراء جميع المواطنين في قضايا الصحة والبيئة والرفاه ... الخ. بهذه الطريقة يستطيع المنبر العمل في مجالات السلم والتكامل الإقليمي ومن ثم إزالة النتائج السلبية لممارسات النظام الحاكم وأنشطته التي حرمت المواطنين من كافة أنواع التثاقف. وعلى المنبر أن يعمل على تعميق الحوار بين فئات الجماعات المتباينة عن طريق التفاهم المشترك لا فرض الأيديولوجيات والتواصل لا "الإقناع". وعن طريق "التنوير الاجتماعي" تستطيع العناصر الشابة الاستفادة من الإرث الضخم، والذي ظل طويلاً في حالة من الجمود. وبهذا يتم تحرير الفرد الذي ظل لعدة قرون رهناً لقساوة السلطوية و"التفسيرات الأحادية الجامدة".
أخيراً وليس آخراً، يجب أن تتضمن استراتيجية "نزع السلاح" استراتيجية لنزع دواعي العنف وإبطال الثقافة الإقصائية. هذا إذا أردنا الخلاص من الحروب الأهلية الغليظة والمتطاولة وإنهاء الكوارث. لمدة طويلة من الزمان كان العرب (مجموعات الرعاة) يتعايشون مع السكان المحليين في دارفور وكردفان ... إلخ، بيد أنهم ظلوا مهمشين، اذ ظلوا معزولين من المنابر السياسية والثقافية غير مندمجين في الدورة الاقتصادية، الأمر الذي ساعد على تفشي الغبن والأحقاد الشخصية، ما كان له تأثير سالب على الحياة الاجتماعية، وقد أعاق أي تسويات سلمية. ويجب تأكيد دور الأعراب كجزء متكامل في المشورة والوعي الاجتماعي بالعمل مباشرة معهم إبطالا لمفهوم السمسرة السياسية، وتنفيسا لبدعة الارتزاق السياسي والخناعة الاجتماعية.
الختام
إن إمكانية الدولة في القيام بدورها الإنمائي مرهون ببراعتها على التفاوض خارجيا، كما هو مرهون بقدرتها على التعاقد داخليا. وكلما كان الخارج مزهوا بانتصار النموذج الليبرالي كمرحلة أخيرة من مراحل التاريخ البشري، كلما أعلن الداخل غوايته كمرحلة أولى من مراحل الضياع الأزلي، ولتشتعل حينها الحروب. إن مأزق البشرية اليوم هو مأزق أخلاقي وجودي قبل أن يكون مأزقا اقتصاديا سياسيا. ولا أجد أفضل من مقولة أدونيس تخليدا لهذا الواقع المزري الذي ينذر بفناء الكون روحيا وماديا:
"إن تاريخا كاملا من الحضور تمحوه لحظة من الضياع".
بالنظر إلى أنماط الاصلاح الاقتصادي المختلفة التي اعتمدت دوليا، تحديدا التخطيط المركزي (1960 – 1973)، وبرامج التكيف الهيكلي (1980 – 2000)، والتنمية الشمولية (2000 – 2010)، نلاحظ أن برامج التكيف الهيكلي الذي دعم النمو الاقتصادي مشفوعا بالزيادة في الناتج القومي الإجمالي والكفاءة التشغيلية للشركات على حساب السياسات التوزيعية للموارد والخدمات، كان له الواقع الأسوأ على مجتمعات الريف من حيث التماسك الوجداني والاستقرار السياسي، إذ أن إهمال الدور الإداري للدولة اللازم لدعم الرأسمالية الوطنية، المساعد في تحديثها، وجعل مؤسساتها قادرة على المنافسة، كما أن التحول المتعجل إلى اقتصاد السوق، قد حال دون تشكل اقتصادات سوق حقيقية ذات أبعاد وطنية وأدى إلى تعطيل الوظائف الثقافية والاجتماعية والبيئية والهيكلية النوعية العميقة، وتسبب في مغادرة غالبية سكان الريف إلى المدن دون أن يستطيعوا أن يتحولوا إلى طبقة وسطى عريضة تعي واجباتها المدنية وحقوقها الديموقراطية.
لقد فضحت العولمة الخلل الوظيفي للدولة الأمة (التي تبلورت فيها القومية قبل السلطة السياسية)، وبيّنت عجز الأخيرة عن احداث التوازن المادي الاجتماعي المطلوب للحفاظ على الهوية الوطنية. وبافتقارها إلى الجدارة الائتمانية لاجتذاب رأس المال الأجنبي وعدم قدرتها على اجتراح "المعجزات بالدخل الضئيل الذي تحصل عليه من الصادرات الأولية أو القليلة التصنيع" (ينمو الطلب العالمي على المنتجات الصناعية ذات التكنولوجيا العالية 15% والمنخفضة 5%)، تجد الدولة القومية مواجهة نفسها بأجندة تفتيتية (حقوق الإقليات ومطالب الإثنيات) لا تعتمد التعليم والتثاقف السياسي وسيلة لإطلاق الإمكانيات غير المحدودة للعقل البشري، وجعل روحه تخدم الأهداف الخاصة بالتكافل أو الاقتصاد الأخلاقي، لا سيما أن العقبة اليوم لا تتمثل في عدم وجود القدرة المالية أو التكنولوجية بل عدم وجود أخلاقيات تعتبر البشرية كتلة واحدة.