دعوة إلى نقاش هادئ مع من يقفون ضد مبدأ الحوار مع العسكر 

 


 

 

القاسم المشترك لحديث المجالس هذه الأيام، يدور  حول الحوار مع العسكر بين مؤيد ومعارض، منطق الرافضين هو قولهم بأنه سيفضى الى تكرار تجربة الشراكة الفاشلة مع المكون العسكري غير موثوق الجانب، وأن المؤسسة العسكرية الآن، ليست في وضع يجعلها تقف مع الشعب وثورته.


إن ما يقال في حق المكون العسكري والمؤسسة العسكرية ليس محل إختلاف، والشواهد عليه ماثلة، لكن خطل هذا المنطق أنه يقوم على نتيجة إفتراضية، فحواها أن الدخول في الحوار يعني حتماََ عودة الشراكة مع المكون العسكري أو مع آخرين داخل المؤسسة العسكرية، وهذا قطعاََ ليس هو المقصود، بل  المقصود هو التمسك بحتمية إبعاد العسكر عن الحكم والسياسة والتمسك بكل الضمانات التي تكفل نجاح الفترة الانتقالية.


لا بد أن يشمل الحوار تسمية كفاءات عسكرية مهنية متجردة من خارج المؤسسات العسكرية والشرطية والأمنية، لتتولى مهمة قيادتها وإصلاحها ولتحمي وتضمن نجاح الإنتقال، لا بد من تصور عملي واضح ينهي مشكلة المليشيات المسلحة وأولها الدعم السريع، ويكفل إعادة هيكلة كل القوات النظامية لضمان قوميتها وحيدتها وكفاءتها.


أما حديث البعض عن إنهاء الإنقلاب كشرط للدخول في الحوار، فهو يعني عودة الشراكة التي كانت قائمة قبل الإنقلاب! قطعاَ هذا ليس هو المطلوب.


ثم انه ليس منطقيا إنهاء الإنقلاب كشرط للحوار،  فالمكون العسكري الآن يساوم  بالكرسي الذي يجلس عليه وبالسلاح الذي يحمله وبالدماء التي يسفكها، ولن يتخلى عن ذلك قبل أن يحصل على مبتغاه، تماماََ كحال العصابة التي تخطف ابنك وتطالبك بفدية مقابل إطلاق سراحه، فالمطالبة بإطلاق سراحه كشرط للدخول في مساومة، يعني أنك تريد أن تضمن سلامة ابنك ثم تقبض عليهم وتحاكمهم في جريمة الخطف، أما إذا كنت تريد أن تخاطب فيهم روح الإنسانية فهي عندهم ليست محل إعتبار ، وكذلك الحال مع الانقلابيين، فانت لست في وضع يجعلك تحدد لهم السقف الوطني أو الإنساني الذي يجب أن يتعاملوا به أو مقدار الشجاعة التي يجب أن يتحلوا بها، فأنت تتعامل مع من يتآمرون مع الأجنبي ضد وطنهم وشعبهم، ومع من إرتكبوا  المجازر حتى في ذكرى مجزرة الاعتصام، كل ذلك خوفاََ من العقاب ! فإذا كانت المصائب تجمع المصابين، فلماذا لا نحاول جمع مصيبة العسكر في خوفهم من العقاب ومصيبتنا في خوفنا على الوطن.؟


على من يقفون ضد مبدأ الحوار، أن يكونوا أكثر وضوحا في تحديد البديل.؟ إن التظاهرات قد لا تأتي بالنتائج المرجوة وإن أتت بها لن تكون بالسرعة المطلوبة، فنحن نتعامل مع نظام لا يحمل هم الوطن ويمارس القتل والترويع والتشبث بالسلطة لإستنزاف الحراك الثوري،  والحديث عن التغيير الصبور تنظير فوقي يستسهل نزيف دماء الشباب ويتجاهل ما وصل إليه حال المواطن من فقر وبؤس وحال الوطن وثرواته المنهوبة وما يتهدده من الإنفلات الأمني الشامل.


أما حديث البعض عن خيارات أخرى وطرق متنوعة وفعالة في المقاومة، فذلك يمهد في استحياء لانحراف الثورة عن مسارها السلمي الذي اتخذته سلاحاََ وشعاراََ، خاصة في ظل حديثهم عن تغيير جذري، لا ندري كيفية بلوغه بعيداً عن الحوار.!


أما رفض الحوار بإعتباره محصورا بين قوى الحرية والتغيير والعسكر، والإستشهاد بتجاربها الفاشلة في حوارها مع العسكر، فمن الذي قال بأن قحت هي صاحبة الحق في التفاوض باسم الشعب؟ إن تشبث قحت بوضعها السابق ما كان ليحدث إلا في ظل  إحجام القوى المؤثرة على المشهد عن الحوار، وفي مقدمتهم شباب المقاومة الذين يقومون بالحراك الثوري ويقدمون التضحيات الغالية.


علينا أن لا نحمل موضوع الحوار أكثر مما يحتمل، فالكل يعلم أنه قد يحقق وقد لا يحقق النتائج المرجوة، لكنه يظل مطلوباََ كفعل سياسي لا يقل أهمية عن أشكال الحراك الثوري الأخرى، أبسط نتائجه أنه يمكن أن يؤدي إلى تمايز الصفوف داخل مكونات الإنقلاب المتناقضة، ويسحب البساط من تحت أرجل القوى المتربصة داخلياً وخارجياً، ويجعلنا نقيف على حقيقة نوايا العسكر، فقد يكون أمرهم قد تجاوز الخوف من العقاب الي التشبث بالسلطةحباََ فيها، وفي المقابل لن نخسر شيئاً، فالحوار ليس دعوة لوقف أشكال الحراك الأخرى، وليس دعوة للإفلات من العقاب، فكل ما تستطيعه قوى الثورة هو تقديم الضمانات الممكنة، وتهيأة المناخ العام لعدالة انتقالية تسودها ثقافة العفو والتصالح، سعيا الى وطن آمن ومستقر وقادر على النمو والتطور، فالحوار فى حد ذاته ليس غاية يختلف حولها الناس، بل وسيلة ومنبر لطرح الرؤى المستمدة من التجارب المعاشة والتمسك بها والعمل على تحقيقها، بما يضمن إستعادة الثورة لمسارها وتحقيق أهدافها.


aabdoaadvo2019@gmail.com

 

آراء