دكتور حيدر ابراهيم: صحوة الناشط السياسي وموت الباحث والنص

 


 

 



كان اول لقائي به بعد عودته من المغرب قبل منتصف التسعينات تقريبا وحين انضم الينا في المعارضة سعدنا بصحبته قي لجنة إعلام التجمع الوطني وكان حينها يسعى لانشاء مركز للدراسات السودانية في القاهرة مستفيدا من المناخ السياسي الملائم في تلك الفترة . توطدت علاقته بالسيد الصادق المهدي الذي كان نجما اعلاميا بعد قدومه إلى القاهرة وكتنت داره ومنتدياته ملتقى للمثقفين والإعلاميين المصريين والسودانيين وقد كانت تلك العلاقة حافزا مهما لقيام السيد الصادق المهدي بسلسلة لقاءات وندوات في مقر المركز حشدت الأضواء والمثقفين المصريين والسودانيين وساهمت في التعريف بالمركز ودوره ولعل أهم ما قدمه السيد الصادق المهدي في تلك اللقاءات بشهادة د حيدر رؤاه النقدية للإسلام السياسي الذي يمثله الأخوان المسلمون وهو ما شكل رصيدا معرفيا وإضافيا لما قدمه المركز من بعد في جهوده النقدية للاسلام السياسي.
ويشهد كل من عاصر تلك الفترة على الدعم المعنوي والفكري الذي قدمه الصادق المهدي ليس لمركز الدراسات السودانية الذي كان يحتقل به فحسب انما لكل المنتديات والمراكز السودانية التي نشأت في القاهرة في تلك الفترة .
منذ تلك الفترة كان د حيدر ابراهيم يقدم نفسه كباحث وعالم اجتماع أكثر من كونه يساري او شيوعي أو ناشط سياسي وقد كان ذلك مدخلا لاحترام العديد من مساهماته النقدية سواء في الاسلام السياسي او في الحالة السودانية بشكل عام وقد شكل بذلك اضافة مهمة للمكتبة السودانية ولايزال .

لكن مقاله الأخير بعنوان التاريخ لايعيد نفسه أيها الإمام والذي نحامل فيه على الأمام في اطار الحملة الممنهجة ضده أضاء ضوءا احمر وضع د حيدر ابراهيم في مفترق طرق بين حيدر الباحث الرصين وحيدر الناشط السياسي المتحامل على خصمه بالطبع ليس هناك ثمة مشكلة في نقد الباحث للسياسي ولكن المشكلة حين يغلب الناشط السياسي بفعل المؤثرات السياسية على الباحث الموضوعي فيسلبه وقاره الفكري وبجرده من آلياته ومفرداته الموضوعية لصالح مشروعه السياسي في مواجهة الآخرين .
فالحق الذي يمنحه د حيدر لنفسه في نقد الصادق وتوجهاته او رؤى الصادق المهدي الاسلامية او ما يعتقده مهددا للنسيج الوطني او مايشير إليه من دعاوى الإستقطاب الأيديولوجي أو دعوات فرض توجهات علمانية بطريقة فوقية غير ديمقراطية لاينبغي ان يجرمه د حيدر على المهدي ويصب جام غضبه عليه ويتهمه بأنه يسعى لمصالح شخصية دون ان يحدد ماهية تلك المصالح كباحث ويفندها نقطة نقطة ولتجاهل ذلك التفنيد تساوى حيدر الباحث مع اي ناشط متحمس ومعبأ بمحمولات سياسية وحزبية وأيديولوجية.
تناول د حيدر الكثير من المغالطات السياسية التي حولته بجدارة إلى ناشط سياسي مباشر في مصطلحه ومفرداته بطريقة حررت شهادة وفاة لدكتور حيدر الباحث وللنص ليتحول الى لغة بسيطة مكررة تعج بها الأسافير مثلما تعج بالنسخ الشعبية غير المحققة او المراجعة للمثقفين .

قال د حيدر ان الصادق المهدي يحاول ان يصنع عدوا وهميا ممثلا في الشيوعية لاستغلال وحشد عواطف العامة ضد الشيوعية والعلمانية حتى بعد سقوط حائط برلين . والسؤال الذي يمكن طرحه حتى لو سلمنا جدلا بذلك الاتهام فهل الفكر الشيوعي والعلماني في نظر د حيدر ابراهيم انهار بانهيار الحائط ولم يعد موجودا وهل الأفكار تموت ؟ ما المانع في نقد العلمانية ونقد محاولات ناشطيها سرقة ارادة وخيارات الشعب السوداني دون اخذ رايه.

والسؤال الثاني أيهما يعبيء البسطاء هل هو الصادق المهدي باسم الدين وأين قال ذلك وماهي النصوص والجمل التي تعبر عن ذلك تحديدا دون تعميم وهو أول من بادر بفضح الاسلاميين من خلال مؤلفات معلومة تملك نسخها علما بانه سجن لذلك عامين في كوبر بشهادة مركز الدراسات أم ان الذي يعبيء البسطاء باسم العلمانية ويحشد لها وجعلها شرطا للوحدة على طريقة د قرنق هو عبد العزيز الحلو مثلا وحلفاءه من الشيوعيين واهل اليسار دون اعتبار اواعتراف بحق الأغلبية او حق الشعب السوداني أن يقول فيها رأيه بل ودون عرض ذلك على مؤتمر دستوري لكل اهل السودان يقررون فيه خياراتهم وهذا حق ديمقراطي يختار فيه الشعب مايشاء؟؟.
وبلغة الناشط السياسي ايضا اتهم د حيدر الإمام بأنه يحرض حزبه ضد من أسماها شلة المزرعة ولم يسمع احد ان الصادق المهدي قد علق على ذلك الاتهام الذي ملأ الأسافير والصحف وشكل رأيا عاما وعلق عليه حتى رئيس الوزراء ولم ينكره د الشفيع خضر في آخر حوار اسفيري له ما علاقة المهدي بذلك ؟ لكن الحقيقة هي أن د حيدر الذي تربطه علاقات فكرية وانسانية بهذه الشلة لم يستطيع الدفاع عن أصدقاءه مباشرة في مواجهة الرأي العام السوداني لذا آثر أن يحمل الصادق المهدي وزر هذه الانتقادات الشعبية مستفيدا من حملة الكراهية الأسفيرية ضد الإمام من خصوم حزب الأمة السياسيين وذوي الاعاقة السياسية .
لكن المهم والأكثر انتكاسة في هذا المقال غير الموفق وغير المنصف والذي لا أرجوه للدكتور حيدر الذي احترمه لشخصه واجتهاده هو تناوله المبتسر والمعمم للعقد الاجتماعي الذي طرحه حزب الأمة لانقاذ الفترة الانتقالية والذي احتوى على تطوير قوى الحرية والتغيير وتوسيع إعلان قوى الحرية لانضمام لجان المقاومة والقوى الثورية غير الموقعة على الإعلان وضرورة تشكيل المفوضيات وفق الوثيقة الدستورية وتشكيل المجلس التشريعي والسؤال اين المصلحة الشخصية للصادق المهدي التي قال د حيدر ان المهدي يسعى إليها من خىل هذا العقد إلا أن تكون مصلحة الشعب والوطن والثورة . ولماذا لم ينتقد د حيدر وهو الباحث بنود العقد الاجتماعي ليوضح لنا الخطأ والصواب واين المصلحة الحزبية فيه.

وتطرق د حيدر إلى دعوة الامام في خطبة العيد إلى تحالف يضم قوى الوسط وهنا أيضا تخلى عن رصانة الباحث وموضوعيته وتعامل كناشط سياسي يلون العبارات حيث يشاء بدليل ان المهدي نادى لتكوين تحالف يضم قوى الوسط القوى الوطنية في مواجهة من اسماهم بالعلمانيين والإسلامويين إذن كيف يكون تحالفه مع الاسلاميين الذين صنفهم كخصوم ؟
وهذا ينطبق أيضا على تحالفه مع العسكر حسب قوله كيف لحزب ديمقراطي ينادي بالديمقراطية والدولة المدنية ويقاوم الأنظمة الشمولية العسكرية ويرفض كل إغراءات التحالف مع الانظمة الانقلابية العسكرية التي تختلف معها حتى الشيوعيين وقوى اليسار أن يتحالف مع الجيش وهل الدعوة للقوات المسلحة ان تحمي خيار الشعب الديمقراطي ومنع فرض الاجندات الخارجية والداخلية عليه دون ارادته أمر ا معيبا ؟ علما بأن أسوأ التحالفات مع العسكر تمت عبر انقلابات ايديولوجية يسارا في 69 ويمينا في 89 وأخيرا ناشد د حيدر دولة الامارات المعروفة بعداءها للاسلاميين أن لاتستجيب للكلام المعسول لللامام الذي قال انه يدس السم في الدسم حسب تعبيره وما شأن الامارات بشأن خيارات اهل السودان حتى ترجوها ؟ وكيف تدعم الامارات للامام وتسمع له إن كان يدعو ويعمل لتشكيل تحالف للاسلاميين كما زعمت ام تشابه عليك البقر؟ يا دكتور قد يسقط حائط برلين وتبقى الأفكار لانها لا تسقط بسقوط جدار
وقد يتجاوز العقد الاجتماعي في مضمونه الذي قدمه حزب الأمة جان جاك روسو فالأفكار تتطور وتتناسل وتتوائم. ولكن أن يعجز كاتب عن ضبط أهواءه فيموت في داخله الباحث وموضوعية النص ليصحو فيه تحامل الناشط وشعاراته السياسية القديمة وهو يصر على ارتداء عباءة الباحث في نفس الوقت تلك هي المعضلة .
نحتاجك باحثا موضوعيا ومميزا يا دكتور فالساحة تضج بالنشطاء والمفردات الرخيصة التي تباع ليلا في أطباق هي أغلى قيمة مما تحمل. لكنها تحتاج إلى من يصون فكره من الاهواء
مع احترامي

raiseyourvoicenow@yahoo.com

 

آراء