دورة جديدة من خراب التعايش على الكوكب ونظرات في حرب السودان
وجدي كامل
3 July, 2023
3 July, 2023
فيما كان يبدو لي واكتشفت نفسي مخطئا في تقديره ان عصر الانوار كان قد بنى في عظم الدولة الفرنسية باشتراطاته الاخلاقية والقانونية المنتجة من مادة فلسفته، وان لا مجال عاد للانحطاط ومظاهره كما في دول مثل دولنا.
وقائع العنف الجارية حاليا باجزاء من الدولة الفرنسية تؤكد ان بعضا من امراض الدولة الفاشلة ثقافيا كالعنصرية لا تزال حية ترزق، وان اجهزة العنف كالشرطة تتبني مواقفها ونظراتها في فضاء من الظلام بدلا عن التنوير والانوار طاعنة في حقوق المواطنة والمساواة بين المواطنيين امعانا في استهداف جذورهم ومصادرهم الجغرافية المرتدة الى مستعمرات سابقة.
في ذات الوقت يقوم المحتجون بحرق البلديات ومقار الدولة وينهبون ما بداخلها ويخربون ما استطاعت اياديهم، ويغنمون بالممتلكات العامة.
من ظن ان رافعات التنوير تمضي بالدولة وعلاقاتها الثقافية بصفة صاعدة للأبد فقد اخطا، فانحطاط الاخلاق وفسادها ينتظره بالكعبلة والعمل الضار باسباب معلومة وغامضة، في ذات الوقت. فمن الاسباب المعلومة عدم الالتزام بالسياسات الصادرة من دستور دائم معلن.
ومن الاسباب الغامضة عدم تغذية مؤسسات الدولة وخاصة مؤسسات الخدمة الشرطية بالقدر المطلوب من احترام حقوق الانسان وخاصة حقه في التعبير.
العالم في دورة جديدة من العنف والسقوط وانقلابات التاريخ في اوجها، وليست الحرب الروسية الاوكرانية وتفسخات وانهيارات الدولة ببلدان افريقية عدة، وازمات الشرق الاوسط بليبيا،واليمن، وسوريا،والعراق، والازمة المالية بلبنان، والحرب بين الجيش والدعم السريع بالسودان سوى مظاهر تفصيلية تنم عن تفاقم الصراع في مراكز المال العالمية وقوى السلطة الكونية من اجل كسب وادارة الثروات كل حسب سياساته وأغراضه.
في مقابل كل ذلك يعيش الفكر الديمقراطي والمشروعات السياسية للنهضة الحقوقية بالغ مأزقها بما اجلته وراكمته من معارك بينية مع ذواتها وراس المال المتوحش وعدم إنتاجها لمضادات آنية لظاهرة تفاقم الاخطاء وابطال العمل بالتفكير النقدي المؤسسي وخاصة في علاقتها بالمجتمعات وبناها البشرية التحتية. الاخلاق والسيكولوجيا المجتمعية تبدوان فوق كل ما يحدث حقلين عصيين على المعالجة والقراءة الصائبة بما نالاه من تخريب بنيوي تاريخي ممنهج وبما اكداه على الدور الحيوي في التأثير على مجريات الخراب.
الحرب الدائرة بالسودان حاليا ليست حربا فقط ضد ثورة ديسمبر ومضامينها المطالبة بالديمقراطية على شعار حرية سلام وعدالة، ولكن ضد التطور المديني التاريخي الذي قام بما عجزت عنه القوى غير الملتحقة اخلاقيا وسايكلوجيا بالتطور وما رصدته وكونته من عداء له. لذا فاوضح ما تفعله القوتان المتحاربتان هو محاولة القضاء على الدلالات المادية للمدنية وتمثيلاتها من مبان ومؤسسات واملاك وطنية تاريخية للدولة الكولونيالية وما بعدها النيوكولونيالية الملحقة بتمثيل وطني اطلق على نفسه الدولة الوطنية دون اضطلاع بمسؤليات التحرر والتحرير من الدولة الكولونيالية وارساء الوحدة الوطنية فيما بين أطيافها الثقافية والمجتمعية فاستبدل سلطة الكولونيالية بسلطة النخب المالية المحلية على اساس المال السياسي الامر الذي خلق اسواق سياسية تدور في فلك اقتصاد الدولة ووضعه كغنيمة.
ويمكن وصف ان اللاعبين الاساسيين من مؤسسات سياسية وعسكرية ظلا يتبادلان ادوار خطف واختطاف الدولة بمسوغات سياسية وايديولوجية شتى باستهداف مباشر للاقتصاد الريعي للدولة حتى صار الطرفين غريمين بمسوغات غير حقيقية تضع المدنية امام العسكرة بينما كلاهما خادع ومراوغ.
فالمدنية كتعليم نظامي وخدمة مدنية وثقافة حداثية طامحة في الاندماج بمراكز الحداثة العالمية بناء متجذر له اكثر من مائة عام بنفس القدر الذي فيه العسكرية نفسها كمظهر من مظاهر تطور الدولة المدنية وبما هي عليه مؤسسة الجيش كابن شرعي للمدنية والتطور المدني بصدورها من نموذج وروح الجيوش الحديثة بالعقد الثاني من القرن الماضي.
صراع مصالح النخب العسكرية الاقتصادية والنخب السياسية هو ما فاقم من الاوضاع الكلية في سبيل حيازة الدولة كغنيمة مع الإبقاء الدائم للمجتمعات الهامشية خارج قسمة الثروة بتحريض للمؤسسات وللافكار المتربصة بالمدنية.
المؤسستان بالتالي تتورطتان وتدفعان ثمن ما يحدث ما لم يتم القضاء على مبنى ومعنى مصالحهما وتحويله الى خدمة المصلحة الوطنية ببناء سودان غير الذي ساد على حزمة من الوسائل والاهداف المتأسسة على اقتصاد ديمقراطي ينتج بدوره السلطة الديمقراطية السياسية والثقافية والاجتماعية.
دون اجراءات جراحية في قوى الصراع وتغيير اللعبة السياسية ستظل الحرب غولا متناوما يهجم متى اراد ويلحق الاذى بالجميع في كل مرة ثم يعود الى عرينه متناوما في انتظار اللحظة القادمة للانقضاض.
wagdik@yahoo.com
وقائع العنف الجارية حاليا باجزاء من الدولة الفرنسية تؤكد ان بعضا من امراض الدولة الفاشلة ثقافيا كالعنصرية لا تزال حية ترزق، وان اجهزة العنف كالشرطة تتبني مواقفها ونظراتها في فضاء من الظلام بدلا عن التنوير والانوار طاعنة في حقوق المواطنة والمساواة بين المواطنيين امعانا في استهداف جذورهم ومصادرهم الجغرافية المرتدة الى مستعمرات سابقة.
في ذات الوقت يقوم المحتجون بحرق البلديات ومقار الدولة وينهبون ما بداخلها ويخربون ما استطاعت اياديهم، ويغنمون بالممتلكات العامة.
من ظن ان رافعات التنوير تمضي بالدولة وعلاقاتها الثقافية بصفة صاعدة للأبد فقد اخطا، فانحطاط الاخلاق وفسادها ينتظره بالكعبلة والعمل الضار باسباب معلومة وغامضة، في ذات الوقت. فمن الاسباب المعلومة عدم الالتزام بالسياسات الصادرة من دستور دائم معلن.
ومن الاسباب الغامضة عدم تغذية مؤسسات الدولة وخاصة مؤسسات الخدمة الشرطية بالقدر المطلوب من احترام حقوق الانسان وخاصة حقه في التعبير.
العالم في دورة جديدة من العنف والسقوط وانقلابات التاريخ في اوجها، وليست الحرب الروسية الاوكرانية وتفسخات وانهيارات الدولة ببلدان افريقية عدة، وازمات الشرق الاوسط بليبيا،واليمن، وسوريا،والعراق، والازمة المالية بلبنان، والحرب بين الجيش والدعم السريع بالسودان سوى مظاهر تفصيلية تنم عن تفاقم الصراع في مراكز المال العالمية وقوى السلطة الكونية من اجل كسب وادارة الثروات كل حسب سياساته وأغراضه.
في مقابل كل ذلك يعيش الفكر الديمقراطي والمشروعات السياسية للنهضة الحقوقية بالغ مأزقها بما اجلته وراكمته من معارك بينية مع ذواتها وراس المال المتوحش وعدم إنتاجها لمضادات آنية لظاهرة تفاقم الاخطاء وابطال العمل بالتفكير النقدي المؤسسي وخاصة في علاقتها بالمجتمعات وبناها البشرية التحتية. الاخلاق والسيكولوجيا المجتمعية تبدوان فوق كل ما يحدث حقلين عصيين على المعالجة والقراءة الصائبة بما نالاه من تخريب بنيوي تاريخي ممنهج وبما اكداه على الدور الحيوي في التأثير على مجريات الخراب.
الحرب الدائرة بالسودان حاليا ليست حربا فقط ضد ثورة ديسمبر ومضامينها المطالبة بالديمقراطية على شعار حرية سلام وعدالة، ولكن ضد التطور المديني التاريخي الذي قام بما عجزت عنه القوى غير الملتحقة اخلاقيا وسايكلوجيا بالتطور وما رصدته وكونته من عداء له. لذا فاوضح ما تفعله القوتان المتحاربتان هو محاولة القضاء على الدلالات المادية للمدنية وتمثيلاتها من مبان ومؤسسات واملاك وطنية تاريخية للدولة الكولونيالية وما بعدها النيوكولونيالية الملحقة بتمثيل وطني اطلق على نفسه الدولة الوطنية دون اضطلاع بمسؤليات التحرر والتحرير من الدولة الكولونيالية وارساء الوحدة الوطنية فيما بين أطيافها الثقافية والمجتمعية فاستبدل سلطة الكولونيالية بسلطة النخب المالية المحلية على اساس المال السياسي الامر الذي خلق اسواق سياسية تدور في فلك اقتصاد الدولة ووضعه كغنيمة.
ويمكن وصف ان اللاعبين الاساسيين من مؤسسات سياسية وعسكرية ظلا يتبادلان ادوار خطف واختطاف الدولة بمسوغات سياسية وايديولوجية شتى باستهداف مباشر للاقتصاد الريعي للدولة حتى صار الطرفين غريمين بمسوغات غير حقيقية تضع المدنية امام العسكرة بينما كلاهما خادع ومراوغ.
فالمدنية كتعليم نظامي وخدمة مدنية وثقافة حداثية طامحة في الاندماج بمراكز الحداثة العالمية بناء متجذر له اكثر من مائة عام بنفس القدر الذي فيه العسكرية نفسها كمظهر من مظاهر تطور الدولة المدنية وبما هي عليه مؤسسة الجيش كابن شرعي للمدنية والتطور المدني بصدورها من نموذج وروح الجيوش الحديثة بالعقد الثاني من القرن الماضي.
صراع مصالح النخب العسكرية الاقتصادية والنخب السياسية هو ما فاقم من الاوضاع الكلية في سبيل حيازة الدولة كغنيمة مع الإبقاء الدائم للمجتمعات الهامشية خارج قسمة الثروة بتحريض للمؤسسات وللافكار المتربصة بالمدنية.
المؤسستان بالتالي تتورطتان وتدفعان ثمن ما يحدث ما لم يتم القضاء على مبنى ومعنى مصالحهما وتحويله الى خدمة المصلحة الوطنية ببناء سودان غير الذي ساد على حزمة من الوسائل والاهداف المتأسسة على اقتصاد ديمقراطي ينتج بدوره السلطة الديمقراطية السياسية والثقافية والاجتماعية.
دون اجراءات جراحية في قوى الصراع وتغيير اللعبة السياسية ستظل الحرب غولا متناوما يهجم متى اراد ويلحق الاذى بالجميع في كل مرة ثم يعود الى عرينه متناوما في انتظار اللحظة القادمة للانقضاض.
wagdik@yahoo.com