رؤية استراتيجية لوقف إطلاق النار وإعادة الإعمار في السودان
بروفيسور/ مكي مدني الشبلي
4 January, 2024
4 January, 2024
A Strategic Vison for Ceasefire and Reconstruction in Sudan
بروفيسور/ مكي مدني الشبلي
المدير التنفيذي – مركز مأمون بحيري، الخرطوم
تمهيد:
أفضى الإحتراب المدمر الذي اندلع في الخرطوم منتصف أبريل 2023 بين الجيش والدعم السريع إلى كارثة وطنية انداحت آثارها الاقتصادية والاجتماعية لبقية ولايات السودان ودول الجوار الإفريقي والعربي. وألقى الاقتتال الطاحن بظلام قاتم علي الفترة الانتقالية المتعثرة التي كابدها السودان بعد نجاح ثورة ديسمبر في إسقاط حكم الإنقاذ الشمولي في أبريل 2019. وفي خضم فشل الفترة الانتقالية في تحقيق استحقاقات السلام والانتعاش الاقتصادي وتهيئة البيئة المؤدية لانتخابات حرة ونزيهة، استعر الإحتراب الكارثي منتصف أبريل 2023 ليضيف أعباء واستحقاقات متراكمة على الفترة الانتقالية، ويسلط الضوء على الأوزار التي لازمت الممارسات السابقة من السياسيين والعسكريين.
وعلى هذه الخلفية الحالكة فإن الإطار العملي لوقف إطلاق النار وإعادة إعمار السودان ينطوي على مهام واختصاصات محددة للنهوض بالسودان ويضع حداً لتراكم الآثار الوخيمة للصراعات الهدامة التي لازمت الخمسين سنة الماضية. وقد تم تصميم هذا الإطار لمساعدة الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين على تصور وتنظيم وتحديد أولويات السياسات الاقتصادية والاجتماعية خلال فترة انتقالية رصينة محددة التوقيت والمهام المسندة والاختصاصات. كما يرمي الإطار الواقعي إلى المساعدة في تحديد أوجه القصور والثغرات في تجربة الانتقال السابقة، ويمهد الطريق لانتقال حقيقي يراعي التسلسل والتدرج في تنفيذ المهام المؤدية للحكم المدني الراسخ والتحول الديمقراطي المستدام بعيداً عن الاشتهاء الجامح والتشاؤم المستكين. وتحقيقاً لهذه الغايات المأمولة ينطوي إطار وقف إطلاق النار والإعمار على عملية تخطيط استراتيجي واقعي يحدد أولويات الانتقال ويقسم المهام المسندة بشكل منسق بين الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية بما يضمن تحاشي الانتكاسات التي لازمت فترة الانتقال السابقة.
وتأسيساً على العبر من تجارب عشرات الدول التي لا زالت تعاني من الصراع، وتلك التي خرجت منه، ينطوي إطار وقف إطلاق النار وإعمار السودان على ثلاث مراحل تشمل:
1. التدخل الوطني والإقليمي المباشر لبسط الأمن.
2. ترسيخ التحول والانتقال.
3. تمكين القدرات المحلية لتحقيق الاستدامة.
وتستند كل مرحلة على أربع ركائز تشمل:
1. بسط الأمن.
2. العدالة الانتقالية والوئام المجتمعي.
3. الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي.
4. الحوكمة والتشاركية.
ونظراً لأن الفترة الانتقالية القادمة تتحمل أعباء إخفاقات تجربة الانتقال السابقة منذ سقوط نظام الإنقاذ في أبريل 2019، وأوزار حرب أبريل 2023، فإن تحديد مدة الفترة الانتقالية ينبغي أن يضع في الحسبان فترة كافية للإيفاء بعقد اجتماعي بين الدولة والشعب يكسبها الشرعية المطلوبة. وينطوي هذا العقد الاجتماعي على مجابهة الحكومة لتحديات الانتقال المتراكمة التي تشمل فيما تشمل:
• وقف الأعمال العدائية.
• الالتزام بمبادئ الحرية والسلام والعدالة لثورة ديسمبر 2018.
• تفكيك نظام الثلاثين من يونيو1989 وفقاً للقانون.
• مراجعة اتفاقية سلام جوبا.
• التسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج.
• إدماج الدعم السريع وجيوش الحركات المسلحة في الجيش السوداني.
• تحقيق العدالة الانتقالية.
• عودة اللاجئين والنازحين.
• إرساء أسس الدولة المدنية الفاعلة.
• تحقيق الاندماج المجتمعي وإدارة العلاقات المجتمعية.
• توفير الوظائف للشباب.
• الإيفاء بحقوق المرأة.
• ترسيخ علاقات إقليمية ودولية ترتكز على تحقيق المكاسب المشتركة (Win-win).
• الشروع في تحقيق الانتعاش الاقتصادي.
• تهيئة البيئة الصالحة لقيام انتخابات حرة ونزيهة.
هل يعقب الحرب في السودان انتقال أم تأسيس؟
يمثل التئام جانبي الصراع في حوار وطني لإنتاج مرحلة انتقالية وطيدة ومتماسكة ـ كما كان الحال في جنوب أفريقيا ـ عاملاً مهماً لتجاوز مرحلة الصراع بتحقيق السلام المستدام. وفي هذه الحالة فإن المرحلة الانتقالية لا تعدو عن كونها مجرد "جسر" مصمم هيكلياً لعبور السودان من الصراع للسلام ثم التحول الديمقراطي، دون تحميل هذا الجسر أكثر من طاقته التصميمية مما يؤدي لانهياره. ولعل من أبرز قضايا الحوار الوطني خلال الفترة الانتقالية القادمة هو الاختصاصات والمهام المسندة للفترة التي تعقب انتهاء الصراع المسلح – هل هي "انتقال" نحو التحول الديمقراطي؟ أم "تأسيس" الدولة السودانية؟
تقتضي الإجابة المستنيرة على التساؤلات المصاحبة لهذين الخيارين التأمل الحصيف في طبيعة شرعية سلطات الانتقال القادم بعد انتهاء الصدام المدمر بين الجيش والدعم السريع، الذي أحيل فيه الشعب السوداني المفجر لثورة ديسمبر إلى فريسة للمتقاتلين. ذلك أن الممارسات المتعارف عليها في تجارب ما بعد الصراع في جميع أنحاء العالم تؤكد أن "تأسيس" الدولة خلال الانتقال لا يمكن تحقيقه إلا عبر الشرعية الثورية، التي كانت قد فقدت صلاحيتها في السودان بتجاوز عمر ثورة ديسمبر الشعبية لأربع سنوات، أو عبر قوة السلاح فاقدة الشرعية بغض النظر عن المنتصر بين الجيش والدعم السريع.
ونظراً لفقدان "الشرعية الثورية" لصلاحيتها منذ انقضاء بضعة أشهر على نجاح ثورة ديسمبر الشعبية في الإطاحة بالنظام السابق، فإن الذي يحل محلها منطقياً هو "شرعية المؤازرة الشعبية" التي تتأتى بالتوافق على "عقد اجتماعي" مستوحى من أهداف ثورة ديسمبر. ولا يحل محلها بتاتاً ما يُسمى "الشرعية التوافقية". وينطوي هذا "العقد الاجتماعي" على مجابهة تحديات الانتقال المتراكمة التي ظل يعاني منها الشعب السوداني. وذلك بتجنب مكابدة تعقيدات حيازة الشرعية الضرورية "لتأسيس السودان الجديد". وتأسيساً على ما شهدته الفترة الانتقالية السابقة من جدل عقيم حول هذه الشرعية، فإن "التأسيس" خلال الانتقال يقود حتماً لتواصل الفشل نحو التحول الديمقراطي بتأجيج صدام مسلح أوسع نطاقاً وأفدح خسائراً. ذلك أن الممارسات الجيدة في العديد من البلدان الخارجة من الصراع قد أكدت أن ما يسمى "الشرعية التوافقية" ما هي إلا مجرد غطاء لفرض رأي سلطة الأمر الواقع، مثل ما حدث في "حوار الوثبة" إبان النظام السابق. وفي بعض الحالات فرضت "الشرعية التوافقية" رأي السفارات المتنفذة في تلك الدول الخارجة من الصراع.
ولا يغيب على السودانيين أن محاولة "تأسيس السودان الجديد" عبر سلاح الحركة الشعبية لتحرير السودان قد أدى لانفصال الجنوب في عام 2011، عقب فترة انتقالية دامت ست سنوات طغى عليها نظام الإنقاذ السابق. ونتج عن ذلك "ترسيخ السودان القديم"، بدلاً عن "تأسيس السودان الجديد"! وتشير الدلائل إلى تواصل خطل "التأسيس" خلال فترة الانتقال حتى بعد انفصال الجنوب عندما استخدم نفس سلاح الحركة الشعبية لتحرير السودان في عام 2013 لمحاولة "تأسيس جنوب السودان الجديد" بعد عامين فقط من احتفال "تأسيس" الدولة الوليدة في عام 2011، حيث دام ذلك الصراع المسلح خمس سنوات سقط خلالها مئات الآلاف من القتلى.
إن الفترة الانتقالية بعد هذه الحرب المدمرة بين الجيش والدعم السريع لا تعدو عن كونها جسر عبور واهن نحو التحول الديمقراطي، معرض للانهيار إذا حُمّل فوق طاقته التصميمية التي لا ينبغي أن تتجاوز تنفيذ العقد الاجتماعي بين سلطة الانتقال المدنية والشعب. ويماثل تلك الحمولة الفائضة عن الحاجة أيضاً تحميل الفترة الانتقالية مشروعات "نهضوية" اشتهائية لا تقوى على تنفيذها. ونظراً لهشاشة هذه الفترة فإن المشروعات "النهضوية" خلال الانتقال تمثل "إفراطاً" بنفس القدر الذي تمثل فيه المهمات "التأسيسية" خلال الانتقال "تفريطاً".
وعليه فإن محاولة إغراق الفترة الانتقالية بمهام "تأسيس السودان الجديد" يمثل تمريناً نخبوياً لا يستند إلا على شرعية السلاح، فضلاً عن كونه قصير الأجل تجُبُّه منطقياً السلطة المنتخبة بعد انتهاء الفترة الانتقالية. ذلك أن "التأسيس المستدام" للسودان الجديد لا يتم إلا عبر سلطة منتخبة تعقب إنجاز الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للسلام عبر فترة انتقالية رصينة ومتماسكة لا تقل مدتها عن خمس سنوات، يقودها مدنيون مستقلون ويحميها جيش واحد موحد، ويتم خلالها تنفيذ العقد الاجتماعي بين السلطة الانتقالية والشعب.
لماذا خمس سنوات انتقال لتحقيق التحول الديمقراطي؟
نظراً لأن الفترة الانتقالية القادمة تتحمل أعباء إخفاقات تجربة الانتقال السابقة منذ سقوط نظام الإنقاذ في أبريل 2019، وأوزار حرب أبريل 2023، فإن عدد سنواتها ينبغي أن يحدد بفترة كافية للإيفاء بعقد اجتماعي بين الحكومة الانتقالية والشعب، يكسبها الشرعية المطلوبة بالترابط المتبادل المنطوي على توفير الحكومة الانتقالية للأمن والعدالة والفرص الاقتصادية، مقابل دعم الشعب لسلطة الدولة بما يمكنها من فرض هيبتها وتعزيز فاعليتها. ويشتمل العقد الاجتماعي على ما يلي:
الالتزام بمبادئ الحرية والسلام والعدالة لثورة ديسمبر 2018، وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو1989 وفقاً للقانون، ووقف العدائيات المصاحبة للصراع، ومراجعة اتفاقية سلام جوبا، والتسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج، وإدماج الدعم السريع وجيوش الحركات المسلحة في الجيش السوداني، وتحقيق العدالة الانتقالية، وعودة اللاجئين والنازحين، وإرساء أسس الدولة المدنية الفاعلة، وتحقيق الاندماج المجتمعي وإدارة العلاقات المجتمعية، وتوفير الوظائف للشباب، والإيفاء بحقوق المرأة، وترسيخ علاقات إقليمية ودولية ترتكز على تحقيق المكاسب المشتركة (Win-win)، والشروع في تحقيق الانتعاش الاقتصادي، وتهيئة البيئة الصالحة لقيام انتخابات حرة ونزيهة عقب سنوات الانتقال الخمس.
ويتطلب إيفاء الحكومة الانتقالية بهذا العقد الاجتماعي مع الشعب تنفيذ مهام واختصاصات محددة تستدعي تخطيطاً استراتيجياً واقعياً يحدد مراحل وأولويات الانتقال ويقسم المهام المسندة لكل مرحلة بشكل متماسك ومنسق مع الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية بما يضمن تحاشي الانتكاسات وتجدد الصراع (Recurrence of Conflict). وتأسيساً على العبر من تجارب عشرات الدول التي لا زالت تعاني من الصراع، وتلك التي خرجت منه.
إن بناء الثقة وثقافة التعاون بين أصحاب المصلحة وداخل مؤسسات الدولة يصعب تحقيقه بين ليلة وضحاها. وبناءً على تجارب دولية شبيهة، وبل وتجربة السودان نفسه، فإن فترة سنتين أو ثلاثة لن تكفي لإكمال مهام الانتقال. ذلك أنه من المهم الانتباه إلى التسلسل في تحديد الآجال الواقعية لمختلف مهام الإصلاح. ويمكن استخلاص العبرة من الجداول الزمنية الفعلية في السياقات الإقليمية والعالمية المماثلة. ففي نيبال تطلب الأمر ست سنوات لإعادة دمج القوات. وفي رواندا اتسم تحقيق العدالة الانتقالية عقدا كاملاً خلال الفترة 2001-2012" بواسطة محاكم "غاشاشا" المكونة من الهيئات القانونية الشعبية المستوحاة من هياكل السلطة الأهلية لمحاكمة ما يقرب من مليوني فرد. ذلك أن تحقيق العدالة الانتقالية يتطلب استصحاب الحكمة في خلق التوازن بين الحفاظ على الزخم في مسار العدالة وقدرة ضحايا الصراع في التأقلم على متطلبات السلام.
وتأسيساً على طبيعة الصراع المستمر في السودان، وعلى التجارب الشبيهة في الدول النامية المعانية من الصراع فإن المغامرة بإجراء انتخابات في السودان قبل مرور خمس سنوات من الانتقال المتماسك يمثل توسلاً (Supplication) لتجدد الصراع واستدامته. ذلك أن التعجيل بالانتخابات استجابةً لنزوات عسكرية أو طموحات سياسية في ظل جسامة تحديات تنفيذ العقد الاجتماعي بين الحكومة والشعب، سيجعل من الانتخابات ذريعة لتجدد الصراع بسبب جنوح المقاتلين السابقين، الذين تحولوا إلى سياسيين، للنكوص عن السلام بإشعال الصراع لرفضهم نتائج الانتخابات غير المواتية على المدى القصير، أو من خلال الحكم التعسفي الإقصائي في حالة النتائج المواتية لهؤلاء المقاتلين السابقين. ويؤدي ذلك لخلق مظالم جديدة ويقود لتجدد القتال على المدى المتوسط. ومن ثم فإن خيار خمس سنوات للفترة الانتقالية القادمة يمثل الحد الأدنى لسنواتها التي تمكّن من تنفيذ مراحلها ومهامها المسندة المنبثقة عن العقد الاجتماعي تحاشياً لتجدد القتال.
وفيما يلي استعراض للمهام والاختصاصات التفصيلية لمراحل وقف إطلاق النار وإعمار السودان.
أولاً: مرحلة التدخل الوطني والإقليمي المباشر لبسط الأمن
تهدف هذه المرحلة إلى إنشاء بيئة آمنة ومأمونة في السودان، و تطوير آليات لمعالجة المظالم السابقة والمستمرة، وتوفير الاحتياجات الإنسانية الطارئة، وتحديد هيكل الحوكمة، وإرساء الأساس لمشاركة المواطنين. وتشمل هذه المرحلة الأولى أربع ركائز على النحو التالي:
1. بسط الأمن:
يتطلب نشر الأمن ومراقبة وقف إطلاق النار تدخلات عسكرية إقليمية مدعومة أممياً للفصل بين المتحاربين وحفظ الأمن بالتنسيق بين مبادرات الإيقاد، والاتحاد الإفريقي، ودول الجوار السوداني، والتي يعوّل جميعها على التكامل مع منبر جدة الذي ترعاه المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية. ذلك أن تواصل الفشل الموافقة على المبادرات المطروحة واستمرار خرق الهدن الإنسانية يشير لضرورة الاستعانة بقوات إقليمية لفرض السلام والحفاظ عليه، سيما في ضوء الانقسام الحاد في مجلس الأمن الذي يصعِّب من تدخله في السودان تحت البند السابع. وتنبع أهمية التدخل العسكري الإقليمي من فشل الفاعلين المحليين في وقف الاقتتال. وذلك فضلاً عن أن بسط الأمن يمثل شرطاً مسبقاً لتحقيق نتائج ناجحة في مهام الانتقال المتراكمة الأخرى. فقد أكد فشل منبر جدة في وقف مستدام لإطلاق النار أن كبح جماح المواجهات الدامية بين الجيش والدعم السريع يحتاج لراعٍ يستحوذ على قدرات قتالية ميدانية لبسط الأمن وفرضه بقوة عسكرية مدعومة من المجتمع الدولي للفصل بين المتحاربين، بحيث تساهم جوهرياً في تنفيذ هذه العملية "القوة الاحتياطية لشرق إفريقيا" (Eastern Africa Standby Force-EASF) التي تضم عناصر عسكرية وشرطية ومدنية. ويجدر بالذكر أن "إيساف" قد تشكلت بواسطة القمة الافتتاحية للاتحاد الإفريقي التي عقدت بمدينة ديربان في جنوب إفريقيا في يوليو 2002، وبموجب البروتوكول المتعلق بتأسيس مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقي (African Union Peace and Security Council-AUPSC). وقد تأسست "إيساف" كآلية إقليمية لتوفير القدرة على النشر السريع للقوات، وتنفيذ الانتشار الوقائي، والتدخل السريع ودعم السلام. وفي أبريل 2005 وُقِّعت مذكرة التفاهم، وعدلت في يناير 2011، لتحدد على نحو صريح أن "إيساف" هيئة تابعة لـ"القوة الاحتياطية الإفريقية" (African Standby Force - ASF). وحالياً تضم في عضويتها 10 دول أعضاء نشطة، تشمل: بوروندي، وجزر القمر، وجيبوتي، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، وسيشيل، والصومال، والسودان، وأوغندا.
ويجدر بالذكر أن السودان ليس عضواً فاعلاً في "إيساف" فحسب، بل تولى قيادتها حيث شغل العميد ركن حينه علاء الدين عثمان ميرغني هذا المنصب خلال الفترة 2017-2020، وترقى لاحقاً لرتبة اللواء وشغل منصب مدير الإدارة العامة للعلاقات الدولية عام 2022. وتشير الدلائل إلى أن دخول قوات "إيساف" للسودان ليس جديداً حيث أجرت تلك القوات خلال قيادتها السودانية تمرين «سلام الشرق 2» الذي انطلق في عام 2017 بمنطقة جبيت بولاية البحر الأحمر. واشترك في هذا التمرين أكثر من ألف عنصر من الدول العشر الأعضاء، بمشاركة خبراء من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وقد نصت بروتوكولات إنشاء "إيساف" على التعاون مع الأمم المتحدة، ووكالاتها بما فيها مجلس الأمن، والمنظمات الدولية، والمنظمات الإقليمية الأخرى ذات الصلة، وكذلك مع السلطات الوطنية والمنظمات غير الحكومية، عند الحاجة. وبمجرد نشر قوة "إيساف" في أي دولة من الدول الأعضاء يتولى الاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة مهمة السيطرة العملياتية عليها. وتعمل "إيساف" بشكل وثيق مع مختلف الشركاء الثنائيين ومتعددي الأطراف الذين يقدمون لها الدعم المالي واللوجستي والفني اللازم لإنجاز مهامها على الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية. ويشمل الشركاء الثنائيون الولايات المتحدة وفرنسا واليابان وألمانيا وبريطانيا وهولندا والدنمارك وفنلندا والنرويج والسويد. كما تتلقى "إيساف" مساعدات من مصادر متعددة الأطراف تشمل الأمم المتحدة وبرامج الأمم المتحدة الإنمائي والاتحاد الأوربي.
وعطفاً على تجارب الأمم المتحدة الناجحة في العديد من الدول التي أفلحت في الخروج من الصراع (Post-conflict) فإن عدد ونوع الأفراد المنتشرين من قوات "إيساف" في عمليات حفظ السلام في السودان يؤثران طردياً على القدرة على ضمان استدامة السلام. فبزيادة عدد قوات "إيساف"، تتضاءل فرصة استئناف الإحتراب. ذلك أن فاعلية حفظ السلام في السودان تكمن في قدرة "إيساف" على ردع خارقي وقف إطلاق النار من خلال نشر قوات عسكرية قادرة على فرض السلام والدفاع عنه.
وعليه يجب تجهيز قوات "إيساف" بالأسلحة المتوسطة والثقيلة وتدريبها على المشاركة في القتال عند الضرورة، نظراً لطبيعة عملها في الخطوط الأمامية. ومن خلال القيام بذلك، تقلل تلك القوات الإقليمية من قدرة طرفي الصراع على إعادة الانخراط في القتال. وقياساً على حجم وتكوين بعثة العملية المشتركة بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دافور عام 2007 (UNAMID) التي بلغ عددها نحو 26000 فرد، فإن تكوين قوات "إيساف" في عام 2024 ربما يتطلب 40000-50000 فرد غالبيتهم من العسكريين والشرطة.
وتشمل ركيزة بسط الأمن المهام التالية:
• السيطرة على المقاتلين من الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة الأخرى، ويشمل ذلك فرض وقف إطلاق النار وإنفاذ اتفاق السلام ونزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج (DDR).
• السيطرة الجغرافية على كافة مناطق الصراع، وتشمل مراقبة الحدود وحرية تنقل المراقبين الإقليميين، وتقديم العون الإنساني وتنظيم الحركة البرية والجوية.
• حماية المواطنين وتشمل حماية اللاجئين والنازحين من كافة الصراعات وضمان وصول المساعدات الإنسانية.
• حماية البنية التحتية والمؤسسات والأفراد وتشمل حماية الممتلكات الخاصة الإنتاجية والسكنية، وتأمين البنية التحتية الحيوية بما في ذلك المطارات والطرق والجسور والمستشفيات والاتصالات والبنوك ومحطات الكهرباء والسدود ومصادر المياه وخطوط الأنابيب.
• إعادة تشكيل القوات المسلحة بدمج قوات الدعم السريع والحركات المسلحة الأخرى، وإعادة تنظيم وبناء قدرات قوات الشرطة والقوات شبه العسكرية، ومراعاة التوازن الإقليمي.
• مراجعة الترتيبات الأمنية مع دول الجوار: مصر وليبيا وإثيوبيا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى ودولة جنوب السودان وإريتريا.
2. العدالة الانتقالية:
تنطوي هذه الركيزة على تنصيب نظام قانوني محايد وخاضع للمساءلة وللتعامل مع الانتهاكات وجرائم الحرب في كافة بؤر وحقب الصراع، وإنشاء أجهزة فعالة لإنفاذ القانون، وتكوين نظام قضائي نزيه، وسن قوانين عادلة، وآليات رسمية وغير رسمية لحل المظالم الناشئة عن الصراع. وتشمل هذه الركيزة المهام التالية:
• العدالة الانتقالية وتتضمنن آلياتها الشرطة، والقضاة، والمدعين العامين، ومحامي الدفاع، ومديري المحاكم، والقواعد والإجراءات.
• إنفاذ القانون ويشمل فحص وإعادة تشكيل قوات الشرطة الموجودة بالتعاون مع خبرات شرطية دولية، وتدريب الشرطة المحلية وتزويدها بمعايير الشرطة الدولية، ونشر مراقبي الشرطة في كافة مناطق الصراع.
• تفعيل المساءلة بإنشاء مكتب للمفتش العام للتحقيق في فشل الشرطة في حماية المواطنين وممتلكاتهم طيلة فترات الصراع، وإنشاء ديوان للتظلمات لمعالجة شكاوى المواطنين وانتقاداتهم لتطبيق القانون.
• تطوير النظام القضائي ويشمل مراجعة النظام القضائي الحالي، ووضع قواعد السلوك المهني للجهاز القضائي، وتطوير البنية التحتية المتمثلة في المحاكم وكليات القانون وتنظيمات المهنيين، والانفتاح على المواطنين بإنشاء آلية اتصال بينهم وبين الجهات الانتقالية المحلية والدولية بشأن المسائل القانونية وجبر الضرر.
• معاقبة انتهاكات حقوق الإنسان وتشمل بناء قدرات مجموعات حقوق الإنسان المحلية بدعم دولي، وتطوير القدرة المحلية على مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب.
• تفعيل التعاون مع المحاكم والهيئات القضائية الدولية وضمان توافق المحكمة الدولية مع الآليات القانونية الوطنية، وتوثيق وحفظ الأدلة على الفظائع الجماعية، وتنسيق الجهود مع تحقيقات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، والتواصل مع المواطنين لنشر لوائح الاتهام والبيانات.
• التعافي الفردي وتمكين المواطنين بتقديم المشورة المحلية لضحايا ومرتكبي الصراع، وتأسيس مبادرات الأشخاص المفقودين، وتحديد الاحتياجات الفردية لكافة المتأثرين بالصراع.
3. الرعاية الاجتماعية والانتعاش الاقتصادي:
تتناول الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية وتوفير الإغاثة في حالات الطوارئ واستعادة الخدمات الأساسية للمواطنين وإرساء الأساس للانتعاش الاقتصادي والتمهيد للتنمية المستدامة بعد الفترة الانتقالية.
الرعاية الاجتماعية:
• معالجة قضايا اللجوء والنزوح بتوفير الغذاء والماء والمأوى والدواء في حالات الطوارئ وإنشاء معسكرات اللاجئين، وإنشاء نظام التسجيل وتحديد هوية اللاجئين والنازحين، وإقامة حملة إعلامية عامة لإدارة شؤونهم.
• تحقيق الأمن الغذائي ويشمل تأمين قنوات توزيع المساعدات الغذائية الطارئة، وحماية شبكة توزيع المواد الغذائية، وتوفير مرافق التخزين المناسبة لمنع تلوث الأغذية، وإعادة إعمار الأسواق التي دمرها الإحتراب واسترداد سلاسل الإنتاج والتسويق في كافة مناطق وحقب الصراع.
• إصلاح الصحة العامة بتأهيل إدارة المياه والنفايات، وتعزيز القطاع الطبي بدعم تخزين وتوزيع الإمدادات الطبية الطارئة والأدوية للتعامل مع المشاكل الصحية الطارئة الناتجة عن الصراع (المرض، العدوى، الجروح)، ومعالجة تكدس جثث الضحايا.
• توفير المأوى بتطوير استراتيجية للإسكان لمعالجة مشاكل اللاجئين والنازحين وكذلك إعادة إدماج المقاتلين السابقين، والفصل في منازعات الملكية في المناطق المتأثرة بالصراع، ووضع معايير وآليات لحل نزاعات الملكية في كافة مناطق وحقب الصراع.
• تأهيل النظام التعليمي بإصلاح البنية التحتية المدمرة وإصلاح المدارس والجامعات، والاهتمام بأوضاع المعلمين والإداريين بالقطاع التعليمي، وتطوير المناهج والمقررات التي تراعي التنوع والمواطنة، وتكثيف حملات محو الأمية.
• توسيع شبكة الأمان الاجتماعي بتقييم أنظمة التقاعد الحالية لموظفي الحكومة وشبه الحكومية، وإصلاح نظام الضمان الاجتماعي الحالي.
الانتعاش الاقتصادي:
• وضع استراتيجية اقتصادية لا تتجاوز مدتها الفترة الانتقالية تستند على مسح الوضع الاقتصادي الكلي، وتقييم الأضرار والاحتياجات الناتجة عن الإحتراب (Damage and Needs Assessment - DNA)، وتحديد الاحتياجات المالية من الموارد الذاتية والموارد الخارجية، وتطوير آلية عالية الكفاءة للتنسيق مع الجهات المانحة والاهتمام بتعزيز القدرة الاستيعابية للمعونات.
• النأي عن مجرد التفكير في المشروعات النهضوية ونماذج المحاكاة بعيدة المدى خلال الفترة الانتقالية التي ينبغي ألا يتجاوز تفويضها وصلاحيتها التدرج الواقعي في الانتقال من اقتصاد الصراع الذي يقع نحو 70% منه خارج سيطرة الدولة (اقتصاد الظل)، إلى اقتصاد السلام (الاقتصاد الرسمي). ذلك أن إضاعة الموارد الشحيحة في التحول من اقتصاد الصراع مباشرة إلى اقتصاد التنمية المستدامة والمشروعات النهضوية يمثل تنظيراً أكاديمياً يجتر نهج الانقاذ الاقتصادي الفاشل.
• استعادة التطبيع مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالاستمرار في تنفيذ برنامج التسهيل الائتماني المعزز (Enhanced Credit Facility - ECF) بما في ذلك الاستدامة المالية من خلال زيادة تعبئة الإيرادات المحلية وخفض الإنفاق على الدعم، وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم والخدمات الحيوية الأخرى لتحسين مستويات المعيشة ورفع النمو على المدى الطويل، ودعم مرونة سعر الصرف واعتماد نظام استهداف الأموال الاحتياطية، وضمان استقلالية البنك المركزي ، وتعزيز القطاع المالي بتطبيق نظام مصرفي مزدوج، ومعالجة مخاطر التعثر في النظام المصرفي.
• تعزيز الحوكمة والشفافية خاصة في قطاع الشركات المملوكة للدولة.
• التفاوض للوصول لنقطة الإنجاز في مبادرة هيبيك في فترة عامين تنتهي في ديسمبر 2025.
• تخفيض الدين العام الخارجي بأكثر من 50 مليار دولار تمثل أكثر من 90% ببلوغ نقطة الإنجاز عام 2025.
• تأهيل البنية التحتية بإعادة الكهرباء للمؤسسات الحيوية، وتوفير وسائل المواصلات وإعمار الطرق والموانئ للقيام بالوظائف الإنسانية والاقتصادية المترتبة على الإحتراب.
• استعادة قدرات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الضرورية للسلام وإعادة الإعمار.
• توليد فرص العمل بتصميم مبادرات لتوفير فرص العمل الفوري، والتماس أفكار المشاريع كثيفة العمالة من القطاع الخاص والمجتمعات المحلية خاصة المشروعات الصغيرة.
• تشجيع التدخلات المستدامة للقطاع الخاص بجعل مشاركته جزءاً من منظومة أكبر من المجموعات السياسية ومجموعات المجتمع المدني التي تعمل من أجل بناء السلام وتحقيق الانتعاش الاقتصادي.
• إعادة تشكيل الأسواق التي دمرها الإحتراب، واستبدال أنشطة الاقتصاد الموازي بالبدائل القانونية، وتشجيع التحول للاقتصاد الرسمي.
• الإصلاح القانوني والتنظيمي بصياغة القوانين والمدونات لإنشاء وتعزيز حقوق الملكية، وتحسين بيئة الأعمال بتصميم القوانين وتوفير الأنظمة التي تحفز النمو الاقتصادي، وتوفر الحماية للعاملين.
• تسهيل التجارة العالمية بتقييم التعريفات والهياكل الضريبية والحواجز أمام التجارة، وتحديد أولويات التجارة واستكشاف فرص تجارية جديدة تمكِّن من إعادة الإعمار، وبدء الحوار بين الفريق الاقتصادي الوطني والجهات الفاعلة الدولية المسؤولة عن منح الوضع التجاري التفضيلي.
• تحفيز الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي بخلق بيئة أعمال محفزة للنمو الاقتصادي، والنظر في أهم الاحتياجات المؤدية لتعزيز الاستثمار العام بالشراكة مع القطاع الخاص، والاستمرار في توجيه الدعم للمستحقين، وحوكمة عائدات الموارد الطبيعية خاصة الذهب.
• إصلاح الخدمات المصرفية والمالية بتطوير أداء البنك المركزي للقيم بدوره في الإدارة الرشيدة للمعاملات المالية التي تقوم بها البنوك والجهات الخاصة والعامة.
4. الحوكمة والتشاركية:
تنطوي هذه الركيزة على مخاطبة الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية، ولا سيما توفير الإغاثة في حالات الطوارئ، واستعادة الخدمات الأساسية للسكان، وإرساء الأساس لاقتصاد قابل للنهوض، والتمهيد لوضع برنامج تنمية شامل ومستدام.
الحوكمة:
• تحديد مدة الفترة الانتقالية القادمة بمنأى عن الرغبات السياسية والتركيز على المدة الزمنية الكافية لتنفيذ المهام المعقدة الي فشلت الفترة الانتقالية السابقة في تنفيذها، شاملة توفير الأمن والسلام وتحقيق العدالة والتصالح وتوفير الرعاية الاجتماعية والانتعاش الاقتصادي وتحقيق الحوكمة في إطار تشاركي وتهيئة البيئة الصالحة لإقامة انتخابات حرة ونزيهة. وفي ضوء الفشل الذي لازم الفترة الانتقالية التي سبقت حرب 15 أبريل 2023، وفي ضوء ما نتج عن حرب أبريل 2023 من دمار وخراب، فإن المهام والاستحقاقات المتراكمة التي تسبق الانتخابات يتعذر تنفيذها في فترة انتقالية تقل مدتها عن خمس سنوات.
• تفعيل العملية الانتقالية الوطنية بدعم الحوار الوطني على كافة المستويات القومية والإقليمية والمحلية لضمان تمثيل آراء المواطنين، وتوفير المستشارين امن مختلف التخصصات للإعداد للمؤتمر الدستوري.
• وضع القواعد والأسس والمهام والجدول الزمني للحكومة الانتقالية توطئة لتشكيلها من الكفاءات المدنية الوطنية غير المنتمية لأي من الكيانات السياسية بالتشاور بين الجهات الفاعلة المحلية لتشكل حاضنة سياسية موثوقة تلتزم بتنفيذ العقد الاجتماعي بين الحكومة والشعب.
• إصلاح الخدمة المدنية بتحديد هيكلها وحجمها المناسب لتلبية الاحتياجات الانتقالية والمتطلبات المتعلقة بالتحول الديمقراطي.
• تحديد المصادر وتصميم نظام عملي وفعال قادر على توليد إيرادات للخدمات الحكومية الضرورية لتحقيق السلام.
• تحديد الأفراد الرئيسيين في السلطة التنفيذية على كافة المستويات لتلقي دورات مكثفة لبناء القدرات، والتثقيف حول مبادئ الحوكمة المسؤولة ومهام واختصاصات الفترة الانتقالية.
• تشجيع المغتربين ذوي المهارات المكتسبة للعودة إلى البلاد.
• بناء قدرات الجهاز التشريعي وتحديد دور وولاية السلطة التشريعية في عمليات صنع القرار القومية والمحلية، وإزالة معوقات وصول المواطن للجهاز التشريعي.
• إقامة مؤتمر نظام الحكم لإصلاح الحكم اللامركزي بوضع الأسس القانونية لهياكل ومستويات الحكم وتحديد أسلوب تمثيل السكان المحليين ومشاركتهم في إطار الحكم اللامركزي.
• تحديد القدرات والاحتياجات المحلية لتحقيق الإصلاح المؤسسي ومراعاة دور الهياكل المجتمعية التقليدية في تحقيق السلام والانتعاش الاقتصادي في كافة مناطق وحقب الصراع.
• الشفافية ومكافحة الفساد بتطوير القوانين التي تعزز المساءلة داخل الحكومة والقطاع الخاص والهياكل المجتمعية التقليدية، وإنشاء آليات للحد من الفساد بما في ذلك حماية المدعين الخاصين والشهود والقضاة.
• تشكيل منظمات رقابية من المجتمع المدني والقطاعين العام والخاص لمراقبة أداء المؤسسات الدولية والوطنية.
التشاركية:
• التحضير للانتخابات بوضع الجدول الزمني والأهداف وتحديد طريقة التمثيل، والشروع في إجراء التعداد السكاني، وإنشاء مفوضية وطنية مستقلة للانتخابات وإعداد سجل الناخبين والتحقق منه، ووضع آلية فاعلة لمراقبة الانتخابات، والتواصل مع المواطنين بإعلان الجدول الزمني للانتخابات وتشجيع مشاركتهم.
• وضع أسس قانونية للأحزاب السياسية المشاركة في العملية الانتخابية، ووضع خطة لتحويل لجان المقاومة والحركات المسلحة لكيانات سياسية وإخضاعهم لبرامج مكثفة لبناء القدرات لضمان التنافس الحر.
• تشجيع مشاركة المجتمع المدني في التحول الديمقراطي من خلال إنشاء النقابات والجمعيات المهنية والجماعات الدينية والجمعيات المدنية وفقاً للممارسات الديمقراطية المتعارف عليها، ومراجعة اللوائح الحالية المتعلقة بالمنظمات غير الحكومية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني.
• إصلاح الوسائط الإعلامية واستخدامها كأداة إعلامية عامة لتوفير المعلومات الواقعية والسيطرة على الشائعات، وبناء قدرات الإعلاميين وتطوير قواعد السلوك الإعلامي المناهض للتخوين والتهاتر.
ثانيا: مرحلة ترسيخ التحول والانتقال
تمهيد:
استعرض الجزء الأول من الإطار المقترح لوقف إطلاق النار وإعادة الإعمار مهام وآليات التدخل الوطني والإقليمي المباشر لبسط الأمن. ويتناول هذا الجزء الثاني الجوانب المتعلقة بمهام وآليات ترسيخ التحول والانتقال. وفيما يلي استعراض للمهام والاختصاصات التفصيلية لمرحلة التحول والانتقال التي تهدف إلى تطوير المؤسسات الأمنية الوطنية الشرعية والمستقرة، وبناء النظام القانوني، وترسيخ الوئام المجتمعي، وإرساء أسس التنمية، وتعزيز المؤسسات السياسية الشرعية، وتعميم العمليات التشاركية. وتشمل هذه المرحلة أيضاً أربع ركائز على النحو التالي:
1. بسط الأمن:
• يشمل إحكام السيطرة على المتحاربين بالإشراف الوطني والإقليمي الميداني المباشر على الهدن بحسم الخروقات، ومراقبة وصول المساعدات الإنسانية للمستحقين، وفصل السكان المدنيين عن الجنود، وإنشاء مناطق عازلة وإحكام السيطرة عليها بالقوة الحاسمة، بما في ذلك فرض المناطق منزوعة السلاح، ومراقبة تبادل أسرى الحرب (POW). وإنفاذ اتفاق السلام بالتحقيق في الشكاوى وانتهاكات الاتفاقيات المزعومة، وتقديم الدعم العسكري للسلطات المدنية، ودعم وإنفاذ الشروط السياسية والعسكرية والاقتصادية والإنسانية لخطة السلام، ودعم تدابير بناء الثقة بين المتحاربين. ونزع السلاح ((Disarmament بالحد من الأسلحة غير المصرح بها، والتعاون مع الدول المجاورة بشأن تدفقات الأسلحة خاصة ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى. ويشمل ذلك القبض على تجار الأسلحة غير الشرعيين، والتعاون الإقليمي والدولي مع الجهات القانونية لملاحقة تجار السلاح. كما يشمل بسط الأمن التسريح (Demobilization) بتحديد وجمع وحل العناصر الهيكلية للجماعات المتحاربة العسكرية وشبه العسكرية، ومراقبة التسريح والتحقق منه، وضمان سلامة الأفراد والأسر المقيمة. ويشمل بسط الأمن أيضاً إعادة الإدماج (Reintegration) لقوات الدعم السريع والحركات المسلحة، وتوفير التدريب الوظيفي والفحص الصحي والتعليم والمساعدة في التوظيف، وتوفير الرواتب والدعم المادي للقوات المسرحة.
• نشر الأمن الإقليمي بمراقبة الحدود، وتطوير القدرات المحلية لمراجعة الرقم الوطني، وبناء القدرة على منع تهريب البضائع والأسلحة، وتطوير الإمكانات لإدارة الهجرة، ونشر وإنفاذ القواعد المتعلقة بالحركة عبر الحدود، وفرض الضوابط بمساعدة السلطات المحلية والأهلية.
• حماية السكان غير المقاتلين بإرساء النظام والحفاظ عليه في معسكرات اللاجئين والنازحين والمراكز السكانية، ونزع سلاح المتحاربين وإخراجهم من المناطق السكانية، وتوفير برامج أمنية مؤقتة للسكان المعرضين للخطر، وحفظ النظام العام، والحفاظ على علاقات إيجابية بين القوات العسكرية والقوات الإقليمية/الأممية والمواطنين، ومنع الأعمال الانتقامية، وتصميم وتنفيذ برامج التربية المدنية للقانون والنظام والأمن العام.
• حماية البنية التحتية والمؤسسات والأفراد بتأهيل القدرات المحلية لحماية المؤسسات الخاصة والأفراد والمؤسسات العامة.
• إعادة بناء وإعادة تنظيم المؤسسات الأمنية الوطنية الرسمية، وتعزيز السيطرة المدنية على الجيش، وإضفاء الطابع المهني على الجيش وتعزيز قدراته، وإنشاء أنظمة شفافة للدخول والترقية والتقاعد في الجيش والشرطة السودانية، وإنشاء قدرة استخباراتية غير عسكرية.
2. العدالة الانتقالية:
العدالة:
• إقامة العدل في الخرطوم ومناطق الصراع الأخرى بمعاقبة المجرمين وصيانة حقوق الضحايا، وتعزيز ثقة الأفراد في مؤسسات الدولة واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون كخطوة نحو الوئام ومنع وقوع انتهاكات جديدة.
• وفقاً للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (ICC) الذي دخل حيز التنفيذ في يوليو 2002، فإن ضحايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في السودان يستحقون جبر الأضرار (Reparation) الناتجة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في كافة أماكن وحقب الصراع. ويشمل جبر الأضرار إعادة الحقوق (Restitution)، والتعويض (Compensation)، وإعادة التأهيل (Rehabilitation)، والرضا (Satisfaction)، وضمانات عدم التكرار (Guarantees of Non-Repetition).
• تطبيق القانون بإضفاء الطابع المؤسسي على إجراءات الشرطة وتوفير دوريات للشرطة بالتعاون مع القوات الإقليمية/الأممية، وتأمين الدعم الإداري لإنفاذ القانون، وإعادة تنظيم الجهاز القضائي وإصدار القوانين والتشريعات الكفيلة بتعزيز استقلال القضاء، ومراجعة دور المدعي العام وضمان الكفاءة والتنوع في اختيار العاملين بالمحاكم، وتثقيف المواطنين حول الوصول إلى النظام القضائي.
• الإصلاح القانوني بإصدار قانون منقح وأنظمة أساسية (مدنية وجنائية) تتوافق مع حماية حقوق الإنسان الأساسية، وإطلاق حوار عام مع كافة قطاعات المجتمع المدني حول الإصلاح القانوني، ودعم منظمات الدفاع عن المواطنين.
• إصلاح قوات الأمن بتطهير المخالفين وتدريب القوات المعاد تشكيلها على القانون والممارسات الإنسانية، ومراجعة القانون العسكري والعقيدة العسكرية للامتثال لقوانين الحرب والقانون الجنائي المحلي، والمحاكم والهيئات القضائية الدولية، وتقديم الدعم اللوجستي والفني للمحاكم الدولية، والمساعدة في التحقيق والاعتقال ونقل مجرمي الحرب المشتبه بهم إلى المحاكم الدولية.
المصالحة:
• إعادة بناء المجتمعات المحلية عبر إنشاء برامج إعلامية واسعة النطاق لتعزيز جهود المصالحة.
• الشروع في وضع الأسس العادلة للتعويضات بتحديد الوسائل والمستويات المناسبة.
• بناء الثقة بتوفير أماكن اجتماعات محايدة للمناقشات والأنشطة وتحديد واستخدام الوسطاء الخارجيين لبناء الثقة والتعاون وتعزيز المشاركة من خلال التوعية العامة (Public Outreach).
• تحقيق الانسجام المجتمعي بجمع الخصوم معاً، حيثما أمكن ذلك، ودمج مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة، ووضع ترتيبات لتقاسم الموارد ذات المنفعة المتبادلة، وتنظيم الأنشطة الترفيهية والتعليمية المشتركة، وضمان مشاركة الطرق الصوفية، وإعادة بناء دور العبادة والأماكن المقدسة.
• دعم المبادرات التي تطرحها المجموعات النسائية، وتنفيذ برامج استشارية تركز على إنصاف الضحايا ومعالجة صدمات ما بعد العنف، وتطوير الأنشطة التي تعزز الشعور بقيمة الذات من خلال فرص العمل والتعليم والترفيه، وتقديم الاستشارات والتدريب لتعزيز المساهمة في المجتمع.
3. الرعاية الاجتماعية والانتعاش الاقتصادي:
الرعاية الاجتماعية:
• تعزيز رعاية النازحين داخلياً (IDP) بضمان توفير إمدادات موثوقة وكافية من المساعدة للمراكز السكانية في الولايات المضيفة، وضمان حصول اللاجئين على الخدمات من الدول المضيفة وتقديم الدعم لها، وتوفير خدمات إعادة الإدماج ووضع خطط العودة إلى الوطن.
• تحقيق الأمن الغذائي بالتعاون مع الجهات الفاعلة في مجال الإغاثة الدولية والمحلية لتنفيذ برامج التوزيع في الخرطوم والولايات المنكوبة، ومنع ومعاقبة سرقة واختلاس الموارد الغذائية، وإعادة تقييم برامج التوزيع، وتوجيه المساعدات الغذائية لتعزيز أآليات السوق المحلية، وتأهيل شبكات النقل والتوزيع، ودعم الإنتاج الزراعي المطري والمروي، وتقديم تمويل ميسر للمزارعين.
• تعزيز الصحة العامة بحماية مصادر المياه من التلوث، ودعم القدرة المحلية لإدارة النفايات، وضمان وجود مخزون كاف من المستلزمات الطبية والأدوية، وتوفير الدعم الطبي الخارجي الكافي ودمجه مع الخبرات المحلية، وإنشاء برامج التطعيم والفحص للتعامل مع الأوبئة المحتملة (خاصة في مخيمات اللاجئين)، وتطوير برامج مجتمعية تثقيفية موجهة لتحديد المخاطر الصحية والوقاية منها.
• مسح المساكن المدمرة وتقييم الأضرار ووضع معايير للأسبقيات وإعادة الإعمار، والفصل في منازعات الملكية وإجراء التحقيقات ومعاقبة المتغولين.
• استعادة النظام التعليمي بتأهيل المدارس والجامعات ومدها بالمواد التعليمية المساندة، ومواصلة حملات محو الأمية، وتصميم أو إعادة تشكيل نظام الضمان الاجتماعي على أساس المعايير المتفق عليها وتعزيز قدرة الحكومة الانتقالية على تقديم الخدمات الاجتماعية.
الانتعاش الاقتصادي:
• إجازة استراتيجية واقعية للانتقال تنأى عن التنظير النهضوي الرغبوي ونماذج المحاكاة بعيدة المدى، وتقسيم الاستراتيجية الواقعية لخمسة برامج عمل سنوية تغطي سنوات الانتقال الخمس بحيث تستهدف فقط التحول من اقتصاد الصراع الذي يجمح نحو 70% من أنشطته خارج سيطرة الدولة (اقتصاد الظل)، إلى اقتصاد السلام (الاقتصاد الرسمي)، وعقد مؤتمرات المانحين لحشد الموارد والتفاوض مع مصادر العون الثنائي ومتعدد الأطراف على تيسير شروطه، وتعبئة القدرات المحلية على استيعاب وإدارة المساعدات الخارجية.
• إعادة إعمار البنى التحتية وتصميم وتنفيذ نظام حصيف لإدارة موارد الطاقة لضمان توزيعها للقطاعين العام والخاص والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية، وإصلاح الطرق والجسور الرئيسية لدعم النشاط الإنتاجي والتجاري، وإعمار وتوسيع شبكات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بدءاً بالمراكز السكانية الكبرى.
• توليد فرص العمل للشباب خلال الفترة الانتقالية بمساهمة القطاع الخاص بالشروع في تنفيذ المشروعات الصغيرة كثيفة العمالة ذات الأولوية في تحقيق السلام والانتقال من اقتصاد الظل إلى الاقتصاد الرسمي، وتوفير التمويل اللازم من المصادر الخارجية والمحلية.
• الإصلاح القانوني والتنظيمي الذي يحكم العلاقة بين العاملين وأصحاب العمل بما يضمن حقوق العاملين ويراعي الظروف القاهرة التي ألحقت الضرر البالغ بأصحاب العمل، وتقديم المساعدة الفنية للشركات والمجموعات التجارية لتطوير القدرات التصديرية غير التقليدية، واتخاذ الخطوات اللازمة للوصول إلى الأسواق الخارجية على أساس تفضيلي بموجب نظام الأفضليات المعمم وترتيبات التجارة الإقليمية.
• تقديم المساعدات التمويلية لشركات القطاع الخاص، وتشجيع الاستثمار الإقليمي والدولي واستثمارات المغتربين المتعلقة بإعادة الإعمار وتحقيق السلم الاجتماعي، وتوفير الحماية والحوافز القانونية لجميع المستثمرين، وتركيز الاستثمار العام على المشاريع الحيوية في التعليم والرعاية الصحية والنقل العام.
• إصلاح النظام المصرفي والمالي ومعالجة معوقات العرض والطلب المتمثلة في خسارة البنوك لرأسمالها وأصولها وانخفاض قيمة الضمانات العقارية، وخسارة المقترضين للأسواق وتدمير الأصول والمعدات والحسابات ونزوح أو لجوء الموظفين الرئيسيين وانهيار قطاع التأمين. وتعزيز كفاءة البنك المركزي في الإشراف على النظام المصرفي للتعامل مع ضعف تقارير البنوك التجارية المتأثرة بالصراع، وتوفير مصادر حقيقية لتمويل الإنفاق العام على إعادة الإعمار دون الوقوع في مأزق الهيمنة المالية (Fiscal Dominance)، والتأكيد على الشفافية في النظام المصرفي لمنع الفساد وتعزيز إعادة الإعمار.
4. الحوكمة والتشاركية:
الحوكمة:
• استهداف الحوكمة في هذه المرحلة لاستدامة السلام من خلال معالجة الأسباب الجذرية للصراع والتأكد من شعور جميع المواطنين بأن احتياجاتهم ومصالحهم ممثلة بشكل عادل، وتعزيز المساءلة وحقوق الإنسان ودعم سيادة القانون، والشروع في الحوار الوطني لتحديد معايير المواطنة، وتركيز الحوكمة على توفير المعلومات والحوار الديمقراطي والأنظمة والعمليات الانتخابية والتوعية البرلمانية والحكم اللامركزي، وإصلاح الإدارة العامة وكيانات العدالة والأمن وحقوق الإنسان.
• تكوين المجلس التشريعي الانتقالي من كافة قوى ثورة ديسمبر مع مراعاة التوازن في التمثيل من حيث النوع والجهة والمهنة، والتمثيل العادل للجان المقاومة والجيش بعد إدماج الدعم السريع والحركات المسلحة. وهناك ضرورة لدعم المجلس التشريعي بخبرات مهنية عالية التأهيل لقيادة لجانه المتخصصة.
• ضمان عملية عادلة وشاملة للحوار حول الدستور المستند على مضامين ثورة ديسمبر مع مراعاة شرعية الكيان الذي يصيغ الدستور. ونظراً لعدم توفر الشرعية الدستورية الحالية لدى مجمل الفاعلين المدنيين والعسكريين يتطلب الأمر النظر في إدخال تعديلات هيكلية على الوثيقة الدستورية (عام 2019 المعدلة عام 2020) نظرا لمشاركة قوى الثورة في إعدادها في إطار الشرعية الثورية التر أفرزتها ثورة ديسمبر 2018، علماً أن كافة الفقرات التي استحدثتها وثيقة المحامين يمكن استيعابها في الوثيقة الدستورية المعدلة، بما في ذلك خروج العسكريين من السلطات السيادية والتنفيذية والتشريعية. وهناك ضرورة لوضع نظام حوكمة وطني شامل يساعد على عقد مؤتمر دستوري يستهدف العلاقة بين استدامة السلام وروح ونص الدستور، وبناء الثقة بين الفاعلين لتحقيق السلام وبناء الدستور، ومعالجة الثغرات الحرجة في القانون الدستوري المقارن وبناء السلام، خاصة وأن هذه الثغرات تتعلق بالترابط الطردي بين الدستور واستدامة السلام، ومراعاة الملكية الوطنية لعملية بناء الدستور لتحاشي النتائج العكسية المصاحبة لتعاظم دور الجهات الخارجية، وإطلاق حملة إعلامية عامة لتوسيع قاعدة المشاركة، وإجازة الدستور بواسطة المجلس التشريعي الانتقالي.
• تعزيز الحوكمة الانتقالية بإشراك الجهات الفاعلة المحلية في عملية صنع القرار، وتحديد ترتيبات تقاسم السلطة وتعبئة المواطنين لدعم السلطة الانتقالية من خلال العقد الاجتماعي.
• تكوين السلطة التنفيذية الانتقالية بإنشاء الوزارات والوحدات والهيئات والمجالس الاستشارية المستقلة المتسقة مع أهداف ثورة ديسمبر المتمثلة في تحقيق السلام والانتعاش الاقتصادي، وحصر الاختيار في الكفاءات الوطنية المستقلة عن الولاءات السياسية والجهوية والقبلية، وتحديد الاختصاصات لكافة الكيانات التنفيذية الرامية لتحقيق الانتقال الحقيقي نحو الحكم الديمقراطي المنشود.
• الإصلاح التشريعي ببناء قدرات المشرعين والموظفين، وتطوير المعايير الأخلاقية ومدونة قواعد السلوك، ووضع المبادئ التوجيهية المتعلقة بتمرير القوانين واللوائح من خلال المجلس التشريعي الانتقالي، وخضوع السياسات والموازنات الوطنية للنظام التشريعي، وتعزيز التواصل بين المشرعين وناخبيهم، وتحسين البنية التحتية المادية شاملة المباني والمكتبات ونظم المعلومات والمعدات المكتبية.
• إصلاح الحكم المحلي بإعطاء الأولوية لبناء قواعد البيانات على المستوى المحلي، بما في ذلك الدقة والتوقيت المناسب. ويتطلب ذلك توصيل الكهرباء والإنترنت ومحو الأمية الحاسوبية، ومساعدة السلطات المحلية لمراعاة معايير الأداء القابلة للتحقق بشكل موضوعي في توليد الإيرادات وتوفير التعليم الابتدائي والخدمات الصحية الأساسية، وتحاشي إنشاء مؤسسات حكم موازية تعمل على إضعاف أنظمة الإدارة الأهلية الفاعلة.
• إصلاح الحكم اللامركزي والفدرالية المالية بالتخلي عن نظام اللامركزية الحالي القائم على 18 ولاية ذات الطابع القبلي والإثني، والاستعاضة عنه بنظام يستند على النشاط الاقتصادي المراعي للعدالة الجغرافية، وترسيخ العلاقة بين مستويات الحكم (الاتحادي والولائي والمحلي) في الدستور والقوانين واللوائح، وتوخي المرونة لتغيير أدوات التنفيذ وفقاً للمقتضيات، وتكريس المبادئ السياسية والفلسفية في الدستور، وتنظيم الهياكل التشغيلية في القوانين واللوائح، ووضع العلاقات المالية بين مستويات الحكم الثلاثة تحت إشراف وزير المالية والتخطيط الاقتصادي لإعطاء الوزارة أقصى قدر من السيطرة والمرونة في إدارة الإنفاق العام. والإفصاح عن قرارات تخصيص الموارد بما في ذلك الميزانيات والمشتريات وبرامج الإنفاق، وإنفاذ العقوبات المناسبة على انتهاكات القواعد والممارسات الفاسدة، واعتماد صيغة تخصيصية للتحويلات الحكومية للولايات مناصرة للفقراء وداعمة للسلام تركز على القطاعات الاجتماعية المعززة بشكل مباشر للتخفيف من حدة الفقر وتحقيق السلام، بحيث تتركز التحويلات على قطاعات التعليم والصحة، والمياه، والطرق الريفية، والزراعة.
• تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد بإنفاذ قوانين مكافحة الفساد بما في ذلك إقالة المسؤولين الفاسدين وتفكيك شبكات الجريمة المنظمة وأمراء الحرب، وتمكين الآليات القانونية وآليات المجتمع المدني لمراقبة السلوك الحكومي، وتعزيز ممارسات الإدارة الشفافة في القطاعين العام والخاص، وإنشاء الحماية التشريعية لمجموعات المراقبة الوطنية.
التشاركية:
• مواصلة [التحضير للانتخابات الحرة النزيهة بإجراء التعداد السكاني ووضع الإجراءات والقواعد المناسبة للانتخابات بما في ذلك أمن المرشحين وصناديق الاقتراع، وإصدار قواعد الانتخاب، وضمان حملات انتخابية آمنة وعادلة، وتجنيد وتنظيم الفرق المحلية والدولية لمراقبة الانتخابات، ونشر المعلومات حول العملية الانتخابية، والقيام بحملة قومية لتوعية الناخبين، وتسجيل الأحزاب السياسية وفقاً لقوانين الانتخابات، وبناء القدرات برعاية ورش عمل لتطوير الأحزاب السياسية ولجان المقاومة والحركات المسلحة شاملة الإعلان وتحليل القضايا والعلاقات الإعلامية وجمع التبرعات وتعبئة الناخبين واستراتيجية الحملة الانتخابية.
• توفير التمويل والمساعدة الفنية وبناء القدرات لمجموعات المجتمع المدني للمساهمة في تحقيق السلام والتعافي الاجتماعي بمراقبة حالات حقوق الإنسان، ومساءلة أطراف النزاع عن جرائمهم، وتوفير الخدمات الأساسية والضرورية والمساعدات الإنسانية للمحتاجين، والوساطة بين الجماعات المجتمعية المتحاربة لتسوية خلافاتها سلمياً، وتوفير الحماية للمدنيين من الانتهاكات من قبل الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة.
• تعزيز القدرات الإعلامية بكفالة حرية التعبير وتكريس وقواعد وأنظمة الصحافة الحرة، ومشاركة الإعلام في نزع فتيل التوترات قبل أن تصل إلى نقطة حرجة، وتوفير معلومات موثوقة لكافة المواطنين، والمساعدة في إدارة الصراعات وتعزيز المبادئ الديمقراطية، وتشجيع المصالحة والتنمية المجتمعية، وتبني استراتيجيات الصحافة الحساسة للصراع والسلام، والترويج للبرامج الترفيهية المعززة للسلام، ومنع التحريض على العنف، ونشر المعلومات والأخبار المعززة للسلام، وتثقيف المراسلين والمسؤولين الإعلاميين حول أفضل الممارسات الإعلامية الرامية لاستدامة السلام والتحول الديمقراطي.
ثالثاً: مرحلة تمكين القدرات المحلية لتحقيق الاستدامة
تمهيد:
استعرض الجزء الأول من الإطار المقترح لوقف إطلاق النار وإعادة الإعمار مهام وآليات التدخل الوطني والإقليمي المباشر لبسط الأمن. وتناول الجزء الثاني مهام وآليات ترسيخ الانتقال. ويستعرض الجزء الثالث المهام المتعلقة بتمكين القدرات المحلية لتحقيق الاستدامة وفق استراتيجية خروج متدرج للتواجد الإقليمي والدولي (Exit strategy).
وفيما يلي استعراض للمهام والاختصاصات التفصيلية لمرحلة تمكين القدرات المحلية لتحقيق الاستدامة التي تهدف إلى تمتين القدرات المحلية لبسط الأمن، وفرض النظام القانوني الوطني الفاعل القائم على المعايير الدولية، وتهيئة الأطر المؤسسية الوطنية لتنفيذ برامج التنمية المستدامة، وتجهيز المؤسسات السياسية وتعميم النهج التشاركي لتحقيق التحول الديمقراطي.
وتشمل المرحلة الثالثة أربع ركائز على النحو التالي:
1. بسط الأمن:
• إحكام السيطرة الوطنية على المقاتلين بنقل مراقبة فرض وقف إطلاق النار وإنهاء العدائيات إلى المؤسسات الأمنية الوطنية وإنهاء دور القوات الإقليمية/الأممية في المراقبة، وتحويل مراقبة تنفيذ اتفاقيات السلام للسلطات المحلية، ودعم واستدامة تدابير الثقة في المؤسسات الأمنية الوطنية، وتأمين أسلحة المتقاتلين وتخزينها أو التخلص منها، وتطوير القدرة المحلية على السيطرة على الأسلحة، وفض معسكرات التسريح، وإعادة دمج المقاتلين السابقين في المجتمع، وتقديم خدمات المتابعة لإعادة الإدماج.
• تركيز إصلاح العلاقات بين الشرطة والمجتمع بمراعاة حقوق الإنسان، واكتساب مهارات الوساطة وحل النزاعات، وأساليب التحقيقات الجنائية التي تحترم حقوق الإنسان دون الحد من كفاءتها في الضغط على المجرمين، والتحسب للارتفاع المتوقع لمعدلات الجريمة بعد الصراع كأولوية قصوى لمنع تقويض الأمن وسيادة القانون.
• السيطرة الوطنية على الأراضي السودانية بنقل مهام مراقبة الحدود وحرية الحركة وحماية السكان ومسؤوليات الأمن العام إلى قوات الشرطة المحلية من القوات الإقليمية/الأممية إلى الجهات الفاعلة المحلية.
• إعادة تشكيل الجيش والشرطة بعد استكمال عمليات دمج الدعم السريع والحركات المسلحة بتقديم برامج المساعدة العسكرية للجيش الواحد لإذكاء عقيدته القومية، وبناء الجيش الواحد والشرطة الواحدة لمراقبة الامتثال للترتيبات الأمنية الإقليمية مع دول الجوار وتعزيزها.
• إيلاء المساعدات الدولية اهتماماً خاصاً لمساعدة الشرطة على تطوير وتطبيق قواعد السلوك الداخلية والإجراءات التأديبية، ومساعدة مكاتب المفتشين العامين على التحقيق في سوء سلوك الشرطة أو تورطها في الفساد أو الأنشطة الإجرامية ومعاقبة مرتكبيها. ويتعين معاقبة سوء سلوك الشرطة مع لجان المقاومة بسرعة وعدالة، وإلا فإن الشرطة الجديدة ستشبه الشرطة القديمة المقوضة لفرص السلام والتحول الديمقراطي.
2. العدالة الانتقالية:
• تنفيذ دورات بناء قدرات مشتركة بين السلطة القضائية وإدارة السجون والشرطة والمتخصصين في حقوق الإنسان للتمكين من رؤية مشتركة لحفظ السلام، وتطوير العمل الجماعي لمحاربة المفسدين وسيادة القانون.
• نقل مسؤوليات ومهام العدالة الانتقالية إلى مؤسسات العدالة الوطنية وتشجيع التعاون مع المؤسسات العدلية الدولية، والتخلي التدريجي عن دور المراقبة الإقليمية/الدولية لتطبيق القانون مع الاحتفاظ بالحد الأدنى من التعاون الشرطي الإقليمي والدولي، والاستمرار في توفير الدعم الفني وبرامج بناء القدرات للشرطة الوطنية لاستعادة مكانتها التي فقدتها بسبب ازدرائها للجان المقاومة، ودورها السلبي في حرب أبريل 2023، خاصة في الخرطوم، وتشجيع التعاون بين كيانات إنفاذ القانون الوطنية والإقليمية والدولية.
• إعادة تنظيم الجهاز القضائي للتعامل مع قضايا ما بعد الراع الملحة شاملة القتل والنهب والتعدي على الممتلكات والأراضي المجتمعية (الحواكير) وتهريب السجناء وقضاء الأحداث وقضايا المواطنة والفساد، وتسريح المقاتلين ونزع سلاحهم. والشروع الفوري في الفصل في القضايا العالقة لقطع الطريق أمام تغول "المفسدين". ومنح الأسبقية للمحاكم الأدنى لاختصاصها مباشرة بمعظم قضايا المواطنين في مرحلة ما بعد الصراع، والتنسيق المستمر بين إصلاحات القضاء والشرطة والسجون نظراً للترابط الوثيق بين أدوارهم في الانتقال.
• المبدأ التشغيلي لجميع إصلاحات قطاع العدالة هو تعزيز المؤسسات الفاعلة الأهلية، وليس استبدالها.
• تكثيف الحملات الإعلامية العامة لشرح دور الشرطة والنظام القضائي الجديد في تحقيق السلام والتحول الديمقراطي، وعقد لقاءات منتظمة بين الشرطة والمنظمات المجتمعية وبين القضاة والمدعين العامين وموظفي المحاكم والمواطنين.
3. الرعاية الاجتماعية والانتعاش الاقتصادي:
الرعاية الاجتماعية:
• تطوير وتوفير الفرص والخدمات الاقتصادية بإدارة وطنية لتشجيع عودة اللاجئين والنازحين داخلياً (IDP) إلى مواطنهم الأصلية الدائمة وتأمين استدامة عودتهم بإغلاق جميع المعسكرات المؤقتة.
• توفير الأمن الغذائي بحصول الجميع على طعام آمن ومغذٍ يلبي احتياجاتهم الغذائية وتفضيلاتهم بحيث يتوفر للحصول عليها باستدامة وإنصاف. والتخلص التدريجي من توزيع الإغاثة إلا في حالات الطوارئ، والانتقال إلى برامج المعونة الغذائية المعززة للإنتاج، وضمان إعمال آليات السوق لتوفير الغذاء، وتنفيذ خطط الإصلاح والتنويع الزراعي.
• تحويل إدارة الصحة العامة المتعلقة بإدارة المياه والنفايات للمسؤولين الوطنيين وتوسيع أنشطة إدارة النفايات إلى المناطق الريفية، وتحديث المعدات الطبية، والتوسع في تشغيل المستشفيات لتقديم الرعاية المتخصصة، وبناء القدرات للإدارة المحلية للعيادات، ومأسسة برامج التطعيم على مستوى الدولة للوقاية من الأمراض المعدية، وتنفيذ برامج تثقيفية طويلة المدى في مجال الرعاية الصحية.
• إيواء النازحين واللاجئين ببناء مساكن بأسعار مخفضة، والفصل القضائي في منازعات الملكية وتقديم التعويضات لأصحاب المنازل المدمرة، ودعم العودة الطوعية للنازحين في كافة حقب ومناطق الصراع إلى منازلهم أو أراضيهم أو أماكن إقامتهم المعتادة السابقة بأمان وكرامة على أساس اختيار حر ومستنير. والتأكد من توافق ظروف النقل والإدماج المحلي للنازحين مع القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان والمبادئ التوجيهية المتعلقة بالسكن اللائق بعد الإخلاء والتشريد القسري، وإتاحة سبل الإنصاف والمشورة والمساعدة القانونية وضمان محاكمة عادلة لجميع المواطنين الذين تعرضوا للإخلاء القهري.
• صيانة واستعادة الفتح المبكر للمدارس والجامعات باعتبار عودة الأطفال والشباب إلى فصول وقاعات الدراسة بمثابة مكاسب السلام (Peace dividend) وداعمة لاستدامته. وتدريب ودعم المعلمين في مناطق النزاع لتلبية الاحتياجات الخاصة للفتيات والفتيان، والتأكد من أمن وسلامة المدارس والجامعات للتلاميذ والطلاب والمعلمين. وتطوير وتبادل المواد التعليمية التي تراعي النوع الاجتماعي للمعلمين، ومأسسة فرص تعليم الكبار ودعم جهود حملات محو الأمية.
الانتعاش الاقتصادي:
• السيطرة على اقتصاد الظل (اقتصاد الصراع) بالتشدد في إنفاذ القانون وقطع العلاقة بين السلطة السياسية والثروة المكتسبة بطرق غير مشروعة، وتجريد المفسدين (Spoilers) من الحوافز الاقتصادية لتأجيجهم الصراع، واتخاذ إجراءات صارمة ضد التجارة الإجرامية التي تنتهك حقوق الإنسان وتساهم في زعزعة الاستقرار، وتشجيع دمج هياكل السوق الموازي بجعل القنوات الرسمية أكثر سهولة وأقل سعراً، ورعاية رواد الأعمال، وتحويل الأدوات المالية لاستيعاب القطاع غير الرسمي بشكل أفضل من خلال برامج التمويل الأصغر، والائتمان التجاري، والخدمات الإرشادية.
• الانتقال التدريجي من اقتصاد الصراع (اقتصاد الظل) لاقتصاد السلام (الاقتصاد الرسمي) بتوزيع النشاط الاقتصادي بطريقة احتوائية (Inclusive) حتى يتمكن كافة المواطنين من إدراك فوائد السلام من حيث تحسين الحياة وسبل العيش، والتأكد من أن السياسات التي تتبعها الحكومة بدعم الشركاء الدوليين عالية الحساسية تجاه تجدد الصراع والتوترات الاجتماعية (Conflict-sensitive).
• اتباع مسار الانتقال التدريجي من اقتصاد الصراع لاقتصاد السلام يتطلب التسلسل في التحول من القطاع غير الرسمي غير المشروع (Illicit informal sector) الذي يتسم بإنتاج وتجارة المخدرات والتهريب والابتزاز، إلى القطاع غير الرسمي المشروع (Subsistence sector) الذي يتسم بزراعة الكفاف والمنتجات المدعومة بالإعانات الحكومية وآليات دعم الأسعار لتعويض أي دخل مفقود، ثم التحول للقطاع الرسمي المشروع (Licit formal sector) الذي يتميز بإنتاج محاصيل التصدير ذات الإنتاجية العالية وغيرها من الصناعات التحويلية والتعدين وتقديم الخدمات.
• الإصلاح المؤسسي للتخطيط الإستراتيجي بوضع مسؤولية التخطيط وتنفيذ الخطط والبرامج السنوية لدى مفوضية وطنية تتبع مباشرة لرئيس الوزراء، وتفعيل دور الدولة في إدارة الاقتصاد لبناء اقتصاد مرن ومستقر يعزز السلام المستدام والنمو الشامل والاستثمار وخلق فرص العمل والتخفيف من حدة الفقر بدعم سبل العيش (Livelihood).
• وضع القواعد التي تشكل الإطار العام للأنشطة الاقتصادية العامة والخاصة بطريقة شفافة وموثوقة للاستفادة القصوى من الموارد المحلية والخارجية المتاحة، وتعزيز الفاعلية (Effectiveness) بتوطيد قدرة الدولة على إدارة ورقابة السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ودعم شرعية الدولة (Legitimacy) بإشراك جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين في السياسات الاقتصادية وتحقيق العدالة والمساواة بسيادة القانون، وفرض سلطة الدولة (Authority) بتأسيس وصيانة عقد اجتماعي بين الحكومة والمواطنين واستعادة القدرة على تبني وتنفيذ السياسات الإصلاحية.
4. الحوكمة والتشاركية:
الحوكمة:
• استكمال إعداد وإجازة المرجعية الدستورية عبر الحوار الوطني، وخلق منافذ لمناقشتها بواسطة الكيانات الشعبية، وإقرار الوثيقة الدستورية بواسطة المجلس التشريعي الانتقالي.
• تكريس المساءلة الديمقراطية باعتبارها شرطاً أساسياً للحوكمة الرشيدة وتحقيق السلام والتحول الديمقراطي بواسطة القدرات المحلية تحقيقاً للاستدامة. وتشمل أولاً المساءلة الأفقية (Horizontal accountability) بين سلطات الدولة الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، ومساءلتها كلها للهيئات الرقابية المستقلة (المراجع العام، وهيئة مكافحة الفساد، ومؤسسة الأمانة العامة للمظالم، وهيئة حقوق الإنسان، والإعلام). وثانياً المساءلة الرأسية (Vertical accountability) وتشمل المساءلة المباشرة بين الحكومة والشعب حول الالتزام بالعقد الاجتماعي بينهما. وبعد الانتخابات تتمثل المساءلة الرأسية في سلسلة المؤسسات والعمليات التي تربط الحاكم المنتخب بناخبيه ومنظمات المجتمع المدني.
• التخلص التدريجي من القوات الإقليمية/الأممية التي ساعدت في وقف إطلاق النار وبسط الأمن، ونقل مهامها للسلطة الوطنية الانتقالية التي بدورها تقوم تدريجياً بالتخلي عن سلطاتها لصالح حكومة وطنية دائمة تأتي عبر الانتخابات الحرة والنزيهة.
التشاركية:
• التعجيل الرغبوي بالانتخابات بعد الصراع الطويل، والفشل في توقيتها الحصيف يؤدي لتقويض السلام وإرساء التحول الديمقراطي، ويمثل سبباً مباشراً لتجدد الإحتراب (Recurrence of Conflict). وتعد الفترة الكافية لبسط الأمن الشامل وتجريد الأطراف المتنافسة من السلاح بواسطة قوات حفظ السلام الوطنية/الإقليمية/الأممية شرطاً مسبقاً لإجراء انتخابات حرة ونزيهة. وتأسيساً على طبيعة الصراع المستمر في السودان منذ استقلاله وعلى التجارب الشبيهة بالدول النامية فإن المغامرة بإجراء انتخابات في السودان قبل مرور خمس سنوات من وقف القتال والعدائيات يمثل تضرعاً لتجدد الصراع واستدامته.
• تحوُّل السودان الممزق بالصراع الطويل إلى ديمقراطية سلمية يتطلب استثمار قدر كبير من الوقت والمال في عملية مفتوحة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ونظراً لصعوبة التعجيل بهذه العملية لجسامة التحديات، فالأوجب تأجيل الانتخابات حتى لا تكون سبباً في تجدد الصراع. وذلك منعاً للمقاتلين السابقين، الذين تحولوا إلى سياسيين، من النكوص بإشعال الصراع برفضهم نتائج الانتخابات غير المواتية على المدى القصير، أو من خلال الحكم التعسفي الإقصائي في حالة النتائج المواتية، مما يخلق مظالم جديدة ويقود لتجدد القتال على المدى الطويل.
• تقاسم السلطة بين جميع مكونات ثورة ديسمبر أمر ضروري لتطور التحول الديمقراطي، ولا سيما من خلال تحالفات متعددة الأطراف. وعلى الرغم من أن أسلوب التمثيل النسبي يمثل وسيلة شائعة لضمان تمثيل هذه التحالفات، إلا أنه يحتاج لضمانات تمنع طغيان الأغلبية.
• يمثل توفير التمويل اللازم للانتخابات بعد الصراع الطويل العنصر الأهم لنزاهتها. والقصور في ذلك يؤدي إلى انخفاض فرص نجاحها بتدني مستويات إقبال الناخبين وارتفاع التزوير ومخالفات التصويت ومحدودية دور الإعلام في المراقبة والتدقيق.
• يقدر عدد الناخبين في السودان بحوالي 23 مليون ناخب من مجموع السكان المقدر بنحو 43 مليون نسمة. وتأسيساً على تجارب الدول الخارجة من الصراع فإن تكلفة الناخب الوحد، خاصة بعد حقبة الفساد الانتخابي الذي لازم حكم الإنقاذ، ودمار البنية التحتية في حرب أبريل 2023، تقدر بنحو 20 دولار للناخب الواحد. وعليه فإن المبلغ الواجب توفره لنجاح الانتخابات يقدر بنحو 575 مليون دولار.
• ينطوي الدعم اللوجستي لإجراء الانتخابات بعد خمس أعوام من وقف العدائيات على إجراء الإحصاء السكاني وتوفير وتأمين الوصول لصناديق الاقتراع، وتعزيز آليات حصر الأصوات، ونشر فرق المراقبة، والتواصل مع المواطنين، وإتاحة نتائج الانتخابات على نطاق واسع لتجنب التزوير وسوء الفهم، وتعزيز برامج التوعية المدنية قبل الانتخابات وبعدها، وتواصل الحوار بين المواطنين وممثليهم السياسيين على المستويات القومية والولائية والمحلية.
• تنقسم الأحزاب أثناء الانتقال إلى ثلاث فئات: 1) الأحزاب السياسية التي كانت موجودة قبل ثورة ديسمبر (أحزاب جناحي قوى الحرية والتغيير التي يواجهها تحدي المساءلة حول أدائها أمام عضويتها وناخبيها)، 2) الأحزاب السياسية التي تتأسس خلال الانتقال (لجان المقاومة التي تواجه تحدي التحول من كيان احتجاجي لكيان سياسي). 3) الأحزاب السياسية التي تنبثق من الفصائل المتحاربة السابقة (الدعم السريع ومكونات الجبهة الثورية التي تواجه تحدي الموارد والخبرة وعدم تكافؤ الفرص السياسية التي يواجهونها). وحتى تبلغ هذه الأحزاب النضج السياسي المطلوب لتحاشي إخفاقات الانتقال منذ سقوط الإنقاذ، يتعين إخضاعها لدورات متخصصة لبناء القدرات لتمكينها من مواجهة التحديات التي تسبق وتعقب الانتخابات.
• تكثيف الحوار الوطني لسد فجوة الثقة بين المجتمعات السياسية والمدنية والعسكرية التي أجهضت الانتقال قبل حرب بر يلأبريل 2023، بحيث يفضي الحوار إلى تجريد السياسة من السلاح (Demilitarization of politics) وتحويل الكيانات السياسية والحربية والاحتجاجية إلى كيانات ديمقراطية قادرة على الحفاظ على السلام وإرساء التحول الديمقراطي عبر منصات حوارية تعزز الثقة في تحقيق السلام وانتعاش الاقتصاد وشرعية الانتخابات.
رابعاً: المقارنة المعيارية ورصد وتقييم ومخاطر تنفيذ مهام الانتقال
تمهيد:
تمنح المقارنة المعيارية (Benchmarking) الفترة الانتقالية المراجع الخارجية والممارسات الجيدة التي يستند إليها تقييمها ونجاحها في تنفيذ مهامها وأهدافها. وتستهدف المقارنة المعيارية للفترة الانتقالية ثلاثة محاور تشمل: الاستراتيجية (Strategy)، والنهج (Process) والأداء (Performance). وترمي هذه المقارنة المعيارية إلى تعزيز فرص نجاح الانتقال بالاستفادة من التجارب العالمية والممارسات الجيدة في التحول الممنهج من مرحلة الصراع إلى مرحلة السلام وصولاً لمرحلة الديمقراطية المستدامة. ذلك أن تحاشي عثرات الانتقال التي أعقبت ثورة ديسمبر يستدعي التدبر الاستقصائي للممارسات السياسية والعسكرية من منظور الاستراتيجية المتبعة والنهج المستخدم والأداء الفعلي وفقاً لمؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs).
وتشير الممارسات السابقة في السودان إلى أن الفشل في الوصول للعدالة، وعدم المساواة الأفقية والرأسية قد أدى إلى تقويض التماسك الاجتماعي واحتقان ديناميكيات المظالم منذ استقلال السودان. ونظراً لتركها دون معالجة اقتصادية ومؤسسية وقانونية تخاطب جذور المظالم خلال الفترة الانتقالية، فقد تم استغلال هذه الديناميكيات لتعبئة المجموعات المتظلمة حول العنف. ذلك أن اتفاقية سلام جوبا قد سعت لصنع السلام (Peacemaking)، وإلى درجة أدنى حفظه (Peacekeeping)، ولكنها فشلت في بنائه (Peacebuilding). ويفسر ذلك إخفاق الاتفاقية في بناء السلام في إطار آلية هيكلية تتضمن مجموعة واسعة من الجهود التي تبذلها جهات فاعلة متنوعة على المستويات المجتمعية والوطنية والدولية لمعالجة الآثار المباشرة والأسباب الجذرية للصراع قبل وأثناء وبعد حدوث الصراع العنيف. وعليه فإن المرحلة القادمة يجب أن تسودها آليات فاعلة لحل النزاعات بحيث تكون مدمجة في هيكل الحكم كمستودع لمعالجة أي نكوص، تماماً مثل الآليات المدمجة في جسم الإنسان السليم القادرة على توليد الأجسام المضادة (Antibodies) التي تغنيه عن التدخل الطبي الخارجي. ومن ثم فإن بناء السلام وتحقيق الانتعاش الاقتصادي في السودان يتضمن نطاقاً واسعاً من الأنشطة التي كان ينبغي أن تسبق اتفاقية سلام جوبا وأيضاً تتبعها، بحيث لا يُنظر إلى اتفاقية السلام على أنها مجرد مرحلة زمنية أو حالة، بل بناء اجتماعي ديناميكي معزز ذاتياً.
1. الرصد والتقييم:
يُعد الرصد والتقييم (Monitoring and Evaluation) جزأين لا يتجزآن من عملية تنفيذ مهام الانتقال ويوفران رابطاً بين التخطيط والتنفيذ. ويمثل الرصد العملية المستمرة لجمع المعلومات اللوجستية والبرامجية لقياسها مقابل مؤشرات ما قبل الانتقال التي تتماشى مع أهداف البرنامج وغاياته بما يتيح المجال لاتخاذ الإجراءات التصحيحية المؤسساتية والفردية. كما يشمل التقييم عملية القياس المستمرة لجودة المخرجات التي تقدمها المهام المسندة لتحليل التقدم نحو تحقيق أهداف وغايات الانتقال المتمثلة في تحقيق السلام والانتعاش الاقتصادي بما يمكن من تحديد أوجه القصور وتصحيحها بما يلزم من إصلاح المؤسسات وتغيير شاغليها دورياً خلال سقف زمني لا يتجاوز ثلاثة أشهر.
وتمكيناً من القيام بعملية الرصد والتقييم بالكفاءة المطلوبة، ينبغي الحصول على التغذية الراجعة بشكل فوري ومستمر من أصحاب المصلحة لتدارك المشاكل الأساسية المصاحبة لعملية الانتقال في مرحلة مبكرة والوقوف على أثره الملموس في تحقيق السلام والانتعاش الاقتصادي. ويتضح من ذلك أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تحديداً واضحاً للمسؤوليات وآليات المتابعة، حيث يقتضي الأمر وضع آليات متابعة دورية لمراحل التنفيذ تشمل رفع تقارير المتابعة الفنية والمالية بشكل دوري لأعلى مستويات اتخاذ القرار بهدف الحصول على التوجيه بأفضل الحلول لإكمال التنفيذ وتذليل الصعاب والعقبات. ويتطلب ذلك تطوير الإحصاء لتوليد البيانات من خلال المسوح الاستقصائية والإحصاءات السكانية لتسهيل رصد التقدم المحرز.
وتشمل آليات الرصد والمتابعة زيارات الاستنباط والمتابعة الميدانية وعمليات بناء القدرات في مختلف الولايات، واللقاءات التنسيقية بين أصحاب المصلحة في الحكومة الاتحادية والحكومات الولائية والمحلية، والتقارير الفنية التي تعكس التقدم المحرز في تحقيق السلام المستدام والانتعاش الاقتصادي بمشاركة فاعلة من القطاع الخاص والمجتمع المدني. كما تشمل آليات الرصد والمتابعة التقارير المالية التي ترصد واقع استخدام الموارد المتاحة للتنفيذ وفقاً لأولويات المرحلة الانتقالية. كما تشمل التقارير المالية التطورات المتعلقة بشركاء التمويل الخارجيين، لمتابعة السحب من مساعداتهم الممنوحة، ورصد المعوقات التي تعترض تنفيذ الخطط التمويلية، وتقديم الحلول الناجعة لها.
وهنا تنبع أهمية مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) التي تمكّن من القياس الكمي للتقدم المحرز في تنفيذ مهام الفترة الانتقالية المنبثقة من العقد الاجتماعي بين الحكومة والشعب الذي يستلزم التبادل بين توفير الدولة للأمن والعدالة والفرص الاقتصادية مقابل دعم الشعب لسلطة الدولة بما يمكنها من فرض هيبتها وتعزيز فاعليتها. وهناك ضرورة لاختيار مؤشرات الأداء الرئيسية وفقاً لقاعدة SMART بحيث تكون هذه المؤشرات:
• محددة (Specific).
• قابلة للقياس (Measurable).
• قابلة للتحقيق (Achievable).
• ذات صلة (Relevant).
• محددة الوقت (Time Based).
ووفقاً لهذه المعايير فقد تم اختيار مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) لقياس وتقييم جهود الحكومة الانتقالية لتنفيذ مهام الانتقال المتعلقة بمعالم الانتقال البارزة (Milestones) التالية:
• السياسات الأمنية.
• السياسات الإنسانية والاجتماعية.
• الحوكمة والتحول الديمقراطي.
• لإصلاحات الاقتصادية.
• البنى التحتية والتنمية.
ويجدر بالذكر أن معالم (مراحل) الانتقال المذكورة تتحقق على مدى فترة زمنية تختلف وفقاً للظروف المحلية وحسب كل مهمة على حدة. وعلى هذا النحو، فلا يجب التعويل على تحقيقها بالتسلسل لأن المهام المنوطة بكل معلم (مرحلة) قد لا يتيسر تنفيذها في نفس الوقت، بل قد يتم ذلك خلال مرحلة لاحقة مما ينتج عنه تداخلاً أفقياً في تنفيذ مهام كل مرحلة. ولكن رغم ذلك، فإن النظر لهذه المعالم (المراحل) عمودياً لا غنىً عنه كمؤشر يعتد به في تقدير الحد الأدنى للمدى الزمني للفترة الانتقالية الذي يضمن تنفيذ مهامها المسندة بناء على اعتبارات فنية مجردة من الاشتهاء السياسي والنزعة العسكرية تحاشياً لعودة الصراع (Recurrence of Violence).
ويقع في صميم دور شركاء الانتقال المحليين والإقليميين والدوليين اتباع معايير متينة للتقييم الدوري المبني على النتائج المحققة (Result-based) لأداء أعضاء مجلسي السيادة والوزراء وكافة المسؤولين المدنيين والعسكريين، واتخاذ الإجراءات التصحيحية المناسبة في حالة الإخفاق. وتنبع أهمية هذا التقييم الدوري من قصر الفترة الانتقالية المحدد انتهاؤها خلال خمس سنوات، وتهيئة البلاد للانتخابات العامة والحكم الديمقراطي المستدام. ولا شك أن هذا التقييم الدوري المفضي لما يلزم من إجراءات تصحيحية هو أهم الضمانات لاستقامة المسار. ويقتضي التقييم الدوري للأداء بطبيعة الحال اللجوء للإحلال والإبدال في حالة ثبوت الإخفاق في ضوء التجربة العملية. وهناك ضرورة لجعل أنشطة التعافي ذات حساسية عالية للصراع (conflict-sensitive): فلا ينبغي لها أن تؤدي إلى تفاقم خطر العودة إلى العنف. بل ينبغي لها أن تعمل بنشاط على تقييم التأثيرات التوزيعية للبرامج والسياسات - بما في ذلك التأثيرات على المساواة الأفقية بين الولايات لضمان عدم تفاقم التوترات عن غير قصد.
وإدراكاً لضرورة الحد من مخاطر الصراع، ينبغي لأنظمة سياسات الاقتصاد الكلي خلال الانتقال أن تركز على تحفيز الاقتصاد وتعزيز الاستثمار الخاص. والتعامل مع الاعتبارات الأخرى، مثل خفض التضخم أو زيادة الإيرادات المحلية والتحرير المالي والخصخصة باعتبارها أولويات من الدرجة الثانية. ولابد من تقديم الإصلاحات على نحو يتوافق مع واقع الاقتصاد السياسي للسودان بحيث لا تؤدي سياسات الاقتصاد الكلي لتأجيج وإعادة الصراع. وتحقيقاً لهذه الغاية، يتطلب التعافي الناجح حصر تنصيب كوادر الانتقال في المدنيين المستقلين المتمتعين بالجدارة والنزاهة بحيث تستمد الدعم والشرعية من الالتزام بتنفيذ العقد الاجتماعي بين الحكومة والشعب. كما ينبغي توفير المساندة للحكومة من النخب السياسية المحلية الجادة ذات المصداقية الملتزمة بتعزيز السلام وتحقيق الانتعاش الاقتصادي. وعلى قدر كبير من الأهمية يجب توفر الحماية اللازمة من الحكومة من السلطات العسكرية والشرطية الموحدة الملتزمة بمدنية الدولة والتحول الديمقراطي.
2. نمط التسلسل في سياسات المراحل والمهام خلال سنوات الانتقال الخمس:
تتكون الفترة الانتقالية من ثلاث مراحل مترابطة بشكل وثيق ومتداخلة زمنياً وهي:
1. التدخل الوطني والإقليمي المباشر لبسط الأمن (12 شهراً).
2. ترسيخ التحول والانتقال (12-36 شهراً).
3. تمكين القدرات المحلية لتحقيق الاستدامة (36-60 شهراً).
وعلاوة على ذلك، هناك ضرورة لتقسيم سياسات الفترة الانتقالية إلى: المدى الفوري، والمدى قصير الأجل، والمدى متوسط الأجل، وذلك في إطار خمس مجموعات تشمل المهام التالية: الأمن، السياسات الإنسانية والاجتماعية، والحوكمة وإرساء قواعد التحول الديمقراطي، وتحقيق الإصلاح الاقتصادي، والبنى التحتية والتنمية.
3. توزيع إجمالي موارد الفترة الانتقالية بين مراحل ومهام سنواتها الخمس:
تتجسد المخاطر التي تواجه الانتقال في السودان في القابلية لتجدد الصراع الذي انحسر بعد اتفاقية جوبا للسلام 2020 وانفجر في أبريل 2023 بين الجيش والدعم السريع. ويمثل تعدد الجيوش وانتشار السلاح أبرز المهددات المجهضة للسلام والانتعاش الاقتصادي. كما أن استمرار الفشل في ضم الحركتين المسلحتين بقيادة عبد العزيز الحلو وعبد الواحد نور إلى ركب السلام يشكل عقبة أخرى تعيق تحقيق مهام الانتقال. وتشمل مخاطر الانتقال أيضاً عدم القدرة على توفير التمويل اللازم والفشل في جذب وإدارة وتنسيق دعم المانحين لتحقيق السلام والانتعاش الاقتصادي. ويهدد تنفيذ مهام الانتقال أيضاً عدم اتخاذ الخطوات الكفيلة بحوكمة السياسات الاقتصادية واستمرار غياب كيان استراتيجي مستقل يتابع عملية تنفيذ تلك السياسات في إطار إصلاح مؤسسي فاعل. كما يواجه الانتقال مخاطر عدم توفير البيانات الضرورية لتسهيل تصميم صيغة التحويلات الحكومية المعادلة للأقاليم المختلفة، وعدم التوافق على صيغة فاعلة لتخصيص التحويلات الحكومية المناصرة للفقراء والداعمة للسلام وتساهم في معالجة الاختلالات الرأسية بين المركز والولايات والأفقية بين مختلف الولايات. ويمثل الفشل في تحسين مناخ الاستثمار ومنهجية ممارسة الأعمال عقبة أخرى تعيق تنفيذ مراحل ومهام الانتقال على النحو المنشود. كما تشمل المخاطر أيضاً التباطؤ في بناء قدرات الخدمة المدنية المنوط بها تنفيذ مهام الانتقال. وتعتبر الأوضاع الاقتصادية المتردية من أهم العوامل التي تهدد بمخاطر تجدد الصراع. ويشمل ذلك انخفاض دخل الفرد، وضعف النمو الاقتصادي، ووجود تفاوتات اجتماعية واقتصادية أفقية (جماعية)، ونقص فرص العمل خاصة للشباب، وغياب حوكمة الموارد الطبيعية ذات القيمة العالية مثل الذهب والمعادن النفيسة الأخرى. ويلاحظ الانخفاض النسبي عبر السنوات الخمس في الصرف على السياسات الأمنية والسياسات الإنسانية والاجتماعية، لإفساح المجال لزيادة الصرف على سياسات الحوكمة والتحول الديمقراطي وسياسات الإصلاح الاقتصادي والبنى التحتية والتنمية.
4. مخاطر تنفيذ مهام الانتقال:
• تتجسد المخاطر التي تواجه الانتقال في السودان في القابلية لتجدد الصراع الذي انحسر بعد اتفاقية جوبا للسلام 2020 وانفجر في أبريل 2023 بين الجيش والدعم السريع.
• يمثل تعدد الجيوش وانتشار السلاح أبرز المهددات المجهضة للسلام والانتعاش الاقتصادي.
• استمرار الفشل في ضم الحركتين المسلحتين بقيادة عبد العزيز الحلو وعبد الواحد نور إلى ركب السلام يشكل عقبة أخرى تعيق تحقيق مهام الانتقال.
• عدم القدرة على توفير التمويل اللازم والفشل في جذب وإدارة وتنسيق دعم المانحين لتحقيق السلام والانتعاش الاقتصادي.
• عدم اتخاذ الخطوات الكفيلة بحوكمة السياسات الاقتصادية واستمرار غياب كيان استراتيجي مستقل يتابع عملية تنفيذ تلك السياسات في إطار إصلاح مؤسسي فاعل.
• عدم توفير البيانات الضرورية لتسهيل تصميم صيغة التحويلات الحكومية المعادلة للأقاليم المختلفة، وعدم التوافق على صيغة فاعلة لتخصيص التحويلات الحكومية المناصرة للفقراء والداعمة للسلام وتساهم في معالجة الاختلالات الرأسية بين المركز والولايات والأفقية بين مختلف الولايات.
• الفشل في تحسين مناخ الاستثمار ومنهجية ممارسة الأعمال يعيق تنفيذ مراحل ومهام الانتقال على النحو المنشود.
• التباطؤ في بناء قدرات الخدمة المدنية المنوط بها تنفيذ مهام الانتقال.
• الأوضاع الاقتصادية المتردية من أهم العوامل التي تهدد بمخاطر تجدد الصراع. ويشمل ذلك انخفاض دخل الفرد، وضعف النمو الاقتصادي، ووجود تفاوتات اجتماعية واقتصادية أفقية (جماعية)، ونقص فرص العمل خاصة للشباب، وغياب حوكمة الموارد الطبيعية ذات القيمة العالية مثل الذهب والمعادن النفيسة الأخرى.
• تهميش دور لجان المقاومة والمجتمع المدني بقيادة مراكز التميُّز(Centers of Excellence) ومؤسسات الفكر الوطنية (Think Tanks) وحرمانهم من المشاركة الفاعلة في إنجاح المبادرات الثنائية ومتعددة الأطراف لوقف إطلاق النار وإعادة إعمار السودان.
5. آليات الحد من مخاطر تنفيذ مهام الانتقال:
• التأكيد على أن العامل الأوحد في تحديد المدة الزمنية للفترة الانتقالية هو الاعتبارات الفنية التي تمكّن من تنفيذ مهام الانتقال المسندة البالغة الحساسية والتعقيد بالتدرج والتسلسل الواجبين بعيداً عن التسرع المؤدي لتجدد الصراع. ومن هذا المنطلق فإن تحديد الفترة الانتقالية بأقل من خمس سنوات يمثل توسلاً (Supplication) لتجدد الصراع واستدامته.
• ترسيخ آليات الرصد والتقييم (Monitoring and Evaluation) لإحكام الترابط بين التخطيط والتنفيذ ويتيح المجال لإصلاح المؤسسات وتغيير شاغليها دورياً خلال سقف زمني لا يتجاوز ثلاثة أشهر. كما يشمل التقييم عملية القياس المستمرة لجودة المخرجات التي تقدمها المهام المسندة لتحليل التقدم المحرز في تحقيق أهداف وغايات الانتقال.
• النأي عن مجرد التفكير في المشروعات النهضوية ونماذج المحاكاة بعيدة المدى خلال الفترة الانتقالية التي ينبغي ألا يتجاوز تفويضها وصلاحيتها التدرج الواقعي في الانتقال من اقتصاد الصراع الذي يقع نحو 70% منه خارج سيطرة الدولة (اقتصاد الظل)، إلى اقتصاد السلام (الاقتصاد الرسمي). ذلك أن إضاعة الموارد الشحيحة في التحول من اقتصاد الصراع مباشرة إلى اقتصاد التنمية المستدامة والمشروعات النهضوية يمثل تنظيراً أكاديمياً يجتر نهج الانقاذ الاقتصادي الفاشل.
• اتباع مسار الانتقال التدريجي من اقتصاد الصراع لاقتصاد السلام يتطلب التسلسل في التحول من القطاع غير الرسمي غير المشروع (Illicit informal sector) الذي يتسم بإنتاج وتجارة المخدرات والتهريب والابتزاز، إلى القطاع غير الرسمي المشروع (Subsistence sector) الذي يتسم بزراعة الكفاف والمنتجات المدعومة بالإعانات الحكومية وآليات دعم الأسعار لتعويض أي دخل مفقود. ثم التحول للقطاع الرسمي المشروع (Licit formal sector) الذي يتميز بإنتاج محاصيل التصدير ذات الإنتاجية العالية وغيرها من الصناعات التحويلية والتعدين وتقديم الخدمات بما يمهد لانطلاق التنمية المستدامة.
• تحقيق التوازن بين الاستهداف السريع للاستقرار والأمن، والمعالجة الجذرية للأسباب الكامنة وراء الصراع. ذلك أن إعطاء الأولوية لرفع مستوى الأمن على حساب العدالة الانتقالية، يؤدي إلى صعوبة تحقيق المصالحة وجعل المكاسب الأمنية أكثر هشاشة. وفي الوقت نفسه، فإن عمليات مكافحة الإفلات من العقاب يمكن أن تؤدي إلى عدم الاستقرار واستئناف الصراع.
• منح الأولوية في سياسات الاقتصاد الكلي لتقليل مخاطر استئناف الصراع على حساب تحقيق النمو المتسارع. وقد يعني ذلك التسامح المؤقت مع التضخم المعتدل وعجز الميزانية المكبوح. ومن الأهمية بمكان توجيه جهود التعافي خلال الانتقال أيضاً لتعزيز السياسات التي تجتذب استثمارات القطاع الخاص وعودة العمال المهرة من الشتات.
• يتطلب التعافي الناجح في مرحلة ما بعد الصراع انتعاشاً اقتصادياً يؤدي إلى الحد من مخاطر تكرار الصراع. وعلى هذا النحو، يجب أن يكون النمو مصحوباً بالتوسع في معالجة التفاوتات الأفقية بين الولايات وداخلها. وتقديم الدعم للتنشيط الاقتصادي، بما في ذلك خلق فرص العمل وسبل العيش (في الزراعة والأشغال العامة) وخاصة للشباب والمقاتلين السابقين المسرحين، فضلا عن إعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية.
• إيلاء الأهمية لمؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) التي تمكّن من القياس الكمي للتقدم المحرز في تنفيذ مهام الفترة الانتقالية المنبثقة من العقد الاجتماعي بين الحكومة والشعب الذي يستلزم التبادل بين توفير الحكومة الانتقالية للأمن والعدالة والفرص الاقتصادية، مقابل دعم الشعب لسلطة الحكومة بما يمكنها من فرض هيبتها وتعزيز فاعليتها. وهناك ضرورة لاختيار مؤشرات الأداء الرئيسية وفقاً لقاعدة SMART.
• تكوين المجلس التشريعي الانتقالي من كافة قوى ثورة ديسمبر مع مراعاة التوازن في التمثيل من حيث النوع والجهة والمهنة، والتمثيل العادل للجان المقاومة والجيش بعد إدماج الدعم السريع والحركات المسلحة. وضرورة مراعاة رفد المجلس التشريعي بذوي الخبرات المهنية في مجالات الاقتصاد والقانون والاجتماع لرئاسة وعضوية لجان المجلس المتخصصة.
• ضمان عملية عادلة وشاملة للحوار حول نظام الحكم والدستور المستند على مضامين ثورة ديسمبر مع مراعاة شرعية الكيان الذي يصيغ الدستور. ونظراً لعدم توفر الشرعية الدستورية لدى مجمل الفاعلين المدنيين والعسكريين الحاليين، يتطلب الأمر النظر في إدخال تعديلات هيكلية على الوثيقة الدستورية (عام 2019 المعدلة عام 2020) نظراً لمشاركة قوى الثورة في إعدادها في إطار الشرعية الثورية التر أفرزتها ثورة ديسمبر 2018، علماً أن كافة الفقرات التي استحدثتها وثيقة المحامين يمكن استيعابها في الوثيقة الدستورية المعدلة، بما في ذلك خروج العسكريين من السلطات السيادية والتنفيذية والتشريعية. وهناك ضرورة لوضع نظام حوكمة وطني شامل يساعد على عقد مؤتمر دستوري يستهدف العلاقة بين استدامة السلام وروح ونص الدستور.
• تكوين السلطة التنفيذية الانتقالية بإنشاء الوزارات والوحدات والهيئات والمجالس الاستشارية المستقلة المتسقة مع أهداف ثورة ديسمبر المتمثلة في تحقيق السلام والانتعاش الاقتصادي، وحصر الاختيار في الكفاءات الوطنية المستقلة عن الولاءات السياسية والجهوية والقبلية، وتحديد الاختصاصات لكافة الكيانات التنفيذية الرامية لتحقيق الانتقال الحقيقي نحو الحكم الديمقراطي المنشود.
• الإصلاح التشريعي ببناء قدرات المشرعين، وتطوير المعايير الأخلاقية وقواعد السلوك، ووضع المبادئ التوجيهية المتعلقة بتمرير القوانين واللوائح من خلال المجلس التشريعي الانتقالي، وخضوع السياسات والموازنات الوطنية للنظام التشريعي.
• إصلاح الحكم المحلي بإعطاء الأولوية لبناء قواعد البيانات على المستوى المحلي، بما في ذلك الدقة والتوقيت المناسب. ويتطلب ذلك توصيل الكهرباء والإنترنت ومحو الأمية الحاسوبية، و مساعدة السلطات المحلية لمراعاة معايير الأداء القابلة للتحقق بشكل موضوعي في توليد الإيرادات وتوفير التعليم الابتدائي والخدمات الصحية الأساسية، وتحاشي إنشاء مؤسسات حكم موازية تعمل على إضعاف أنظمة الإدارة الأهلية الفاعلة.
• إصلاح الحكم اللامركزي والفدرالية المالية في ضوء مخرجات مؤتمر نظام الحكم بالتخلي عن نظام اللامركزية الحالي القائم على 18 ولاية ذات الطابع القبلي والإثني، والاستعاضة عنه بنظام يستند على النشاط الاقتصادي المراعي للعدالة الجغرافية، وترسيخ العلاقة بين مستويات الحكم (الاتحادي والولائي والمحلي) في الدستور والقوانين واللوائح، وتوخي المرونة لتغيير أدوات التنفيذ وفقاً للمقتضيات، وتكريس المبادئ السياسية والفلسفية في الدستور.
• تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد بإنفاذ قوانين مكافحة الفساد بما في ذلك إقالة المسؤولين الفاسدين وتفكيك شبكات الجريمة المنظمة وأمراء الحرب، وتمكين الآليات القانونية وآليات المجتمع المدني لمراقبة السلوك الحكومي، وتعزيز ممارسات الإدارة الشفافة في القطاعين العام والخاص، وإنشاء الحماية التشريعية لمجموعات المراقبة الوطنية.
• تمثل المساعدات الخارجية أهمية كبيرة للتعافي، خاصة في المراحل المبكرة من الانتقال، بيد أن إدارة هذه المساعدات يجب أن تخضع لدورها في تعزيز واستخدام الموارد المحلية، بحيث لا تكون وسيلة لتعزيز الأنظمة الموازية لمبدأ الاعتماد على الذات.
• تحسين بيئة الأعمال لجذب المستثمرين المحليين والأجانب للاستثمار في المشروعات القومية والإقليمية الداعمة لتحقيق السلام والانتعاش. ويمثل تعزيز الحوار الاجتماعي لتحقيق إجماع شامل حول معالجة القضايا الحساسة مثل حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وحماية الفئات المهمشة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة عنصراً مهماً في المساعدة على تخفيف حدة المخاطر التي تواجه الانتقال.
• تعزيز قدرة الحكومة على بسط الأمن والقانون والنظام وتنسيق العون الثنائي ومتعدد الأطراف لإعادة الإعمار في مناطق الصراع لمنع تكرار المشاريع، وإدارة الموارد الخارجية بطرق قابلة للمساءلة وتتسم بالمرونة وسهلة التنفيذ وموجهة حسب احتياجات تحقيق السلام والانتعاش.
• تعزيز تمكين المرأة وحمايتها من التمييز وفرض أقصى العقوبات على العنف الجنسي المنظم الذي شكل أحدى تكتيكات الحرب في السودان في مختلف المواقع الجغرافية والحقب الزمنية، بيد أن من اتفاقيات السلام السابقة لم توفه حقه. وعلاوة على ذلك، هناك حاجة ماسة لتحسين فرص العمل للنساء.
• إصلاح الخدمة المدنية بتحديد هيكلها وحجمها المناسب لتلبية الاحتياجات الانتقالية والمتطلبات المتعلقة بالتحول الديمقراطي. ونظراً لأن الخدمة المدنية تمثل العمود الفقري لنجاح أو فشل الانتقال هناك ضرورة ملحة لتدعيم قدرات جهاز الخدمة المدنية على جميع المستويات والاهتمام ببناء قدرات ومهارات الموظفين وتوفير حوافز لجذب الموظفين المؤهلين من السودانيين العاملين بالخارج.
• مراكز التميُّز ومؤسسات الفكر الوطنية بوصفها كيانات وطنية مستقلة المساعدة تساهم في إنجاح الفترة الانتقالية من منطلق مهني مجرد من الاعتبارات السياسية والجهوية تماشياً مع منطلقات ثورة ديسمبر التي عمَّقت شعوراً قومياً بضرورة اضطلاع الكيانات الوطنية المستقلة بلعب الدور الأبرز في الجهود الرامية لتحقيق أهداف الفترة الانتقالية لضمان الملكية الوطنية (National Ownership) للمخرجات. وحتى يتم تحقيق الإنبات المحلي (Homegrown) للمبادرة الإفريقية تبرز الضرورة لمشاركة هذه الكيانات في كافة مراحل الانتقال. حيث إن الممارسات الجيدة في الدول النامية قد أكدت نجاح مراكز التميز ومؤسسات الفكر في حل العديد من الخلافات المستعصية في كل من نيجريا، وأفغانستان، ونيبال، وتونس. كما يمكن لهذه الكيانات الوطنية المستقلة حث جانبي الصراع للعمل سوياً بشكل أكثر كفاءة من خلال خلق التآزر وتوليد أفكار جديدة والتوصل إلى التوافق والتماسك المنشود لتحقيق حكم مدني مكتمل يهيئ البيئة المناسبة للتحول الديمقراطي المنشود.
melshibly@hotmail.com
بروفيسور/ مكي مدني الشبلي
المدير التنفيذي – مركز مأمون بحيري، الخرطوم
تمهيد:
أفضى الإحتراب المدمر الذي اندلع في الخرطوم منتصف أبريل 2023 بين الجيش والدعم السريع إلى كارثة وطنية انداحت آثارها الاقتصادية والاجتماعية لبقية ولايات السودان ودول الجوار الإفريقي والعربي. وألقى الاقتتال الطاحن بظلام قاتم علي الفترة الانتقالية المتعثرة التي كابدها السودان بعد نجاح ثورة ديسمبر في إسقاط حكم الإنقاذ الشمولي في أبريل 2019. وفي خضم فشل الفترة الانتقالية في تحقيق استحقاقات السلام والانتعاش الاقتصادي وتهيئة البيئة المؤدية لانتخابات حرة ونزيهة، استعر الإحتراب الكارثي منتصف أبريل 2023 ليضيف أعباء واستحقاقات متراكمة على الفترة الانتقالية، ويسلط الضوء على الأوزار التي لازمت الممارسات السابقة من السياسيين والعسكريين.
وعلى هذه الخلفية الحالكة فإن الإطار العملي لوقف إطلاق النار وإعادة إعمار السودان ينطوي على مهام واختصاصات محددة للنهوض بالسودان ويضع حداً لتراكم الآثار الوخيمة للصراعات الهدامة التي لازمت الخمسين سنة الماضية. وقد تم تصميم هذا الإطار لمساعدة الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين على تصور وتنظيم وتحديد أولويات السياسات الاقتصادية والاجتماعية خلال فترة انتقالية رصينة محددة التوقيت والمهام المسندة والاختصاصات. كما يرمي الإطار الواقعي إلى المساعدة في تحديد أوجه القصور والثغرات في تجربة الانتقال السابقة، ويمهد الطريق لانتقال حقيقي يراعي التسلسل والتدرج في تنفيذ المهام المؤدية للحكم المدني الراسخ والتحول الديمقراطي المستدام بعيداً عن الاشتهاء الجامح والتشاؤم المستكين. وتحقيقاً لهذه الغايات المأمولة ينطوي إطار وقف إطلاق النار والإعمار على عملية تخطيط استراتيجي واقعي يحدد أولويات الانتقال ويقسم المهام المسندة بشكل منسق بين الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية بما يضمن تحاشي الانتكاسات التي لازمت فترة الانتقال السابقة.
وتأسيساً على العبر من تجارب عشرات الدول التي لا زالت تعاني من الصراع، وتلك التي خرجت منه، ينطوي إطار وقف إطلاق النار وإعمار السودان على ثلاث مراحل تشمل:
1. التدخل الوطني والإقليمي المباشر لبسط الأمن.
2. ترسيخ التحول والانتقال.
3. تمكين القدرات المحلية لتحقيق الاستدامة.
وتستند كل مرحلة على أربع ركائز تشمل:
1. بسط الأمن.
2. العدالة الانتقالية والوئام المجتمعي.
3. الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي.
4. الحوكمة والتشاركية.
ونظراً لأن الفترة الانتقالية القادمة تتحمل أعباء إخفاقات تجربة الانتقال السابقة منذ سقوط نظام الإنقاذ في أبريل 2019، وأوزار حرب أبريل 2023، فإن تحديد مدة الفترة الانتقالية ينبغي أن يضع في الحسبان فترة كافية للإيفاء بعقد اجتماعي بين الدولة والشعب يكسبها الشرعية المطلوبة. وينطوي هذا العقد الاجتماعي على مجابهة الحكومة لتحديات الانتقال المتراكمة التي تشمل فيما تشمل:
• وقف الأعمال العدائية.
• الالتزام بمبادئ الحرية والسلام والعدالة لثورة ديسمبر 2018.
• تفكيك نظام الثلاثين من يونيو1989 وفقاً للقانون.
• مراجعة اتفاقية سلام جوبا.
• التسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج.
• إدماج الدعم السريع وجيوش الحركات المسلحة في الجيش السوداني.
• تحقيق العدالة الانتقالية.
• عودة اللاجئين والنازحين.
• إرساء أسس الدولة المدنية الفاعلة.
• تحقيق الاندماج المجتمعي وإدارة العلاقات المجتمعية.
• توفير الوظائف للشباب.
• الإيفاء بحقوق المرأة.
• ترسيخ علاقات إقليمية ودولية ترتكز على تحقيق المكاسب المشتركة (Win-win).
• الشروع في تحقيق الانتعاش الاقتصادي.
• تهيئة البيئة الصالحة لقيام انتخابات حرة ونزيهة.
هل يعقب الحرب في السودان انتقال أم تأسيس؟
يمثل التئام جانبي الصراع في حوار وطني لإنتاج مرحلة انتقالية وطيدة ومتماسكة ـ كما كان الحال في جنوب أفريقيا ـ عاملاً مهماً لتجاوز مرحلة الصراع بتحقيق السلام المستدام. وفي هذه الحالة فإن المرحلة الانتقالية لا تعدو عن كونها مجرد "جسر" مصمم هيكلياً لعبور السودان من الصراع للسلام ثم التحول الديمقراطي، دون تحميل هذا الجسر أكثر من طاقته التصميمية مما يؤدي لانهياره. ولعل من أبرز قضايا الحوار الوطني خلال الفترة الانتقالية القادمة هو الاختصاصات والمهام المسندة للفترة التي تعقب انتهاء الصراع المسلح – هل هي "انتقال" نحو التحول الديمقراطي؟ أم "تأسيس" الدولة السودانية؟
تقتضي الإجابة المستنيرة على التساؤلات المصاحبة لهذين الخيارين التأمل الحصيف في طبيعة شرعية سلطات الانتقال القادم بعد انتهاء الصدام المدمر بين الجيش والدعم السريع، الذي أحيل فيه الشعب السوداني المفجر لثورة ديسمبر إلى فريسة للمتقاتلين. ذلك أن الممارسات المتعارف عليها في تجارب ما بعد الصراع في جميع أنحاء العالم تؤكد أن "تأسيس" الدولة خلال الانتقال لا يمكن تحقيقه إلا عبر الشرعية الثورية، التي كانت قد فقدت صلاحيتها في السودان بتجاوز عمر ثورة ديسمبر الشعبية لأربع سنوات، أو عبر قوة السلاح فاقدة الشرعية بغض النظر عن المنتصر بين الجيش والدعم السريع.
ونظراً لفقدان "الشرعية الثورية" لصلاحيتها منذ انقضاء بضعة أشهر على نجاح ثورة ديسمبر الشعبية في الإطاحة بالنظام السابق، فإن الذي يحل محلها منطقياً هو "شرعية المؤازرة الشعبية" التي تتأتى بالتوافق على "عقد اجتماعي" مستوحى من أهداف ثورة ديسمبر. ولا يحل محلها بتاتاً ما يُسمى "الشرعية التوافقية". وينطوي هذا "العقد الاجتماعي" على مجابهة تحديات الانتقال المتراكمة التي ظل يعاني منها الشعب السوداني. وذلك بتجنب مكابدة تعقيدات حيازة الشرعية الضرورية "لتأسيس السودان الجديد". وتأسيساً على ما شهدته الفترة الانتقالية السابقة من جدل عقيم حول هذه الشرعية، فإن "التأسيس" خلال الانتقال يقود حتماً لتواصل الفشل نحو التحول الديمقراطي بتأجيج صدام مسلح أوسع نطاقاً وأفدح خسائراً. ذلك أن الممارسات الجيدة في العديد من البلدان الخارجة من الصراع قد أكدت أن ما يسمى "الشرعية التوافقية" ما هي إلا مجرد غطاء لفرض رأي سلطة الأمر الواقع، مثل ما حدث في "حوار الوثبة" إبان النظام السابق. وفي بعض الحالات فرضت "الشرعية التوافقية" رأي السفارات المتنفذة في تلك الدول الخارجة من الصراع.
ولا يغيب على السودانيين أن محاولة "تأسيس السودان الجديد" عبر سلاح الحركة الشعبية لتحرير السودان قد أدى لانفصال الجنوب في عام 2011، عقب فترة انتقالية دامت ست سنوات طغى عليها نظام الإنقاذ السابق. ونتج عن ذلك "ترسيخ السودان القديم"، بدلاً عن "تأسيس السودان الجديد"! وتشير الدلائل إلى تواصل خطل "التأسيس" خلال فترة الانتقال حتى بعد انفصال الجنوب عندما استخدم نفس سلاح الحركة الشعبية لتحرير السودان في عام 2013 لمحاولة "تأسيس جنوب السودان الجديد" بعد عامين فقط من احتفال "تأسيس" الدولة الوليدة في عام 2011، حيث دام ذلك الصراع المسلح خمس سنوات سقط خلالها مئات الآلاف من القتلى.
إن الفترة الانتقالية بعد هذه الحرب المدمرة بين الجيش والدعم السريع لا تعدو عن كونها جسر عبور واهن نحو التحول الديمقراطي، معرض للانهيار إذا حُمّل فوق طاقته التصميمية التي لا ينبغي أن تتجاوز تنفيذ العقد الاجتماعي بين سلطة الانتقال المدنية والشعب. ويماثل تلك الحمولة الفائضة عن الحاجة أيضاً تحميل الفترة الانتقالية مشروعات "نهضوية" اشتهائية لا تقوى على تنفيذها. ونظراً لهشاشة هذه الفترة فإن المشروعات "النهضوية" خلال الانتقال تمثل "إفراطاً" بنفس القدر الذي تمثل فيه المهمات "التأسيسية" خلال الانتقال "تفريطاً".
وعليه فإن محاولة إغراق الفترة الانتقالية بمهام "تأسيس السودان الجديد" يمثل تمريناً نخبوياً لا يستند إلا على شرعية السلاح، فضلاً عن كونه قصير الأجل تجُبُّه منطقياً السلطة المنتخبة بعد انتهاء الفترة الانتقالية. ذلك أن "التأسيس المستدام" للسودان الجديد لا يتم إلا عبر سلطة منتخبة تعقب إنجاز الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للسلام عبر فترة انتقالية رصينة ومتماسكة لا تقل مدتها عن خمس سنوات، يقودها مدنيون مستقلون ويحميها جيش واحد موحد، ويتم خلالها تنفيذ العقد الاجتماعي بين السلطة الانتقالية والشعب.
لماذا خمس سنوات انتقال لتحقيق التحول الديمقراطي؟
نظراً لأن الفترة الانتقالية القادمة تتحمل أعباء إخفاقات تجربة الانتقال السابقة منذ سقوط نظام الإنقاذ في أبريل 2019، وأوزار حرب أبريل 2023، فإن عدد سنواتها ينبغي أن يحدد بفترة كافية للإيفاء بعقد اجتماعي بين الحكومة الانتقالية والشعب، يكسبها الشرعية المطلوبة بالترابط المتبادل المنطوي على توفير الحكومة الانتقالية للأمن والعدالة والفرص الاقتصادية، مقابل دعم الشعب لسلطة الدولة بما يمكنها من فرض هيبتها وتعزيز فاعليتها. ويشتمل العقد الاجتماعي على ما يلي:
الالتزام بمبادئ الحرية والسلام والعدالة لثورة ديسمبر 2018، وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو1989 وفقاً للقانون، ووقف العدائيات المصاحبة للصراع، ومراجعة اتفاقية سلام جوبا، والتسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج، وإدماج الدعم السريع وجيوش الحركات المسلحة في الجيش السوداني، وتحقيق العدالة الانتقالية، وعودة اللاجئين والنازحين، وإرساء أسس الدولة المدنية الفاعلة، وتحقيق الاندماج المجتمعي وإدارة العلاقات المجتمعية، وتوفير الوظائف للشباب، والإيفاء بحقوق المرأة، وترسيخ علاقات إقليمية ودولية ترتكز على تحقيق المكاسب المشتركة (Win-win)، والشروع في تحقيق الانتعاش الاقتصادي، وتهيئة البيئة الصالحة لقيام انتخابات حرة ونزيهة عقب سنوات الانتقال الخمس.
ويتطلب إيفاء الحكومة الانتقالية بهذا العقد الاجتماعي مع الشعب تنفيذ مهام واختصاصات محددة تستدعي تخطيطاً استراتيجياً واقعياً يحدد مراحل وأولويات الانتقال ويقسم المهام المسندة لكل مرحلة بشكل متماسك ومنسق مع الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية بما يضمن تحاشي الانتكاسات وتجدد الصراع (Recurrence of Conflict). وتأسيساً على العبر من تجارب عشرات الدول التي لا زالت تعاني من الصراع، وتلك التي خرجت منه.
إن بناء الثقة وثقافة التعاون بين أصحاب المصلحة وداخل مؤسسات الدولة يصعب تحقيقه بين ليلة وضحاها. وبناءً على تجارب دولية شبيهة، وبل وتجربة السودان نفسه، فإن فترة سنتين أو ثلاثة لن تكفي لإكمال مهام الانتقال. ذلك أنه من المهم الانتباه إلى التسلسل في تحديد الآجال الواقعية لمختلف مهام الإصلاح. ويمكن استخلاص العبرة من الجداول الزمنية الفعلية في السياقات الإقليمية والعالمية المماثلة. ففي نيبال تطلب الأمر ست سنوات لإعادة دمج القوات. وفي رواندا اتسم تحقيق العدالة الانتقالية عقدا كاملاً خلال الفترة 2001-2012" بواسطة محاكم "غاشاشا" المكونة من الهيئات القانونية الشعبية المستوحاة من هياكل السلطة الأهلية لمحاكمة ما يقرب من مليوني فرد. ذلك أن تحقيق العدالة الانتقالية يتطلب استصحاب الحكمة في خلق التوازن بين الحفاظ على الزخم في مسار العدالة وقدرة ضحايا الصراع في التأقلم على متطلبات السلام.
وتأسيساً على طبيعة الصراع المستمر في السودان، وعلى التجارب الشبيهة في الدول النامية المعانية من الصراع فإن المغامرة بإجراء انتخابات في السودان قبل مرور خمس سنوات من الانتقال المتماسك يمثل توسلاً (Supplication) لتجدد الصراع واستدامته. ذلك أن التعجيل بالانتخابات استجابةً لنزوات عسكرية أو طموحات سياسية في ظل جسامة تحديات تنفيذ العقد الاجتماعي بين الحكومة والشعب، سيجعل من الانتخابات ذريعة لتجدد الصراع بسبب جنوح المقاتلين السابقين، الذين تحولوا إلى سياسيين، للنكوص عن السلام بإشعال الصراع لرفضهم نتائج الانتخابات غير المواتية على المدى القصير، أو من خلال الحكم التعسفي الإقصائي في حالة النتائج المواتية لهؤلاء المقاتلين السابقين. ويؤدي ذلك لخلق مظالم جديدة ويقود لتجدد القتال على المدى المتوسط. ومن ثم فإن خيار خمس سنوات للفترة الانتقالية القادمة يمثل الحد الأدنى لسنواتها التي تمكّن من تنفيذ مراحلها ومهامها المسندة المنبثقة عن العقد الاجتماعي تحاشياً لتجدد القتال.
وفيما يلي استعراض للمهام والاختصاصات التفصيلية لمراحل وقف إطلاق النار وإعمار السودان.
أولاً: مرحلة التدخل الوطني والإقليمي المباشر لبسط الأمن
تهدف هذه المرحلة إلى إنشاء بيئة آمنة ومأمونة في السودان، و تطوير آليات لمعالجة المظالم السابقة والمستمرة، وتوفير الاحتياجات الإنسانية الطارئة، وتحديد هيكل الحوكمة، وإرساء الأساس لمشاركة المواطنين. وتشمل هذه المرحلة الأولى أربع ركائز على النحو التالي:
1. بسط الأمن:
يتطلب نشر الأمن ومراقبة وقف إطلاق النار تدخلات عسكرية إقليمية مدعومة أممياً للفصل بين المتحاربين وحفظ الأمن بالتنسيق بين مبادرات الإيقاد، والاتحاد الإفريقي، ودول الجوار السوداني، والتي يعوّل جميعها على التكامل مع منبر جدة الذي ترعاه المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية. ذلك أن تواصل الفشل الموافقة على المبادرات المطروحة واستمرار خرق الهدن الإنسانية يشير لضرورة الاستعانة بقوات إقليمية لفرض السلام والحفاظ عليه، سيما في ضوء الانقسام الحاد في مجلس الأمن الذي يصعِّب من تدخله في السودان تحت البند السابع. وتنبع أهمية التدخل العسكري الإقليمي من فشل الفاعلين المحليين في وقف الاقتتال. وذلك فضلاً عن أن بسط الأمن يمثل شرطاً مسبقاً لتحقيق نتائج ناجحة في مهام الانتقال المتراكمة الأخرى. فقد أكد فشل منبر جدة في وقف مستدام لإطلاق النار أن كبح جماح المواجهات الدامية بين الجيش والدعم السريع يحتاج لراعٍ يستحوذ على قدرات قتالية ميدانية لبسط الأمن وفرضه بقوة عسكرية مدعومة من المجتمع الدولي للفصل بين المتحاربين، بحيث تساهم جوهرياً في تنفيذ هذه العملية "القوة الاحتياطية لشرق إفريقيا" (Eastern Africa Standby Force-EASF) التي تضم عناصر عسكرية وشرطية ومدنية. ويجدر بالذكر أن "إيساف" قد تشكلت بواسطة القمة الافتتاحية للاتحاد الإفريقي التي عقدت بمدينة ديربان في جنوب إفريقيا في يوليو 2002، وبموجب البروتوكول المتعلق بتأسيس مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقي (African Union Peace and Security Council-AUPSC). وقد تأسست "إيساف" كآلية إقليمية لتوفير القدرة على النشر السريع للقوات، وتنفيذ الانتشار الوقائي، والتدخل السريع ودعم السلام. وفي أبريل 2005 وُقِّعت مذكرة التفاهم، وعدلت في يناير 2011، لتحدد على نحو صريح أن "إيساف" هيئة تابعة لـ"القوة الاحتياطية الإفريقية" (African Standby Force - ASF). وحالياً تضم في عضويتها 10 دول أعضاء نشطة، تشمل: بوروندي، وجزر القمر، وجيبوتي، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، وسيشيل، والصومال، والسودان، وأوغندا.
ويجدر بالذكر أن السودان ليس عضواً فاعلاً في "إيساف" فحسب، بل تولى قيادتها حيث شغل العميد ركن حينه علاء الدين عثمان ميرغني هذا المنصب خلال الفترة 2017-2020، وترقى لاحقاً لرتبة اللواء وشغل منصب مدير الإدارة العامة للعلاقات الدولية عام 2022. وتشير الدلائل إلى أن دخول قوات "إيساف" للسودان ليس جديداً حيث أجرت تلك القوات خلال قيادتها السودانية تمرين «سلام الشرق 2» الذي انطلق في عام 2017 بمنطقة جبيت بولاية البحر الأحمر. واشترك في هذا التمرين أكثر من ألف عنصر من الدول العشر الأعضاء، بمشاركة خبراء من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وقد نصت بروتوكولات إنشاء "إيساف" على التعاون مع الأمم المتحدة، ووكالاتها بما فيها مجلس الأمن، والمنظمات الدولية، والمنظمات الإقليمية الأخرى ذات الصلة، وكذلك مع السلطات الوطنية والمنظمات غير الحكومية، عند الحاجة. وبمجرد نشر قوة "إيساف" في أي دولة من الدول الأعضاء يتولى الاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة مهمة السيطرة العملياتية عليها. وتعمل "إيساف" بشكل وثيق مع مختلف الشركاء الثنائيين ومتعددي الأطراف الذين يقدمون لها الدعم المالي واللوجستي والفني اللازم لإنجاز مهامها على الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية. ويشمل الشركاء الثنائيون الولايات المتحدة وفرنسا واليابان وألمانيا وبريطانيا وهولندا والدنمارك وفنلندا والنرويج والسويد. كما تتلقى "إيساف" مساعدات من مصادر متعددة الأطراف تشمل الأمم المتحدة وبرامج الأمم المتحدة الإنمائي والاتحاد الأوربي.
وعطفاً على تجارب الأمم المتحدة الناجحة في العديد من الدول التي أفلحت في الخروج من الصراع (Post-conflict) فإن عدد ونوع الأفراد المنتشرين من قوات "إيساف" في عمليات حفظ السلام في السودان يؤثران طردياً على القدرة على ضمان استدامة السلام. فبزيادة عدد قوات "إيساف"، تتضاءل فرصة استئناف الإحتراب. ذلك أن فاعلية حفظ السلام في السودان تكمن في قدرة "إيساف" على ردع خارقي وقف إطلاق النار من خلال نشر قوات عسكرية قادرة على فرض السلام والدفاع عنه.
وعليه يجب تجهيز قوات "إيساف" بالأسلحة المتوسطة والثقيلة وتدريبها على المشاركة في القتال عند الضرورة، نظراً لطبيعة عملها في الخطوط الأمامية. ومن خلال القيام بذلك، تقلل تلك القوات الإقليمية من قدرة طرفي الصراع على إعادة الانخراط في القتال. وقياساً على حجم وتكوين بعثة العملية المشتركة بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دافور عام 2007 (UNAMID) التي بلغ عددها نحو 26000 فرد، فإن تكوين قوات "إيساف" في عام 2024 ربما يتطلب 40000-50000 فرد غالبيتهم من العسكريين والشرطة.
وتشمل ركيزة بسط الأمن المهام التالية:
• السيطرة على المقاتلين من الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة الأخرى، ويشمل ذلك فرض وقف إطلاق النار وإنفاذ اتفاق السلام ونزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج (DDR).
• السيطرة الجغرافية على كافة مناطق الصراع، وتشمل مراقبة الحدود وحرية تنقل المراقبين الإقليميين، وتقديم العون الإنساني وتنظيم الحركة البرية والجوية.
• حماية المواطنين وتشمل حماية اللاجئين والنازحين من كافة الصراعات وضمان وصول المساعدات الإنسانية.
• حماية البنية التحتية والمؤسسات والأفراد وتشمل حماية الممتلكات الخاصة الإنتاجية والسكنية، وتأمين البنية التحتية الحيوية بما في ذلك المطارات والطرق والجسور والمستشفيات والاتصالات والبنوك ومحطات الكهرباء والسدود ومصادر المياه وخطوط الأنابيب.
• إعادة تشكيل القوات المسلحة بدمج قوات الدعم السريع والحركات المسلحة الأخرى، وإعادة تنظيم وبناء قدرات قوات الشرطة والقوات شبه العسكرية، ومراعاة التوازن الإقليمي.
• مراجعة الترتيبات الأمنية مع دول الجوار: مصر وليبيا وإثيوبيا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى ودولة جنوب السودان وإريتريا.
2. العدالة الانتقالية:
تنطوي هذه الركيزة على تنصيب نظام قانوني محايد وخاضع للمساءلة وللتعامل مع الانتهاكات وجرائم الحرب في كافة بؤر وحقب الصراع، وإنشاء أجهزة فعالة لإنفاذ القانون، وتكوين نظام قضائي نزيه، وسن قوانين عادلة، وآليات رسمية وغير رسمية لحل المظالم الناشئة عن الصراع. وتشمل هذه الركيزة المهام التالية:
• العدالة الانتقالية وتتضمنن آلياتها الشرطة، والقضاة، والمدعين العامين، ومحامي الدفاع، ومديري المحاكم، والقواعد والإجراءات.
• إنفاذ القانون ويشمل فحص وإعادة تشكيل قوات الشرطة الموجودة بالتعاون مع خبرات شرطية دولية، وتدريب الشرطة المحلية وتزويدها بمعايير الشرطة الدولية، ونشر مراقبي الشرطة في كافة مناطق الصراع.
• تفعيل المساءلة بإنشاء مكتب للمفتش العام للتحقيق في فشل الشرطة في حماية المواطنين وممتلكاتهم طيلة فترات الصراع، وإنشاء ديوان للتظلمات لمعالجة شكاوى المواطنين وانتقاداتهم لتطبيق القانون.
• تطوير النظام القضائي ويشمل مراجعة النظام القضائي الحالي، ووضع قواعد السلوك المهني للجهاز القضائي، وتطوير البنية التحتية المتمثلة في المحاكم وكليات القانون وتنظيمات المهنيين، والانفتاح على المواطنين بإنشاء آلية اتصال بينهم وبين الجهات الانتقالية المحلية والدولية بشأن المسائل القانونية وجبر الضرر.
• معاقبة انتهاكات حقوق الإنسان وتشمل بناء قدرات مجموعات حقوق الإنسان المحلية بدعم دولي، وتطوير القدرة المحلية على مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب.
• تفعيل التعاون مع المحاكم والهيئات القضائية الدولية وضمان توافق المحكمة الدولية مع الآليات القانونية الوطنية، وتوثيق وحفظ الأدلة على الفظائع الجماعية، وتنسيق الجهود مع تحقيقات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، والتواصل مع المواطنين لنشر لوائح الاتهام والبيانات.
• التعافي الفردي وتمكين المواطنين بتقديم المشورة المحلية لضحايا ومرتكبي الصراع، وتأسيس مبادرات الأشخاص المفقودين، وتحديد الاحتياجات الفردية لكافة المتأثرين بالصراع.
3. الرعاية الاجتماعية والانتعاش الاقتصادي:
تتناول الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية وتوفير الإغاثة في حالات الطوارئ واستعادة الخدمات الأساسية للمواطنين وإرساء الأساس للانتعاش الاقتصادي والتمهيد للتنمية المستدامة بعد الفترة الانتقالية.
الرعاية الاجتماعية:
• معالجة قضايا اللجوء والنزوح بتوفير الغذاء والماء والمأوى والدواء في حالات الطوارئ وإنشاء معسكرات اللاجئين، وإنشاء نظام التسجيل وتحديد هوية اللاجئين والنازحين، وإقامة حملة إعلامية عامة لإدارة شؤونهم.
• تحقيق الأمن الغذائي ويشمل تأمين قنوات توزيع المساعدات الغذائية الطارئة، وحماية شبكة توزيع المواد الغذائية، وتوفير مرافق التخزين المناسبة لمنع تلوث الأغذية، وإعادة إعمار الأسواق التي دمرها الإحتراب واسترداد سلاسل الإنتاج والتسويق في كافة مناطق وحقب الصراع.
• إصلاح الصحة العامة بتأهيل إدارة المياه والنفايات، وتعزيز القطاع الطبي بدعم تخزين وتوزيع الإمدادات الطبية الطارئة والأدوية للتعامل مع المشاكل الصحية الطارئة الناتجة عن الصراع (المرض، العدوى، الجروح)، ومعالجة تكدس جثث الضحايا.
• توفير المأوى بتطوير استراتيجية للإسكان لمعالجة مشاكل اللاجئين والنازحين وكذلك إعادة إدماج المقاتلين السابقين، والفصل في منازعات الملكية في المناطق المتأثرة بالصراع، ووضع معايير وآليات لحل نزاعات الملكية في كافة مناطق وحقب الصراع.
• تأهيل النظام التعليمي بإصلاح البنية التحتية المدمرة وإصلاح المدارس والجامعات، والاهتمام بأوضاع المعلمين والإداريين بالقطاع التعليمي، وتطوير المناهج والمقررات التي تراعي التنوع والمواطنة، وتكثيف حملات محو الأمية.
• توسيع شبكة الأمان الاجتماعي بتقييم أنظمة التقاعد الحالية لموظفي الحكومة وشبه الحكومية، وإصلاح نظام الضمان الاجتماعي الحالي.
الانتعاش الاقتصادي:
• وضع استراتيجية اقتصادية لا تتجاوز مدتها الفترة الانتقالية تستند على مسح الوضع الاقتصادي الكلي، وتقييم الأضرار والاحتياجات الناتجة عن الإحتراب (Damage and Needs Assessment - DNA)، وتحديد الاحتياجات المالية من الموارد الذاتية والموارد الخارجية، وتطوير آلية عالية الكفاءة للتنسيق مع الجهات المانحة والاهتمام بتعزيز القدرة الاستيعابية للمعونات.
• النأي عن مجرد التفكير في المشروعات النهضوية ونماذج المحاكاة بعيدة المدى خلال الفترة الانتقالية التي ينبغي ألا يتجاوز تفويضها وصلاحيتها التدرج الواقعي في الانتقال من اقتصاد الصراع الذي يقع نحو 70% منه خارج سيطرة الدولة (اقتصاد الظل)، إلى اقتصاد السلام (الاقتصاد الرسمي). ذلك أن إضاعة الموارد الشحيحة في التحول من اقتصاد الصراع مباشرة إلى اقتصاد التنمية المستدامة والمشروعات النهضوية يمثل تنظيراً أكاديمياً يجتر نهج الانقاذ الاقتصادي الفاشل.
• استعادة التطبيع مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالاستمرار في تنفيذ برنامج التسهيل الائتماني المعزز (Enhanced Credit Facility - ECF) بما في ذلك الاستدامة المالية من خلال زيادة تعبئة الإيرادات المحلية وخفض الإنفاق على الدعم، وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم والخدمات الحيوية الأخرى لتحسين مستويات المعيشة ورفع النمو على المدى الطويل، ودعم مرونة سعر الصرف واعتماد نظام استهداف الأموال الاحتياطية، وضمان استقلالية البنك المركزي ، وتعزيز القطاع المالي بتطبيق نظام مصرفي مزدوج، ومعالجة مخاطر التعثر في النظام المصرفي.
• تعزيز الحوكمة والشفافية خاصة في قطاع الشركات المملوكة للدولة.
• التفاوض للوصول لنقطة الإنجاز في مبادرة هيبيك في فترة عامين تنتهي في ديسمبر 2025.
• تخفيض الدين العام الخارجي بأكثر من 50 مليار دولار تمثل أكثر من 90% ببلوغ نقطة الإنجاز عام 2025.
• تأهيل البنية التحتية بإعادة الكهرباء للمؤسسات الحيوية، وتوفير وسائل المواصلات وإعمار الطرق والموانئ للقيام بالوظائف الإنسانية والاقتصادية المترتبة على الإحتراب.
• استعادة قدرات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الضرورية للسلام وإعادة الإعمار.
• توليد فرص العمل بتصميم مبادرات لتوفير فرص العمل الفوري، والتماس أفكار المشاريع كثيفة العمالة من القطاع الخاص والمجتمعات المحلية خاصة المشروعات الصغيرة.
• تشجيع التدخلات المستدامة للقطاع الخاص بجعل مشاركته جزءاً من منظومة أكبر من المجموعات السياسية ومجموعات المجتمع المدني التي تعمل من أجل بناء السلام وتحقيق الانتعاش الاقتصادي.
• إعادة تشكيل الأسواق التي دمرها الإحتراب، واستبدال أنشطة الاقتصاد الموازي بالبدائل القانونية، وتشجيع التحول للاقتصاد الرسمي.
• الإصلاح القانوني والتنظيمي بصياغة القوانين والمدونات لإنشاء وتعزيز حقوق الملكية، وتحسين بيئة الأعمال بتصميم القوانين وتوفير الأنظمة التي تحفز النمو الاقتصادي، وتوفر الحماية للعاملين.
• تسهيل التجارة العالمية بتقييم التعريفات والهياكل الضريبية والحواجز أمام التجارة، وتحديد أولويات التجارة واستكشاف فرص تجارية جديدة تمكِّن من إعادة الإعمار، وبدء الحوار بين الفريق الاقتصادي الوطني والجهات الفاعلة الدولية المسؤولة عن منح الوضع التجاري التفضيلي.
• تحفيز الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي بخلق بيئة أعمال محفزة للنمو الاقتصادي، والنظر في أهم الاحتياجات المؤدية لتعزيز الاستثمار العام بالشراكة مع القطاع الخاص، والاستمرار في توجيه الدعم للمستحقين، وحوكمة عائدات الموارد الطبيعية خاصة الذهب.
• إصلاح الخدمات المصرفية والمالية بتطوير أداء البنك المركزي للقيم بدوره في الإدارة الرشيدة للمعاملات المالية التي تقوم بها البنوك والجهات الخاصة والعامة.
4. الحوكمة والتشاركية:
تنطوي هذه الركيزة على مخاطبة الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية، ولا سيما توفير الإغاثة في حالات الطوارئ، واستعادة الخدمات الأساسية للسكان، وإرساء الأساس لاقتصاد قابل للنهوض، والتمهيد لوضع برنامج تنمية شامل ومستدام.
الحوكمة:
• تحديد مدة الفترة الانتقالية القادمة بمنأى عن الرغبات السياسية والتركيز على المدة الزمنية الكافية لتنفيذ المهام المعقدة الي فشلت الفترة الانتقالية السابقة في تنفيذها، شاملة توفير الأمن والسلام وتحقيق العدالة والتصالح وتوفير الرعاية الاجتماعية والانتعاش الاقتصادي وتحقيق الحوكمة في إطار تشاركي وتهيئة البيئة الصالحة لإقامة انتخابات حرة ونزيهة. وفي ضوء الفشل الذي لازم الفترة الانتقالية التي سبقت حرب 15 أبريل 2023، وفي ضوء ما نتج عن حرب أبريل 2023 من دمار وخراب، فإن المهام والاستحقاقات المتراكمة التي تسبق الانتخابات يتعذر تنفيذها في فترة انتقالية تقل مدتها عن خمس سنوات.
• تفعيل العملية الانتقالية الوطنية بدعم الحوار الوطني على كافة المستويات القومية والإقليمية والمحلية لضمان تمثيل آراء المواطنين، وتوفير المستشارين امن مختلف التخصصات للإعداد للمؤتمر الدستوري.
• وضع القواعد والأسس والمهام والجدول الزمني للحكومة الانتقالية توطئة لتشكيلها من الكفاءات المدنية الوطنية غير المنتمية لأي من الكيانات السياسية بالتشاور بين الجهات الفاعلة المحلية لتشكل حاضنة سياسية موثوقة تلتزم بتنفيذ العقد الاجتماعي بين الحكومة والشعب.
• إصلاح الخدمة المدنية بتحديد هيكلها وحجمها المناسب لتلبية الاحتياجات الانتقالية والمتطلبات المتعلقة بالتحول الديمقراطي.
• تحديد المصادر وتصميم نظام عملي وفعال قادر على توليد إيرادات للخدمات الحكومية الضرورية لتحقيق السلام.
• تحديد الأفراد الرئيسيين في السلطة التنفيذية على كافة المستويات لتلقي دورات مكثفة لبناء القدرات، والتثقيف حول مبادئ الحوكمة المسؤولة ومهام واختصاصات الفترة الانتقالية.
• تشجيع المغتربين ذوي المهارات المكتسبة للعودة إلى البلاد.
• بناء قدرات الجهاز التشريعي وتحديد دور وولاية السلطة التشريعية في عمليات صنع القرار القومية والمحلية، وإزالة معوقات وصول المواطن للجهاز التشريعي.
• إقامة مؤتمر نظام الحكم لإصلاح الحكم اللامركزي بوضع الأسس القانونية لهياكل ومستويات الحكم وتحديد أسلوب تمثيل السكان المحليين ومشاركتهم في إطار الحكم اللامركزي.
• تحديد القدرات والاحتياجات المحلية لتحقيق الإصلاح المؤسسي ومراعاة دور الهياكل المجتمعية التقليدية في تحقيق السلام والانتعاش الاقتصادي في كافة مناطق وحقب الصراع.
• الشفافية ومكافحة الفساد بتطوير القوانين التي تعزز المساءلة داخل الحكومة والقطاع الخاص والهياكل المجتمعية التقليدية، وإنشاء آليات للحد من الفساد بما في ذلك حماية المدعين الخاصين والشهود والقضاة.
• تشكيل منظمات رقابية من المجتمع المدني والقطاعين العام والخاص لمراقبة أداء المؤسسات الدولية والوطنية.
التشاركية:
• التحضير للانتخابات بوضع الجدول الزمني والأهداف وتحديد طريقة التمثيل، والشروع في إجراء التعداد السكاني، وإنشاء مفوضية وطنية مستقلة للانتخابات وإعداد سجل الناخبين والتحقق منه، ووضع آلية فاعلة لمراقبة الانتخابات، والتواصل مع المواطنين بإعلان الجدول الزمني للانتخابات وتشجيع مشاركتهم.
• وضع أسس قانونية للأحزاب السياسية المشاركة في العملية الانتخابية، ووضع خطة لتحويل لجان المقاومة والحركات المسلحة لكيانات سياسية وإخضاعهم لبرامج مكثفة لبناء القدرات لضمان التنافس الحر.
• تشجيع مشاركة المجتمع المدني في التحول الديمقراطي من خلال إنشاء النقابات والجمعيات المهنية والجماعات الدينية والجمعيات المدنية وفقاً للممارسات الديمقراطية المتعارف عليها، ومراجعة اللوائح الحالية المتعلقة بالمنظمات غير الحكومية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني.
• إصلاح الوسائط الإعلامية واستخدامها كأداة إعلامية عامة لتوفير المعلومات الواقعية والسيطرة على الشائعات، وبناء قدرات الإعلاميين وتطوير قواعد السلوك الإعلامي المناهض للتخوين والتهاتر.
ثانيا: مرحلة ترسيخ التحول والانتقال
تمهيد:
استعرض الجزء الأول من الإطار المقترح لوقف إطلاق النار وإعادة الإعمار مهام وآليات التدخل الوطني والإقليمي المباشر لبسط الأمن. ويتناول هذا الجزء الثاني الجوانب المتعلقة بمهام وآليات ترسيخ التحول والانتقال. وفيما يلي استعراض للمهام والاختصاصات التفصيلية لمرحلة التحول والانتقال التي تهدف إلى تطوير المؤسسات الأمنية الوطنية الشرعية والمستقرة، وبناء النظام القانوني، وترسيخ الوئام المجتمعي، وإرساء أسس التنمية، وتعزيز المؤسسات السياسية الشرعية، وتعميم العمليات التشاركية. وتشمل هذه المرحلة أيضاً أربع ركائز على النحو التالي:
1. بسط الأمن:
• يشمل إحكام السيطرة على المتحاربين بالإشراف الوطني والإقليمي الميداني المباشر على الهدن بحسم الخروقات، ومراقبة وصول المساعدات الإنسانية للمستحقين، وفصل السكان المدنيين عن الجنود، وإنشاء مناطق عازلة وإحكام السيطرة عليها بالقوة الحاسمة، بما في ذلك فرض المناطق منزوعة السلاح، ومراقبة تبادل أسرى الحرب (POW). وإنفاذ اتفاق السلام بالتحقيق في الشكاوى وانتهاكات الاتفاقيات المزعومة، وتقديم الدعم العسكري للسلطات المدنية، ودعم وإنفاذ الشروط السياسية والعسكرية والاقتصادية والإنسانية لخطة السلام، ودعم تدابير بناء الثقة بين المتحاربين. ونزع السلاح ((Disarmament بالحد من الأسلحة غير المصرح بها، والتعاون مع الدول المجاورة بشأن تدفقات الأسلحة خاصة ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى. ويشمل ذلك القبض على تجار الأسلحة غير الشرعيين، والتعاون الإقليمي والدولي مع الجهات القانونية لملاحقة تجار السلاح. كما يشمل بسط الأمن التسريح (Demobilization) بتحديد وجمع وحل العناصر الهيكلية للجماعات المتحاربة العسكرية وشبه العسكرية، ومراقبة التسريح والتحقق منه، وضمان سلامة الأفراد والأسر المقيمة. ويشمل بسط الأمن أيضاً إعادة الإدماج (Reintegration) لقوات الدعم السريع والحركات المسلحة، وتوفير التدريب الوظيفي والفحص الصحي والتعليم والمساعدة في التوظيف، وتوفير الرواتب والدعم المادي للقوات المسرحة.
• نشر الأمن الإقليمي بمراقبة الحدود، وتطوير القدرات المحلية لمراجعة الرقم الوطني، وبناء القدرة على منع تهريب البضائع والأسلحة، وتطوير الإمكانات لإدارة الهجرة، ونشر وإنفاذ القواعد المتعلقة بالحركة عبر الحدود، وفرض الضوابط بمساعدة السلطات المحلية والأهلية.
• حماية السكان غير المقاتلين بإرساء النظام والحفاظ عليه في معسكرات اللاجئين والنازحين والمراكز السكانية، ونزع سلاح المتحاربين وإخراجهم من المناطق السكانية، وتوفير برامج أمنية مؤقتة للسكان المعرضين للخطر، وحفظ النظام العام، والحفاظ على علاقات إيجابية بين القوات العسكرية والقوات الإقليمية/الأممية والمواطنين، ومنع الأعمال الانتقامية، وتصميم وتنفيذ برامج التربية المدنية للقانون والنظام والأمن العام.
• حماية البنية التحتية والمؤسسات والأفراد بتأهيل القدرات المحلية لحماية المؤسسات الخاصة والأفراد والمؤسسات العامة.
• إعادة بناء وإعادة تنظيم المؤسسات الأمنية الوطنية الرسمية، وتعزيز السيطرة المدنية على الجيش، وإضفاء الطابع المهني على الجيش وتعزيز قدراته، وإنشاء أنظمة شفافة للدخول والترقية والتقاعد في الجيش والشرطة السودانية، وإنشاء قدرة استخباراتية غير عسكرية.
2. العدالة الانتقالية:
العدالة:
• إقامة العدل في الخرطوم ومناطق الصراع الأخرى بمعاقبة المجرمين وصيانة حقوق الضحايا، وتعزيز ثقة الأفراد في مؤسسات الدولة واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون كخطوة نحو الوئام ومنع وقوع انتهاكات جديدة.
• وفقاً للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (ICC) الذي دخل حيز التنفيذ في يوليو 2002، فإن ضحايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في السودان يستحقون جبر الأضرار (Reparation) الناتجة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في كافة أماكن وحقب الصراع. ويشمل جبر الأضرار إعادة الحقوق (Restitution)، والتعويض (Compensation)، وإعادة التأهيل (Rehabilitation)، والرضا (Satisfaction)، وضمانات عدم التكرار (Guarantees of Non-Repetition).
• تطبيق القانون بإضفاء الطابع المؤسسي على إجراءات الشرطة وتوفير دوريات للشرطة بالتعاون مع القوات الإقليمية/الأممية، وتأمين الدعم الإداري لإنفاذ القانون، وإعادة تنظيم الجهاز القضائي وإصدار القوانين والتشريعات الكفيلة بتعزيز استقلال القضاء، ومراجعة دور المدعي العام وضمان الكفاءة والتنوع في اختيار العاملين بالمحاكم، وتثقيف المواطنين حول الوصول إلى النظام القضائي.
• الإصلاح القانوني بإصدار قانون منقح وأنظمة أساسية (مدنية وجنائية) تتوافق مع حماية حقوق الإنسان الأساسية، وإطلاق حوار عام مع كافة قطاعات المجتمع المدني حول الإصلاح القانوني، ودعم منظمات الدفاع عن المواطنين.
• إصلاح قوات الأمن بتطهير المخالفين وتدريب القوات المعاد تشكيلها على القانون والممارسات الإنسانية، ومراجعة القانون العسكري والعقيدة العسكرية للامتثال لقوانين الحرب والقانون الجنائي المحلي، والمحاكم والهيئات القضائية الدولية، وتقديم الدعم اللوجستي والفني للمحاكم الدولية، والمساعدة في التحقيق والاعتقال ونقل مجرمي الحرب المشتبه بهم إلى المحاكم الدولية.
المصالحة:
• إعادة بناء المجتمعات المحلية عبر إنشاء برامج إعلامية واسعة النطاق لتعزيز جهود المصالحة.
• الشروع في وضع الأسس العادلة للتعويضات بتحديد الوسائل والمستويات المناسبة.
• بناء الثقة بتوفير أماكن اجتماعات محايدة للمناقشات والأنشطة وتحديد واستخدام الوسطاء الخارجيين لبناء الثقة والتعاون وتعزيز المشاركة من خلال التوعية العامة (Public Outreach).
• تحقيق الانسجام المجتمعي بجمع الخصوم معاً، حيثما أمكن ذلك، ودمج مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة، ووضع ترتيبات لتقاسم الموارد ذات المنفعة المتبادلة، وتنظيم الأنشطة الترفيهية والتعليمية المشتركة، وضمان مشاركة الطرق الصوفية، وإعادة بناء دور العبادة والأماكن المقدسة.
• دعم المبادرات التي تطرحها المجموعات النسائية، وتنفيذ برامج استشارية تركز على إنصاف الضحايا ومعالجة صدمات ما بعد العنف، وتطوير الأنشطة التي تعزز الشعور بقيمة الذات من خلال فرص العمل والتعليم والترفيه، وتقديم الاستشارات والتدريب لتعزيز المساهمة في المجتمع.
3. الرعاية الاجتماعية والانتعاش الاقتصادي:
الرعاية الاجتماعية:
• تعزيز رعاية النازحين داخلياً (IDP) بضمان توفير إمدادات موثوقة وكافية من المساعدة للمراكز السكانية في الولايات المضيفة، وضمان حصول اللاجئين على الخدمات من الدول المضيفة وتقديم الدعم لها، وتوفير خدمات إعادة الإدماج ووضع خطط العودة إلى الوطن.
• تحقيق الأمن الغذائي بالتعاون مع الجهات الفاعلة في مجال الإغاثة الدولية والمحلية لتنفيذ برامج التوزيع في الخرطوم والولايات المنكوبة، ومنع ومعاقبة سرقة واختلاس الموارد الغذائية، وإعادة تقييم برامج التوزيع، وتوجيه المساعدات الغذائية لتعزيز أآليات السوق المحلية، وتأهيل شبكات النقل والتوزيع، ودعم الإنتاج الزراعي المطري والمروي، وتقديم تمويل ميسر للمزارعين.
• تعزيز الصحة العامة بحماية مصادر المياه من التلوث، ودعم القدرة المحلية لإدارة النفايات، وضمان وجود مخزون كاف من المستلزمات الطبية والأدوية، وتوفير الدعم الطبي الخارجي الكافي ودمجه مع الخبرات المحلية، وإنشاء برامج التطعيم والفحص للتعامل مع الأوبئة المحتملة (خاصة في مخيمات اللاجئين)، وتطوير برامج مجتمعية تثقيفية موجهة لتحديد المخاطر الصحية والوقاية منها.
• مسح المساكن المدمرة وتقييم الأضرار ووضع معايير للأسبقيات وإعادة الإعمار، والفصل في منازعات الملكية وإجراء التحقيقات ومعاقبة المتغولين.
• استعادة النظام التعليمي بتأهيل المدارس والجامعات ومدها بالمواد التعليمية المساندة، ومواصلة حملات محو الأمية، وتصميم أو إعادة تشكيل نظام الضمان الاجتماعي على أساس المعايير المتفق عليها وتعزيز قدرة الحكومة الانتقالية على تقديم الخدمات الاجتماعية.
الانتعاش الاقتصادي:
• إجازة استراتيجية واقعية للانتقال تنأى عن التنظير النهضوي الرغبوي ونماذج المحاكاة بعيدة المدى، وتقسيم الاستراتيجية الواقعية لخمسة برامج عمل سنوية تغطي سنوات الانتقال الخمس بحيث تستهدف فقط التحول من اقتصاد الصراع الذي يجمح نحو 70% من أنشطته خارج سيطرة الدولة (اقتصاد الظل)، إلى اقتصاد السلام (الاقتصاد الرسمي)، وعقد مؤتمرات المانحين لحشد الموارد والتفاوض مع مصادر العون الثنائي ومتعدد الأطراف على تيسير شروطه، وتعبئة القدرات المحلية على استيعاب وإدارة المساعدات الخارجية.
• إعادة إعمار البنى التحتية وتصميم وتنفيذ نظام حصيف لإدارة موارد الطاقة لضمان توزيعها للقطاعين العام والخاص والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية، وإصلاح الطرق والجسور الرئيسية لدعم النشاط الإنتاجي والتجاري، وإعمار وتوسيع شبكات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بدءاً بالمراكز السكانية الكبرى.
• توليد فرص العمل للشباب خلال الفترة الانتقالية بمساهمة القطاع الخاص بالشروع في تنفيذ المشروعات الصغيرة كثيفة العمالة ذات الأولوية في تحقيق السلام والانتقال من اقتصاد الظل إلى الاقتصاد الرسمي، وتوفير التمويل اللازم من المصادر الخارجية والمحلية.
• الإصلاح القانوني والتنظيمي الذي يحكم العلاقة بين العاملين وأصحاب العمل بما يضمن حقوق العاملين ويراعي الظروف القاهرة التي ألحقت الضرر البالغ بأصحاب العمل، وتقديم المساعدة الفنية للشركات والمجموعات التجارية لتطوير القدرات التصديرية غير التقليدية، واتخاذ الخطوات اللازمة للوصول إلى الأسواق الخارجية على أساس تفضيلي بموجب نظام الأفضليات المعمم وترتيبات التجارة الإقليمية.
• تقديم المساعدات التمويلية لشركات القطاع الخاص، وتشجيع الاستثمار الإقليمي والدولي واستثمارات المغتربين المتعلقة بإعادة الإعمار وتحقيق السلم الاجتماعي، وتوفير الحماية والحوافز القانونية لجميع المستثمرين، وتركيز الاستثمار العام على المشاريع الحيوية في التعليم والرعاية الصحية والنقل العام.
• إصلاح النظام المصرفي والمالي ومعالجة معوقات العرض والطلب المتمثلة في خسارة البنوك لرأسمالها وأصولها وانخفاض قيمة الضمانات العقارية، وخسارة المقترضين للأسواق وتدمير الأصول والمعدات والحسابات ونزوح أو لجوء الموظفين الرئيسيين وانهيار قطاع التأمين. وتعزيز كفاءة البنك المركزي في الإشراف على النظام المصرفي للتعامل مع ضعف تقارير البنوك التجارية المتأثرة بالصراع، وتوفير مصادر حقيقية لتمويل الإنفاق العام على إعادة الإعمار دون الوقوع في مأزق الهيمنة المالية (Fiscal Dominance)، والتأكيد على الشفافية في النظام المصرفي لمنع الفساد وتعزيز إعادة الإعمار.
4. الحوكمة والتشاركية:
الحوكمة:
• استهداف الحوكمة في هذه المرحلة لاستدامة السلام من خلال معالجة الأسباب الجذرية للصراع والتأكد من شعور جميع المواطنين بأن احتياجاتهم ومصالحهم ممثلة بشكل عادل، وتعزيز المساءلة وحقوق الإنسان ودعم سيادة القانون، والشروع في الحوار الوطني لتحديد معايير المواطنة، وتركيز الحوكمة على توفير المعلومات والحوار الديمقراطي والأنظمة والعمليات الانتخابية والتوعية البرلمانية والحكم اللامركزي، وإصلاح الإدارة العامة وكيانات العدالة والأمن وحقوق الإنسان.
• تكوين المجلس التشريعي الانتقالي من كافة قوى ثورة ديسمبر مع مراعاة التوازن في التمثيل من حيث النوع والجهة والمهنة، والتمثيل العادل للجان المقاومة والجيش بعد إدماج الدعم السريع والحركات المسلحة. وهناك ضرورة لدعم المجلس التشريعي بخبرات مهنية عالية التأهيل لقيادة لجانه المتخصصة.
• ضمان عملية عادلة وشاملة للحوار حول الدستور المستند على مضامين ثورة ديسمبر مع مراعاة شرعية الكيان الذي يصيغ الدستور. ونظراً لعدم توفر الشرعية الدستورية الحالية لدى مجمل الفاعلين المدنيين والعسكريين يتطلب الأمر النظر في إدخال تعديلات هيكلية على الوثيقة الدستورية (عام 2019 المعدلة عام 2020) نظرا لمشاركة قوى الثورة في إعدادها في إطار الشرعية الثورية التر أفرزتها ثورة ديسمبر 2018، علماً أن كافة الفقرات التي استحدثتها وثيقة المحامين يمكن استيعابها في الوثيقة الدستورية المعدلة، بما في ذلك خروج العسكريين من السلطات السيادية والتنفيذية والتشريعية. وهناك ضرورة لوضع نظام حوكمة وطني شامل يساعد على عقد مؤتمر دستوري يستهدف العلاقة بين استدامة السلام وروح ونص الدستور، وبناء الثقة بين الفاعلين لتحقيق السلام وبناء الدستور، ومعالجة الثغرات الحرجة في القانون الدستوري المقارن وبناء السلام، خاصة وأن هذه الثغرات تتعلق بالترابط الطردي بين الدستور واستدامة السلام، ومراعاة الملكية الوطنية لعملية بناء الدستور لتحاشي النتائج العكسية المصاحبة لتعاظم دور الجهات الخارجية، وإطلاق حملة إعلامية عامة لتوسيع قاعدة المشاركة، وإجازة الدستور بواسطة المجلس التشريعي الانتقالي.
• تعزيز الحوكمة الانتقالية بإشراك الجهات الفاعلة المحلية في عملية صنع القرار، وتحديد ترتيبات تقاسم السلطة وتعبئة المواطنين لدعم السلطة الانتقالية من خلال العقد الاجتماعي.
• تكوين السلطة التنفيذية الانتقالية بإنشاء الوزارات والوحدات والهيئات والمجالس الاستشارية المستقلة المتسقة مع أهداف ثورة ديسمبر المتمثلة في تحقيق السلام والانتعاش الاقتصادي، وحصر الاختيار في الكفاءات الوطنية المستقلة عن الولاءات السياسية والجهوية والقبلية، وتحديد الاختصاصات لكافة الكيانات التنفيذية الرامية لتحقيق الانتقال الحقيقي نحو الحكم الديمقراطي المنشود.
• الإصلاح التشريعي ببناء قدرات المشرعين والموظفين، وتطوير المعايير الأخلاقية ومدونة قواعد السلوك، ووضع المبادئ التوجيهية المتعلقة بتمرير القوانين واللوائح من خلال المجلس التشريعي الانتقالي، وخضوع السياسات والموازنات الوطنية للنظام التشريعي، وتعزيز التواصل بين المشرعين وناخبيهم، وتحسين البنية التحتية المادية شاملة المباني والمكتبات ونظم المعلومات والمعدات المكتبية.
• إصلاح الحكم المحلي بإعطاء الأولوية لبناء قواعد البيانات على المستوى المحلي، بما في ذلك الدقة والتوقيت المناسب. ويتطلب ذلك توصيل الكهرباء والإنترنت ومحو الأمية الحاسوبية، ومساعدة السلطات المحلية لمراعاة معايير الأداء القابلة للتحقق بشكل موضوعي في توليد الإيرادات وتوفير التعليم الابتدائي والخدمات الصحية الأساسية، وتحاشي إنشاء مؤسسات حكم موازية تعمل على إضعاف أنظمة الإدارة الأهلية الفاعلة.
• إصلاح الحكم اللامركزي والفدرالية المالية بالتخلي عن نظام اللامركزية الحالي القائم على 18 ولاية ذات الطابع القبلي والإثني، والاستعاضة عنه بنظام يستند على النشاط الاقتصادي المراعي للعدالة الجغرافية، وترسيخ العلاقة بين مستويات الحكم (الاتحادي والولائي والمحلي) في الدستور والقوانين واللوائح، وتوخي المرونة لتغيير أدوات التنفيذ وفقاً للمقتضيات، وتكريس المبادئ السياسية والفلسفية في الدستور، وتنظيم الهياكل التشغيلية في القوانين واللوائح، ووضع العلاقات المالية بين مستويات الحكم الثلاثة تحت إشراف وزير المالية والتخطيط الاقتصادي لإعطاء الوزارة أقصى قدر من السيطرة والمرونة في إدارة الإنفاق العام. والإفصاح عن قرارات تخصيص الموارد بما في ذلك الميزانيات والمشتريات وبرامج الإنفاق، وإنفاذ العقوبات المناسبة على انتهاكات القواعد والممارسات الفاسدة، واعتماد صيغة تخصيصية للتحويلات الحكومية للولايات مناصرة للفقراء وداعمة للسلام تركز على القطاعات الاجتماعية المعززة بشكل مباشر للتخفيف من حدة الفقر وتحقيق السلام، بحيث تتركز التحويلات على قطاعات التعليم والصحة، والمياه، والطرق الريفية، والزراعة.
• تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد بإنفاذ قوانين مكافحة الفساد بما في ذلك إقالة المسؤولين الفاسدين وتفكيك شبكات الجريمة المنظمة وأمراء الحرب، وتمكين الآليات القانونية وآليات المجتمع المدني لمراقبة السلوك الحكومي، وتعزيز ممارسات الإدارة الشفافة في القطاعين العام والخاص، وإنشاء الحماية التشريعية لمجموعات المراقبة الوطنية.
التشاركية:
• مواصلة [التحضير للانتخابات الحرة النزيهة بإجراء التعداد السكاني ووضع الإجراءات والقواعد المناسبة للانتخابات بما في ذلك أمن المرشحين وصناديق الاقتراع، وإصدار قواعد الانتخاب، وضمان حملات انتخابية آمنة وعادلة، وتجنيد وتنظيم الفرق المحلية والدولية لمراقبة الانتخابات، ونشر المعلومات حول العملية الانتخابية، والقيام بحملة قومية لتوعية الناخبين، وتسجيل الأحزاب السياسية وفقاً لقوانين الانتخابات، وبناء القدرات برعاية ورش عمل لتطوير الأحزاب السياسية ولجان المقاومة والحركات المسلحة شاملة الإعلان وتحليل القضايا والعلاقات الإعلامية وجمع التبرعات وتعبئة الناخبين واستراتيجية الحملة الانتخابية.
• توفير التمويل والمساعدة الفنية وبناء القدرات لمجموعات المجتمع المدني للمساهمة في تحقيق السلام والتعافي الاجتماعي بمراقبة حالات حقوق الإنسان، ومساءلة أطراف النزاع عن جرائمهم، وتوفير الخدمات الأساسية والضرورية والمساعدات الإنسانية للمحتاجين، والوساطة بين الجماعات المجتمعية المتحاربة لتسوية خلافاتها سلمياً، وتوفير الحماية للمدنيين من الانتهاكات من قبل الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة.
• تعزيز القدرات الإعلامية بكفالة حرية التعبير وتكريس وقواعد وأنظمة الصحافة الحرة، ومشاركة الإعلام في نزع فتيل التوترات قبل أن تصل إلى نقطة حرجة، وتوفير معلومات موثوقة لكافة المواطنين، والمساعدة في إدارة الصراعات وتعزيز المبادئ الديمقراطية، وتشجيع المصالحة والتنمية المجتمعية، وتبني استراتيجيات الصحافة الحساسة للصراع والسلام، والترويج للبرامج الترفيهية المعززة للسلام، ومنع التحريض على العنف، ونشر المعلومات والأخبار المعززة للسلام، وتثقيف المراسلين والمسؤولين الإعلاميين حول أفضل الممارسات الإعلامية الرامية لاستدامة السلام والتحول الديمقراطي.
ثالثاً: مرحلة تمكين القدرات المحلية لتحقيق الاستدامة
تمهيد:
استعرض الجزء الأول من الإطار المقترح لوقف إطلاق النار وإعادة الإعمار مهام وآليات التدخل الوطني والإقليمي المباشر لبسط الأمن. وتناول الجزء الثاني مهام وآليات ترسيخ الانتقال. ويستعرض الجزء الثالث المهام المتعلقة بتمكين القدرات المحلية لتحقيق الاستدامة وفق استراتيجية خروج متدرج للتواجد الإقليمي والدولي (Exit strategy).
وفيما يلي استعراض للمهام والاختصاصات التفصيلية لمرحلة تمكين القدرات المحلية لتحقيق الاستدامة التي تهدف إلى تمتين القدرات المحلية لبسط الأمن، وفرض النظام القانوني الوطني الفاعل القائم على المعايير الدولية، وتهيئة الأطر المؤسسية الوطنية لتنفيذ برامج التنمية المستدامة، وتجهيز المؤسسات السياسية وتعميم النهج التشاركي لتحقيق التحول الديمقراطي.
وتشمل المرحلة الثالثة أربع ركائز على النحو التالي:
1. بسط الأمن:
• إحكام السيطرة الوطنية على المقاتلين بنقل مراقبة فرض وقف إطلاق النار وإنهاء العدائيات إلى المؤسسات الأمنية الوطنية وإنهاء دور القوات الإقليمية/الأممية في المراقبة، وتحويل مراقبة تنفيذ اتفاقيات السلام للسلطات المحلية، ودعم واستدامة تدابير الثقة في المؤسسات الأمنية الوطنية، وتأمين أسلحة المتقاتلين وتخزينها أو التخلص منها، وتطوير القدرة المحلية على السيطرة على الأسلحة، وفض معسكرات التسريح، وإعادة دمج المقاتلين السابقين في المجتمع، وتقديم خدمات المتابعة لإعادة الإدماج.
• تركيز إصلاح العلاقات بين الشرطة والمجتمع بمراعاة حقوق الإنسان، واكتساب مهارات الوساطة وحل النزاعات، وأساليب التحقيقات الجنائية التي تحترم حقوق الإنسان دون الحد من كفاءتها في الضغط على المجرمين، والتحسب للارتفاع المتوقع لمعدلات الجريمة بعد الصراع كأولوية قصوى لمنع تقويض الأمن وسيادة القانون.
• السيطرة الوطنية على الأراضي السودانية بنقل مهام مراقبة الحدود وحرية الحركة وحماية السكان ومسؤوليات الأمن العام إلى قوات الشرطة المحلية من القوات الإقليمية/الأممية إلى الجهات الفاعلة المحلية.
• إعادة تشكيل الجيش والشرطة بعد استكمال عمليات دمج الدعم السريع والحركات المسلحة بتقديم برامج المساعدة العسكرية للجيش الواحد لإذكاء عقيدته القومية، وبناء الجيش الواحد والشرطة الواحدة لمراقبة الامتثال للترتيبات الأمنية الإقليمية مع دول الجوار وتعزيزها.
• إيلاء المساعدات الدولية اهتماماً خاصاً لمساعدة الشرطة على تطوير وتطبيق قواعد السلوك الداخلية والإجراءات التأديبية، ومساعدة مكاتب المفتشين العامين على التحقيق في سوء سلوك الشرطة أو تورطها في الفساد أو الأنشطة الإجرامية ومعاقبة مرتكبيها. ويتعين معاقبة سوء سلوك الشرطة مع لجان المقاومة بسرعة وعدالة، وإلا فإن الشرطة الجديدة ستشبه الشرطة القديمة المقوضة لفرص السلام والتحول الديمقراطي.
2. العدالة الانتقالية:
• تنفيذ دورات بناء قدرات مشتركة بين السلطة القضائية وإدارة السجون والشرطة والمتخصصين في حقوق الإنسان للتمكين من رؤية مشتركة لحفظ السلام، وتطوير العمل الجماعي لمحاربة المفسدين وسيادة القانون.
• نقل مسؤوليات ومهام العدالة الانتقالية إلى مؤسسات العدالة الوطنية وتشجيع التعاون مع المؤسسات العدلية الدولية، والتخلي التدريجي عن دور المراقبة الإقليمية/الدولية لتطبيق القانون مع الاحتفاظ بالحد الأدنى من التعاون الشرطي الإقليمي والدولي، والاستمرار في توفير الدعم الفني وبرامج بناء القدرات للشرطة الوطنية لاستعادة مكانتها التي فقدتها بسبب ازدرائها للجان المقاومة، ودورها السلبي في حرب أبريل 2023، خاصة في الخرطوم، وتشجيع التعاون بين كيانات إنفاذ القانون الوطنية والإقليمية والدولية.
• إعادة تنظيم الجهاز القضائي للتعامل مع قضايا ما بعد الراع الملحة شاملة القتل والنهب والتعدي على الممتلكات والأراضي المجتمعية (الحواكير) وتهريب السجناء وقضاء الأحداث وقضايا المواطنة والفساد، وتسريح المقاتلين ونزع سلاحهم. والشروع الفوري في الفصل في القضايا العالقة لقطع الطريق أمام تغول "المفسدين". ومنح الأسبقية للمحاكم الأدنى لاختصاصها مباشرة بمعظم قضايا المواطنين في مرحلة ما بعد الصراع، والتنسيق المستمر بين إصلاحات القضاء والشرطة والسجون نظراً للترابط الوثيق بين أدوارهم في الانتقال.
• المبدأ التشغيلي لجميع إصلاحات قطاع العدالة هو تعزيز المؤسسات الفاعلة الأهلية، وليس استبدالها.
• تكثيف الحملات الإعلامية العامة لشرح دور الشرطة والنظام القضائي الجديد في تحقيق السلام والتحول الديمقراطي، وعقد لقاءات منتظمة بين الشرطة والمنظمات المجتمعية وبين القضاة والمدعين العامين وموظفي المحاكم والمواطنين.
3. الرعاية الاجتماعية والانتعاش الاقتصادي:
الرعاية الاجتماعية:
• تطوير وتوفير الفرص والخدمات الاقتصادية بإدارة وطنية لتشجيع عودة اللاجئين والنازحين داخلياً (IDP) إلى مواطنهم الأصلية الدائمة وتأمين استدامة عودتهم بإغلاق جميع المعسكرات المؤقتة.
• توفير الأمن الغذائي بحصول الجميع على طعام آمن ومغذٍ يلبي احتياجاتهم الغذائية وتفضيلاتهم بحيث يتوفر للحصول عليها باستدامة وإنصاف. والتخلص التدريجي من توزيع الإغاثة إلا في حالات الطوارئ، والانتقال إلى برامج المعونة الغذائية المعززة للإنتاج، وضمان إعمال آليات السوق لتوفير الغذاء، وتنفيذ خطط الإصلاح والتنويع الزراعي.
• تحويل إدارة الصحة العامة المتعلقة بإدارة المياه والنفايات للمسؤولين الوطنيين وتوسيع أنشطة إدارة النفايات إلى المناطق الريفية، وتحديث المعدات الطبية، والتوسع في تشغيل المستشفيات لتقديم الرعاية المتخصصة، وبناء القدرات للإدارة المحلية للعيادات، ومأسسة برامج التطعيم على مستوى الدولة للوقاية من الأمراض المعدية، وتنفيذ برامج تثقيفية طويلة المدى في مجال الرعاية الصحية.
• إيواء النازحين واللاجئين ببناء مساكن بأسعار مخفضة، والفصل القضائي في منازعات الملكية وتقديم التعويضات لأصحاب المنازل المدمرة، ودعم العودة الطوعية للنازحين في كافة حقب ومناطق الصراع إلى منازلهم أو أراضيهم أو أماكن إقامتهم المعتادة السابقة بأمان وكرامة على أساس اختيار حر ومستنير. والتأكد من توافق ظروف النقل والإدماج المحلي للنازحين مع القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان والمبادئ التوجيهية المتعلقة بالسكن اللائق بعد الإخلاء والتشريد القسري، وإتاحة سبل الإنصاف والمشورة والمساعدة القانونية وضمان محاكمة عادلة لجميع المواطنين الذين تعرضوا للإخلاء القهري.
• صيانة واستعادة الفتح المبكر للمدارس والجامعات باعتبار عودة الأطفال والشباب إلى فصول وقاعات الدراسة بمثابة مكاسب السلام (Peace dividend) وداعمة لاستدامته. وتدريب ودعم المعلمين في مناطق النزاع لتلبية الاحتياجات الخاصة للفتيات والفتيان، والتأكد من أمن وسلامة المدارس والجامعات للتلاميذ والطلاب والمعلمين. وتطوير وتبادل المواد التعليمية التي تراعي النوع الاجتماعي للمعلمين، ومأسسة فرص تعليم الكبار ودعم جهود حملات محو الأمية.
الانتعاش الاقتصادي:
• السيطرة على اقتصاد الظل (اقتصاد الصراع) بالتشدد في إنفاذ القانون وقطع العلاقة بين السلطة السياسية والثروة المكتسبة بطرق غير مشروعة، وتجريد المفسدين (Spoilers) من الحوافز الاقتصادية لتأجيجهم الصراع، واتخاذ إجراءات صارمة ضد التجارة الإجرامية التي تنتهك حقوق الإنسان وتساهم في زعزعة الاستقرار، وتشجيع دمج هياكل السوق الموازي بجعل القنوات الرسمية أكثر سهولة وأقل سعراً، ورعاية رواد الأعمال، وتحويل الأدوات المالية لاستيعاب القطاع غير الرسمي بشكل أفضل من خلال برامج التمويل الأصغر، والائتمان التجاري، والخدمات الإرشادية.
• الانتقال التدريجي من اقتصاد الصراع (اقتصاد الظل) لاقتصاد السلام (الاقتصاد الرسمي) بتوزيع النشاط الاقتصادي بطريقة احتوائية (Inclusive) حتى يتمكن كافة المواطنين من إدراك فوائد السلام من حيث تحسين الحياة وسبل العيش، والتأكد من أن السياسات التي تتبعها الحكومة بدعم الشركاء الدوليين عالية الحساسية تجاه تجدد الصراع والتوترات الاجتماعية (Conflict-sensitive).
• اتباع مسار الانتقال التدريجي من اقتصاد الصراع لاقتصاد السلام يتطلب التسلسل في التحول من القطاع غير الرسمي غير المشروع (Illicit informal sector) الذي يتسم بإنتاج وتجارة المخدرات والتهريب والابتزاز، إلى القطاع غير الرسمي المشروع (Subsistence sector) الذي يتسم بزراعة الكفاف والمنتجات المدعومة بالإعانات الحكومية وآليات دعم الأسعار لتعويض أي دخل مفقود، ثم التحول للقطاع الرسمي المشروع (Licit formal sector) الذي يتميز بإنتاج محاصيل التصدير ذات الإنتاجية العالية وغيرها من الصناعات التحويلية والتعدين وتقديم الخدمات.
• الإصلاح المؤسسي للتخطيط الإستراتيجي بوضع مسؤولية التخطيط وتنفيذ الخطط والبرامج السنوية لدى مفوضية وطنية تتبع مباشرة لرئيس الوزراء، وتفعيل دور الدولة في إدارة الاقتصاد لبناء اقتصاد مرن ومستقر يعزز السلام المستدام والنمو الشامل والاستثمار وخلق فرص العمل والتخفيف من حدة الفقر بدعم سبل العيش (Livelihood).
• وضع القواعد التي تشكل الإطار العام للأنشطة الاقتصادية العامة والخاصة بطريقة شفافة وموثوقة للاستفادة القصوى من الموارد المحلية والخارجية المتاحة، وتعزيز الفاعلية (Effectiveness) بتوطيد قدرة الدولة على إدارة ورقابة السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ودعم شرعية الدولة (Legitimacy) بإشراك جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين في السياسات الاقتصادية وتحقيق العدالة والمساواة بسيادة القانون، وفرض سلطة الدولة (Authority) بتأسيس وصيانة عقد اجتماعي بين الحكومة والمواطنين واستعادة القدرة على تبني وتنفيذ السياسات الإصلاحية.
4. الحوكمة والتشاركية:
الحوكمة:
• استكمال إعداد وإجازة المرجعية الدستورية عبر الحوار الوطني، وخلق منافذ لمناقشتها بواسطة الكيانات الشعبية، وإقرار الوثيقة الدستورية بواسطة المجلس التشريعي الانتقالي.
• تكريس المساءلة الديمقراطية باعتبارها شرطاً أساسياً للحوكمة الرشيدة وتحقيق السلام والتحول الديمقراطي بواسطة القدرات المحلية تحقيقاً للاستدامة. وتشمل أولاً المساءلة الأفقية (Horizontal accountability) بين سلطات الدولة الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، ومساءلتها كلها للهيئات الرقابية المستقلة (المراجع العام، وهيئة مكافحة الفساد، ومؤسسة الأمانة العامة للمظالم، وهيئة حقوق الإنسان، والإعلام). وثانياً المساءلة الرأسية (Vertical accountability) وتشمل المساءلة المباشرة بين الحكومة والشعب حول الالتزام بالعقد الاجتماعي بينهما. وبعد الانتخابات تتمثل المساءلة الرأسية في سلسلة المؤسسات والعمليات التي تربط الحاكم المنتخب بناخبيه ومنظمات المجتمع المدني.
• التخلص التدريجي من القوات الإقليمية/الأممية التي ساعدت في وقف إطلاق النار وبسط الأمن، ونقل مهامها للسلطة الوطنية الانتقالية التي بدورها تقوم تدريجياً بالتخلي عن سلطاتها لصالح حكومة وطنية دائمة تأتي عبر الانتخابات الحرة والنزيهة.
التشاركية:
• التعجيل الرغبوي بالانتخابات بعد الصراع الطويل، والفشل في توقيتها الحصيف يؤدي لتقويض السلام وإرساء التحول الديمقراطي، ويمثل سبباً مباشراً لتجدد الإحتراب (Recurrence of Conflict). وتعد الفترة الكافية لبسط الأمن الشامل وتجريد الأطراف المتنافسة من السلاح بواسطة قوات حفظ السلام الوطنية/الإقليمية/الأممية شرطاً مسبقاً لإجراء انتخابات حرة ونزيهة. وتأسيساً على طبيعة الصراع المستمر في السودان منذ استقلاله وعلى التجارب الشبيهة بالدول النامية فإن المغامرة بإجراء انتخابات في السودان قبل مرور خمس سنوات من وقف القتال والعدائيات يمثل تضرعاً لتجدد الصراع واستدامته.
• تحوُّل السودان الممزق بالصراع الطويل إلى ديمقراطية سلمية يتطلب استثمار قدر كبير من الوقت والمال في عملية مفتوحة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ونظراً لصعوبة التعجيل بهذه العملية لجسامة التحديات، فالأوجب تأجيل الانتخابات حتى لا تكون سبباً في تجدد الصراع. وذلك منعاً للمقاتلين السابقين، الذين تحولوا إلى سياسيين، من النكوص بإشعال الصراع برفضهم نتائج الانتخابات غير المواتية على المدى القصير، أو من خلال الحكم التعسفي الإقصائي في حالة النتائج المواتية، مما يخلق مظالم جديدة ويقود لتجدد القتال على المدى الطويل.
• تقاسم السلطة بين جميع مكونات ثورة ديسمبر أمر ضروري لتطور التحول الديمقراطي، ولا سيما من خلال تحالفات متعددة الأطراف. وعلى الرغم من أن أسلوب التمثيل النسبي يمثل وسيلة شائعة لضمان تمثيل هذه التحالفات، إلا أنه يحتاج لضمانات تمنع طغيان الأغلبية.
• يمثل توفير التمويل اللازم للانتخابات بعد الصراع الطويل العنصر الأهم لنزاهتها. والقصور في ذلك يؤدي إلى انخفاض فرص نجاحها بتدني مستويات إقبال الناخبين وارتفاع التزوير ومخالفات التصويت ومحدودية دور الإعلام في المراقبة والتدقيق.
• يقدر عدد الناخبين في السودان بحوالي 23 مليون ناخب من مجموع السكان المقدر بنحو 43 مليون نسمة. وتأسيساً على تجارب الدول الخارجة من الصراع فإن تكلفة الناخب الوحد، خاصة بعد حقبة الفساد الانتخابي الذي لازم حكم الإنقاذ، ودمار البنية التحتية في حرب أبريل 2023، تقدر بنحو 20 دولار للناخب الواحد. وعليه فإن المبلغ الواجب توفره لنجاح الانتخابات يقدر بنحو 575 مليون دولار.
• ينطوي الدعم اللوجستي لإجراء الانتخابات بعد خمس أعوام من وقف العدائيات على إجراء الإحصاء السكاني وتوفير وتأمين الوصول لصناديق الاقتراع، وتعزيز آليات حصر الأصوات، ونشر فرق المراقبة، والتواصل مع المواطنين، وإتاحة نتائج الانتخابات على نطاق واسع لتجنب التزوير وسوء الفهم، وتعزيز برامج التوعية المدنية قبل الانتخابات وبعدها، وتواصل الحوار بين المواطنين وممثليهم السياسيين على المستويات القومية والولائية والمحلية.
• تنقسم الأحزاب أثناء الانتقال إلى ثلاث فئات: 1) الأحزاب السياسية التي كانت موجودة قبل ثورة ديسمبر (أحزاب جناحي قوى الحرية والتغيير التي يواجهها تحدي المساءلة حول أدائها أمام عضويتها وناخبيها)، 2) الأحزاب السياسية التي تتأسس خلال الانتقال (لجان المقاومة التي تواجه تحدي التحول من كيان احتجاجي لكيان سياسي). 3) الأحزاب السياسية التي تنبثق من الفصائل المتحاربة السابقة (الدعم السريع ومكونات الجبهة الثورية التي تواجه تحدي الموارد والخبرة وعدم تكافؤ الفرص السياسية التي يواجهونها). وحتى تبلغ هذه الأحزاب النضج السياسي المطلوب لتحاشي إخفاقات الانتقال منذ سقوط الإنقاذ، يتعين إخضاعها لدورات متخصصة لبناء القدرات لتمكينها من مواجهة التحديات التي تسبق وتعقب الانتخابات.
• تكثيف الحوار الوطني لسد فجوة الثقة بين المجتمعات السياسية والمدنية والعسكرية التي أجهضت الانتقال قبل حرب بر يلأبريل 2023، بحيث يفضي الحوار إلى تجريد السياسة من السلاح (Demilitarization of politics) وتحويل الكيانات السياسية والحربية والاحتجاجية إلى كيانات ديمقراطية قادرة على الحفاظ على السلام وإرساء التحول الديمقراطي عبر منصات حوارية تعزز الثقة في تحقيق السلام وانتعاش الاقتصاد وشرعية الانتخابات.
رابعاً: المقارنة المعيارية ورصد وتقييم ومخاطر تنفيذ مهام الانتقال
تمهيد:
تمنح المقارنة المعيارية (Benchmarking) الفترة الانتقالية المراجع الخارجية والممارسات الجيدة التي يستند إليها تقييمها ونجاحها في تنفيذ مهامها وأهدافها. وتستهدف المقارنة المعيارية للفترة الانتقالية ثلاثة محاور تشمل: الاستراتيجية (Strategy)، والنهج (Process) والأداء (Performance). وترمي هذه المقارنة المعيارية إلى تعزيز فرص نجاح الانتقال بالاستفادة من التجارب العالمية والممارسات الجيدة في التحول الممنهج من مرحلة الصراع إلى مرحلة السلام وصولاً لمرحلة الديمقراطية المستدامة. ذلك أن تحاشي عثرات الانتقال التي أعقبت ثورة ديسمبر يستدعي التدبر الاستقصائي للممارسات السياسية والعسكرية من منظور الاستراتيجية المتبعة والنهج المستخدم والأداء الفعلي وفقاً لمؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs).
وتشير الممارسات السابقة في السودان إلى أن الفشل في الوصول للعدالة، وعدم المساواة الأفقية والرأسية قد أدى إلى تقويض التماسك الاجتماعي واحتقان ديناميكيات المظالم منذ استقلال السودان. ونظراً لتركها دون معالجة اقتصادية ومؤسسية وقانونية تخاطب جذور المظالم خلال الفترة الانتقالية، فقد تم استغلال هذه الديناميكيات لتعبئة المجموعات المتظلمة حول العنف. ذلك أن اتفاقية سلام جوبا قد سعت لصنع السلام (Peacemaking)، وإلى درجة أدنى حفظه (Peacekeeping)، ولكنها فشلت في بنائه (Peacebuilding). ويفسر ذلك إخفاق الاتفاقية في بناء السلام في إطار آلية هيكلية تتضمن مجموعة واسعة من الجهود التي تبذلها جهات فاعلة متنوعة على المستويات المجتمعية والوطنية والدولية لمعالجة الآثار المباشرة والأسباب الجذرية للصراع قبل وأثناء وبعد حدوث الصراع العنيف. وعليه فإن المرحلة القادمة يجب أن تسودها آليات فاعلة لحل النزاعات بحيث تكون مدمجة في هيكل الحكم كمستودع لمعالجة أي نكوص، تماماً مثل الآليات المدمجة في جسم الإنسان السليم القادرة على توليد الأجسام المضادة (Antibodies) التي تغنيه عن التدخل الطبي الخارجي. ومن ثم فإن بناء السلام وتحقيق الانتعاش الاقتصادي في السودان يتضمن نطاقاً واسعاً من الأنشطة التي كان ينبغي أن تسبق اتفاقية سلام جوبا وأيضاً تتبعها، بحيث لا يُنظر إلى اتفاقية السلام على أنها مجرد مرحلة زمنية أو حالة، بل بناء اجتماعي ديناميكي معزز ذاتياً.
1. الرصد والتقييم:
يُعد الرصد والتقييم (Monitoring and Evaluation) جزأين لا يتجزآن من عملية تنفيذ مهام الانتقال ويوفران رابطاً بين التخطيط والتنفيذ. ويمثل الرصد العملية المستمرة لجمع المعلومات اللوجستية والبرامجية لقياسها مقابل مؤشرات ما قبل الانتقال التي تتماشى مع أهداف البرنامج وغاياته بما يتيح المجال لاتخاذ الإجراءات التصحيحية المؤسساتية والفردية. كما يشمل التقييم عملية القياس المستمرة لجودة المخرجات التي تقدمها المهام المسندة لتحليل التقدم نحو تحقيق أهداف وغايات الانتقال المتمثلة في تحقيق السلام والانتعاش الاقتصادي بما يمكن من تحديد أوجه القصور وتصحيحها بما يلزم من إصلاح المؤسسات وتغيير شاغليها دورياً خلال سقف زمني لا يتجاوز ثلاثة أشهر.
وتمكيناً من القيام بعملية الرصد والتقييم بالكفاءة المطلوبة، ينبغي الحصول على التغذية الراجعة بشكل فوري ومستمر من أصحاب المصلحة لتدارك المشاكل الأساسية المصاحبة لعملية الانتقال في مرحلة مبكرة والوقوف على أثره الملموس في تحقيق السلام والانتعاش الاقتصادي. ويتضح من ذلك أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تحديداً واضحاً للمسؤوليات وآليات المتابعة، حيث يقتضي الأمر وضع آليات متابعة دورية لمراحل التنفيذ تشمل رفع تقارير المتابعة الفنية والمالية بشكل دوري لأعلى مستويات اتخاذ القرار بهدف الحصول على التوجيه بأفضل الحلول لإكمال التنفيذ وتذليل الصعاب والعقبات. ويتطلب ذلك تطوير الإحصاء لتوليد البيانات من خلال المسوح الاستقصائية والإحصاءات السكانية لتسهيل رصد التقدم المحرز.
وتشمل آليات الرصد والمتابعة زيارات الاستنباط والمتابعة الميدانية وعمليات بناء القدرات في مختلف الولايات، واللقاءات التنسيقية بين أصحاب المصلحة في الحكومة الاتحادية والحكومات الولائية والمحلية، والتقارير الفنية التي تعكس التقدم المحرز في تحقيق السلام المستدام والانتعاش الاقتصادي بمشاركة فاعلة من القطاع الخاص والمجتمع المدني. كما تشمل آليات الرصد والمتابعة التقارير المالية التي ترصد واقع استخدام الموارد المتاحة للتنفيذ وفقاً لأولويات المرحلة الانتقالية. كما تشمل التقارير المالية التطورات المتعلقة بشركاء التمويل الخارجيين، لمتابعة السحب من مساعداتهم الممنوحة، ورصد المعوقات التي تعترض تنفيذ الخطط التمويلية، وتقديم الحلول الناجعة لها.
وهنا تنبع أهمية مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) التي تمكّن من القياس الكمي للتقدم المحرز في تنفيذ مهام الفترة الانتقالية المنبثقة من العقد الاجتماعي بين الحكومة والشعب الذي يستلزم التبادل بين توفير الدولة للأمن والعدالة والفرص الاقتصادية مقابل دعم الشعب لسلطة الدولة بما يمكنها من فرض هيبتها وتعزيز فاعليتها. وهناك ضرورة لاختيار مؤشرات الأداء الرئيسية وفقاً لقاعدة SMART بحيث تكون هذه المؤشرات:
• محددة (Specific).
• قابلة للقياس (Measurable).
• قابلة للتحقيق (Achievable).
• ذات صلة (Relevant).
• محددة الوقت (Time Based).
ووفقاً لهذه المعايير فقد تم اختيار مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) لقياس وتقييم جهود الحكومة الانتقالية لتنفيذ مهام الانتقال المتعلقة بمعالم الانتقال البارزة (Milestones) التالية:
• السياسات الأمنية.
• السياسات الإنسانية والاجتماعية.
• الحوكمة والتحول الديمقراطي.
• لإصلاحات الاقتصادية.
• البنى التحتية والتنمية.
ويجدر بالذكر أن معالم (مراحل) الانتقال المذكورة تتحقق على مدى فترة زمنية تختلف وفقاً للظروف المحلية وحسب كل مهمة على حدة. وعلى هذا النحو، فلا يجب التعويل على تحقيقها بالتسلسل لأن المهام المنوطة بكل معلم (مرحلة) قد لا يتيسر تنفيذها في نفس الوقت، بل قد يتم ذلك خلال مرحلة لاحقة مما ينتج عنه تداخلاً أفقياً في تنفيذ مهام كل مرحلة. ولكن رغم ذلك، فإن النظر لهذه المعالم (المراحل) عمودياً لا غنىً عنه كمؤشر يعتد به في تقدير الحد الأدنى للمدى الزمني للفترة الانتقالية الذي يضمن تنفيذ مهامها المسندة بناء على اعتبارات فنية مجردة من الاشتهاء السياسي والنزعة العسكرية تحاشياً لعودة الصراع (Recurrence of Violence).
ويقع في صميم دور شركاء الانتقال المحليين والإقليميين والدوليين اتباع معايير متينة للتقييم الدوري المبني على النتائج المحققة (Result-based) لأداء أعضاء مجلسي السيادة والوزراء وكافة المسؤولين المدنيين والعسكريين، واتخاذ الإجراءات التصحيحية المناسبة في حالة الإخفاق. وتنبع أهمية هذا التقييم الدوري من قصر الفترة الانتقالية المحدد انتهاؤها خلال خمس سنوات، وتهيئة البلاد للانتخابات العامة والحكم الديمقراطي المستدام. ولا شك أن هذا التقييم الدوري المفضي لما يلزم من إجراءات تصحيحية هو أهم الضمانات لاستقامة المسار. ويقتضي التقييم الدوري للأداء بطبيعة الحال اللجوء للإحلال والإبدال في حالة ثبوت الإخفاق في ضوء التجربة العملية. وهناك ضرورة لجعل أنشطة التعافي ذات حساسية عالية للصراع (conflict-sensitive): فلا ينبغي لها أن تؤدي إلى تفاقم خطر العودة إلى العنف. بل ينبغي لها أن تعمل بنشاط على تقييم التأثيرات التوزيعية للبرامج والسياسات - بما في ذلك التأثيرات على المساواة الأفقية بين الولايات لضمان عدم تفاقم التوترات عن غير قصد.
وإدراكاً لضرورة الحد من مخاطر الصراع، ينبغي لأنظمة سياسات الاقتصاد الكلي خلال الانتقال أن تركز على تحفيز الاقتصاد وتعزيز الاستثمار الخاص. والتعامل مع الاعتبارات الأخرى، مثل خفض التضخم أو زيادة الإيرادات المحلية والتحرير المالي والخصخصة باعتبارها أولويات من الدرجة الثانية. ولابد من تقديم الإصلاحات على نحو يتوافق مع واقع الاقتصاد السياسي للسودان بحيث لا تؤدي سياسات الاقتصاد الكلي لتأجيج وإعادة الصراع. وتحقيقاً لهذه الغاية، يتطلب التعافي الناجح حصر تنصيب كوادر الانتقال في المدنيين المستقلين المتمتعين بالجدارة والنزاهة بحيث تستمد الدعم والشرعية من الالتزام بتنفيذ العقد الاجتماعي بين الحكومة والشعب. كما ينبغي توفير المساندة للحكومة من النخب السياسية المحلية الجادة ذات المصداقية الملتزمة بتعزيز السلام وتحقيق الانتعاش الاقتصادي. وعلى قدر كبير من الأهمية يجب توفر الحماية اللازمة من الحكومة من السلطات العسكرية والشرطية الموحدة الملتزمة بمدنية الدولة والتحول الديمقراطي.
2. نمط التسلسل في سياسات المراحل والمهام خلال سنوات الانتقال الخمس:
تتكون الفترة الانتقالية من ثلاث مراحل مترابطة بشكل وثيق ومتداخلة زمنياً وهي:
1. التدخل الوطني والإقليمي المباشر لبسط الأمن (12 شهراً).
2. ترسيخ التحول والانتقال (12-36 شهراً).
3. تمكين القدرات المحلية لتحقيق الاستدامة (36-60 شهراً).
وعلاوة على ذلك، هناك ضرورة لتقسيم سياسات الفترة الانتقالية إلى: المدى الفوري، والمدى قصير الأجل، والمدى متوسط الأجل، وذلك في إطار خمس مجموعات تشمل المهام التالية: الأمن، السياسات الإنسانية والاجتماعية، والحوكمة وإرساء قواعد التحول الديمقراطي، وتحقيق الإصلاح الاقتصادي، والبنى التحتية والتنمية.
3. توزيع إجمالي موارد الفترة الانتقالية بين مراحل ومهام سنواتها الخمس:
تتجسد المخاطر التي تواجه الانتقال في السودان في القابلية لتجدد الصراع الذي انحسر بعد اتفاقية جوبا للسلام 2020 وانفجر في أبريل 2023 بين الجيش والدعم السريع. ويمثل تعدد الجيوش وانتشار السلاح أبرز المهددات المجهضة للسلام والانتعاش الاقتصادي. كما أن استمرار الفشل في ضم الحركتين المسلحتين بقيادة عبد العزيز الحلو وعبد الواحد نور إلى ركب السلام يشكل عقبة أخرى تعيق تحقيق مهام الانتقال. وتشمل مخاطر الانتقال أيضاً عدم القدرة على توفير التمويل اللازم والفشل في جذب وإدارة وتنسيق دعم المانحين لتحقيق السلام والانتعاش الاقتصادي. ويهدد تنفيذ مهام الانتقال أيضاً عدم اتخاذ الخطوات الكفيلة بحوكمة السياسات الاقتصادية واستمرار غياب كيان استراتيجي مستقل يتابع عملية تنفيذ تلك السياسات في إطار إصلاح مؤسسي فاعل. كما يواجه الانتقال مخاطر عدم توفير البيانات الضرورية لتسهيل تصميم صيغة التحويلات الحكومية المعادلة للأقاليم المختلفة، وعدم التوافق على صيغة فاعلة لتخصيص التحويلات الحكومية المناصرة للفقراء والداعمة للسلام وتساهم في معالجة الاختلالات الرأسية بين المركز والولايات والأفقية بين مختلف الولايات. ويمثل الفشل في تحسين مناخ الاستثمار ومنهجية ممارسة الأعمال عقبة أخرى تعيق تنفيذ مراحل ومهام الانتقال على النحو المنشود. كما تشمل المخاطر أيضاً التباطؤ في بناء قدرات الخدمة المدنية المنوط بها تنفيذ مهام الانتقال. وتعتبر الأوضاع الاقتصادية المتردية من أهم العوامل التي تهدد بمخاطر تجدد الصراع. ويشمل ذلك انخفاض دخل الفرد، وضعف النمو الاقتصادي، ووجود تفاوتات اجتماعية واقتصادية أفقية (جماعية)، ونقص فرص العمل خاصة للشباب، وغياب حوكمة الموارد الطبيعية ذات القيمة العالية مثل الذهب والمعادن النفيسة الأخرى. ويلاحظ الانخفاض النسبي عبر السنوات الخمس في الصرف على السياسات الأمنية والسياسات الإنسانية والاجتماعية، لإفساح المجال لزيادة الصرف على سياسات الحوكمة والتحول الديمقراطي وسياسات الإصلاح الاقتصادي والبنى التحتية والتنمية.
4. مخاطر تنفيذ مهام الانتقال:
• تتجسد المخاطر التي تواجه الانتقال في السودان في القابلية لتجدد الصراع الذي انحسر بعد اتفاقية جوبا للسلام 2020 وانفجر في أبريل 2023 بين الجيش والدعم السريع.
• يمثل تعدد الجيوش وانتشار السلاح أبرز المهددات المجهضة للسلام والانتعاش الاقتصادي.
• استمرار الفشل في ضم الحركتين المسلحتين بقيادة عبد العزيز الحلو وعبد الواحد نور إلى ركب السلام يشكل عقبة أخرى تعيق تحقيق مهام الانتقال.
• عدم القدرة على توفير التمويل اللازم والفشل في جذب وإدارة وتنسيق دعم المانحين لتحقيق السلام والانتعاش الاقتصادي.
• عدم اتخاذ الخطوات الكفيلة بحوكمة السياسات الاقتصادية واستمرار غياب كيان استراتيجي مستقل يتابع عملية تنفيذ تلك السياسات في إطار إصلاح مؤسسي فاعل.
• عدم توفير البيانات الضرورية لتسهيل تصميم صيغة التحويلات الحكومية المعادلة للأقاليم المختلفة، وعدم التوافق على صيغة فاعلة لتخصيص التحويلات الحكومية المناصرة للفقراء والداعمة للسلام وتساهم في معالجة الاختلالات الرأسية بين المركز والولايات والأفقية بين مختلف الولايات.
• الفشل في تحسين مناخ الاستثمار ومنهجية ممارسة الأعمال يعيق تنفيذ مراحل ومهام الانتقال على النحو المنشود.
• التباطؤ في بناء قدرات الخدمة المدنية المنوط بها تنفيذ مهام الانتقال.
• الأوضاع الاقتصادية المتردية من أهم العوامل التي تهدد بمخاطر تجدد الصراع. ويشمل ذلك انخفاض دخل الفرد، وضعف النمو الاقتصادي، ووجود تفاوتات اجتماعية واقتصادية أفقية (جماعية)، ونقص فرص العمل خاصة للشباب، وغياب حوكمة الموارد الطبيعية ذات القيمة العالية مثل الذهب والمعادن النفيسة الأخرى.
• تهميش دور لجان المقاومة والمجتمع المدني بقيادة مراكز التميُّز(Centers of Excellence) ومؤسسات الفكر الوطنية (Think Tanks) وحرمانهم من المشاركة الفاعلة في إنجاح المبادرات الثنائية ومتعددة الأطراف لوقف إطلاق النار وإعادة إعمار السودان.
5. آليات الحد من مخاطر تنفيذ مهام الانتقال:
• التأكيد على أن العامل الأوحد في تحديد المدة الزمنية للفترة الانتقالية هو الاعتبارات الفنية التي تمكّن من تنفيذ مهام الانتقال المسندة البالغة الحساسية والتعقيد بالتدرج والتسلسل الواجبين بعيداً عن التسرع المؤدي لتجدد الصراع. ومن هذا المنطلق فإن تحديد الفترة الانتقالية بأقل من خمس سنوات يمثل توسلاً (Supplication) لتجدد الصراع واستدامته.
• ترسيخ آليات الرصد والتقييم (Monitoring and Evaluation) لإحكام الترابط بين التخطيط والتنفيذ ويتيح المجال لإصلاح المؤسسات وتغيير شاغليها دورياً خلال سقف زمني لا يتجاوز ثلاثة أشهر. كما يشمل التقييم عملية القياس المستمرة لجودة المخرجات التي تقدمها المهام المسندة لتحليل التقدم المحرز في تحقيق أهداف وغايات الانتقال.
• النأي عن مجرد التفكير في المشروعات النهضوية ونماذج المحاكاة بعيدة المدى خلال الفترة الانتقالية التي ينبغي ألا يتجاوز تفويضها وصلاحيتها التدرج الواقعي في الانتقال من اقتصاد الصراع الذي يقع نحو 70% منه خارج سيطرة الدولة (اقتصاد الظل)، إلى اقتصاد السلام (الاقتصاد الرسمي). ذلك أن إضاعة الموارد الشحيحة في التحول من اقتصاد الصراع مباشرة إلى اقتصاد التنمية المستدامة والمشروعات النهضوية يمثل تنظيراً أكاديمياً يجتر نهج الانقاذ الاقتصادي الفاشل.
• اتباع مسار الانتقال التدريجي من اقتصاد الصراع لاقتصاد السلام يتطلب التسلسل في التحول من القطاع غير الرسمي غير المشروع (Illicit informal sector) الذي يتسم بإنتاج وتجارة المخدرات والتهريب والابتزاز، إلى القطاع غير الرسمي المشروع (Subsistence sector) الذي يتسم بزراعة الكفاف والمنتجات المدعومة بالإعانات الحكومية وآليات دعم الأسعار لتعويض أي دخل مفقود. ثم التحول للقطاع الرسمي المشروع (Licit formal sector) الذي يتميز بإنتاج محاصيل التصدير ذات الإنتاجية العالية وغيرها من الصناعات التحويلية والتعدين وتقديم الخدمات بما يمهد لانطلاق التنمية المستدامة.
• تحقيق التوازن بين الاستهداف السريع للاستقرار والأمن، والمعالجة الجذرية للأسباب الكامنة وراء الصراع. ذلك أن إعطاء الأولوية لرفع مستوى الأمن على حساب العدالة الانتقالية، يؤدي إلى صعوبة تحقيق المصالحة وجعل المكاسب الأمنية أكثر هشاشة. وفي الوقت نفسه، فإن عمليات مكافحة الإفلات من العقاب يمكن أن تؤدي إلى عدم الاستقرار واستئناف الصراع.
• منح الأولوية في سياسات الاقتصاد الكلي لتقليل مخاطر استئناف الصراع على حساب تحقيق النمو المتسارع. وقد يعني ذلك التسامح المؤقت مع التضخم المعتدل وعجز الميزانية المكبوح. ومن الأهمية بمكان توجيه جهود التعافي خلال الانتقال أيضاً لتعزيز السياسات التي تجتذب استثمارات القطاع الخاص وعودة العمال المهرة من الشتات.
• يتطلب التعافي الناجح في مرحلة ما بعد الصراع انتعاشاً اقتصادياً يؤدي إلى الحد من مخاطر تكرار الصراع. وعلى هذا النحو، يجب أن يكون النمو مصحوباً بالتوسع في معالجة التفاوتات الأفقية بين الولايات وداخلها. وتقديم الدعم للتنشيط الاقتصادي، بما في ذلك خلق فرص العمل وسبل العيش (في الزراعة والأشغال العامة) وخاصة للشباب والمقاتلين السابقين المسرحين، فضلا عن إعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية.
• إيلاء الأهمية لمؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) التي تمكّن من القياس الكمي للتقدم المحرز في تنفيذ مهام الفترة الانتقالية المنبثقة من العقد الاجتماعي بين الحكومة والشعب الذي يستلزم التبادل بين توفير الحكومة الانتقالية للأمن والعدالة والفرص الاقتصادية، مقابل دعم الشعب لسلطة الحكومة بما يمكنها من فرض هيبتها وتعزيز فاعليتها. وهناك ضرورة لاختيار مؤشرات الأداء الرئيسية وفقاً لقاعدة SMART.
• تكوين المجلس التشريعي الانتقالي من كافة قوى ثورة ديسمبر مع مراعاة التوازن في التمثيل من حيث النوع والجهة والمهنة، والتمثيل العادل للجان المقاومة والجيش بعد إدماج الدعم السريع والحركات المسلحة. وضرورة مراعاة رفد المجلس التشريعي بذوي الخبرات المهنية في مجالات الاقتصاد والقانون والاجتماع لرئاسة وعضوية لجان المجلس المتخصصة.
• ضمان عملية عادلة وشاملة للحوار حول نظام الحكم والدستور المستند على مضامين ثورة ديسمبر مع مراعاة شرعية الكيان الذي يصيغ الدستور. ونظراً لعدم توفر الشرعية الدستورية لدى مجمل الفاعلين المدنيين والعسكريين الحاليين، يتطلب الأمر النظر في إدخال تعديلات هيكلية على الوثيقة الدستورية (عام 2019 المعدلة عام 2020) نظراً لمشاركة قوى الثورة في إعدادها في إطار الشرعية الثورية التر أفرزتها ثورة ديسمبر 2018، علماً أن كافة الفقرات التي استحدثتها وثيقة المحامين يمكن استيعابها في الوثيقة الدستورية المعدلة، بما في ذلك خروج العسكريين من السلطات السيادية والتنفيذية والتشريعية. وهناك ضرورة لوضع نظام حوكمة وطني شامل يساعد على عقد مؤتمر دستوري يستهدف العلاقة بين استدامة السلام وروح ونص الدستور.
• تكوين السلطة التنفيذية الانتقالية بإنشاء الوزارات والوحدات والهيئات والمجالس الاستشارية المستقلة المتسقة مع أهداف ثورة ديسمبر المتمثلة في تحقيق السلام والانتعاش الاقتصادي، وحصر الاختيار في الكفاءات الوطنية المستقلة عن الولاءات السياسية والجهوية والقبلية، وتحديد الاختصاصات لكافة الكيانات التنفيذية الرامية لتحقيق الانتقال الحقيقي نحو الحكم الديمقراطي المنشود.
• الإصلاح التشريعي ببناء قدرات المشرعين، وتطوير المعايير الأخلاقية وقواعد السلوك، ووضع المبادئ التوجيهية المتعلقة بتمرير القوانين واللوائح من خلال المجلس التشريعي الانتقالي، وخضوع السياسات والموازنات الوطنية للنظام التشريعي.
• إصلاح الحكم المحلي بإعطاء الأولوية لبناء قواعد البيانات على المستوى المحلي، بما في ذلك الدقة والتوقيت المناسب. ويتطلب ذلك توصيل الكهرباء والإنترنت ومحو الأمية الحاسوبية، و مساعدة السلطات المحلية لمراعاة معايير الأداء القابلة للتحقق بشكل موضوعي في توليد الإيرادات وتوفير التعليم الابتدائي والخدمات الصحية الأساسية، وتحاشي إنشاء مؤسسات حكم موازية تعمل على إضعاف أنظمة الإدارة الأهلية الفاعلة.
• إصلاح الحكم اللامركزي والفدرالية المالية في ضوء مخرجات مؤتمر نظام الحكم بالتخلي عن نظام اللامركزية الحالي القائم على 18 ولاية ذات الطابع القبلي والإثني، والاستعاضة عنه بنظام يستند على النشاط الاقتصادي المراعي للعدالة الجغرافية، وترسيخ العلاقة بين مستويات الحكم (الاتحادي والولائي والمحلي) في الدستور والقوانين واللوائح، وتوخي المرونة لتغيير أدوات التنفيذ وفقاً للمقتضيات، وتكريس المبادئ السياسية والفلسفية في الدستور.
• تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد بإنفاذ قوانين مكافحة الفساد بما في ذلك إقالة المسؤولين الفاسدين وتفكيك شبكات الجريمة المنظمة وأمراء الحرب، وتمكين الآليات القانونية وآليات المجتمع المدني لمراقبة السلوك الحكومي، وتعزيز ممارسات الإدارة الشفافة في القطاعين العام والخاص، وإنشاء الحماية التشريعية لمجموعات المراقبة الوطنية.
• تمثل المساعدات الخارجية أهمية كبيرة للتعافي، خاصة في المراحل المبكرة من الانتقال، بيد أن إدارة هذه المساعدات يجب أن تخضع لدورها في تعزيز واستخدام الموارد المحلية، بحيث لا تكون وسيلة لتعزيز الأنظمة الموازية لمبدأ الاعتماد على الذات.
• تحسين بيئة الأعمال لجذب المستثمرين المحليين والأجانب للاستثمار في المشروعات القومية والإقليمية الداعمة لتحقيق السلام والانتعاش. ويمثل تعزيز الحوار الاجتماعي لتحقيق إجماع شامل حول معالجة القضايا الحساسة مثل حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وحماية الفئات المهمشة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة عنصراً مهماً في المساعدة على تخفيف حدة المخاطر التي تواجه الانتقال.
• تعزيز قدرة الحكومة على بسط الأمن والقانون والنظام وتنسيق العون الثنائي ومتعدد الأطراف لإعادة الإعمار في مناطق الصراع لمنع تكرار المشاريع، وإدارة الموارد الخارجية بطرق قابلة للمساءلة وتتسم بالمرونة وسهلة التنفيذ وموجهة حسب احتياجات تحقيق السلام والانتعاش.
• تعزيز تمكين المرأة وحمايتها من التمييز وفرض أقصى العقوبات على العنف الجنسي المنظم الذي شكل أحدى تكتيكات الحرب في السودان في مختلف المواقع الجغرافية والحقب الزمنية، بيد أن من اتفاقيات السلام السابقة لم توفه حقه. وعلاوة على ذلك، هناك حاجة ماسة لتحسين فرص العمل للنساء.
• إصلاح الخدمة المدنية بتحديد هيكلها وحجمها المناسب لتلبية الاحتياجات الانتقالية والمتطلبات المتعلقة بالتحول الديمقراطي. ونظراً لأن الخدمة المدنية تمثل العمود الفقري لنجاح أو فشل الانتقال هناك ضرورة ملحة لتدعيم قدرات جهاز الخدمة المدنية على جميع المستويات والاهتمام ببناء قدرات ومهارات الموظفين وتوفير حوافز لجذب الموظفين المؤهلين من السودانيين العاملين بالخارج.
• مراكز التميُّز ومؤسسات الفكر الوطنية بوصفها كيانات وطنية مستقلة المساعدة تساهم في إنجاح الفترة الانتقالية من منطلق مهني مجرد من الاعتبارات السياسية والجهوية تماشياً مع منطلقات ثورة ديسمبر التي عمَّقت شعوراً قومياً بضرورة اضطلاع الكيانات الوطنية المستقلة بلعب الدور الأبرز في الجهود الرامية لتحقيق أهداف الفترة الانتقالية لضمان الملكية الوطنية (National Ownership) للمخرجات. وحتى يتم تحقيق الإنبات المحلي (Homegrown) للمبادرة الإفريقية تبرز الضرورة لمشاركة هذه الكيانات في كافة مراحل الانتقال. حيث إن الممارسات الجيدة في الدول النامية قد أكدت نجاح مراكز التميز ومؤسسات الفكر في حل العديد من الخلافات المستعصية في كل من نيجريا، وأفغانستان، ونيبال، وتونس. كما يمكن لهذه الكيانات الوطنية المستقلة حث جانبي الصراع للعمل سوياً بشكل أكثر كفاءة من خلال خلق التآزر وتوليد أفكار جديدة والتوصل إلى التوافق والتماسك المنشود لتحقيق حكم مدني مكتمل يهيئ البيئة المناسبة للتحول الديمقراطي المنشود.
melshibly@hotmail.com