badayomar@yahoo.com
عمود : محور اللقيا
مع تباشير شهر رمضان الكريم درج الناس على تبادل التهاني و الأماني بعودته عليهم و على الأهل و الأصدقاء و المعارف بالخير و البركات . التهاني دائما يتبعها السؤال عن الحال و دائما يبدأ الجواب بحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه ثم ينعرج إلى الشكوى من الحال المائل ! و يأتى سيل المعاناة من أفواه الأحبة هادرا و هم صائمون ...
الكهرباء لا زالت في غيها تغيب و تأتي كما يحلو لها الدلال , و الماء يغيب بالأشهر و إذا أتى لا يأتي الا زائرا عند السحر كأنما على صلة بزوار الفجر ! و غلاء الأسعار يزداد مع حلول رمضان الكريم في إجحاف على المواطنين ينهي الوعود المدغدغة بالسعي لرفع المعاناة عن كاهل الشعب !
مشكلة المياه قد تفاقمت في الأشهر الثلاثة الماضية و رغم ذلك فالمواطنون يدفعون فاتورة المياه مقرونة مع فاتورة الكهرباء عن طريق الدفع المقدم بغير وجه حق . قديما كان في كل بيت عداد للماء المستهلك يوجد عند مدخل خط الماء إلى البيت , و كان عند كل شهر يأتي موظف المياه ليقرأ العداد ثم تصدر فاتورة شهرية بالماء المستهلك الحقيقي . بعد ذلك صارت فاتورة الماء تقرن مع فاتورة الكهرباء مع تدهور مرفق المياه و تعطل عدادات المياه و التي صارت غير متوفرة في الإمتدادات الجديدة و مع إنخفاض عدد قارئي العدادات صارت المياه المستهلكة لكل بيت تقدر تقديرا حسب حجم البيت و عدد ساكنيه و كمية الأشجار التي به . هذا التقدير لإستهلاك المياه لا زال مستمرا و يتم تحصيله عند شراء أوراق الدفع المقدم للكهرباء مرة كل شهر , لا فرق في ذلك بين وفرة خدمة الإمداد المائي أم عدمها , و هنا يأتي الإجحاف غير العادل في حق المواطن !
يقولون في أسباب قطوعات المياه أنها بسبب تكسير نبات الدمس لأنابيب المياه التحت – أرضية ! هذا النبات الفائق النمو و الإنتشار فوق الأرض بأفرعه الخضراء و تحتها بجزوره المتمددة القوية التي تهشم أنابيب المياه كما تهشم الأفعى عظام ضحاياها ! أنا من مواطني حلفاية الملوك أبا عن جد و عودة إلى ما يقارب المائتي عام , و لم تكن لدينا مشكلة مياه قط , كما هو حاصل الآن . كانت لدينا عدة آبار تكفينا و تكفي الزرع و الضرع , و كان لدينا سقاؤن قد إشتهروا بمهنتهم منهم علي اليماني و الجاك مستورة و صالح و بخيت البيه , و في الحيشان الكبيرة كانت تدار علي الآبار مضخات تعمل بالديزل يطلقون عليها ( الميترة ) . عندما تم ضم الحلفاية إلى شبكة مياه الخرطوم بحري , طمرت آبار الحلفاية ثم بدأت تحدث مع الزمن بعض قطوعات للمياه فتم حفر بئر في الكيلو 8 لا زالت غرفتها موجودة و تم ضخ مياهها إلى الصهريج الموجود في السوق قرب قبة الشيخ عبد الدافع و تم فصل شبكة مياه الحلفاية عن شمبات و بقية الخرطوم بحري . لكن نسبة لملوحة الآبار في شمبات و بحري أعيد توصيل مياه الحلفاية مع شمبات و بحري و عاد الحال كما كان قديما و إستمر هكذا حتى القطوعات الأخيرة .
كحل لأزمة مياه الحلفاية إقترحت المحلية على المواطنين التبرع لحفر آبار للمياه في الحلفاية , و لكن المواطنين الذين دفعوا الكثير و الكثير رفضوا أن يدفعوا شيئا لأنهم يدفعون فواتير الدفع المقدم للمياه و يدفعون مائة ألف جنيه لكل برميل ماء يشترونه . عند ذلك حفرت السلطات بئرا في حي اللاسلكي فتحسن الحال قليلا , مع وعود بحفر آبارٍ أخرى للمياه .
مشكلة الكهرباء و في نهار رمضان القائظ الحر نراها مستفحلة و هي تقطع بالساعات الطوال , و في مقالة لي سابقة عددت أسباب قطوعات الكهرباء و هي تنحصر في محدودية العرض مقابل الطلب خاصة خلال موسم الخريف و الفيضان حيث تفتح السدود أبوابها لتصريف الطمي فتقل الطاقة الكهربائية المولدة , لكن التعويض يكون عن طريق محطات التوليد الحرارية و هذه تعاني من مشاكل الصيانة و عدم توفر قطع الغيار و عدم توفر وقود الديزل و الوقود الثقيل مع مشاكل محولات النقل و التوزيع .
بجانب مشكلتي الكهرباء و الماء توجد مشكلة أراضي الحلفاية التي إستفحلت عبر عقود عدة و هي ملك حر لمواطني الحلفاية يستغلونها في الزراعة المطرية و لكن الحكومة أدخلتها في الخطط الإسكانية و رغم ذلك لم يتم توزيع القطع السكنية لمعظم مواطني الحلفاية الذين وردت أسماؤهم في الخطط الإسكانية الأخيرة , بل يرون أراضيهم تباع كقطع إستثمارية , و قد أوردت ذلك بالتفصيل في مقالة لي سابقة بتاريخ 15/2/2015 و أوردت ما صرحه السيد مدير الأراضي و الخطة الإسكانية حينذاك أنه لا توجد أراضٍ لتوزيعها !
لقد رفعت الحكومة الجديدة شعار الإهتمام بقضايا المواطن , و لكن لا طحن يرى حتى الآن . لا زال الغلاء في تزايد , و لا زالت المعاناة في توفير ( قفة الملاح ) أو حتى لقمة العيش هي شاغل الناس في هذا الشهر الكريم . الرواتب لا تكفي 14% من المستلزمات الضرورية كما أوردت الإحصائيات , فكيف يكون حديث الساسة عن النهضة المرتقبة واقعيا ! بينما العنف في مقابلة التظاهرات المطلبية السلمية يصل حد إطلاق الرصاص الحي و قتل الشباب العزل !
الخير و البركة في المبادرات الطوعية الشبابية كمبادرة شارع الحوادث و نفير و كذلك منظمات المجتمع المدني الخيرية التي إنتشرت و غطت على عجز الحكومة في إعانة المواطنين في مجالات عدة .
أخيرا كالعادة أكرر و أقول : إن الحل لكل مشاكل السودان السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية يكون في العودة إلى مكون السودان القديم و هو التعايش السلمي بين العروبة و الأفريقانية و التمازج بينهما في سبيل تنمية الموارد و العيش سويا دون إكراه أو تعالٍ أو عنصرية . قبل ألف عام كانت في السودان ثلاث ممالك افريقية في قمة التحضر , و طيلة ألف عام توافد المهاجرون العرب إلى الأراضي السودانية ناشرين رسالتهم الإسلامية و متمسكين بأنبل القيم , فكان الإحترام المتبادل هو ديدن التعامل بين العنصرين العربي و الأفريقاني . إن العودة إلى المكون السوداني القديم تتطلب تغييرا جذريا في المفاهيم و في الرؤى المستحدثة و في الوجوه الكالحة التي ملها الناس !