زوبعة بورسودان- ما بين العمائم الدينية وعكازات السياسة

 


 

 

زهير عثمان حمد
أمتعني المقال الذي كتبته الأستاذة رشا عوض، وكان مدخلها: "أهلًا بكم في عالم الكوميديا السوداء، حيث تتداخل السياسة مع الفكاهة في مشهد لا يمكن تصديقه إلا إذا عشته. دعونا نبدأ من بورسودان، حيث تجري أحداث زوبعة تلفزيون البزعي، تلك الزوبعة التي أثارت الضحك والسخرية معًا."
أنطلقت صاحبة القلم السيف البتار بسلاسة وسخرية تدهشك وأوصلت الرسالة بلغة راقية قريب من كل أهل السودان , نضّ الله وجهها وجعلها دوماً صوت أهلنا الثائر، ومدافعة عن حقوقهم، حاملةً راية التنوير والحكمة.
مشهد العكازة والتحدي الهزلي , تصوروا شابًا يحمل عكازه ويملي أوامره على حكومة الأمر الواقع بإقالة مدير التلفزيون البزعي، مهددًا بقاءهم بعكازه: "لو ما أقالتوهو نحن قاعدين هنا بعكاكيزنا"، ثم يضرب الأرض بعكازه كأنه يعلن بداية معركة هزلية. وذروة المأساة الكوميدية تأتي عندما يقول لهم: "كان ما عجبكم امشو الاذاعة الحررتوها في امدرمان نحن حررنا دي".
لا تنخدعوا بالمظاهر! , قد تظنون أن هذه المشاجرة تتعلق باحترام التنوع الثقافي، خاصة بعد منع مذيعة بجاوية من الظهور بالزي الشعبي. ولكن لا تقعوا في الفخ! فالقصة الحقيقية هي صراع سياسي من العيار الثقيل، تحركه جهات نافذة ضد البرهان، مستخدمة المجلس الأعلى لنظارات البجا كواجهة لتلك المعارك السياسية.
لعبة العسكر كيزاني , لا يمكن أن نصدق بسذاجة أن في بورسودان يوجد براح من حرية التعبير يسمح بالاعتصام داخل مبنى حكومي حساس كالتلفزيون، حيث يبث المعتصمون فيديوهاتهم وهم يرفعون عكاكيزهم في وجه السلطة. وفي نفس الوقت، رأينا كيف تتعامل السلطة الانقلابية بوحشية مع المتظاهرين السلميين في ظروف أمنية أفضل. فما الذي جعل الأسد يتحول إلى نعامة هنا؟ نحن منذ الاستقلال لم نحترم التنوع الثقافي ولا نحسن إدارته، وهذا فشل النخب الإعلامية دهرا طويلا.
عبقرية المكان وخطورة الزمان , تكمن الخطورة في المكان: شرق السودان، حيث إذا عطس أصيب السودان كله بالزكام. الحرب هناك قد تتحول إلى حرب وكالة إقليمية تنذر بتقسيم البلاد. فما الذي يخططه العسكر في مطبخهم السياسي المتصارع؟ وما الذي يحاك ضد السودان إقليمياً ودولياً؟
في نهاية المطاف، قد تكون هذه الزوبعة مجرد بداية لمؤامرة أكبر. هل ستتوقف الأمور عند مستوى العكاكيز أم ستتصاعد إلى أمور أخرى؟ الأيام القادمة ستجيب عن ذلك، لكن المؤكد أن المشهد الحالي يعكس كوميديا سوداء من العيار الثقيل، حيث تختلط المأساة بالسخرية في لعبة سياسية خطيرة.

العمامة السودانية والتراث العريق , بينما تعصف الكوميديا السوداء ببورسودان، لا يمكننا أن نغفل عن رمز آخر يعكس جزءًا من الهوية السودانية: العمامة. التي غابت عن مسرح تلفاز بورسودان. العمامة ليست مجرد قطعة من الزي، بل هي رمز للثقافة والتاريخ السوداني.
تاريخ العمامة السودانية , تعود جذور العمامة إلى العمال الذين كانوا يضعونها لتقليل ضغط الأحمال على رؤوسهم أثناء العمل. في السودان، تأتي العمامة في ختام عملية الاستعداد للخروج إلى مناسبة ما، مثل الأعياد والمناسبات الاجتماعية والاحتفالات الرسمية وغير الرسمية.
التنوع الاجتماعي والثقافي
تعكس العمامة التوجه الاجتماعي والقبلي في السودان. لكل مجموعة إثنية أسلوبها الخاص في ارتداء العمامة. كما تعكس حرارة الطقس والبيئة السودانية.
التطورات الحديثة في الأعوام الأخيرة، شهدت العمامة تعديلات في التصميم واللون، مما أثار آراء متباينة. بعض الشباب يرتديها بشكل محدث، في حين يرى آخرون أن ذلك يهدد مكانتها وهويتها الأصلية.
العمامة المستنيرة وتجديد الخطاب الديني في سياق آخر، يشير مصطلح “العمامة المستنيرة” إلى مبادرة تهدف إلى إصلاح الخطاب الديني في السودان. يسعى الجمهوريون من خلال هذه المبادرة إلى تحقيق توازن بين الجوانب الدينية والاجتماعية، وتعزيز قيم التسامح والتفاهم في المجتمع.
والآن، بيننا عمامة ذات بُعد خبيث تحاول أن تصنع لنفسها مسارًا ومستقبلًا، لكن شعبنا والثوار يعرفونها جيدًا وهم لها بالمرصاد.
و التجديد الديني في كتاب “العمامة المستنيرة” للشيخ عبد المتعال الصعيدي يتناول مساعي التجديد الديني وتحديث الخطاب الديني. يركز الكتاب على التوازن بين الجوانب الدينية والاجتماعية في المجتمع، ويعرض ردود الشيخ على الأفكار المختلفة بما في ذلك التنصير والإلحاد.

سواء كانت العمامة رمزًا ثقافيًا أو جزءًا من مبادرة تجديد الخطاب الديني، فهي تعكس جوانب متعددة من الهوية السودانية. وبينما تستمر الزوبعة في بورسودان، يبقى السؤال عن مستقبل العمامة والعكازات معلقًا في هواء السياسة السودانية الكثيف.

zuhair.osman@aol.com

 

آراء