زيف التفـاوض

 


 

عمر العمر
7 September, 2020

 

 

كما منحنا في مركزية "قحت" أوزانا لقيادات بلا جماهير أفردنا إلى طاولات التفاوض مقاعد لقادة بلا ثقل. كل اولئك يختبئون وراء لافتات وهمية. يوم ينطلق السباق الديمقراطي لن تجد لحوافرهم أثراً على المضمار . هم أصحاب الطموحات الذاتية غير المشروعة. ثالثة الأثافي وجود مبعثرين يصرخون في الفيافي ينادون بحقوقهم في الإستقبال داخل قاعات التفاوض. هؤلاء مثل أولئك يدفعونا من أجل مصالحهم الضيقة إلى داخل كستبانة المحاصصة. بما أننا لانحسن قراءة التاريخ نعيد إنتاج أزماتنا القديمة. حتما مابني على باطل لن يؤدي إلى واقع راسخ، دعك عن غدٍ مشرق

*** *** ***
كلهم ؛ القيادات المصطنعة والقادة المزيفون معلقون في الفضاء السياسي بلا قواعد. كلهم طموحاتهم لا تتجاوز جيوبهم. هم يمدون ألسنتهم سخريا من سذاجتنا حينما يطلون علينا عبر نوافذ سيارات لن تذهب أبداً إلى قواعدهم الإفتراضية إلا للمباهاة . لذلك لم تمسنا الدهشة عندما خرجت تظاهرات احتجاجية على " إتفاق جوبأ " في مناطق الأزمات. المتظاهرون يدركون بالتجربة والممارسة الخيبة في الموقعين زوراً باسمائهم. ما كانت المناصب لتخفف من آلامهم. هم لا يعلقون آمالاً على أولئك وأترابهم في إيجاد مخارج من مهالكهم في المخيمات والقرى المحروقة وخلاء المعاناة والشظف الحياتي.

*** *** ***
هم لم يكونوا بينهم في عراكهم اليومي بحثاً عن مهارب النجاة من ألسنة الحرائق . كما لم يتواجدوا في معسكرات الشقاء. هم لن يزوروهم . إن فعلوا ذلك فهي ليست غير زياراة استعراضية إمعاناً في الزيف. لو لهؤلاء القيادات والقادة ذرة من مصداقية لذهبوا بعد حفلات النوقيع إلى أولئك المكدسين على هامش الحياة العصرية فرفعوا لافتاتهم مبشرين ومكرسين جهودهم من أجل ترجمة النصوص واقعا. لكن بريق المناصب يعمي البصائر. جهود ما تبقى من النضال تكرس من أجل إغتنام المزيد من الإمتيازات والمكاسب للذات والأقربين.

*** *** ***
أبرز مثالب اتفاقاتنا المدرجة جوراً تحت بند السلام مساهمتها الفورية في ترهل جهاز الدولة حداً يعيق قدرته على الحركة. تلك نتيجة منطقية لفهمنا السطحي لمعالجة إحدى قضايانا المركزية؛ السلام . لما أدرك اللبنانيون عجزهم عن الخروج من مستنقع المحاصصة , وهم قانعون بشروره، اسلموا قدرهم إلى الفرنسيين من أجل انتشالهم إلى هضبة آمنة. العراقيون أدركوا خطأهم الفادح بالإنزلاق إلى روافد المحاصصة .بدلاً عن شد عصب الوحدة الوطنية ورطتهم المحاصصة في التشرزم الطائفي والمناطقي. مشهدنا السياسي عامر بالخيبات جراء إخفاق الإتلافات الحكومية المينية على بيوت عنكبوت المحاصصات .

*** *** ***
العالم شهد قبيل نهاية القرن الأخير وعتبة الجاري تحولات جذرية في الإتجاهات الخاصة بمعالجة قضايا الصراعات السياسية البينية على الصعيدين الداخلي والخارجي. أبرز خطوط تلك التحولات يتمثل في النأي عن المعالجات الفوقية لتلك الصراعات. العقل المعالج صار اكثر توغلا بغية القبض على العناصر المؤججة لتلك الصراعات . هو يسعى للإمساك بالجذور العرقية، الإقتصادية ، القومية والإجتماعية في تلك التلافيف. هذا التفكير أفضى إلى وجود ثقافة جديدة همها الأول دعم روح المصالحة لا المحاصصة.

*** *** ***
في كل بؤر الصراعات تشكل المعاناة الإقتصادية ذروة التأجج. هذه الرؤية النافذة تمنح المعالجة الإقتصادية ألأولوية المطلقة ، ليس المحاصصة. كلما خبا للهب الإقتصادي بردت حدة الصراع.كلما ازدادت المعاناة الإقتصادية اشتدت حدة الصراع تعقيدا. صحيح أن بعض الصراعات تفرز أمواجاً من النازحين واللاجئين تحت ضغوط ممارسات متباينة بينها العنف، إلا أن معاناة النازحين واللآجئين تتقاقم إقتصاديا. في فضاء تلك المعاناة تبدو آفات أخرى في التفريخ . بين تلك الآفات تجارة المخدرات والإتجار بالبشر. أسوأ من ذلك تحول معسكرات اللاجئين والنازحين مرتعا لتجار الإرهاب.

*** *** ***
من أوزار المفاوضين باسم سكان مناطق الصراعات الملتهبة ممارساتهم فرزا عنصرياً داخل الحيز الجغرافي نفسه ،مع أنهم يزعمون مكافحة التمييز العنصري أحد منطلقات نضالهم السياسي الأساسية. أكثر من ذلك إسفافاً في المنطلقات الخاطئة أنهم يركزون على فقر سكان تلك المناطق ، بينما لا يتحدثون عن تواجد هم تحت خط الثقافة مثلما هم تحت خط الفقر. ربما على هؤلاء المتاجرين في الصراعات البينية إدراك أولئك الفقراء سعة البون الفاصل بينهم وبين تلك النخب المتاجرة بقضاياهم. لذلك من المجدي للطرفين عودة الموقعين على إتفاقات السلام إلى محيطهم البشري لردم تلك الهوة بينهم وبين اصحاب المعاناة. هؤلاء هم قواعدهم تحت المظلة الديمقراطية. على قدر نشاط تلك النخب بين "أصحاب الوجع" تكون المكاسب الديمقراطية المتبادلة بين الجانبين..

*** *** ***
عبد العزيز الحلو وعبد الواحد نور مطالبان بالخروج من خنادقهما للتفاوض بذهنية مفتوحة. الأول يتشدد في متراس فصل الدولة عن الدين بينما يتشبث الثاني بشرط مناقشة جذور الأزمة. الحلو يبدو في خندقه كمن يتخذ العلمانية أيديولوجية .عبد الواحد ينبش في حفرة لا قاع لها في دعواه "جذور الأزمة".كلاهما يمكن أن يساهم بلاحدود فيما لو قارب طاولات التفاوض متمسكا بتكريس الديمقراطية منهجا للدولة. الحديث عن العلمانية مثل معالجة جذور الأزمة أقرب إلى قاعات الجدل الأكاديمي من صالات التفاوض. على قدر اتساع مظلة العمل الديمقراطي والمشاركة داخل أجهزة الدولة نبتعد عن التزمت، نكسر توابيت الإنغلاق ، نحطم التابوهات الزائفة، ننشر مظلات الوعي ،المساواة , المشاركة ورقعة التنمية. كم يكون مجديا فيما لو تقارب الحلو وعبد الواحد لتيني مواقف موحدة تجاهى قضايا التفاوض. الشقة متباعدة بينهما ازاء محاور ساخنة لعل احدها محور الهوية .


aloomar@gmail.com

 

آراء