سؤال التغيير: ما الذي يجب تغييره؟ (1) … بقلم: عادل الباز

 


 

عادل الباز
20 February, 2011

 


تكاثر جدل التغيير داخل دهاليز الإنقاذ وخارجها. كان ذلك قبل العواصف المحيطة بالمشهد السياسي العام في الجوار الإقليمي، ولكنه تصاعد الآن. قبل هذه العواصف كانت قضية التغيير مطروحة، ولكن لا أحد يأخذها مأخذ الجد. ولكن كشأن العواصف تفتح الأبواب على مصراعيها، وتفرض منطقها، وتحمل في طريقها كثيرا من المتاريس المعاندة لإطلاق الأفكار، وتخلخل القناعات القديمة، وتذهب بالتشكيك والخوف من التغيير أدراج الرياح. ما لاحظته في جدل التغيير الخاص والعام الذي يجري هذه الأيام في دهاليز شتى، هو أن أحداً لم يقل لنا ما الذي يجب أن يتغير ولماذا!! باستثناء جهتين: الأولى، هي بعض المعارضين الذين يرون أن التغيير المطلوب هو ذهاب النظام نفسه، والثانية هي ما طرحه الأستاذ أمين حسن عمر عبر ثلاث مقالات في صحيفة السوداني الغراء، وسنأتي في جدلنا هذا لنعقب عليها. على المستوى الرسمي دعا الرئيس البشير أكثر من مرة للتغيير، آخرها في لقائه العاصف بشباب الحزب الحاكم، بقاعة الزبير الأسبوع الماضي، حين قال: إن الإنقاذ موعودة بثورة جديدة وتغيير من رئيسها حتى أصغر كوادرها. إفادة أخرى من الأستاذ علي عثمان خلال مؤتمره الصحفي الأخير في أعقاب الانفصال، عندما سألناه عن احتمالات التغيير في فترة ما بعد انفصال الجنوب. الملاحظ في الخطاب الرسمي حول التغيير أنه جاء عاماً حول المبادئ وضرورة التغيير، ولكنه لم يتقدم خطوة باتجاه طرح أجندة التغيير نفسها. هل التغيير المطلوب في ذهن السلطة للقيادات، أم للسياسات، أم في كليهما؟... ليست من أجابة حتى الآن.
طاف في ذهني وأنا أتابع هذا الجدل سؤال، وهو: ما الذي يجب تغييره تحديدا ولماذا وكيف؟. هل التغيير هو خطوة استباقيه تكتيكة لتوقعات بزلزال قادم، أو عواصف بدأت نذرها، أم أنه قناعة أصيلة داخل النخبة الحاكمة للإنقاذ؟. الذهاب باتجاه محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة بشكل تفصيلي يعيننا على وضع رؤية لمسارات التغيير المطلوب بصورة أفضل. فبدلاً عن الهمهمات التي لن توصلنا لشيء وتذهب بقضية التغيير لأقبية جدل سياسي عقيم وغير منتج للتغيير. ولذا سنعبر للإجابة عن سؤال التغيير من باب تفكيك الأسئلة، بداخل ثلاث قضايا مطروحة بإلحاح في أجندة الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
على المستوى السياسي سنعرض للنقاط التي يدور  في فكلها الحوار بين جزء من المعارضة وبين الحزب الحاكم. الأولى هي قضية الحريات والمشاركة السياسية وهيكلة الدولة. الملاحظة المهمة هنا أن هذه القضية تعني النخب السياسية: حاكمة ومعارضة، في صراعها وجدلها المستمر حول السلطة. السؤال الذي يطل في أول مقاربة لقضية الحريات هو: ما الذي يجب تغييره حتى ننعم بحريات نستحقها أوسع وأفضل مما عليه الآن؟. هل تغيير الدستور هو المدخل أم تغيير القوانين أم الممارسة السياسية؟.
 على مستوى الدستور هنالك إجماع على أن دستور نيفاشا وفيما يخص مواثيق الحقوق التي تتضمن الحريات يعد من أفضل الدساتير في المنطقة على الإطلاق. تكمن الأزمة في القانون  وطرائق ممارسته. في لقاء مع السيد محمد عطا قبل شهور قلت في منتدى عام: إن المعارضين للقانون لا ينكرون ضرورة وجود قانون للأمن بالدولة، ولكن هناك تخوف عام من الاستخدام السياسي للقانون لصالح أجندة حزب أو استخدامه بطريقة تعسفية تجاه المعارضين للنظام. الجدل الآن حول القانون وطرائق تنفيذه. المطلوب تغييره هو القانون في ساحة تتفتح كل يوم على أفق ممارسة جديدة، ووسط دعوات متصاعدة بفك القيود حول الممارسات السياسية التي لم يعد القانون القديم يحتملها أو تحتمله. لكن القانون ليس كافيا مهما أحسنت صياغته وضبطت أحكامه، ولن يكون بديلا عن الالتزام السياسي، وبقناعة من الجميع لضرورة ممارسة الحريات بشكل سليم ومفتوح. دون هذا الالتزام السياسي ومن السهولة الالتفاف عليه وإيجاد سبل للممارسات بعيدة عن روحه ومقاصده. لذا في خضم هذا الجدل ليس كافيا أن نجري جراحات على القانون، بل المطلوب أن نمضي أكثر من ذلك،  لنبحث عن التزام أخلاقي وسياسي كسياج للقانون الذي تواطنا عليه. والسؤال الذي يحيرني هو: ماذا يضير الإنقاذ أو المؤتمر الوطني إذا اتفقت مع المعارضين على تعديلات في القانون، وهي بحسب الدستور الحالي ليست جذرية، ومن ثم الاتفاق على كيفية ممارسة الحريات في إطار هذا القانون، مع ابدائها الالتزام السياسي والأخلاقي بعدم استخدام القانون لحسم صراعها السياسي مع المعارضين؟. يا ترى هل لا زال في الإنقاذ من يعتقد أن السيطرة على الأوضاع السياسية تتم بقانون مهما بلغ؟! تلك فكرة أثبتت خطلها وخواءها قديما وحديثاً، فالأنظمة تحصن (بالتراضي) بين الناس وحاكميهم،  وقديما قالوا حصنها بالعدل. وتلك هي حكمة الدين والدنيا والحادثات الجارية أمام ناظرينا اليوم. نواصل جدل التغيير.  
 

 

آراء