سقوط القيادة العامة للجيش السوداني في قبضة الاسلاميين بدون معركة ليلة الثلاثين من يونيو 1989

 


 

 

المؤسسة العسكرية والجيش السوداني اصبح اشبه بعزيز القوم الذي اصابته تقلبات الدهر والايام ودعته الحاجة الي الناس بعد سقوط قيادته العامة وبقية حصونة ووحداته العسكرية العريقة واحدة بعد الاخري بدون معركة صبيحة الثلاثين من يونيو 1989 .
واصبح الجيش السوداني السابق خلال ايام معدودة تحت السيطرة التامة لقيادة الحركة الاسلامية بعد ان تعرض الي الطعن في الظهر في عملية ماكرة وخداع منهجي غير معتاد كشف عن تفاصيلة الدقيقة مدبر العملية والزعيم التاريخي للجماعة الاخوانية السودانية الدكتور حسن الترابي في اعترافاته لبرنامج شاهد علي العصر في قناة الجزيرة الذي اجراه معه بمنتهي الاقتدار والحيدة والمهنية الاعلامي احمد منصور مقدم برنامج شاهد علي العصر الذي كان امينا في وضع النقاط علي الحروف وفي ادارة الحوار مع الترابي حول ملابسات ماجري في الخرطوم والقيادة العامة للجيش السوداني علي الرغم من كونه شخصية اخوانية وقد اختار الرجل وللامانة الانحياز الي ضميرة المهني علي الولاء للتنظيم بطريقة تؤهلة لكي يكون اخطر شاهد امام محاكم العدالة الانتقالية السودانية حول ملابسات ماحدث في السودان في ذلك التاريخ عندما يكون ذلك ممكنا .
وقد اعترض الاعلامي بقناة الجزيرة احمد منصور افادات الزعيم التاريخي لاخوان السودان ومدبر العملية المسلحة لاحتلال القيادة العامة ووحدات الجيش السوداني في يونيو 1989 اكثر من مرة ووجه له نقدا عنيفا بقولة :
" كيف تقوم بتسليم بلد باكملها الي مجموعة من الناس لاتعرفها "
في اشارة الي الرئيس المعزول عندما قال الترابي انه التقي به لاول مرة بعد ساعات قليلة من احتلال الخرطوم وانه لم يكن يعرفه من قبل وانهم في الحركة الاسلامية احضروه الي الخرطوم ليلة التنفيذ اضافة الي اقرار الترابي بعدم وجود اي علاقة بين ما حدث وبين الجيش السوداني اضافة الي تفاصيل اخري تؤكد بطلان العنوان الرئيسي للاتهام في المحاكمة الراهنة للمعزول البشير وبعض قيادات الاسلاميين بتهمة تدبير انقلاب عسكري لم يكن له اي وجود .
بعد نجاح العملية المسلحة التي نفذتها ميليشيات الحركة الاسلامية تعرض الجيش السوداني السابق الي الاهانة والتشريد الجماعي وذبح خيرة ضباطه المهنيين وجنودة الشجعان من الوريد الي الوريد بفتوي من مجلس شوري الحركة الاسلامية وتم دفنهم في مقبرة جماعية ..
ومن المعروف ان عملية الاحتلال الاخواني المسلح للبلاد ولوحدات ومرافق الجيش السوداني بتفاصيلها المعروفة لم تخضع لاي تحقيق قانوني علي اي مستوي يكشف عن حقيقة ماجري انذاك في مرحلة مابعد سقوط النظام وقيام حكومة حمدوك الانتقالية .
ومن المؤلم والمؤسف ان ان اخر قيادة شرعية للجيش السوداني قد هاجرت من البلاد وانضمت الي بدايات المعارضة السودانية في قاهرة التسعينات في سابقة تعتبر الاولي من نوعها منذ ميلاد الدولة السودانية ومات اخر قائد شرعي للجيش السوداني الفريق فتحي احمد علي في الغربة من الارهاق ومضاعفات الخذلان وقبل ايام قليلة نعت اخبار الخرطوم رحيل احد العسكريين الوطنيين الشجعان الفريق عبد الرحمن سعيد الذي رحل عن الدنيا في صمت تام في بلد تسود فيها اخبار صراعات سماسرة السياسية علي السلطة والمتبقي من ثروات وموارد البلاد.
تغمد الله الفريق عبد الرحمن سعيد بواسع رحمته وانزله منزل كريم يليق بتضحياته الكبيرة من اجل بلاده والمؤسسة العسكرية السودانية ومقاومته المبكرة لجماعات الغدر والخيانة الاخوانية .
وقد تواري بعض العسكريين من ضحايا الاحالة الي الصالح العام من الذين تعرضوا الي التعذيب والاهانة والتنكيل في معتقلات الاسلاميين السرية وابتعدوا عن الانظار تدريجيا بعد كارثة نيفاتشا والاختراق الاخواني الكبير للمعارضة السودانية والقضاء عليها تماما منذ ذلك التاريخ ..
و تم اختصار امر العدالة والمحاسبة المفترضة عن جرائم وانتهاكات الاسلاميين خلال ثلاثين عام من الفساد والاستبداد بواسطة بعض المجموعات التي شاركت في السلطة الانتقالية السابقة في المحاكمة المهزلة للرئيس المعزول ولاشئ سواها .
هذا الجيش لمن لايعرفون جيش الشعب ومسجل تاريخيا وقانونيا في ذاكرة ووجدان الناس باسم الامة السودانية ولا احد سواها لابرهان ولاحميدتي ولابرمة ناصر ومن لفهم لفهم من بعض السياسيين .
لاول مرة في تاريخ السودان ان لم يكن في تاريخ العالم تتعرض مؤسسة عسكرية وطنية للاحتلال والتفكيك والقتل الجماعي لضباطها وجنودها بواسطة منظمة حزبية وعقائدية ممثلة في الحركة الاسلامية السودانية التي قامت باعدام 28 ضابط سوداني بفتوي من مجلس شوري الحركة الاسلامية بعد ايام قليلة من احتلال الخرطوم في الثلاثين من يونيو 1989 .
لقد خرج الجيش السوداني منذ ذلك التاريخ من معادلة الحكم ومعه كل مؤسسات الدولة القومية السودانية التي تعرضت ايضا الي الهدم والتفكيك وتمت اعادة صياغتها بموجب خطاب ديني واجندة عقائدية ويجب ان يعود الجيش السوداني عندما يحين الاوان مع العائدين مجددا الي حضن الدولة السودانية القومية الغائبة والغير موجودة علي ارض الواقع حتي هذه اللحظة ..
مايجري الان من حديث وورش للعمل حول الاصلاح الامني والعسكري يفتقد اول مايفتقد الي الشرعية والقيمة القانونية لابتعادة التام عن اصل القضية وهي عملية تفكيك المؤسسة العسكرية والجيش القومي للبلاد بواسطة جماعة حزبية عقائدية ومايجري اليوم في مجمله عملية صراع غير معلن علي السلطة بينما ضاع صوت شهداء القوات المسلحة السودانية وذهب ادراج الرياح ولم يتم ذكر قضيتهم او اثارتها علي اي مستوي او الدعوة للتحقيق حول ملابساتها وحقيقة ماجري استنادا لاعترافات قانونية موثقة من الرجل الاول والثاني في الحركة الاسلامية دكتور الترابي وعلي عثمان محمد طه واقرار الاخير علانية بقتل ثمانية وعشرين ضابط في الجيش السوداني في يوم واحد في احد اجتماعات الحركة الاسلامية السرية التي انعقدت بمشاركة وحضور عناصر اجنبية من التنظيم الدولي بجماعة الاخوان المسلمين ..
الجيوش القومية في كل بلاد الله تعتبر صمام الامان والحامية للدولة من خطر الفوضي الداخلية والانهيار واذا فهم الناس ان ماحدث من تفكيك للجيش القومي والوطني في عراق الرافدين والدمار الشامل لدولة العراق الوطنية وتحول ذلك البلد الي ساحة مفتوحة للميليشيات والجاهليات الطائفية المسلحة قد كان ذلك نتيجة غزو وعدوان اجنبي همجي طائش قام به اناس غرباء يجهلون اقدار الناس و الجغرافيا السياسية وتاريخ ذلك البلد لكن ماحدث في السودان من عدوان علي الجيش القومي وعلي كل فصائل الشعب والمجتمع السوداني خلال ثلاثة عقود من الزمان كان عمل مصحوب بالنوايا المبيته وسبق الاصرار من جماعة عقائدية مسلحة تنتمي لهذا البلد للاسف الشديد .
عندما يكون ممكنا قيام مؤسسات ونيابات ومحاكم عدالة ثورية انتقالية تتناسب مع ماحدث في السودان سيقترح الناس علي هيئة الاتهام ان تعتمد في مرافعتها علي مقالات الكاتب السوداني الطيب صالح في نقد ممارسات وسلوك نظام الاخوان في ايامه الاولي باعتبارها تحتوي علي ادب انساني وقانوني رفيع يسلط الضوء بالتفصيل وبكل سلاسة علي حجم وكيفية الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت ضد شعب السودان والتنكيل والتعذيب الذي تعرض له المدنيين والعسكريين علي يد زبانية الاسلاميين .
لن تستقر اوضاع السودان الي يوم يبعثون بدون العدالة الثورية ووضع النقاط علي الحروف ومغادرة محطة الفوضي السياسية الراهنة من اجل تفادي مايجري التدبير له في الكواليس من اعمال عنف وفوضي لم يعتادها السودان من قبل مما يستدعي اتخاذ تدابير فوق العادة والتحسب لذلك بقيام كيان قومي مدني عسكري وقيادة عسكرية احتياطية و بديلة للجيش واجهزة الشرطة والامن مدعومة بشرعية الشارع والثورة والمقاومة السودانية وجعل الباب مفتوحا امام من اراد من القوي الاقليمية والدولية لدعم خيارات الشعب السوداني في العدالة ورد الحقوق والحفاظ علي كيان الدولة السودانية من خطر الانهيار الوشيك.
رابط له علاقة بالموضوع وشريط الفديو الذي يعد اخطر وثيقة قانونية لمعرفة حقيقة ماجري في السودان في 30 يونيو 1989 علي لسان مدبر العملية وزعيم الحركة الاسلامية الدكتور حسن الترابي بطريقة تنسف قانونية عنوان الاتهام الرئيسي في المحاكمة المهزلة للرئيس المعزول عمر البشير وبعض قيادات الاسلاميين الذين تتم محاكمتهم بتهمة انقلاب عسكري لم يكن له وجود :

https://www.youtube.com/watch?v=KlFK6BWJO7E

 

 

آراء