سودانيون في أمريكا (52): الجمهوريون اتباع محمود محمد طه

 


 

محمد علي صالح
16 December, 2022

 

اكتب هذه الحلقة بعد مشاهدة مقابلة في الانترنت (زوم)، في الأسبوع الماضي، نظمتها مجموعة "دعم الثورة السودانية في ديلمارفا، في ولاية ماريلاند".
كانت المقابلة مع بروفسير عبد الله النعيم، من قادة الحزب الجمهوري في السودان، وفي امريكا. والأستاذ العريق في القانون الدستوري وحقوق الإنسان في جامعة أمورى (ولاية جورجيا)، ومؤلف كتب كثيرة بالعربية والإنجليزية عن هذه المواضيع. وناشط في تنظيماتها.
هذه الحلقة عن السودانيين الجمهوريين في أمريكا تواصل حلقات سابقة كتبتها، خلال الشهور القليلة الماضية، هنا، عن السودانيين العلمانيين في أمريكا، والسودانيين الشيوعيين في أمريكا.
--------------
أولا، اختلفت مع العلمانيين الذين يدعون الى فصل الدين عن الدولة.
وكتبت ان الإسلام وأمريكا لا يفصلان الدين عن الدولة. وأن أمريكا تفصل الدين عن الحكومة، حتى لا يستغله الحكام والسياسيون.
أمريكا دولة قامت على الدين. كما توضح عبارة "تحت الله".
وحرية أمريكا أساسها دين أمريكا. ودين أمريكا من الله، واهب الحرية، والحر الأول المقدس. ينفخ في الإنسان من حريته، كما ينفخ فيه من روحه.
(لكنه، طبعا، لا ينفخ روحه المقدسة، ولا حريته المقدسة).
توجد الروح في القرآن (وفي التوراة والإنجيل): "ثم سواه ونفخ فيه من روحه".
وتوجد الحرية في القرآن (وفي التوراة والإنجيل): "لا إكراه في الدين".
لكن، لان "الروح من امر ربى"، لا يقدر الإنسان على فهمها كلها.
ربما هي في عقله اللاواعي، وتؤثر على عقله الواعي.
وربما العقل اللاواعي هو المسيطر على العقل الواعي. فيه روح من الله، وحرية من الله، وامان من الله (يرعى الله الانسان، حتى الذي لا يؤمن به).
في كل الحالات، خلق الله الإنسان حرا. وذلك لهدفين:
أولا، ليتأمل الإنسان في مخلوقات الله. ثم يؤمن به، او لا يؤمن.
ثانيا، ليسير الإنسان على طريق الحق، او على طريق الباطل.
اختارت أمريكا الإيمان بالله. لكنها، مثل الانسان، تتخبط في أفعالها بين الحق والباطل.
في أمريكا، إعلان الاستقلال، والدستور، ووثيقة حقوق الانسان، والعملة، وقسم الوظائف الحكومية، وجلسات الكونغرس، كلها "تحت الله". ايضا، قسم المواطنة (اقسم به كل سوداني نال الجنسية الأمريكية).
حقيقة، قبل 150 سنة تقريبا من "فاوندينق فاثرز" (الآباء المؤسسين) الذين وضعوا هذه الأسس الدينية، جاء الى أمريكا من أوروبا "الحجاج" (بيلقريمز)، ووضعوا أسس هذه الأسس.
وحقيقة، قبل 100 سنة تقريبا من "الحجاج"، جاء كريستوفر كولمبس، مكتشف اميركا، في رحلة تجارية ودينية. ووضع اول الأسس.
كان إيطاليا متدينا. وحصل على دعم ملك وملكة اسبانيا ليكتشف طريقا قصيرا الى الهند، وينشر دين الله وسط الهنود. وسمى سفينته "سانتا ماريا" (القديسة مريم).
وعندما وصل الى اول جزيرة (تقع اليوم في البهاما)، سماها "سان سلفادور" (المنقذ المقدس). وعندما قابل "الهنود الحمر"، دعاهم الى دين الله. وعندما عاد الى اسبانيا، أخذ بعضهم معه. ثم سافر الى الفاتيكان حيث قابل البابا، الذي حمد الله على وصول دين الله الى الدنيا الجديدة.
وقبل وفاته نشر كتاب "بروفيسيس" (تنبؤات) عن نشر دين الله، ليس فقط في الدنيا الجديدة، ولكن، أيضا، في كل العالم.
هذا عن دين أمريكا.
دين الإسلام شرحه القرآن. والذي لا يفصل بين الدنيا والاخرة، وبين الحياة والموت، وبين الدين، والدولة، والاقتصاد، والعلوم، والآداب، والفنون. حتى الجنس. يدخل القرآن فراش الزوجية، ويأمر الزوج ألا يمارس الشذوذ مع زوجته.
هكذا، الإسلام وأمريكا لا يفصلان الدين عن الدولة.
ولهذا، كتبت وسألت: "لماذا يريد سودانيون في امريكا فصل الدين عن الدولة في السودان، بينما أمريكا لا تفصله؟"
-------------
ثانيا، اختلفت مع سودانيين شيوعيين في أمريكا.
وكتبت انهم، في هذا البلد العظيم الحر والمؤمن بالله، احرار في ان يقولوا ما يريدون، رغم أنهم لا يؤمنون بدين الله، ولا يؤمنون بالحرية.
وكتبت ان أمريكا فيها نازيون، وفاشيون، وفوضويون، وملحدون، وشاذون جنسيا، ومخنثون، ومترجلات. كلهم أحرار يقولون ما يريدون، ويفعلون ما يريدون.
لكن الشيوعيين السودانيين الذين هربوا من وطنهم، وآوتهم أمريكا، يا ليتهم يقدمون قليلا من الاحترام للبلد الذي آواهم.
ها هم ينشرون الفكر الشيوعي في قروبات خاصة، وكأنهم يسخرون من أمريكا التي اوتهم.
لكن امريكا، بسبب دينها، وبسبب حريتها، لا تحتاج لاحترامهم. لأنها فخورة بنفسها. وتترفع عن السفاسف.
حقيقة، تكاد أمريكا ترحب بهجرة الذين يعادونها. وذلك لان قانون الهجرة، الذي يمنع دخول الشيوعيين، فيه استثناءات.
وكتبت: أمريكا تحترم، ولا تنتقم. ويمكن ان تغفر للذين يتوبون، او حتى الذين لا يتوبون.
ثم كتبت حلقة عنوانها: "التلاعب بالقرآن"،
رديت على شيوعي في موقع "يوكانا" (خريجي جامعة الخرطوم في أمريكا الشمالية) كتب بأن القرآن يفصل الدين عن الدولة.
كتب ذلك بطريقة استعلائية و "فهلوة"، وكأنه يعرف القرآن أكثر من الله.
وانا حذرت، وكتبت "القرآن خط أحمر". والقوانين الامريكية تمنع الإساءة الى المعتقدات الدينية (عكس الإساءات السياسة، والثقافية الأخرى). وذلك لان الدين والروح في أعماق الانسان، واساس هويته. ويمكن ان ينفجر الإنسان إذا أساء إنسان آخر ذلك.
حقيقة، عبر التاريخ، ظلت المعتقدات الدينية والروحية أسباب كثير من الحروب وأعمال العنف.
----------------
هذه الحلقة عن السودانيين الجمهوريين في أمريكا، اتباع محمود محمد طه. وذلك بمناسبة ندوة الانترنت (زوم) في الأسبوع الماضي، مع بروفسير عبد الله النعيم، من قادة الجمهوريين في السودان وفي أمريكا.
في سنة 2010، نشرت عرضا، ونقدا، في صحيفة "الشرق الأوسط" لكتاب البروفسير:
“Islam and the Secular State: Negotiating the Future of Shai’a”
هو دعا الى العلمانية، وإلى فصل الدين عن الدولة،
وانا كتبت بأن القرآن ضد العلمانية، ولا يفصل الدين عن الدولة.
في الأسبوع الماضي، بعد كل هذه السنوات، هو لم يغير رايه، وانا لم أغير رأيي.
انشر هنا ما كتب في كتابه، وردى عليه. وفي الحلقة القادمة سأنشر ما قال في ندوة الأسبوع الماضي، وردى عليه.
--------------
الكتاب: "الإسلام والدولة العلمانية"
المؤلف: عبد الله النعيم
الناشر: مطبعة جامعة هارفارد
واشنطن: محمد علي صالح
منذ هجوم 11 سبتمبر، صدر في أمريكا أكثر من اربعمائة كتاب عن الاسلام والمسلمين. منها كتب كتبها مسلمون. ومنها هذا الكتاب الممتاز الذي كتبه البروفسير المحترم عبد الله النعيم، أستاذ القانون في جامعة اموري (ولاية جورجيا)، وكان أستاذ قانون في جامعة الخرطوم.
عنوان الكتاب: "اسلام اند ذا سيكيولار ستيت" (الإسلام والدولة العلمانية).
هذه هي فصول الكتاب:
اولا: الدولة العلمانية ضرورية للسلام.
ثانيا: الإسلام والدولة والسياسة تاريخيا.
ثالثا: الدستورية وحقوق الإنسان والمواطنة
رابعا: الهند: علمانية الدولة وعنف المواطنين.
خامسا: تركيا: تناقضات العلمانية الديكتاتورية.
سادسا: اندونيسيا: حقائق التنوع وتوقعات التعددية.
سابعا: مستقبل الشريعة.
في البداية، قال الكتاب ان الشريعة جزء اساسي في الاسلام. لكن، هذا شيء، وتطبيقها شيء آخر. لهذا لابد من فصل الشريعة عن الدولة.
وقال: "مثل حماية الدولة من الذين يستغلون الدين، لابد من حماية الشريعة من الذين يستغلون الدولة." ولابد من إصدار قوانين حكومية محايدة تطبق على كل شخص، مسلم او غير مسلم. وان تكون هذه هي قوانين المجتمع المدني، تطبق لأسباب مدنية، ولضمان حقوق مدنية.
وقال: "لكي أكون مسلما حرا، احتاج الى دولة علمانية: محايدة في موضوع الدين، ولا تطبق الشريعة خوفا من الحكام والسياسيين."
وانه، عبر تاريخ الاسلام، فصل الاسلام عن الدولة (ما عدا دولة النبي محمد). وذلك لان حقوق الانسان اهم من دولة اسلامية تريد تنفيذها باسم الشريعة.
وفسر الكتاب العلمانية بأنها "دولة علمانية تسهل تطبيق الدين اعتمادا على إيمان مخلص." ويوجد فرق بين ان تكون الدولة اسلامية، ويكون المجتمع إسلاميا.
والدولة مؤسسة سياسية، لا دينية.
واعتمد الكتاب في ذلك علي كتب على عبد الرازق، ورشيد رضا، ومحمود محمد طه.
وفرق بين الشريعة كمفهوم وتطبيق. وبين الإسلام كدين وتنفيذ حسب اهواء الحكام.
وقال: "أتحدى الذين يقولون ان الدولة الاسلامية تملك حق فرض الشريعة. واتحدي الذين يقولون بفصل الإسلام عن الحياة العامة".
وقال: "اريد علمنة الدولة، لا علمنة المجتمع."
لكن، اعترف الكتاب بأن اسم "العلمانية" سلبي. وذلك لسببين:
اولا: عدم التفريق بين الدولة والسياسة.
ثانيا: الخوف من ان الفصل بين الدولة والدين يعني ان الإسلام ليس هاما.
لهذا، اقترح الكتاب “دولة علمانية"، بدلا عن "العلمانية"، حتى "لا يساء فهم قصدي."
وقال ان من اسباب القلق والتوتر وسط المسلمين هو ان الدول الغربية متطورة أكثر من الدول الاسلامية. وأضاف: "نعم الغرب متقدم، ونحن نقلده." ولهذا، لابد من قبول "الامر الواقع"، ليس ضعفا، "ولكن لأن الواقعية جزء من التقاليد الاسلامية".
وقال ان الحكومات الاسلامية غير الحرة لا تقدر، منطقيا، على تطبيق الشريعة، ولا على تطبيق الإسلام وهو دين الحرية. وان تطبيق هذه الحكومات للشريعة لا يؤذي المسلمين فقط، ولكن، ايضا، الأقليات غير المسلمة
وقال: "على المسلمين في كل مكان تطبيق الشريعة لأنها واجب ديني. ويفضل تطبيق ذلك عندما تكون الدولة محايدة، ولا تلتزم بأي دين، ولا تنفذ الشريعة كسياسة حكومية ... الإسلام دين يؤمن به الناس، لكن الدولة مؤسسة سياسية وقضائية ... واكد القرآن ان الالتزام به يجب ان لا يكون قسرا."
وقال ان الدولة الإسلامية صارت مطابقة للحكومات غير الديمقراطية، ولهذا، لابد من دولة علمانية لا يجبر فيها أحد أحدا على شيء. وقال: "هذا هو الطريق الوحيد الشرعي والصحيح ليكون المسلم مسلما."
-----------------
تعليقات على الكتاب:
1. لا توجد علمانية في القرآن. ولم يفرق القرآن بين الدين والدولة، وبين الدين والحرب، وبين الدين والاقتصاد. ولا حتى بين الدين والجنس (احيانا سمح به، وأحيانا منعه). القرآن رسالة واحدة: دين ودولة، دنيا وآخرة، حياة وممات. ولا يقدر اي انسان على ان يفصل بين هذه الأجزاء.
2. قسم المسلمون القرآن الى عقيدة، واخلاق، وأدأب، وعبادات، ومعاملات (وقسموا الأخيرة الى: جهاد، واقتصاد، وزواج، وميراث، وزكاة، وجنايات، وحدود). فعلوا ذلك ليسهلوا على أنفسهم فهم وتطبيق القرآن. لكن القرآن رسالة واحدة لا تتجزأ. ولا يقدر اي انسان على ان يؤجل بندا، او يفضل بندا على بند.
3. طبعا، يبدأ المسلم بنفسه، ويقوى إيمانه. ثم يتعاون مع غيره ليؤسس المجتمع المسلم الذي يقوي إيمانه. لكن، الحقيقة هي ان هذا صعب جدا. لكن صعوبته ليست عذرا لاختيار اشياء في القرآن، وترك أشياء أخرى. والحقيقة هي ان تطبيق الشريعة (الحدود) صعب جدا، لكن، ليس ذلك عذرا لفصلها عن بقية القرآن.
4. لا توجد دولة مسيحية علمانية (غير دينية). كل دولة تتأثر بالمسيحية، او اليهودية، او البوذية، او الهندوسية، او اي دين، او اي عقيدة، او اي ايمان. لأن الدولة مثل الانسان، تحتاج روحه الى اي ايمان، او اي عبادة (حتى عبادة الإنسان لنفسه). ولهذا لا يمكن فصل الإيمان عن الدولة.
5. لا يوجد في القرآن "الأمر الواقع" و "الواقعية" و "الريال بوليتيك" و "التحالف الاستراتيجي" و "والأمن الوطني". يوجد الحق والباطل. ولأن السياسات الأمريكية تكرر ذلك، ليس هذا عذرا للمسلمين ليقسموا القرآن، ويفضلوا بندا على بند، ويؤجلوا بندا دون الآخر، ليكسبوا تأييد وعطف الأمريكيين.
ويبدو ان مؤلف الكتاب من هذا النوع، ولهذا يروج الأمريكيون لكتبه. لابد ان أعداء الإسلام يفرحون عندما يرون أستاذا جامعيا مرموقا، ومن قادة حزب إسلامي، يدعو الى فصل الإسلام عن الدولة.
(قبل عشرة سنوات تقريبا، نشرت في صحيفة "الشرق الأوسط" عرضا لكتاب كتبه أستاذ جامعي أمريكي يهودي، انتقد بروفسير عبد الله النعيم، وقال هذا ايضا. سأعود الى هذا الكتاب في المستقبل).
==========

mohammadalisalih@gmail.com
////////////////////////

 

آراء