سودانيون في أمريكا (54): الجمهوريون (2)

 


 

محمد علي صالح
30 December, 2022

 

هذه هي الحلقة الثانية عن الجمهوريين (أنصار محمود محمد طه) في أمريكا. وأكرر بأني اريد تحاشى الكتابة عن الأديان والعقائد، لأنها مواضيع معقدة. وأفضل الكتابة عن شخص معين، كتب رايا معينا، في موضوع ديني معين.
اختلف معه، أو اتفق معه.
في الحلقة الأولى عن الجمهوريين، اختلفت مع الأخ المحترم عبد الله النعيم، البروفسير المرموق في جامعة ايمورى (ولاية جورجيا)، ومؤلف كتب كثيرة عن الدين، وناشط في مجال حقوق الانسان.
كانت المناسبة مقابلة معه، في الشهر الماضي، في الانترنت (زوم)، أجرتها مجموعة “دعم الثورة السودانية في ديلمارفا، في ولاية ماريلاند".
في الحلقة الأولى، اشرت الى الكتاب الذي كان أصدره النعيم في أمريكا، قبل 12 سنة، باللغة الإنجليزية: "الإسلام والدولة العلمانية" وانا قدمت عرضا للكتاب، في ذلك الوقت، في صحيفة "الشرق الأوسط." ونشرت مع العرض نقاط اختلافي معه.
هو دعا الى فصل الدين عن الدولة. وانا كتبت بأن القرآن لا يفصل الدين عن الدولة.
وها نحن، بعد 12 سنة تقريبا، هو يكرر فصل الدين عن الدولة (حياد الدولة)، وانا اكرر ان القرآن لا يفصل نفسه عن الدولة.
وأكرر هنا بأن القرآن لا يفصل نفسه عن أي شيء: الدنيا والآخرة. الحياة والموت. السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، والعائلة، والفنون، والآداب. حتى الجنس، يدخل القرآن غرفة الزوجية، ويأمر الزوج ألا يمارس الشذوذ مع زوجته.
النعيم، في مقابلة الشهر الماضي، كرر النقاط الآتية:
1. "إقامة دولة اسلامية وهم باطل لا أساس له على الإطلاق. والمشكلة ليست ان الدولة الاسلامية فشلت في السودان، بل ان فكرة الدولة الاسلامية في حد ذاتها لا يمكن ان تنجح في اي مكان."
2. الشريعة الإسلامية لا يمكن ان تطبق بواسطة الدولة التي تدعي انها إسلامية. "سيسبب ذلك إفساد تطبيق الشريعة، وإفساد المجتمع."
3. "أناقش هذا الموضوع كمسلم. وأرجو ان أكون مسلماً في كل جوانب حياتي. لهذا، عندما أعارض مشروع الدولة الإسلامية، افعل ذلك من منظور إسلامي."
4. "أنا أدعو للفصل المؤسسي الصارم بين الدين والدولة. فلا يمكن، ولا يجوز، للدولة ان تتخذ اي موقف ديني باختلاف الأديان، وليس الإسلام وحده."
أثناء المقابلة، فوجئت بتدخل، واعتراض، دكتور عمر القراى، من قادة الحزب الجمهوري،
وعرفت، لأول مرة، ان النعيم لا يمثل كل الفكر الجمهوري.
(كان القراى مسئولا عن المناهج في حكومة عبد الله حمدوك بعد ثورة ديسمبر. واشتهر بنشر كتاب للتلاميذ الصغار، على غلافه صورة الرسام الإيطالي مايكل انجلو، التي رسم فيها الله، ورسم ادم عاريا، يظهر عضوه التناسلي).
اثناء المقبلة مع النعيم، تدخل القراى، واختلف معه. وانتقد “الدولة العلمانية" و"الدولة المحايدة". واقترح "الدولة الإنسانية". ووصفها بأنها "دولة قائمة على مستوى علمي تتلاقى فيه الأديان، والأفكار الانسانية."
=======
هكذا، اختلف مع هذين الجمهوريين المحترمين، مثلما اختلفت في الماضي مع شيوعيين، وعلمانيين سودانيين محترمين في أمريكا.
حقيقة، بعد 48 سنة في امريكا، هذه اول مرة اكتب فيها عن الدين، وعن كتابات سودانيين في أمريكا عنه.
كتبت عشرات الحلقات عن سودانيين في أمريكا تفوقوا في مجالات تخصصهم. وعشرات الحلقات عن نقاشاتهم عن فصل جنوب السودان. وعشرات الحلقات عن السودان في الإعلام الأمريكي. وعشرات الحلقات عن كتاباتي في الصحف الامريكية. وعشرات الحلقات عن ذكريات السودان. وكتبت عن حياتي في أمريكا، وزوجتي، وابننا، وبنتينا.
وكتبت ربما 200 حلقة عن وثائق أمريكية عن السودان (من قبل الاستقلال حتى سنة 1979. توقفت دار الوثائق الامريكية عن نشرها. وسأعود اليها متى عادت).
لماذا بدأت اكتب عن السودانيين والدين في امريكا؟
قبل شهور قليلة، بدأت أقرأ كتابات في قروب "يوكانا" (خريجي جامعة الخرطوم في أمريكا الشمالية) عن الإسلام والمسلمين. واستغربت بسبب ما كتبوا عن القرآن، كلام الله:
(حذفت الأسماء)
1. كتب شيوعي بأن القرآن يفصل الدين عن الدولة، ولكن الإنجيل والتوراة لا يفصلانه.
2. كتب علماني بأن الأمريكيين يفصلون الدين عن الدولة. ويجب ان يحدث ذلك في السودان أيضا.
3. كتب مسيحي بأن القرآن لا يفصل الدين عن الدولة، ولكن الإنجيل يفصله. وتجرأ، ودعا المسلمين لاعتناق المسيحية.
أقدم اعذارا لهؤلاء، وامثالهم. كثير منهم قاسوا من ظلم حكم الإسلاميين في السودان. وهربوا، وجاءوا الى أمريكا، قلعة الحرية.
لكنهم ارتكبوا خطأين كبيرين:
1. خلطوا بين الإسلام والإسلاميين. وقبلوا تفسير الإسلاميين للقرآن. وأيضا، قبلوا تفسيرات القرآن التي كتبها مفسرون قبل مئات السنين. كان يجب عليهم قراءة القرآن بأنفسهم، وفهمه بأنفسهم. (نعم كلمات القرآن صعبة، لكن روحها تعلوا على كلمات أي كتاب آخر).
2. استعملوا الطريقة الغربية في نقد الأديان. وهي طريقة ورثها الغربيون من نقد الانجيل والتوراة. لكن، القرآن كلام الله، ولم يكتبه الناس (مثل الانجيل، والتوراة، وكتاب بوذا، وكتب الهندوس). أيضا، هذه طريقة غير إسلامية. لا ينتقد المسلم القرآن. نعم، يدرس غير المسلم القرآن ليعرفه. لكنه، ما دام لا يؤمن بأنه كلام الله، كيف يقتنع به؟
هكذا، ظهرت في كتابات المسلمين الغربيين (مثل سودانيين في أمريكا) كتب مثل: "العلمانية في القرآن" و "الديمقراطية في القرآن" و "حقوق الإنسان في القرآن" و "حقوق المرأة في القرآن."
وقبل ذلك، خلال سنوات القومية العربية، ظهرت كتب مثل: "الاشتراكية في القرآن" و"الوحدة العربية في القرآن." حتى "الناصرية في القرآن."
لكن، لا توجد في القرآن كلمات "العلمانية" و "الديمقراطية" و " الاشتراكية" و "حقوق الانسان" و "حقوق المرأة" و "حقوق الأقليات" و "حقوق الشاذين جنسيا."
توجد في القرآن كلمات "روح الله" و "رحمة الله" و "رعاية الله."
في القرآن، ينفخ الله من روحه في كل إنسان يخلقه، ومعها رحمته، ورعايته. (نعم، يرعى الله الذين لا يؤمنون به). لكن، لان "الروح من امر ربى"، لا يفهمها الإنسان (ربما هي في العقل اللاواعي. وربما العقل اللاواعي يسمو على العقل الواعي).
في القرآن، لا يظلم الله الناس الذين خلقهم. ويرحم أكثر مما يغضب. ويغفر أكثر مما يعاقب.
في القرآن، يهبط الله الى مستوى الناس، ويحدثهم عن النار والجنة، حتى يفهموه.
في القرآن، يكاد الله يركع أمام الناس الذين خلقهم، ويرجوهم ان يتوبوا، حتى يتوب عليهم. ("وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ... يريد الله ان يخفف عنكم").
في القرآن، يكاد الله يقول انه لن يعاقب المسيحيين بسبب "التثليث" ("إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم").
في القرآن، يكاد الله يقول انه، في نهاية المطاف، سيغفر حتى عن الذين لا يؤمنون به.
رحمة الله أوسع مما يعرف كل الناس.
هذه هي "استثنائية القرآن" التي كتبت، وسأكتب، عنها.
يا ليت المسلمين الذين يخاطبون الأمريكيين (مثل الاخوين المحترمين عبد الله النعيم، وعمر القراى) يقولون لهم ذلك، بدلا عن اللهث وراء المفاهيم الامريكية، مثل: "حقوق الانسان" و "الدولة العلمانية" و "الدولة الإنسانية".
MohammadAliSalih@gmail.com
==========

 

آراء