سيبقى القرار لشعب السودان الطيب

 


 

 

جاء مقالي السابق بعنوان "من الرابح من الحرب بالسودان" ، وجاءتني بعض الردود من بعض القراء مؤيدة بأن هدف الحرب هو اولا واخيرا سرقة موارد السودان الطبيعية، وهو أمر مفهوم من قبل الاطماع الخارجية للدول الاجنبية ولكنه غير مفهوم ان يقوم بذلك الدور التخريبي ابناء السودان أنفسهم، وهو أمر دعاني لمحاولة التفكير خارج الصندوق لفهم دوافع وأهداف المتحاربين على الارض والمحرضين عليها ومشعليها وتجار الحروب.
الكل يعلم أن أغلب قيادات الدعم السريع السياسية أو العسكرية هم من نظام الإنقاذ امثال حسبو عبد الرحمن الذي كان نائب البشير أو من قيادات القوات المسلحة السودانية امثال اللواء عصام فضيل واللواء عثمان عمليات، إذن ماذا حدث من أمر بحيث يؤدي لصراع الشركاء حتى الموت!!!
أن اي مواطن بلغ سن الرشد يعلم بأنه لا منتصر في الحرب وأنها خراب يعقبه خراب، ورغم ذلك ومنذ أكثر من ثمانية أشهر تأتي تصريحات عدائية من كل الطرفين بأنها ستقضي على الطرف الآخر، وبعدها تنطلق أبواق الشؤم والتي تنبح صباحا مساء لتصب الزيت على النار من الطرفين. بل إن هذه الأصوات الناعفة انتهجت أيضا جانبا عنصريا وقبليا قبيح ومخالف للأديان والأخلاق والمروة والإنسانية وأصبحت تهدد بجعل الحرب إثنية تستهدف قبائل بعينها!!!
فما هو السر الذي يدفع كل قادة طرف سوداني نحو الحرب، وهل يعقل بأن كل منهما أجير لدولة أجنبية ومرتهن ومرتزق لديها ليحافظ على مصالحها ومصالحه السلطوية والمادية وإن كان الثمن قتل بني وطنه وتهجيرهم وتشريدهم مع تدمير كل الإنشاءات الوطنية من جامعات ومصارف ووزارات وبني تحتية كالمطارات والكباري، وهل السر هو الانخداع بتحقيق مكاسب من الحرب!!! نعم هناك إشاعة مرددة بأن أحد المسؤولين العرب صرح قائلا "كما حاربنا اليمن بالمرتزقة السودانيين نستطيع ان نفعل بهم ذلك في بلادهم فهم لا يطلبون أكثر من ملء بطونهم وايهامهم بتحقيق مكاسب"!!! وبغض النظر عن صحة الإشاعة من عدمها ولكنها مؤشر بأن من رضي ان يكون مرتزق بالمال في حرب اليمن وهي إشارة هنا لمجموعات من الجيش وقوات الدعم السريع بإن إيهامهم كطرفين بتحقيق مكاسب من الحرب يكفي لدخولهم فيما بينهم في حرب شعواء!!!

صحيح ان أصل قوات الدعم السريع هي مليشيات قبلية حدث لها وداخلها وحولها تحويرات كثيرة وأصبح الجامع لأفرادها قطاع متنوع من المصالح فبعضهم يؤمن بأن رزقه تحت بندقيته ويحسب ثقافته المحلية فأن الحرب وتبعاتها من القتل والسلب والغنائم شيء طبيعي، و أن التمرد ورفع السلاح في حد ذاته مصدر دخل مربح ومريح أكثر من الرعي والزراعة ، وبعضهم يريد ان يعيش حياة المدن حيث الماء والكهرباء خاصة بعد ان رأي ان المتعلمين من أبناء منطقته قد هاجروا صوب المدن وتمدنوا بل وصلوا لأرفع المناصب او حققوا نجاح مادي ولم يرجعوا لقراهم!!! وبعضهم انخدع بتبريرات سوقت له بأن أسباب شظف عيشه تعود لظلم القبائل الشمالية من وسط وشمال السودان "الجلابة" منذ استقلال السودان في 1956م للقبائل التي تسكن منطقة دارفور، وبعضهم انخدع بمقولات سياسية مثل ان الحرب قامت لمحاربة الكيزان والفلول وهو لا يفهم ماذا تعلاني المفردتين تحديدا والا لاستوعب ان اهم قائد سياسي له أي حسبو عبدالرحمن هو من الكيزان والفلول!!! إن قوات الدعم السريع لا عقيدة قتالية لها، وتظل مكونات قبلية ولاءها للقبيلة والقرية أكثر من ولاءها لقادة الدعم السريع ويظل انتماءها الحقيقي لأفخاذ قبائل كانت ومازالت متصارعة فيما بينها وكذلك مع القبائل الأخرى في امتلاك الحواكير-مساحات من الارض- والتوسع فيها قائم قبل واثناء وبعد انتهاء الحرب!!! كما انه وبرغم تفوقها العددي وسرعتها في الحركة واستيلاءها على الخرطوم ودارفور ولربما الجزيرة وعاصمتها مدني واستعدادها للاستيلاء على بقية المدن مثل كوستي جنوبا وشندي وعطبرة شمالا ولكن كل ذلك يتم بقوة السلاح وإرهاب سكان تلك المدن وتشريدهم مما يعني استعداء أولئك السكان الذين طال الزمان ام قصر سيحاربونهم بصورة ما!!! وذلك في حد ذاته يعني أنها لا تملك برنامج سياسي بمكن ان يجتمع حوله اهل السودان، وفوق ذلك فأن قوات الدعم السريع لا تملك التأهيل الكافي من ناحية إدارية لإدارة دولة!!!
ذلك ما كان من أمر الدعم السريع، اما قادة الجيش او القوات المسلحة السودانية فيكفي انه لم يكن لهم قدرة استشرافية توهلهم لمعرفة خطر تزايد اعداد قوات الدعم السريع بالعاصمة والاستعداد لذلك، بل إنهم كانوا يدافعون عن قوات الدعم السريع ضد الشعب الذي كان ينادي بحل تلك القوات او دمجها في القوات المسلحة، بل ان أولئك القادة العظام فوجئوا باشتعال الحرب في يوم 14 إبريل 2023م، وبقى كبار القادة العظام أي البرهان والكباشي وياسر العطا حبيسي قواعدهم ولريما لم يخرجوا منها الا بمفاوضات او بهروب في جنح الظلام كالفئران، ثم هاهم يلقون باللوم على قادة العمل السياسي أولا ثم على الشعب كما حدث من اتهام لسكان مدينة ود مدني عاصمة إقليم لجزيرة بأنهم متآمرون مع الدعم السريع!!! إن أولئك القادة ومعهم عدد اخر من كبار الضباط كانوا يستولون على 80 في المائة من ميزانية الدولة دون ان يصرفوها على القوات المسلحة حقيقة، والدليل ان القوات المسلحة السودانية او الجيش حامي الشعب لم يستطيع ان يحميه لأنه ترك للفقر والعوز في حين اغتني قادته وانشغلوا بالتجارة والتمتع بمباهج الحياة وامتلاك القصور بالأحياء الخرطومية الراقية والشقق بالقاهرة ودبي وتركيا.
يبقى ان الشعب السوداني لن يقبل بالقهر والاستبداد والتشريد الذي يمارس عليه منذ ثمانية أشهر قد تمتد لأشهر أخرى او لسنوات، كما ان الشعب السوداني لن يقبل بأولئك القادة العسكريين مرة أخري خاصة وانهم تركوه فريسة سهلة لقوات الدعم السريع!!!
إذن سيظل القرار النهائي للشعب السوداني الذي لن يقبل الا بانطلاق عملية سياسية مدنية سلمية تحقق له تلك المبادئ التي لطالما حلم وطالب بها في ثورته أي الحرية والسلام والعدالة كخيار أوحد للشعب.

wadrawda@hotmail.fr

 

آراء