شوية إمعان في لا عودات الفريق البرهان

 


 

فيصل بسمة
11 April, 2024

 

فيصل بسمة

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

عَيَّدَ الفريق البرهان على الشعوب السودانية و القوات المسلحة بالأمنيات و الخير:
(كل عام و أنتم و جيشكم بألف خير...)
(كل عام و أنتم أكثر تلاحماً و تماسكاً و قوة...)
(كل عام و دعمكم و سندكم للقوات المسلحة أقوى و أكبر...)
و أعقب ذلك بالدعآء لشهدآء ”معركة الكرامة“ مع إزكآء التحية (للمقاومة الشعبية) ، و أكد العزم على المضي فى طريق الشهدآء و دحر الأعدآء و الخونة ثم دلف إلى لب الموضوع و بيت القصيد:
(...أن معركة الكرامة سوف تؤسس لما بعدها...)
(... و أقولها بالصوت العالي: لا عودة إلى ما قبل خمستاشر (١٥) أبريل ٢٣ ، و لا عودة إلى ما قبل خمسة و عشرين (٢٥) أكتوبر ٢٢ ، و لا عودة إلى ما قبل إبريل ٢٠١٩...)
و يلاحظ أن ما أذيع من التهنئة القصيرة قد خلت تماماً من ذكر إيقاف الحرب عن طريق التفاوض و الجنوح إلى السلام و إيقاف الإقتتال و نزيف الدم و تحقيق الأمن و الإستقرار و عودة النازحين إلى مدنهم و قراهم و إعادة التعمير...
و عند قرآءة تهاني و أمنيات العيد هذه فلابد من إستصحاب ما جآء في الفقرة السابقة التي تفصح جلياً عن عزم الفريق (الرئيس) البرهان في المضي قدماً في ”معركة الكرامة“ ، و التي تعني إزهاق المزيد من الأنفس السودانية مع ملاحظة أن أغلب الأنفس المهدرة في جانبي القتال هي من الفئة الشبابية التي تعني عملياً فقدان سواعد المستقبل و جند الوطن الذين مع حسن الإعداد و التدريب و التوجيه و التثقيف فإنهم حتماً كانوا سوف يزرعون الأرض و يصونونها و كذلك العرض ، و هذا مما يدمع العيون و يمغص البطون كثيراً ، كما أنه لا بد من تقييم التهنئة من منطلقات معرفة شخصية/مزاج الفريق البرهان ، حيث أن الشواهد و دلآئل و قرآئن الأحوال و السجلات الموثقة و الموثوقة تشير إلى أن الفريق البرهان كثيراً/عادةً يُحَدِّثُ بما لا يفعلُ ، و أن أقواله لا تتطابق مطلقاً مع أفعاله ، مع الأخذ في الإعتبار أن له سجل تاريخي حافل بالنكوص عن الإتفاقيات و عدم الإلتزام بالمواثيق و العقود و تغيير المواقف و إنكار التعهدات و تقليب الأمور حتى تتماشي مع توجهاته و أحلام والده الرئاسية أو مع توجيهات الكفلآء/الأمرآء في تنظيم جماعة الأخوان المتأسلمين (الكيزان)...
أو أنه يمكن إحسان الظن ، و ذلك مع العلم بأن إمكانية أن يكون الفريق البرهان عند حسن الظن به ضئيلة للغاية ، و رغم ذلك فإن إحسان الظن بالآخرين خصلةٌ نبيلةٌ و تمرينٌ أخلاقيٌ محبب و لا ضير من ممارسته ، و يتطلب/يشترط التمرين إفتراض أن وحياً/إلهاماً إلهياً أو حكمةً قد هبطت فجأةً على قلب الفريق البرهان و عقله و تفكيره و جعلته يُقَدِّمُ مصلحة بلاد السودان و شعوبها على: أحلام والده الرئاسية و أطماعه الشخصية في السلطة و النفوذ و رغبات التنظيم الكيزاني في التشبث بالسلطة و الإفلات من المسآءلة و المحاسبة القانونية على عقود من الحكم الظالم و الإنتهاكات و الإبادات الجماعية هذا عدا الفساد المنظم و سوء الإدارة و التطرف الديني التي دمرت جميع مناحي الحياة في بلاد السودان حتى أورثتها: التخلف التنموي و الركود الإقتصادي و التمزق الإجتماعي و الجهل المعرفي و الهوس الديني و الدمار البنيوي و الفوضى و ساقتها إلى حافة/بوادر التشظي و الإنهيار...
و بنآءً على ما تقدم فإن إحتمالات تفسير ثلاثية اللاعودة البرهانية يمكن أن تكون ثنآئيةً أو ثلاثيةً!!! ، و إستناداً على ما أُرسِيَ من منهج لتناول و تحليل خطاب التهنئة البرهانية في الفقرات السابقة فإنه يمكن تفسير:
(عدم العودة إلى ما قبل خمستاشر (١٥) أبريل ٢٣)
على أن الفريق البرهان يرفض رفضاً باتاً الإتفاق الإطاري و ما تم التوافق عليه مبدئياً من حيث:
- مدنية السلطة الإنتقالية
- الإصلاح الشامل للمؤسسات العسكرية و الأمنية و الشرطية و منع التعدد
- و إنفاذ الإصلاح القضآئي و تحقيق العدالة الإنتقالية
- إزالة التمكين و تفكيك نظام الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ ميلادية
- خلق السلطة التشريعية المؤقتة
و هذا الرفض يقود إلى إحتمالين هما: توافق الفريق البرهان الكادر المتأسلم المنظم مع الكفلآء/الأمرآء في النظام و التنظيم الكيزاني على مشروعهم/عزمهم/تصميمهم على إفشال الثورة و إستدامة الحرب و من ثم عودة الجماعة العلني أو المخفي المستتر إلى السلطة و مراكز النفوذ ، أو أنه ربما ينوي/يرغب في تحقيق حلم والده الرئاسي في حكم بلاد السودان و الإنفراد بالسلطة ، و في هذه الفرضية فإن إعلان اللاعودة يعني الطلاقُ البآئنُ بين الفريق البرهان و التنظيم الكيزاني الذي رعاه و كفله حتى صار ضابطاً عظيماً يتبوء مركزاً مرموقاً في اللجنة الأمنية العليا لنظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) التي أصبحت لاحقاً (المجلس العسكري الإنتقالي/المجلس السيادي) ، بمعنى أن الفريق البرهان يريد أن يكون الفول فوله وحده من مرحلة تحضير الأرض فالزراعة فالحصاد فالإستفادة من المحصول غذآئياً و إقتصادياً!!!...
أما في حالة فرضية إحسان الظن ، و هو تمرينٌ مرغوبٌ في هذه الأجوآء العيدية ، فإن الفريق البرهان ربما يرغب صادقاً في عدم اللاعودة إلى حالة/أيام التنصل و عدم حفظ المواثيق و العهود بمعنى أنه يريد أن تمسكه الناس من لسانه هذه المرة ، و أنه لن ينصاع إلى رغبات الكفلآء/الأمرآء في الجماعة (الكيزان) المصممة و العازمة على إفشال الثورة و العودة إلى سدة الحكم عن طريق ”الإستنفار“ و ”المقاومة الشعبية“ و ”معركة الكرامة“ و بأي ثمن ، و أنه يرغب في التوافق مع الثوار و القوى المدنية و الوفآء بموافقته المبدئية و إنفاذ ما جآء في الإتفاق الإطاري بحذافيره و ضُبَانته...
و في حالة اللاعودة (إلى ما قبل خمسة و عشرين (٢٥) أكتوبر ٢٢) فيبدوا أن الفريق البرهان يعنى بها أنه يرفض العودة إلى الوثيقة الدستورية و الشراكة مع قوى الحرية و التغيير (قحت) ، و ذلك لأنه لا يوافقها على إصرارها على مدنية الدولة و خطوات إزالة التمكين و تفكيك نظام الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ ميلادية (إنقلاب الإنقاذ) ، مما يعني و يفيد أن ولآء الفريق البرهان لكفلآءه و أمرآءه في التنظيم الكيزاني ما زال حياً و متقداً و ثابتاً ، و أن الفريق البرهان يعني بعدم العودة رفض الثورة ، و أنه قد كَجَّنَ تصميم و عزم الثوار و جماعة قحت على إزالة نظام الإنقاذ و تفكيك واجهاته و تنظيماته تَكجِيناً بآئناً ، و أنه لا يرغب في العودة إلى صداع شعارات الثورة:
أي كوز... ندوسو دوس...
حرية ، سلام و عدالة مدنية خيار الشعب...
العسكر للثكنات و الجَنجَوِيد ينحل...
أما و إذا ما أُحسِنَ الظَّنُّ بالفريق البرهان فإنه و في هذه الجزئية من حديثه فربما يعني أنه راغبٌ في الوفآء بما جآء في كل الوثيقة الدستورية و حذافيرها و ضُبَانتها من الحكم المدني إلى تفكيك و إزالة واجهات و تنظيمات نظام الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ ميلادية ، و كذلك الإنحياز التآم للثورة و تفادي إزهاق أرواح شباب الثورة عن طريق إطلاق الحريات و حماية المظاهرات السلمية ، و إنفاذ عودة العسكر إلى الثكنات و حل مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) المتمردة ، و تنفيذ إتفاق جوبا بملحقاته و تعديلاته ، و الإصطفاف بإيمان و صدق في صف حكم القانون و إنفاذ العدالة في المسيئين و كذلك إحداث التغيير...
أما تفسير حالة (و لا عودة إلى إبريل ٢٠١٩) فإنها قد تعني أن الفريق البرهان الدَّيَّاشِي الحريص جداً على ”الأمن القومي“ و ممتلكات و أرواح و أعراض المواطنين و المقيمين و النظام و الدولة فإنه لن يسمح مطلقاً بالإنتفاض و الثورة و التظاهرات و الإحتجاجات ضد السلطات و ممارسة العمل النقابي أو الحزبي الذي يتعارض مع سياسات النظام الكيزاني الذي يدين له شخصياً/رسمياً بالولآء و الإنتمآء ، و ذلك لأنه ملتزمٌ أخلاقياً بالوفآء لولي نعمته (نظام الإنقاذ الكيزاني) بحكم أنه قد بايع أميره في التنظيم على السمع و الطاعة ، كما أن لحم أكتافه من خير الجماعة!!! ، و أنه و لولا الجماعة لما ملأت النياشين و الأوسمة صدره و كتفيه و لما نال المناصب و الإمتيازات ، أما الإحتمال/الإفتراض الثاني فيعني أن حلم والد الفريق البرهان الرئاسي هو الأرجح و الأقرب للحدوث ، و ذلك بحكم أن حلم الوالد في حقيقة الأمر رؤية ، و الرؤية حق ، كما أن تفسيرات الرؤية قد تمكنت من عقل الفريق البرهان و قلبه و فؤاده و لا بد من إستيفآء شروطها و تحقيقها ، و هذا يعني أنه و بعد ما لَبَّنَت فإن الفريق البرهان لن يسلمها للصقور الإنقاذية الكيزانية أو لنسور الثورة أو لطيور قوى الحرية و التغيير!!!...
أما عند الإحسان بالظن بالفريق البرهان الذي عاد إليه وعيه فإن ذلك يعني إنحياز الفريق البرهان التآم للثوار و الإنتفاضة و الثورة الشعبية ، و أنه قد عزم على تجنيب الثوار مرارات (حدس ما حدس) و البطش المفرط من قبل القوات المشتركة: الجيش و الأجهزة الأمنية و الشرطية و مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) و كتآئب الظل الكيزانية ، و تفادي كل أهوال القتل في: شوارع و حواري العاصمة المثلثة و معسكر كولومبيا في شارع النيل و داخليات جامعة الخرطوم و ميدان إعتصام القيادة العامة و الحيلولة دون وقوع جميع ويلات القتل رمياً برصاصات بنادق القناصة أو البنادق الأتوماتيكية السريعة الطلقات أو الدوشكات المحمولة على ظهور التاتشرات أو الموت حرقاً أو غرقاً أو المعاناة من: الإعاقات الجسدية و عذابات الغازات المسيلة للدموع و سياط مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) ، هذا عدا الذل و المهانة من السباب و حلق الشعور و الإغتصابات الجنسية...
و يجب أن يلاحظ أن الفريق البرهان في لاعوداته يبدوا و كأنه قد تعمد التسلسل التصاعدي/التراجعي من الأقرب (٢٣) إلى الأبعد (١٩) و ذلك لأن التسلسل المغاير ربما يقود إلى تمارين تحليلية مختلفة و تفاسير أخرى مغايرة...
الخلاصة:
يبدوا أن اليد العليا في الساحة السياسية و العسكرية السودانية الآن لمعسكر ”العمل الخآص“ حيث البَلْ و الجَغِم و المَتّك و التَّدبِيل و الذبح على الطريقة الإسلامية و جز الرؤوس و بقر البطون و سلخ الجلود و أكل اللحوم و لعق الدمآء الإنسانية مع التهليل و التكبير ، و إذا ما كان الأمر كذلك فأنه لا مفر/مناص من قول:
الله للسودان و لشباب السودان و النازحين و اللاجئين و المغتربين و المهاجرين و الخآئفين و المكتئبين و لكل من لم يشملهم الذكر من الشعوب السودانية...
و لعنة الله على القتلة و الظالمين...
و عيد سعيد و مبارك...
و الحمدلله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة

fbasama@gmail.com

 

آراء