صرف الانظار عن المجرم الحقيقي «1»!

 


 

رشا عوض
17 July, 2024

 

رشا عوض

تدور الحرب بين اطراف عسكرية كل طرف منها يرغب في حيازة السلطة السياسية وتبعا لذلك ، نهب موارد البلاد بلا حسيب او رقيب، هذه الاطراف هي: الطرف الاول والرئيس هو الكيزان المسيطرون على الجيش والى جانب ذلك لديهم مليشياتهم الخاصة وجهاز امنهم وهيئة عملياتهم واحتياطيهم المركزي وكل هذه المنظومة الامنية العسكرية ظلوا يسخرونها منذ ١١ ابريل ٢٠١٩ وحتى الان لمعركة عودتهم الى السلطة لمواصلة النهب والسرقة، الطرف الثاني هو الجيش وفيه طرفان متنافسان: جنرالات غير ملتزمين كيزانيا وطامعون في سلطة عسكرية خالصة بدون كيزان لحماية مصالح اقتصادية ضخمة تخصهم تراكمت عبر الفساد وعبر خدمة المصالح الكيزانية والتواطؤ معها ابان حكمهم، وجنرالات كيزان مسيطرون على مفاصل الجيش لدرجة كبيرة وهم جزء من النواة الصلبة لشبكة امنية عسكرية موحدة حول هدف استراتيجي هو تصفية ثورة ديسمبر واعادة هيمنة الكيزان ممثلين في هذه الشبكة لحكم السودان عسكريا، والطرف الثالث هوقوات الدعم السريع التي تسيطر قيادتها على امبراطورية اقتصادية ضخمة تحتاج حمايتها الى سلطة سياسية قابضة وغير مساءلة وجيش موازي يحميها من الجيوش الاخرى التي تشاركها ذات الاطماع( جميعهم يتنافسون على سلطة عسكرية استبدادية وعلى حيازة الجزء الاكبر من موارد البلاد بلا حسيب او رقيب او مساءلة شعبية مؤطرة بالدستور والقوانين والاجهزة العدلية والاعلام الحر)
باختصار شديد هذه هي الحرب واطرافها واهدافها!
هذه الاطراف العسكرية في سبيل اطماعها في السلطة والثروة اشعلت النيران في اجساد المواطنين السودانيين وحولت حياتهم الى جحيم!
لسان حالهم وهم يتقاتلون بالاسلحة الثقيلة والطيران وسط المدن والقرى المأهولة يقول ان حياة المواطن السوداني البرئ لا تختلف عن حياة اي حشرة يدهسها المرء بحذائه دون ان ينتبه وهو في طريقه الى العمل او السوق او المدرسة!
هل يعقل ان يخرج المواطن المكتوي بنار هذه الحرب من تحت الانقاض او من مذلة مراكز الايواء او من دول اللجوء ليصب جام غضبه على قحت وتقدم وغيرهما من القوى السياسية المدنية التي لم تشعل حربا ولا تحمل عكازا ولا عصا! بل سعت جاهدة لتفادي سيناريو الحرب قبل اندلاعها وبعد ان اندلعت ومنذ يومها الاول قالت لا للحرب ، نعم للحل السياسي التفاوضي! والاهم من ذلك هو ان هذه القوى تتبني فكرة توحيد الجيوش المتعددة في جيش واحد قومي ومهني يمارس دوره في حماية الوطن ولا يتدخل في السياسة والاقتصاد، وتسعى لترسيخ الحكم المدني الديمقراطي لان هذا هو الطريق الامثل لتجنيب الوطن ويلات الحرب، لان تكريس فكرة ان تكون البندقية هي وسيلة الصعود الى السلطة هي وصفة نموذجية للحروب في واقعنا السوداني!
فهل يعقل ان يغضب الشعب المكتوي بنيران الحرب من دعاة السلام والديمقراطية وان يكون راضيا تمام الرضا بل مقاتلا شرسا بالسلاح او بالكلمة في صفوف مشعلي الحرب واصحاب التوجه السياسي الذي لا ينتج سوى مزيد من الحروب!
لا يفعل ذلك الا من تم تضليله بالمعلومات الخطا، وتزييف وعيه بالاكاذيب المصنوعة بمكر وخبث واجرام بواسطة غرف اعلامية قوامها اصحاب المصلحة في صرف الانظار عن المجرم الحقيقي!
تحاول كتائب الظل الاعلامية جاهدة ان تقنع الرأي العام بان مشروعها التضليلي نجح مع اغلبية الشعب السوداني، ولكن لان الباطل لجلج مهما تفانى اهله في ترويجه فان هذا المشروع يمضي نحو الانحسار ، صحيح ان ضحاياه كثر، ولكن الناجين منه في تزايد ، خصوصا بعد ان مد الواقع لسانه لكثير من الاكاذيب ( ساعة الحسم واخواتها) !
امامنا كسعاة سلام وديمقراطية تحديات كبيرة في ترجيح كفة البديل المدني الديمقراطي كثقافة سياسية وكالتزام اخلاقي وفكري لقيم الحرية والعدالة والاخاء ، وكمشروع مرتبط عضويا بضرورات الحياة التي باتت في سودان الحرب امنية عزيزة.
خطابات الجهالة والانحطاط منظمة ومثابرة ومنهجية في استهدافها لعقول السودانيين، بينما خطابات الاستنارة والقيم الديمقراطية ليست كذلك ، في ظرف يستوجب اقصى درجات المقاومة لمشروع الاستبداد والفساد وعودة النظام المدحور في نسخة جديدة من الحكم العسكري البغيض.
ان رفض الحكم العسكري لا يعني تبني موقف عدائي ضد كل المنخرطين في سلك العسكرية من ضباط وجنود ، فهؤلاء جزء من الشعب السوداني ويجب ان يكونوا جزء من اصحاب المصلحة في التغيير دون ادنى مبالغة ، فاحد اسباب رفضنا للحكم العسكري هو انه يصعد الى السلطة على اكتاف هؤلاء ويتبنى سياسات تقود الى افقارهم وتخلف مؤسستهم على مستوى التدريب والتأهيل والانضباط والقيم الوطنية، بل الرفض هو للعصابات المنظمة من كبار وصغار الجنرالات المجرمين الفاسدين الذين يبتلعون موارد الدولة ويبددونها في غير مصلحة الشعب وفي غير مصلحة السواد الاعظم من المؤسسات العسكرية نفسها. هذه العصابات هي التي يجب علينا جميعا مقاومتها.

 

آراء