صعود نجم الصين لا يعنى بالضرورة أفول نجمنا .. ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
بدر الدين حامد الهاشمي
11 September, 2011
11 September, 2011
صعود نجم الصين لا يعنى بالضرورة أفول نجمنا
China’s Rise Isn’t Our Demise
بقلم: جوزيف بادين
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
تقديم: نشر نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن مقالا صغيرا في صحيفة "نيويورك تايمز" يوم الخميس 8/ 9/ 2011م يرد فيه – كما يبدو- على بني جلدته – والغربيين عموما- من الذين يتخوفون، ويدقون طبول الفزع من أن تتسيد الصين بقوتها الاقتصادية (والعسكرية أيضا) العالم على حساب أمريكا في غد قريب. سمعت نفس الأفكار التي يقول بها نائب الرئيس الأمريكي في هذا المقال على لسان توماس فريدمان الكاتب والصحفي الشهير، وصاحب العامود الراتب في ذات الصحيفة "نيويورك تايمز" في مقابلة له في محطة سي ان ان في ذات اليوم! وأمر الصين، على وجه العموم، في دوائر السياسة والصحافة الغربية في اختلاف، بيد أنه من المؤكد أن الصين صاحبة النمو الاقتصادي والتنموي المتسارع تثير كثيرا من التساؤلات (والقلق أيضا) عند الحكومة الأميركية وشعبها. لا شك أنه من قلة الحكمة و"التفكير الرغائبي" في أوساط أصحاب القرار في عالمنا الثالث (المتفرج) أن يظن أن الصين ستسود العالم في المنظور القريب (والقريب هنا قد تعني عشرات أو حتى مئات السنوات)، وأن ذلك سيكون بالضرورة من مصلحتنا بطريقة من الطرق، فالصين رغم ادعائها الانتماء للعالم الثالث النامي، تسعى حثيثا (متذكرة تراثها الإمبراطوري التليد) نحو إيجاد موقع لها بين قائمة كبرى الدول العظمى، ويحكم سياستها – بداهة - شيء واحد هو "المصلحة" وليس غير ذلك، وهذا ما يجب تذكره دوما...أقول هذا لأن المرء منا يسمع بعض كبار المسئولين لا يكادون يتوقفون عن حمد الصين وشكرها لعونها لنا (عندما أحجم الآخرون) دون من أو أذى أو طمع... وينسون أن الصين صدرت لأمريكا في 2010 ما قيمته 365 بليون دولار، واستوردت منها ما يزيد على 92 بليون دولار بحسب ما جاء في إحصاءات وزارة التجارة الأميركية.
ما قاله نائب الرئيس الأميركي هو – بالطبع- وجهة النظر الحكومية الأميركية (المتفائلة)، بيد أن لكل عملة وجه آخر، ولابد أن هنالك وجهات نظر تختلف قليلا أو كثيرا عن ما سيرد ذكره في هذا المقال.
المترجم
زرت الصين من قبل في عام 1979م ضمن وفد من الكونجرس الأمريكي بعد شهور قليلة من إبرام الاتفاقية التي أعادت العلاقات الأميركية الصينية لطبيعتها العادية (كان ذلك في عهد كارتر. المترجم). كانت الصين يومها قد بدأت لتوها تسلك طريق الإصلاح الاقتصادي، وكنت ضمن أول وفد من الكونجرس يشهد ذلك التحول. سافرت للصين الشهر الماضي ورأيت بأم عيني مقدار التطور الذي قطعته الصين في ذلك الطريق منذ 32 عاما. بيد أن الجدل حول الطفرة الاقتصادية لذلك البلد لا يزال محتدما.
ظل السؤال قائما، والاهتمام والقلق أيضا (منذ 1979م وحتى الآن) عن معنى وتأثير تلك الطفرة الاقتصادية على أمريكا. يرى البعض في أمريكا (وبلدان أخرى) أن نمو الصين المتعاظم يمثل تهديدا يماثل التهديد والتنافس الذي كان قائما بين الدول الكبرى أثناء سنوات الحرب الباردة، بينما نرى الصينيين قلقين من تحالفاتنا في آسيا- الباسفيك وكأنها محاولة لاحتواء نمو الصين.
إنني أرفض هذين القولين، بيد أني لا أخفي قلقنا من تعاظم قدرات الصين العسكرية ونواياها، وهذا ما دعانا للجلوس مع العسكريين الصينيين لفهم وتقويم تفكيرهم وتوجهاتهم. هذا القلق هو السبب الذي دعا الرئيس (الأمريكي) – مع حلفائنا - للحفاظ على وجود عسكري قوي وفاعل في هذه المنطقة. قلت صراحة للقادة والشعب الصيني إن أمريكا قوة "باسيفيكية" (أي متعلقة بالمحيط الهادي) وستظل هكذا.
أؤمن تمام الإيمان بأن نجاح الصين سيزيد من ازدهار وتقدم أمريكا، ولن يفعل العكس.
نرتبط مع الصين برباط وثيق من علاقات التجارة والاستثمار، وهذا مما يؤكد أن لنا لكل من بلدينا مصلحة حقيقة في نجاح الآخر ونحن نواجه مخاطر ومسئوليات مشتركة تشمل الأمن والنمو الاقتصادي العالميين تحفزنا للعمل معا. لكل ذلك تعمل الإدارة الأميركية حثيثا على الحفاظ على وضع العلاقة مع الصين على أرض ثابتة. لا يساورني أي شك في أن للقادة الصينيين ذات الفهم والتوجه، خاصة بعد لقائي مع نائب الرئيس الصيني شي جين بينغ لمدة 12 ساعة كاملة.
كثيرا ما نركز على صادرات الصين لأمريكا، ولكن يجب أن تذكر أن الشركات الأميركية صدرت للصين بضائع وخدمات بما يعادل أكثر من 100 بليون، وهذا ما يؤمن عشرات الآلاف من الوظائف للأميركيين، وظلت صادرات أمريكا للصين تزداد بمعدل يفوق معدل صادراتها لبقية دول العالم الأخرى.
يدرك القادة الصينيون الذين التقيتهم ضرورة أن ينتقل الاقتصاد الصيني من اقتصاد يحركه التصدير والاستثمار والصناعات الثقيلة، إلى اقتصاد يحركه أكثر الاستهلاك والخدمات. لا بد أن يصاحب ذلك خطوات عملية مستمرة نحو إعادة تقييم العملة، وتوفير فرص عادلة للوصول للأسواق الصينية. ومع قيام الأمريكيون بالادخار أكثر، والصينيون بالشراء أكثر فسوف يتسارع هذا الانتقال بالاقتصاد الصيني، وهذا مما من شأنه فتح مزيد من الفرص لنا.
ليس هنالك من تناقض بين أن تنافس الصين أمريكا، وبين أن تتعاون معها. ليس لدي أي شك في أن الولايات المتحدة تستطيع (وسوف) تزدهر بسبب هذا التنافس.
يجب علينا في البدء وضع القوة الاقتصادية الصينية المتعاظمة في إطارها الصحيح. يؤكد صندوق النقد الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا يعادل نحو 15 ترليون دولار (وهو بهذا يزيد عن ضعف ناتج الصين المحلي الإجمالي)، وإن دخل الفرد الأمريكي (فوق 47000 دولار في العام) يزيد عن دخل الفرد الصيني بما يزيد عن 11 ضعفا.
يتردد كلام كثير عن أن الصين "تمتلك" الدين الأميركي. هذا ليس بصحيح. الأمريكيون هم من يملكون الدين الأمريكي‘ فالصين لا تمتلك غير حوالي 8% من سندات الخزينة (الأمريكية) المستحقة، بينما يملك الأمريكيون نحو 70% منها. إن التزامنا الذي لا يتزعزع للوفاء بالتزاماتنا الاقتصادية هو تجاه الأمريكيين وكذلك لمن هم في خارجها. لهذا السبب فلم يسبق للولايات المتحدة أن تعثرت في الوفاء بالتزاماتها، ولن تفعل.
ما هو أكثر أهمية من كل هذا وذاك هو أن طبيعة التنافس في قرننا الحادي والعشرين تميل في صالح الولايات المتحدة. كنا في القرن العشرين نقيس ثروة شعب ما أساسا بموارده الطبيعية، وبمساحة أرضه، وعدد سكانه، وقوة جيشه.، بينما نقيسها الآن في القرن الحادي والعشرين بعقولها الخلاقة وقدرتها على الابتكار.
وكما قلت لطلاب صينيين في شنقدو (عاصمة في جنوب غرب الصين تعد مركزا هاما في مجال المواصلات والاقتصاد والاتصالات. المترجم) فإن الولايات المتحدة قامت على مبدأ الابتكار، وهو أساس نسيج مجتمعها. هذا هو ما جعل كل جيل من الأمريكيين يخرج على العالم بأفكار جديدة غيرت وجه العالم...من محالج القطن إلى الطائرات ورقائق الكومبيوترات والانترنت. نحن ندين في قوتنا لنظامنا السياسي والاقتصادي، وللطريقة التي نعلم بها أطفالنا- ليس بمجرد قبول المسلمات و"القطعيات"، بل لتتحداها وتحاول تحسينها. إننا ليس فقط نتسامح، بل نشجع في حقيقة الأمر على التعبير الحر والنقاش النشط. يحمي حكم القانون الممتلكات الخاصة، ويعطي الاستثمار القدرة على التنبوء، ويضمن المساءلة للفقير والغني على حد سواء. تظل جامعاتنا المقصد النهائي للمتميزين من علماء وطلاب العالم، ونشجع هجرة المهرة والطموحين والذين يرغبون في تحسين حياتهم.
تظل نقاط قوة أمريكا الآن هي نقاط ضعف الصين. أرى أنه يجب على الصين كي تتحول إلى اقتصاد الابتكار أن تنفتح سياسيا وأن تحترم حقوق الإنسان، إذ أن الحقوق الأساسية للبشر عالمية الطبيعية، ويتوق الشعب الصيني – كغيره من شعوب الأرض- لنيل تلك الحريات. تفتح الحرية أمام الأفراد المغلق من مقدراتهم الكامنة، ويولد عدمها الاضطراب. تتميز المجتمعات المنفتحة والحرة بقدرتها على تعزيز النمو على المدى الطويل، وعلى الاستقرار والازدهار والابتكار.
ينبغي علينا نحن الأمريكيين القيام بدورنا أيضا. يجب علينا أن نوجد عملا جيدا لكل من يرغب في العمل، وأن نستقطب أصحاب المواهب العالية من كل أرجاء الدنيا. يجب علينا مواصلة الاستثمار في موارد قوتنا الأساس، ألا وهي التعليم والبنية التحتية والابتكار. ينبغي تذكر أن مستقبلنا بيدنا وحدنا. إن قمنا باتخاذ خطوات جريئة فليس هنالك من سبب يمنع أمريكا من أن تخرج أقوى من ذي قبل.
لقد قمت كنائب للرئيس الأمريكي بجولات في هذا العالم بلغ طولها نحو نصف مليون ميلا، وكنت دوما أعود للبلاد وأنا أكثر ثقة بالمستقبل. قد يحذرنا بعضهم من أفول نجم أمريكا، بيد أني لا أوفق أبدا على هذا الرأي، وأضيف كذلك أن الصينيين – مما لمسته منهم- لا يوافقون عليه أيضا.
نقلا عن "الأحداث"
badreldin ali <alibadreldin@hotmail.com>