صندوق الإسكان و”الإنسان” ..!

 


 

 




...................

أخيرا ... وبعد سبع سنوات ... قضيت يوم أمس في صندوق الإسكان والتعمير ولاية الخرطوم لإجراء المخالصة النهائية لإستحقاقي في منازل الصحفيين، هذه الخطة التي وفرت لقرابة ثلاثة ألف صحفي أو يزيد "الحق في السكن"، ومنهم من سكن ومنهم من باع بيته، ومنهم من تركه مغلقا ويجاهد لسداد الأقساط، ومنهم العباقرة الذين أضافوا للمنزل "مرحاض بلدي" وراكوبة وأدخلوا الماء والكهرباء، واستفادوا من الإيجار في سداد الأقساط.

كلما انتهيت من خطوة وظننت أنني سأغادر لقضاء عمل وأعود لاحقا  لتكملة الخطوات أو توكيل من يقوم بذلك، يفاجئني الموظف بضرورة الذهاب للخطوة التالية، ومنها للثالثة، وتقريبا جملة المخالصة حوالي سبع خطوات لو كنت قد فقدت إيصال من الإيصالات، ولكن لو كنت محتفظا بها كلها فهي خمس خطوات ولا تتم إلا في أيام الأحد والثلاثاء.

وفي الصندوق مسئول الإعلام الصحفي الرائع وابن خالتي الرباطابي "ود الباوقة" معاذ الصغير، ولا تكتمل زيارتي كل مرة إلا بإقتحام مكتبه لإحتساء القهوة وتناول آخر نكات الرباطاب، وبدأنا بنكات القهوة نفسها، ويحكي معاذ أنه عندما كان مصرفيا كان هنالك تل من الرزم جوار صديقه فانهار عليه، فقال له معاذ ... طبعا نحن لمن زول تدفق فوقو قهوة بنقولوهو جايياك قروش، دحين انت يا أخوي جاياك قهوة ساكت ... لو داير نطلبها ليك من حاجة فوزية هسع ونخلص!

من مشاهير تجربة إسكان الصحفيين الأستاذة محاسن الحسين بنيامين، أمينة الإسكان والتأمين الصحي في الإتحاد، بنت سونا البارة، التي تتميز بنكران الذات والإجتهاد في خدمة الصحفيين خصما على صحتها وعافيتها ... والتي تتحمل آلاف المشاكل والنقاشات والهواتف الصباحة والليلية من الصحفيين والمغتربين المطالبين بحقوقهم ... والذين يسألون عن الخطوات ... خطوة خطوة ... وينتقدونها خطوة خطوة ونحن شعب يحب النقد وإبداء الرأي ... ومحاسن تقدم لهم الشرح فردا فردا واستمر هذا حتى الآن عشر سنوات بالتمام والكمال، هذا غير العمل الميداني والمفاوضات مع الصندوق والإجراءات الحكومية الكثيرة التي مكنت إتحاد الصحفيين من أن يكون من أفضل نوافذ الإجراءات لصندوق الإسكان والتعمير ... وحتى الآن ارتبط الإتحاد بإجراء القرعة وإحتفاليات كثيرة مرتبطة بمساكن الصحفيين، والذين يأتون لمقر الإتحاد بزوجاتهم وأطفالهم، ويتحول المشهد إلى حفل أو عرس كبير كل مرة.

حقيقة تجربة ممتازة وفريدة ويواصل فيها إتحاد الصحفيين حتى الآن بجهد ومثابرة وكثيرا ما نتصل بقادة الإتحاد الصادق الرزيقي وصلاح عمر الشيخ وعلي أبايزيد، فنجدهم في إجتماع أو قرعة أو تحضير لمنشط يتعلق بهذه الأمور.

المشهد في صندوق الإسكان مشهد مؤثر ويجعلك تذرف الدموع ...  عشرات الأسر في الحوش ... نساء ورجاء وأطفال، لإجراءات أداء القسم أو القرعة، وهنالك ربات منازل وشيوخ وأحفاد وحفيدات، كلهم يحملون "تحويشة العمر"، أو ما تبقي من إستبدال المعاش أو بيع الدهب الذي صمد لعشرين أو ثلاثين سنة بعد الزواج، أو حصاد التحويلات والمصاريف من الأبناء والبنات ...  كل ذلك في مظروف بني أو كيس أسود، ويتممون عليها بين الحين والآخر، وينتظرون دورهم في الصف ... في عيونهم الأمل والتوكل على الله، وفي أذهانهم ذكريات عائلية وشخصية كثيرة .. تدور وتدور في لحظات الإنتظار.


وراء كل مقدم طلب قصة إنسانية، ووراء كل سداد قسط تعب وتوفير و"مضارفة"، لكن بحمد الله بين الحين والآخر ترى الفرحة  والبهجة في العيون وتسمع "زغاريد" تطمئن القلب ... إما قرعة تمت، أو مخالصة إكتملت وصار المنزل ملكا لصاحبه بعد مسيرة متعبة ومرهقة.


من المحرر: لدي الخطير والمثير وما هو أكثر من خطير ومثير حول رحلة البشير إلى جوهانسبيرج، ولكن شغلتني زيارة الصندوق عنها، انتظروني غدا بإذن الله.

makkimag@gmail.com

 

آراء