طه حسين والآداب الأوروبية .. ورقة من إعداد وتقديم: الدكتور/ خالد محمد فرح

 


 

 





بسم الله الرحمن الرحيم

ندوة العلامة عبد الله الطيب

الاحتفاء بمرور أربعين عاما على رحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين

قاعة الشارقة – جامعة الخرطوم

الاثنين -  الموافق 28 أكتوبر 2013م


طه حسين والآداب الأوروبية

ورقة من إعداد وتقديم: الدكتور/ خالد محمد فرح

Khaldoon90@hotmail.com
مقدمة:
لعل من نافلة القول أن نقرر ابتداءً من بين يدي تقديمنا لهذه الورقة هذه التي اخترنا لها عنوان " طه حسين والآداب الأوروبية " ، هذا الموضوع الواسع والمتشعب جدا ، والذي سوف تقصر هذه المحاولة المتواضعة – لا محالة –  عن الإحاطة الشاملة به من كل جوانبه ، أن نقرر أن عميد الأدب العربي ، الدكتور طه حسين رحمه الله ، يعتبر واحداً من أشهر الأدباء العرب المعاصرين ، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق ، فضلاً عن كونه أكثرهم إثارة للجدل والاختلاف حول شخصيته ، وقيمة عطائه في مسيرة الآداب والثقافة العربية بصفة عامة ، وخصوصاً حول استحقاقه تلك المكانة السامقة ، وذلك الصيت المدوي الذي ظل يحظى به داخل الساحة الأدبية والفكرية العربية منذ ان بزغ نجمه  ،وولج إلى هذه الساحة ابتداءً من الربع الأول من القرن العشرين ، وحتى تاريخ وفاته في الثامن والعشرين من شهر أكتوبر من عام 1973م.
أما المكانة المرموقة التي تبوأها الدكتور طه حسين في دنيا الفكر والثقافة والأدب العربي ، فتشهد لها العشرات من المصنفات والأعمال الخالدة في سائر مجالات الابداع والنقد والدراسات الأدبية والاجتماعية والثقافية ، والأبحاث الجمة ، والمقالات الصحفية العديدة في ألوان شتى من الفن والفكر ، كما تدل عليها المواقع القيادية والمناصب الرفيعة التي أسندت إليه داخل عدد كبير من المؤسسات الأكاديمية والثقافية ، بل السياسية داخل وطنه مصر ، فضلاً عن مختلف صنوف التقدير والتكريم التي حظي بها في الخارج.
ذلك بأن سيرة حياة طه حسين تفيدنا بأنه قد عمل محاضراً بكلية الآداب بجامعة القاهرة ، عقب عودته من فرنسا في عام 1919 مزوداً بشهادة الدكتوراه الثانية ، ثم عين عميداً لها  في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، فمديرا لجامعة الاسكندرية في عام 1942 ، ووزيراً للمعارف في حكومة حزب الوفد بين عامي 1950 و 1952م ، وعضواً بمجمع اللغة العربية بالقاهرة ثم رئيساً له ، وعضواً بمجمع اللغة العربية بدمشق ، ورئيساً للجنة الثقافية بجامعة الدول العربية. هذا إلى جانب عضويته ومشاركته في جملة من المؤسسات والمؤتمرات الثقافية في عدد من البلدان العربية والأجنبية ، فضلاً عن كونه قد نال نحواً من عشر شهادات دكتوراه فخرية من دول عربية وأوروبية مختلفة ، وقريباً من ذلك من الأوسمة والأنواط وشهادات التقدير.
وأما فيما يتعلق بكون أن طه حسين كان وما يزال شخصاً مثيراً للجدل ، بمعنى أن طوائف من الناس ، وخاصة العرب ، يقفون إزاء شخصه ، وخصوصاً حيال تركته الفكرية والثقافية والمعرفية ، مواقف – ايديولوجية في الأساس – هي أبداً مواقف مختلفة ومتباينة. فحسبنا أن نشير في هذا المقام على سبيل المثال ، إلى أن النسخة العربية من موسوعة ويكيبيديا المنشورة على الشبكة العنكبويتة ، تذكر في معرض التعريف به ما يلي:
" طه حسين: اسمه الكامل طه حسين علي سلامة ... 15 نوفمبر 1889 – 28 أكتوبر 1973. أديب وناقد مصري ، لقب بعميد الأدب العربي ، غير الرواية ، مبدعاً السيرة الذاتية في كتابه " الأيام " الذي نشر في عام 1929 ، يعتبر من أبرز الشخصيات في الحركة الأدبية الحديثة ، يراه البعض من أبرز دعاة التنوير في العالم العربي ، في حين يراه آخرون رائداً من رواد التغريب في العالم العربي ، كما يعتقد الإسلاميون أن الغرب هو من خلع عليه لقب عميد الأدب العربي... " انتهى الاقتباس
ولعل أصدق وأعدل وصف وصفت به شخصية طه حسين ، وأقربها إلى القصد و الموضوعية ، والتجافي عن التحامل والمغالاة ، هو الوصف الذي وصفه به تربه وصنوه في المنزلة والشهرة ، الأديب الكبير عباس محمود العقاد الذي قال عنه: " إنه رجل جرئ العقل ، مفطور على المناجزة والتحدي. فاستطاع بذلك نقل الحراك الثقافي بين القديم والحديث من دائرته الضيقة التي كان عليها إلى مستوى أوسع وأرحب بكثير .. ". أ. هـ
طه حسين والثقافة الغربية:
كان أول عهد طه حسين بالثقافة والآداب الغربية ، عندما هجر الدراسة التقليدية التي كان يتلقاها بالأزهر الشريف ، ويمم وجهه شطر الجامعة المصرية الأهلية التي افتتحت في عام 1908. كان طه حسين من أوائل المنتسبين إلى الجامعة المصرية ، حيث درس بها طائفة من العلوم العصرية ، والحضارة الإسلامية ، والتاريخ ، والجغرافية ، ومبادئ اللغات السامية. وتشير بعض المصادر إلى أن طه حسين قد بدأ يتلقى دروساً في اللغة الفرنسية منذ تلك الفترة المبكرة ، أي قبل سفره إلى فرنسا مبعوثاً إليها من الجامعة المصرية في عام 1914م ، وهو ذات العام الذي حصل فيه على شهادته الأولى للدكتوراه من تلك الجامعة عن أطروحته بعنوان: " ذكرى أبي العلاء ".
شهدت فترة دراسة طه حسين بالجامعة المصرية أول اتصال له بمجموعة من المستشرقين الأوروبيين الذين تلقى على أيديهم العلم فيها. حيث درس علمي التاريخ والجغرافية على المستشرق الإيطالي جويدي ، وعالم الفلك على المستشرق الإيطالي كارلو نيللينو الذي يرى الدكتور يوسف بكار في كتابه " أوراق نقدية جديدة عن طه حسين " ، أنه أكثر اساتذة طه حسين من الأجانب تأثيرا عليه ، بل إنه يعتقد أن فكرة وضع الشعر الجاهلي ونحله قد استقاها طه حسين من نلليني لا عن المستشرق الانجليزي مورغوليوث كما هو المشهور. ودرس اللغات السامية القديمة على المستشرق ليتمان ، والفلسفة الإسلامية على المستشرق سانتيلانا ، وتاريخ الحضارة الشرقية القديمة على المستشرق ميلوني ، والفلسفة على المستشرق الفرنسي لوي ماسينيون الذي يرجح أنه قد أخذ عنه فكرة وجود فرق جوهري بين العقلين السامي والآري ، أو العقلين العربي الشرقي والأوروبي الغربي وفقاً لطه حسين ، ودرس الأدب الفرنسي على المسيو كليمانت.
وفي عام 1914م ، بعثت الجامعة المصرية طه حسين إلى مونبلييه بفرنسا ، فبدأ بها دراسته فوق الجامعية الثانية ، وأكملها بجامعة السودان بباريس ، حيث حصل منها على شهادته الثانية للدكتوراه في عام 1918م ، وكان موضوع الأطروحة هو: " فلسفة ابن خلدون الاجتماعية " ، وكان المشرف على رسالته هو عالم الاجتماع الفرنسي الشهير " أيميل دوركايم ".
وفي السوربون درس طه حسين التاريخ على ( غلوتسس ) ، والتاريخ الروماني على ( مارك بلوك ) ، والتاريخ الحديث على (  سيغنوديس  ) ، وعلم الاجتماع على ( ايميل دوركايم ).
اقترن طه حسين أثناء فترة بعثته في فرنسا ، بفتاة فرنسية من أصول سويسرية تسمى " سوزان بريسو " ، وتم زواجهما في عام 1917 ، ورزق منها ولدا اسمه " مؤنس " ، وبنتاً اسمها " أمينة ". وقد لعبت زوجه سوزان دوراً كبيراً في مساعدته على الاطلاع على مؤلفات كثيرة في اللغتين الفرنسية واللاتينية ، كما أعانته على فهم وتذوق الثقافة الأوروبية عموماً ، والفرنسية منها على وجه الخصوص.
وإلى جانب ذلك ، فقد دأب طه حسين بعد ذلك ، على السفر في كل صيف إلى فرنسا لقضاء العطلة هناك ، فكان ينتهز فرصة تلك العطلات لكي يستزيد من الاطلاع على الكتب ومختلف الإصدارات الأدبية والعلمية والثقافية التي كانت تخرجها دور الطباعة والنشر الأوروبية عموماً ، والفرنسية خصوصا.
ولما رجع طه حسين إلى مصر في عام 1919 ، تم تعيينه أستاذاً للتاريخ اليوناني والروماني في الجامعة المصرية ، فلما تحولت الجامعة المصرية ، التي كانت أهلية حتى ذلك الحين إلى جامعة حكومية في عام 1925م ، تم تعينه منذئذ أستاذاً للأدب العربي فيها ، ثم عميدا لكلية الآداب في عام 1928م.
على أنه بالرغم من   علاقة طه حسين الشهيرة والوثيقة بالآداب الأوروبية والثقافة الغربية عموماً ، إلا أننا  - نجد مع ذلك  –  بعض من يثيرون الشك حول صحة تضلعه وتبحره في اللغات الأوروبية التي هي مفتاح تلك الآداب الغربية بلا ريب. ومرد ذلك هو في تقديرنا ، الجدل الإيديولوجي المحتدم حول شخصية طه حسين ، وخصوصاً مواقفه وتوجهاته وآراءه التي لم ترق لبعض الناس.
فهاهو الدكتور " نجيب البهبيتي " ، وهو من المغالين في انتقاد طه حسين ، والقدح فيه ، والانتقاص من قدره يقول:
" ... والدكتوراه التي يحملها طه حسين ليست دكتوراه الدولة .. لأنه لم يحصل على الشهادة الثانوية ، وقد امتحن في غير مادة الشهادة التي منحت له اسماً .. ثم عاد إلى مصر ليدرس التاريخ الروماني في ظل شهادة إسمية .. والواقع الذي أعرفه عن طريق ابتلائي بالرجل ، أنه لم يكن يعرف اللاتينية التي طالما ملأ شدقيه بالقول أنه درسها ، فضلاً عن جهله الكامل للغة اليونانية.. " أ.هـ
وبالمقابل ، نجد واحداً من أنصار الدكتور طه وشيعته من ضمن تلاميذه المخلصين ، هو  الدكتور " حسن صعب " اللبناني الجنسية ، يثبت ترجمة مختصرة لأستاذه طه حسين في سطور جاء فيها أنه: " أتقن اللغات اللاتينية واليونانية والفرنسية والإنجليزية ، بالإضافة إلى لغته العربية .. ". بيد أن التساؤل الذي قد يثور هاهنا: هل كان الدكتور طه حسين يتقن اللغة الإنجليزية حقاً ؟ وما هو الدليل على ذلك ؟ أم أن ذلك مجرد إفراط في الإطراء ، ومحض تزيد من أحد معجبيه ؟.
أما اتهام الدكتور نجيب البهيتي لطه حسين بأنه لم يكن يحسن اللغتين اليونانية واللاتينية ، فهو في تقديرنا أيضاً ،اتهام جزافي بلا دليل وبلا بينة ، بل عسى أن يكون نفيه أقرب إلى الحقيقة. ذلك بأن طه حسين كان قد أنجز في عام 1919م ، بُعيد حصوله على الدكتوراه الثانية في باريس عن فلسفة ابن خلدون الاجتماعية ، أنجز دبلوماً عالياً في الدراسات الإغريقية والرومانية ، ثم لما عاد إلى مصر في عام 1919 ، طُلب إليه تدريس التاريخ الكلاسيكي (اليوناني والروماني) في الجامعة المصرية ، وقد استمر يفعل ذلك منذئذ وحتى عام 1925م.
أما اللغة الفرنسية ، فما من شك في أن الدكتور طه حسين كان يجيدها إجادة تامة فهماً ومخاطبةً وتأليفا. تشهد بذلك أبحاثه ومقالاته العديدة التي ألفها ابتداءً بهذه اللغة ، والتي عمد الأستاذ: " عبد الرشيد الصادق محمودي " مؤخراً إلى جمعها وترجمتها إلى اللغة العربية ، وإصدارها مجتمعة لأول مرة في مجلد واحد صدر في عام 2008م عن المركز القومي للترجمة بمصر تحت عنوان: " من الشاطئ الآخر ".
وتشهد لحذق طه حسين وتمكنه من الفرنسية كذلك ، ترجماته الباذخة لطائفة معتبرة من عيون الآثار الأدبية الفرنسية في الرواية والنقد والمسرح إلى اللغة العربية ، هذا بالإضافة إلى بعض الأعمال التي ترجمها عن اللاتينية أو الإغريقية مباشرة ، أو عربها نقلاً عن الفرنسية ، وذلك على غرار ما فعل عندما ترجم قصتي " أوديب " و " ثيسيوس " للكاتب الإغريقي " سوفوكليس " ، نقلاً عن ترجمة صديقه الأديب الفرنسي المشهور " اندريه جيد " ، الذي كان قد ترجم هذين الأثرين من قبل من اليونانية إلى الفرنسية.
وفي ذات السياق ، يقول اللبناني الدكتور " حسن صعب " ، وهو من تلاميذ طه حسين المحبين كما أسلفنا ، يقول في كتابه " شخصيات عرفتها وأحببتها " ، ليؤكد ما ذهبنا إليه من حقيقة إجادة طه حسين للفرنسية ، وهو يصف بإعجاب مشاركة أستاذه في جلسات المؤتمر العام لليونسكو الذي انعقد في بيروت في عام 1948م:
" اجتذب المؤتمر نخبة من مفكري العالم ، على رأسهم فيلسوف الهند رادا كريشنا الذي أصبح فيما بعد رئيساً لجمهوريتها ، ومؤرخ فرنسا جورج بومبيدو ، الذي أصبح فيما بعد رئيساً لحكومتها ، وعالم بريطانيا جوليان هكسلي ، الذي كان آنذاك مديراً عاماً لليونسكو ، وارتفع صوت طه حسين بين أصوات هؤلاء يعرف العالم بتأثير الآداب العربية في الآداب الأوروبية ، ونقلت إذاعتنا الوطنية محااضرته للبنانيين ، وهو يلقيها بلسان فرنسي مبين .. الخ " أ. هـ
مهما يكن من أمر ، فإن الدكتور طه حسين قد كان معجباً بالتأكيد ، بل شديد الإعجاب لما يقارب درجة العشق والافتتان بالآداب الأوروبية والثقافة الغربية عموما. يدلك على ذلك أنه قد دعا في كتابه " مستقبل الثقافة في مصر " ، إلى السير في خطى الحضارة الأوروبية حذوك القذة بالقذة ، والأخذ بأهداب تلك الحضارة حلوها ومرها ، ما يحمد منها وما يُعاب كما قال ، ثم دعوته إلى تدريس اللغتين الإغريقية واللاتينية للنشء المصري منذ المرحلة الثانوية ، وذلك على اعتبار أنهما وحدهما الكفيلتان إلى جانب اللغات الأوروبية الحديثة ، وخصوصاً الفرنسية ، بإغناء وإخصاب ثقافتنا العربية ، وإحكام درسنا لإرثنا الحضاري والثقافي ذاته.

طه حسين والآداب الأوروبية: ولع وإخلاص وتأثر
اجتهد طه حسين في تجسيد ولعه وإعجابه الشديد بالآداب الأوروبية ، وإبرازه  عملياً على أرض الواقع في شكل مبادرات ومشاريع وبرامج عملية ، تمثلت على سبيل المثال فيما يلي:
•    شجع الدكتور طه حسين الترجمة من اللغات الأوروبية إلى اللغة العربية ، فضلاً عن قيامه هو نفسه بترجمة عدد من الآثار الأدبية الأوروبية والفرنسية إلى اللغة العربية. ومما يحسب له في هذا المضمار ، تنويهه بترجمة " حسن عثمان " للكوميديا الإلاهية من الإيطالية إلى العربية ، كما كان من أوائل من دعوا إلى ترجمة معاني القرءان الكريم إلى اللغات الأجنبية ، وهي دعوة أثارت عليه في وقتها ثائرة نفر من المتزمتين الناقمين عليه سلفاً على خلفية الزوبعة التي كان قد أثارها كتابه " في الشعر الجاهلي ". ولكن دعوة طه حسين لترجمة معاني الكتاب العزيز قد انتصرت في نهاية المطاف كما نرى ، إذ لم يعد يعارضها من حيث المبدأ أو   ينكرها أكثر الناس تشددا في هذا العصر.
•    أشرف من خلال موقعه برئاسة اللجنة الثقافية بجامعة الدول العربية على مشروع ترجمة آثار الأديب الإنجليزي الأشهر " وليام شكسبير " إلى العربية
•    قام باستقطاب عدد من الكتاب الأوروبيين والمصريين للكتابة عن مختلف ألوان الأدب الأوروبي من خلال صفحات مجلة " الكاتب المصري " التي كان يتولى رئاسة تحريرها خلال الفترة من عام 1945 وحتى عام 1948م.
•    يعتقد أنه من أوائل من روجوا لمفهوم الأدب المقارن في الثقافة العربية المعاصرة ، وشجعوا الباحثين على ارتياد مجاله ، بل إن حديثه في كتابه الموسوم ب " من حديث الشعر والنثر " عن تأثر العرب في نثرهم الفني باليونانين والفرس ، يعتبر من الإرهاصات المبكرة في هذا الباب. ولطه حسين رأي أصيل في مسألة تاثر الكاتب الإيطالي " دانتي أليغري " بالثقافة العربية الإسلامية عموماً ، مفاده أنه يرى أن دانتي قد تأثر في " الكوميديا الإلهية " بالسيرة النبوية وخبر الإسراء والمعراج ، وليس برسالة الغفران للمعري كما هو شائع ، وممن حذا حذوه وشايعه في هذا الرأي العلامة عبد الله الطيب.
•    خلف طه حسين وراءه مكتبة ضخمة بمنزله الكائن بضاحية الهرم بالقاهرة ، تضم نحو سبعة آلاف كتاب بمختلف اللغات الأجنبية ، آلت إلى وزارة الثقافة المصرية بعد أن كانت هذه الأخيرة قد اشترت ذلك المنزل وحولته إلى متحف في عام 1992 ، بينما كان طه حسين قد تبرع في حياته بكتبه العربية لدار الكتب والوثائق القومية.
هذا ، ولئن كان بعض النقاد قد أخذوا على طه حسين اتكاءه على آراء نفر من المستشرقين فيما يتعلق باصالة الشعر الجاهلي وصحة نسبته الى من اشتهرت نسبته إليهم من الشعراء القدامى ، وهي الأفكار التي اثبتها في كتابيه " في الشعر الجاهلي " ، و " في الأدب الجاهلي " على التوالي ، فإن بعض النقاد يرون كذلك أن طه حسين قد تأثر في طرف مما خلف من آثار أدبية ، بما سبق أن اطلع عليها من أعمال أدبية غربية ، وخصوصا تلك التي هي من تأليف كتاب فرنسيين. وعمدة المصنفات التي انبرت لبيان تأثر طه حسين بمؤلفات الكتاب الفرنسيين خاصةً ، هو كتاب الأب " كمال قلته " بعنوان: " طه حسين وأثر الثقافة الفرنسية في أدبه ". ولا سبيل إلى اتهام مؤلف هذا الكتاب بأنه مغرض أو متحامل على طه حسين ، لأنه ببساطة مسيحي ، وليس مسلماً كسائر الكتاب الذي شددوا النكير على الدكتور طه حسين مثل: مصطفى صادق الرافعي ، ومحمود محمد شاكر ، ونجيب البهبيتي ، وأنور الجندي وغيرهم.
يعتقد الأب كمال قلته أن طه حسين قد تأثر بجان جاك روسو في كتابه " الاعترافات "  ، الذي يرى ألأب قلته أن طه حسين قد نسج كتابه " الأيام " على منواله. كذلك يعتقد أن طه حسين قد تأثر في كتابه " على هامش السيرة " بالكاتب الفرنسي " شاتوبريان " في كتابه " عبقرية المسيحية " ، وأنه قد تأثر بالكاتب الفرنسي " سانت بيف " ، الذي ألف كتاب " أحاديث الإثنين " ، فألف طه حسين كتابه " حديث الأربعاء " على شاكلته.
وإلى جانب ذلك ، يعتقد الأب قلته أن طه حسين قد تأثر بكل من أناتول فرانس ، والشاعر بول فاليري ، وبالمستشرق الفرنسي " مرسيه " ، خصوصاً في مسالة نفي وجود أي نثر فني يعتد به لدى العرب في الجاهلية ، هذا فضلاً عن تأثره المؤكد بصديقه الحميم " أندريه جيد ".
ومن المراجع التي تطرقت أيضاً لمسألة تأثر طه حسين بالمصادر الفرنسية في نقده الأدبي ، أطروحة علمية من إعداد الباحث التونسي " مفتاح الطاهر" ، صدرت في عام 1982م في كتاب بعنوان: Taha Hussein : Sa critique littéraire et ses sources françaises ( طه حسين: نقده الأدبي ومصادره الفرنسية ).


ترجمة أعمال طه حسين إلى اللغات الأجنبية:
ليس بأيدينا في الوقت الراهن ثبت بيبليوغرافي متكامل بجميع مؤلفات الدكتور طع حسين التي تمت ترجمتها إلى اللغات الأجنبية عموماً ، والأوروبية منها على وجه الخصوص ، بيد أننا نرجح أن مؤلفات عميد الأدب العربي قد نالت نصيباً معتبراً من الترجمة إلى عدد مقدر من تلك اللغات الأجنبية ، وذلك بالنظر إلى مكانة طه حسين ، ورمزيته في مسيرة الأدب العربي الحديث ، فضلاً عن القيمة الذاتية الرفيعة لإنتاجه مضموناً وأسلوبا.
على أن اللغة الفرنسية – بطبيعة الحال – هي التي قد حازت على نصيب الأسد من ترجمة أعمال طه حسين إليها. إذ يفيدنا تقرير لوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية ، ما يزال منشواً بالشبكة العنكبوتية منذ عام 2011م ، بأن الناشرين الفرنسيين قد قاموا بترجمة ما جملتها أحد عشر عملاً له.
ويوضح التقرير في هذا السياق ، أن دار النشر الفرنسية (بيدون) قد نشرت رسالة طه حسين للدكتوراه التي حصل عليها من جامعة السوربون في عام 1919م ، وأن دار نشر (اكسلسيور) قد قامت في عام 1934 بإصدار ترجمة الجزء الأول من روايته السيرية الشهيرة " الأيام " الذي ترجمه " جان لو سيرف " ، ثم نشرت دار " غاليمار " في عام 1947م ترجمة الجزء الثاني من " الأيام " الذي قام بترجمته كل من جان لوسيرف وغاستون ويد ، وهو الجزء الذي قدم له الأديب الفرنسي الكبير " أندريه جيد ". وهذه مجرد أمثلة على مؤلفات الدكتور طه حسين التي تُرجمت ونُشرت بالفرنسية 
وبعد ، فهذا مجرد غيض من فيض مما يمكن أن يقال في هذا الموضوع الكبير الذي يتعلق بتراث هذا الأديب الرمز الدكتور طه حسين رحمه الله تعالى ، والشكر لكم في الختام على حسن الاستماع ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

آراء