ظباء الحاردلو .. ماليات الخشم من كامل الأوصاف

 


 

البدوي يوسف
16 November, 2020

 

 

قمة ما أنتجته قريحة الحاردلو .. 

الغاية التي ما بعدها مرام ..
أنست الناس ما كان قبلها ..
قتلت طموح كل شاعر حاول محاكاتها أو مجاراتها ..
شغلت الناس عما سواها ..
جمعت المميزات والخصائص التي كتبت لأمثالها من الروائع الخلود ..

تبحث عن مدخل للحديث عن عبقرية أمير شعراء البطانة شاعر الطبيعة والجمال والغزل محمد أحمد عوض الكريم أبوسن الشهير بالحاردلو ( ١٨٣٠ - ١٩١٦).. تستلف هذه الأوصاف وهي تمثل رأي حفيده البروفيسور ابراهيم الحاردلو في رائعته "مسدار الصيد" وقد أوردها في مقدمة "ديوان الحاردلو " الذي شرحه وحققه ، وحوى مسداري الصيد والمطيرق وعشرات الرباعيات المتفرقة .
تسيح - عبر مسدار الصيد الذي يحوي ٤٠ رباعية - مع الظباء (الحسان) في السهول والوديان والجبال والمنخفضات والمرتفعات ، في رحلة موسمية من "الصعيد" ناحية القضارف ، باتجاه السافل "البطانة" ، تبدأ مع تباشير الخريف ولا تنتهي إلا بحلول "الدرت" ..
تشهد خفوت أشعة الشمس.. برودة الجو .. لمعان البروق .. اقتناص الصقر للفرة ..خروج الظباء من مخابئها .. اكتساء الأرض بالخضرة .. وتشتم روائح النباتات المزهرة التي تعطر الأجواء ..

•••••
تتأمل بياض لون الظباء الناصع واعتدال القوام واستواء الأكتاف :

لونن من بعيد متل البليبلي نضاف
حرد ومعصرات من شبة الأكتاف
لي الناس البغنولن بجروا القاف
ماليات الخشم من كامل الأوصاف

تخالط البياض صفرة ، قد تتعذر رؤيتها من بعيد وتبين كلما تقترب أو يقتربن منك ، لكن المؤكد أنها في الحالتين تخلب اللب وتريع البال :

بت المن قرين مرقن على الجبال
في بيه وبلوس ما برجن الوبال
صفرا درعتن تدلى لا البهال
وبيضت شاش قرابيبن تريع البال
•••••
يزدن جمالا على جمال بضمور ونحول .. لا لقلة في المعاش .. بل خلقن هكذا ضامرات .. كما أنهن جبلن على ارتياد المناطق العالية و الفرار من الأماكن التي يغشاها الناس :

ديل الديمة من رد الأنيس ناجعات
وكل حين فوق عليون نابي منجمعات
تيسن دور الوادي الورى القلعات
ضمر خلقة مو من معاش ضايعات

تقترب أكثر - في غفلة منهن - تكتحل عيونك بعيونهن التي تزدان بكحل طبيعي دائم أغناها عن الكحل الصناعي وزادها دلالا وتباعدا عن الناس :

في عاقب نهارن سون لهن مرحال
وعينيهن خلقهن زرق بلا كحال
من ريح الحويل بقين دحين في حال
وديل ليمهن على الناس المتلنا محال

نظرة واحدة لا تكفي .. تجيل النظر مرة أخرى في عيونهن فقد لا يسعدك الزمان بالاقتراب منهن وهن النافرات بطبعهن .. فيجول بخاطرك وصف سيد عبدالعزيز لتلك الفاتنة ال " داعجة ومكحلة خلقة ".. تتساءل إن كان شاعر الحقيبة العظيم وقف على شعر الحاردلو فكان الاقتباس .. أم أن التناص الواضح لايعدو مجرد توارد خواطر ..
•••••
تتنقل من مسدار الصيد إلى الرباعيات ..
من الرمز والتلميح إلى الغزل الصريح في الحسان ، تارة بأسمائهن المعروفة وطورا بتعداد صفاتهن التي تدل عليهن ..

يتغزل في زينب وسماحتها البادية للعيان .. يشبهها بجدي تخبئه أمه في الوادي .. ويحصي ثلاث صفات لها لم تجتمع في حسناء خلافها :

زينب في البنات مي داب سماحة الزي
شن تشبه بلا اللدتو أمو ودي
فيها تلات خصالا ما حواهن حي
الصبا والجمال وعقب اللهيج الني

•••••
يلفت النظر إلى جمال "بت أب سبيب" ويقدر أن صاحبه الخضر لو رآها لنظم فيها شعرا مجودا غير " ملتق " يفيها ما تستحقه من أوصاف .. فلا يكفي وصفها بالدر والجواهر فذلك في تقديره تشبيه لا ينصفها :

زي بت أب سبيب قول لي الخضر كان شفتو
نما مو ملتق كان عليه ولفتو
الدر والجواهر بيهن إن وصفتو
أقدر أقول لك إنت الليلة ما أنصفتو
•••••
تنتاش فؤاده سهام "أم نعيم " .. تخترقه بمقدار شبرين .. يلتمس من عواده أن ينقلوا عنه أنه ميت لا محالة صباح غد إن أمسى بحالته التي كان عليها نهارا :

ودوا أخباري يا عوادي
قولوا مقيلو إن أمسابو بصبح قاضي
شمباني أم نعيم ضارباني بي في فؤادي
قبلو معضضة وشبرين مرق بي غادي

•••••
يعز عليه الرحيل بعيدا عن كسلا الوريفة ، حتى لا يبتعد عن الزول السمح بعد توادد أعقبه تواعد على لقاء في " الويك إند " أنساه البلد والأوبة إلى الأهل " العقاب" :

الزول السمح يوم الخميس واعدنا
في ديم كسلا إن سافرنا منو أبعدنا
يا عبد الأمين ما شفتو كيف واددنا
ترى هادا المنسينا العقاب وبلدنا
•••••
ينوه بصبا وجمال ملهمته الباقي ، مذكرا بأنه جمال طبيعي متوارث من جدة إلى جدة وليس جمال قشرة مجلوب بطلاء خارجي يزول بزوال المؤثر .. بلغة العبادي " حسن البداوة الما لمس بدرة ":

ديفة اليازمان جين بين قنيص وقنوبه
سلمن من طعن طبيزة البرجوبة
الصبا والجمال الباقي مو قشروبة
متوارثاهو من حبوبة لي حبوبة

abahmed2001@hotmail.com

 

آراء