عبد الله علي ابراهيم أسير فكر مؤقت وعابر ولا فرق بينه والمجاذيب

 


 

طاهر عمر
5 May, 2024

 

طاهر عمر

عبد الله علي ابراهيم ما زال يعتقد أن بإمكان الدولة أن تكون شمولية أو ديمقراطية وطبعا في طيات النظم الشمولية نجد النازية و الفاشية و الشيوعية و ما أفرزته تجربة الحركات الإسلامية كما رأينا تجربة الحركة الإسلامية السودانية في السودان خلال ثلاثة عقود و كيف كان عبد الله علي ابراهيم متواطئ مع خطاب الحركة الإسلامية السودانية خلال ثلاثة عقود و إطمئنان عبد الله علي ابراهيم الى فكرة أن تجربة الحركة الإسلامية تحسب لها بأنها محاولة لتأسيس دولة دينية آتية من ضعف منهجه و هذا ما يجعل عبد الله علي ابراهيم لا يتحرج من أن يكتب ما يدينه على المدى البعيد في نظر أجيال قادمة ستغربل تجريف عبد الله علي ابراهيم لحقول الفكر.
في الحقيقة عندما ترصد هفوات عبد الله علي ابراهيم و إطمئنانه لما يكتب بلا خوف و لا وجل من أن فكره ضعيف في نظر أجيال المستقبل تجد سببه ضعف منهجه و بسببه ما زال عبد الله علي ابراهيم يعيش حالة إلتباس تغطي بصره بغشاوة تمنعه من رؤية و إدراك مفهوم الدولة الحديثة و إدراك التحول في المفاهيم فيما يتعلق بممارسة السلطة في مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية و ليست دولة ما بعد الإستعمار.
نضرب مثل بإلتباس بمفهوم الدولة الدينية التي يعتبرها عبد الله علي ابراهيم جائزة الوجوب و يمكن أن تكون في مجتمعنا الحديث و عليه لا يتحرج بأن يتواطى مع خطاب الإسلاميين السودانيين و ايمانهم التقليدي هنا يظهر لنا ضعف منهج عبد الله علي ابراهيم مقارنة بمنهج ماكس فيبر و حديثه عن مفهوم الدولة الحديثة و فيها قد أصبح الخطاب الديني غير قادر على لعب أي دور بنيوي على صعد السياسة و الإجتماع و الإقتصاد.
عند ماكس فيبر و هو يتحدث عن زوال سحر العالم أي الايمان التقليدي و زوال سحر العالم قد أصبح فيه الدين بفضل أفكار الإصلاح الديني في مستوى دين الخروج من الدين كما تحدث عنه عالم الإجتماع الفرنسي مارسيل غوشيه في إستلافه من ماكس فيبر فكرة زوال سحر العالم أي أن ظاهرة المجتمع البشري قد تخطت الخطاب الديني المقيّد لأمثال عبد الله علي ابراهيم و عليه مفهوم الدولة الحديثة عند ماكس فيبر تظهر فيه عقلانية الرأسمالية و علاقتها الطردية بين الرأسمالية و الديمقراطية و علاقتها العكسية مع الشيوعية و هكذا يسير نهر فكر ماكس فيبر من منبعه مرورا بإحياء أفكار توكفيل و ديمقراطيته الى أن يصل الى نهاية التاريخ و الإنسان الأخير عند فوكوياما ليصبح عنده أن تاريخ البشرية قد توج بالتاريخ الذي لا يتوج أي تاريخ الفكر الليبرالي كأجود مفسر لظاهرة المجتمع البشري.
و هنا يقبع عبد الله علي ابراهيم في موقف المفضوح لأنه دوما يجيد اللعب في منطقة مظللة يزدهر فيها الفكر المؤقت و العابر فعند ماكس فيبر الشيوعية نتاج لحظة إضطراب فكر و أزمنة مضطربة لذلك لم تقدم غير فكر عابر و مؤقت مثل النازية و الفاشية و فعلا يمكنك الآن أن تسأل أين النازية و الفاشية و الشيوعية؟ و من هنا يمكنني أن أقول لك بعد ثلاثة عقود سيلحق خطاب الكيزان في زواله النازية و الفاشية و الشيوعية لأنه فكر أي فكر الكيزان لا يزدهر إلا كفكر مؤقت و عابر في زمن مضطرب و خاصة أن العالم يعيش في ظلال خيانة أوروبا للتنوير.
على عبد الله علي ابراهيم أن يفرّق بين خيانة أوروبا للتنوير و ما قدمته من أفكار كأفكار الحداثة و أفكار عقل الأنوار و هي وحدها القادرة على فعل القطيعة مع التراث و بعده يكون الإنعتاق من فكر دولة الإرادة الإلهية لأن عالمنا اليوم مبني على قاعدة مجد العقلانية و إبداع العقل البشري لذلك مفهوم الدولة الحديثة عند ماكس فيبر و فوكوياما تجسده ما وصلت لتحقيقه دولة كالسويد في تحقيق معادلة الحرية و العدالة مقارنة بحالة اللا دولة الموجودة في الصومال و لكن في نظر عبد الله علي ابراهيم كله عند العرب صابون.
المهم عندي في هذا المقال هو أن عبد الله علي ابراهيم أسير منهج ضعيف لدرجة تجعله عاجز عن إدراك عقلانية الرأسمالية عند ماكس فيبر و هنا ينفتح لنا الباب لمقارنة عبد الله علي ابراهيم بماكس فيبر حتى يتضح لنا الفرق بينهما و هو أن ماكس فيبر مؤرخ و عالم إجتماع و إقتصادي و قانوني و عبد الله علي ابراهيم لا يمكن أن تجد له وصف غير أنه مؤرخ تقليدي في كل كتاباته غابت النظريات الإقتصادية و أفكار تاريخ الفكر الإقتصادي و نظريات النمو الإقتصادي و هذا ما يجعل عبد الله علي ابراهيم يساوي بين النظم الديمقراطية و النظم الشمولية ففي نظره لا فرق بينهما و هذا هو الفرق بينه و ماكس فيبر في مفهوم الدولة الحديثة.
عند عبد الله علي ابراهيم لا فرق بين الوضعية في وثوقياتها و حتمايتها عند سان سايمون اوجست كونت و ماركس و دوركهايم و ماكس فيبر و لكن في حقيقة الأمر هناك فرق بينهم و خاصة فيما يتعلق بعقلانية ماكس فيبر التي إستخلصها من فكر النظريات الإقتصادية و هنا يأتي دور الشرط الإنساني الغائب من أفق عبد الله علي ابراهيم الفكري.
المهم في الأمر حالة الإلتباس في المفاهيم المسيطرة على فكر عبد الله علي ابراهيم كانت في أوروبا موجودة وسط مفكرين كثر مثلا مارتن هيدجر و قد تورط مع النازيين و هذا ما حيّر كثير من المفكريين الى اليوم في أمره أي كيف مفكر و فيلسوف بعظمة مارتن هيدجر يقع في ظلال الفكر النازي؟ كفكر شمولي نتاج إضطراب و لا يزدهر إلا في زمن عابر و مؤقت كالشيوعية و النازية و الفاشية و في زمننا الراهن في فكر الكيزان.
و حتى في أوروبا الغربية ظهرت أفكار فلاسفة ما بعد الحداثة و أيضا كانوا في حالة إلتباس فكري فيما يتعلق بمفهوم الدولة الحديثة و مفهوم ممارسة السلطة في المجتمعات الحديثة بل كانوا يساون بين النظم الديمقراطية و النظم الشمولية مثلهم مثل عبد الله علي ابراهيم و لكن الفرق بين فلاسفة ما بعد الحداثة و فكرهم في أوروبا فقد تصدى لهم فلاسفة و قدموا نقد لأفكار ما بعد الحداثة مما جعلهم يتراجعون عن فكرة مساواتهم بين النظم الديمقراطية و النظم الشمولية كحالة عبد الله علي ابراهيم اليوم فمن يتصدى له و هو البارع في الإزدهار في زمن العابر المؤقت و قد رأينا تماهيه مع الكيزان و كيف كان يتغنى طربا و فرحا بزيارة السائحين و الدبابين له و قد غنى حبايبي الحلوين أهلا جوني و أنا ما قايل سايحيين زي ديل بزوروني. و كذلك غنى عبد الله علي ابراهيم كلام الحب كله قلتوه بس كلامي أنا الما عرفتوه و يقصد علاقته و تواطؤه مع الكيزان في فكرهم العابر و المؤقت.
ففكر عبد الله علي ابراهيم هو فكر يساوي بين النظم الشمولية و النظم الديمقراطية كما كانت أفكار فلاسفة ما بعد الحداثة و كما قلنا أفكار ما بعد الحداثة تصدى لها فلاسفة كثر و أجبروهم على التراجع و كساد الفكر و غياب النقد في السودان جعل عبد الله علي ابراهيم مطمئن لأفكار ما بعد الحداثة حتى اليوم و هذا هو الفرق بين مجتمعنا السوداني التقليدي و مؤرخه التقليدي أي عبد الله علي ابراهيم و الفرق بينه و المجتمعات الحديثة و قد أجبرت فلاسفة ما بعد الحداثة على التراجع و شتان ما بين عبد الله علي ابراهيم و ميشيل فوكو و لكن غياب النقد وسط النخب السودانية يجعل عبد الله علي ابراهيم و كأنه البلاد أم سعد لا يقرب منها أحد.
على العموم عبد الله علي ابراهيم يقدم حالة يمكن دراستها من بين النخب السودانية و هو غير قادر على مفارقة أفكار المجتمعات التقليدية و بالمناسبة حالة مساوات عبد الله علي ابراهيم بين النظم الديمقراطية و النظم الشمولية يمكن أخذها كمؤشر لكيفية تطور الأفكار و هي لا تبشر بخير لأنها أي هذه المؤشرات التي تشجع عبد الله علي ابراهيم ليبث أفكاره المتأخرة عن أفكار العالم المتقدم بنصف قرن تدل على أن المسافة الزمنية بين المجتمعات الحديثة و مجتمعنا السوداني التقليدي تقدر بنصف قرن و عليه أن مسألة التحول في المفاهيم وسط النخب السودانية يحتاج لزمن طويل و خاصة في غياب التفكير النقدي و سيطرة الوثوقيات و الحتميات وسط النخب السودانية من أقصى اليسار الرث الى أقصى اليمين الغائص في وحل الفكر الديني.
فكر النازية و الفاشية و الشيوعية كفكر مؤقت و عابر كلف أوروبا دم و عرق و دموع و عليه أن خطاب الايمان التقليدي و تواطؤ أمثال عبد الله علي ابراهيم معه بل ما زال يعتقد بأن الدولة يمكنها أن تكون دولة دينية مؤشر على كساد فكر الفكاك منه مكلف جدا و يحتاج لزمن طويل فنحن ما زلنا في مجتمع تقليدي يشيّع فيه موتى الشيوعين السودانيين بنوبة الصوفية و هنا يصبح لا فرق بين عبد الله علي ابراهيم و الشيوعي السوداني و المجاذيب.
حالة عبد الله علي ابراهيم كمؤرخ تقليدي يعالجها وصف ابن خلدون للمؤرخيين التقليديين و وصفهم بأنهم مقلدون بلداء الطبع و العقل و يغفلون عما يحدث في التاريخ من تغيّر مستمر و يستمر ابن خلدون في وصفهم و يقول فيجلبون الأخبار عن الدول و حكايات الوقائع في العصور الاول صورا قد تجردت عن موادها و صفاحا أنتضيت من أغمادها و هذا ينطبق على عبد الله علي ابراهيم و يظهر في مساواته بين الدولة الدينية و الدولة الحديثة.
نقد ابن خلدون للمؤرخيين البلداء كحالة عبد الله علي ابراهيم نجده يتطابق مع رأي كلود ليفي اشتروس عن سارتر في دفاعه عن الشيوعية كنظام شمولي حيث نجد كلود ليفي اشتروس يصف سارتر بأنه يجهل علم الإجتماع و هذا سبب دفاعه عن الشيوعية كنظام شمولي بغيض و لا يقل جهل عبد الله علي ابراهيم عن جهل سارتر فيما يتعلق بعلم الإجتماع. و في غياب النقد في الساحة السودانية يظل عبد الله علي ابراهيم رغم بؤس فكره مبجل و مقدس و لا يجوز نقده و السبب لأن توضيح نقاط ضعف عبد الله و جهله بعلم الإجتماع و جهله بالنظريات الإقتصادية و تاريخ الفكر الإقتصادي تكشف معه جهل كثير من المفكرين السودانيين بهذه الحقول الفكرية و أدبياتها لهذا يسكتون و يعم الصمت عن هفوات عبد الله علي ابراهيم لأن صمتهم فيه حمياتهم حيث لا ينكشف جهلهم بعلم الإجتماع و النظريات الإقتصادية و تاريخ الفكر الإقتصادي و فوق كل ذلك معرفتهم بالشرط الإنساني الذي لا يسمح بإزدهار أحزاب أتباع المرشد و الامام و الختم و الأستاذ الشيوعي الذي ينسب له الحزب الشيوعي السوداني في نسخته السودانية المتكلسة.
في ختام هذا المقال نقول لعبد الله علي ابراهيم حالة كساد الفكر في غياب النقد و مشاريعه النقدية تصب لصالحه فيمكنه أن يستمر في تواطؤه مع خطاب الإسلام السياسي و في مساواته بين النظم الشمولية و النظم الديمقراطية لأن حالة الفكر و رياحها تسير بإتجاه ما يريده إلا أن مداها في الزمن قصير في أحسن الأحوال لا يتخطى مدى ديناميكية إقتصادية لا يتجاوز مداها الثلاثة عقود و بعدها سيكون حال العالم العربي و الإسلامي التقليدي غير و سيكون فكر عبد الله علي ابراهيم امام الرياح هباء في نظر أجيال آتية من جهة المستقبل البعيد.
و نذكر من المفارقات العجيبة أن كثير من فلاسفة أوروبا و علماء إجتماعها و اقتصادييها و نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر عمانويل تود و ريجيس دوبريه و مارسيل غوشيه يقولون أن كل المؤشرات تقول أن حالة العالم العربي التقليدي مسألة زمن لا غير و ستلحق بالمجتمعات الاوروبية و حينها يسهل التفريق بين النظم الشمولية و النظم الديمقراطية بكل سهولة و يسر و توافقهم على قولهم نظريات النمو الإقتصادي و حينها لا تعمل غير معادلة الحرية و العدالة فاذا نجحت السعودية في التحول في اقتصادها بفضل مشروع 2030 ستكون علاقتها بالديمقراطية طردية و لا مخرج لها غير الإصلاح السياسي على المدى البعيد لأن علاقة الديمقراطية طردية مع الرأسمالية و التحول الرأسمالي في السعودية.
فحتى السعودية و هي تساعد مع دول الخليج مصر لتخرج من إختناقاتها الإقتصادية كما رأينا مليارات رأس الحكمة و ستتبعها مليارات سعودية ستفتح على تطور رأسمالي في ظل أزمة حكم تسلطي يريد السيسي تأسيسه في مصر و لكن حينها للتطور الرأسمالي حكمه و حينها ستصحى مصر على كوابيسها على مدى الثلاثة عقود القادمة فالتغيير لا محالة قادم و من يقفل أبواب التاريخ الأمامية سيتفاجا بإنفجارات أبواب التاريخ الخلفية و هذا ما ينتظر مصر و السعودية و دول الخليخ في الثلاثة عقود القادمة.

taheromer86@yahoo.com

 

آراء