Two Reviews of the book: “Starvation and the State: Famine, Slavery and Power in the Sudan, 1883 - 1956
تقديم: هذه ترجمة عرضين لكتاب "الجوع والدولة: المجاعة والرق والسلطة في السودان بين عامي 1883 – 1956م"، الذي نشره الدكتور ستيفن سيرلس Steven Serels المؤرخ الاقتصادي والبيئي بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد الأمريكية، في عام 2013م. والعرض الأول هو للأستاذة الدكتورة هيذر شاركي Heather Sharkey من جامعة بنسلفانيا الأمريكية. وقد نشر هذا العرض عام 2014م في العدد السابع والأربعين من المجلة الدولية للدراسات التاريخية الأفريقية (IJAHS). وللكاتبة عدة كتب ومقالات عن السودان ومصر منها كتاب "العيش مع الاستعمار: الوطنية والثقافة في السودان الإنجليزي المصري"، وكتاب "الإنجيليون الأمريكيون في مصر"، و"الهوية والمجتمع في الشرق الأوسط المعاصر"، و” تاريخ الصحافة العربية في السودان". أما العرض الثاني فهو للدكتورة ستيسي هولدن Stacy E. Holden من جامعة بيردو الأمريكية. وقد نشر عام 2015م بالمجلة التاريخية الأميركية (American Historical Review) في عددها رقم 120. ولدكتورة هولدن كتاب عنوانه "سياسة الغذاء في المغرب The Politics of Food in Modern Morocco" وعدة مقالات في مواضيع متفرقة عن العالمين العربي والإسلامي. المترجم ****** ******* ******** ****** 1. العرض الأول بقلم الأستاذة الدكتورة هيذر شاركي كان ونستون تشرشل مرافقا لحملة الغزو البريطاني – المصري (1896 – 1898م) على السودان، ونشر عنها كتابه الشهير "حرب النهر". قد عزا تشرشل في ذلك الكتاب هزيمة بريطانيا الماحقة لجيوش المهدي إلى تفوق الأسلحة البريطانية. وأكد عدد من المؤرخين المتأخرين ما قاله تشرشل بخصوص أسباب انتصار بريطانيا. غير أنهم أضافوا سببا آخر لتلك الغَلَبَة، ربما كان من شأنه أن يقلل من الزهو المفرط بذلك النصر الذي كان سببه التفوق التكنلوجي. وقدم ستيفن سيرلس في كتابه عن "الجوع والدولة" تحليلا لتاريخ بريطانيا السياسي والعسكري بالسودان من منظور المجاعة وانعدام الأمن الغذائي، والذي فسر به انتصار بريطانيا على جيوش المهدية تفسيرا يختلف عن تفسير ونستون تشرشل. فقد ذهب ستيفن سيرلس إلى أنه على الرغم من تفوق أعداد جنود الأنصار، وامتلاكهم للسلاح، إلا أنهم خسروا معاركهم مع الجيش الغازي لأنهم كانوا يكابدون سوء التغذية أو الهُزَالُ أو الجوع الشديد. فعلى سبيل المثال كان جنود المهدية في معركة أتبرا (1898م) في حالة بائسة من السَغَب بعد أن اكتسحت المجاعة البلاد، مما اِضطَرَّ قادتهم إلى ربطهم بالسلاسل في الخنادق حتى لا يفروا من أرض المعركة. وبعد انتصار الغزاة في معركة أم درمان الأخيرة في نهاية ذلك العام، وقف من نجا من الموت في صفوف طويلة لتلقي ما كان يوزعه البريطانيون عليهم من ذرة مأخوذة من صوامع الدولة المهدية (صفحتي 104 و105). ويبحث كتاب "الجوع والدولة" في مسألة الظروف والأحوال التي أفضت إلى المجاعات فيما يعرف الآن بجمهورية السودان (أي السودان الشمالي الآن) في أعوام 1887 – 1889م (مجاعة 1306هـ)، و1896م و1914م، ثم مرة أخرى في 1918 و1919م. وأعتمد المؤلف في بحثه على عدد كبير من المصادر والوثائق في مظانها بلندن والخرطوم ودرم. وخلص المؤلف إلى أن هنالك أربعة عوامل اجتمعت معا لتفاقم من أزمة انعدام الأمن الغذائي هي: حالة انعدام الاستقرار بسبب الحروب، ونقص الأيادي العاملة (أيضا بسبب الحرب)، والضغوط البيئية (مثل وباء الطاعون البقري في عام 1889م، وانخفاض فيضان النيل في عام 1914م)، وأخيرا، المعالجات والمناورات السياسية، خاصة التي حدثت في أوساط المتنفذين من البريطانيين قادة التكتيك العسكري، وقادة المهدية في ثمانينات وتسعينيات القرن التاسع عشر)، والذين حولوا كل المنتجات الغذائية في تلك الأعوام لفائدة الحلفاء أو الجيوش، أو حرموا عددا كيرا من السكان من مصادر الغذاء حتى تسهل السيطرة عليهم. فعلى سبيل المثال كان الجنرال كتشنر (ممثلا لجيش مصر المحتلة من بريطانيا، الذي كان يخفر البحر الأحمر في تلك السنوات) قد سمح للمجاعة التي اجتاحت شرق السودان بالاستمرار بمنعه استخدام ميناء سواكن لجلب الغذاء للسودان حتى يضعف من قبضة الحكم المهدوي في البلاد. وذكر المؤلف في صفحة 82 من كتابه: "وبالإضافة لفرضه حظرا على تصدير الذرة من الهند والعراق للسودان عبر البحر الأحمر في غضون أيام تلك المجاعة، دبر كتشنر أيضا مقتل آلاف الثوار السابقين الذين لجأوا من .... المجاعة للمعسكرات البريطانية قرب نقاط دفاع سواكن". ولعل أكثر أجزاء الكتاب روعةً وجذبا هو ذلك الجزء الذي تناول مسالة الرق؛ ولا غرو، إذ أن غالب الفترة التي تناولها المؤلف في كتابه (1883 – 1956م) كانت قد شهدت تشغيل الرقيق في مختلف الأعمال الزراعية والمنزلية وغيرها في كل المناطق النيلية من الخرطوم شمالا. ومع تقدم جنود المهدية في مناطق السودان الشمالية فر كثير من السكان (ومعهم المسترقين) إلى مصر. وما أن أتى عام 1896م حتى تناقص عدد سكان دنقلا وما حولها من القرى بنسبة 75% مقارنة بعددهم عام 1885م. وأفضى ذلك إلى توقف عمل السواقي التي كانت تروي الأراضي الزراعية، والتي كان يقوم عليها أولئك المسترقون. وأدى ذلك، كما هو متوقع، للمجاعة في تلك المناطق. وبعد انتصار الغزو البريطاني – المصري، اتفق واضعو السياسة البريطانية مع مالكي الأراضي الزراعية على أن عمل أولئك المسترقين ضروري لإحياء تلك المناطق الزراعية. ومعلوم أن الإدارة البريطانية هي من اخترعت خرافة أن غزوهم للسودان قد أنهى الرق بالبلاد ومنع الاتجار فيه (وهي خرافة صممت للتسويق في أوساط الراي العام البريطاني المحلي)، بينما كان نظامهم في الواقع قد سمح لتجارة الرقيق بالاستمرار، بل بوتيرة أسرع. وتوصل مؤلف هذا الكتاب إلى أن عدد المسترقين في حوالي عام 1914م كان يقارب عددهم في ثمانينات القرن التاسع عشر (التي يعدها المؤرخون هي السنوات التي بلغ فيها عدد المسترقين حده الأقصى)، الذي بلغ نحو ثلث عدد سكان السودان الشمالي. (ذكرت بعض المصادر التاريخية، خلافا لما ذُكر أعلاه، أن الاستعمار أجبر ملاك المسترقين على تشغيل رقيقهم (المحررين) في نفس أعمالهم الزراعية السابقة، ولكن بمرتبات معلومة وثابتة. يمكن النظر أيضا لمقال روبرت كولنز المترجم بعنوان "من تاريخ الرق في السودان" المترجم). ولم يتوقف الاسترقاق بالبلاد إلا بعد منتصف عشرينيات القرن العشرين، بعد ورود تقارير صحفية عن استمرار الاسترقاق في السودان، مما دعا عصبة الأمم للضغط على النظام الثنائي (الإنجليزي – المصري) للتوقيع على اتفاقية منع الرق عام 1926م (وافقت حكومة السودان أيضا عام 1930م على التوقيع على ما أصدرته منظمة العمل الدولية من تشريعات دولية تحرم أعمال السُّخْرَة، والتشريعات الأخرى التي تمنع الإتجار بالنساء والأطفال. المترجم). وأدخلت في عشرينيات وثلاثينات القرن التاسع عشر المضخات الآلية (الطلمبات)، والتي جعلت من العمل اليدوي في السواقي غير ذي جدوى. وقد يلاحظ القارئ لهذا الكتاب أن مؤلفه يعطى البريطانيين الذين لعبوا أدورا في السودان نفوذا وقوة ربما كانت أكبر مما يستحقونه، رغم تصويره لهم كأشرار "bad guys". ويسوغ المؤلف ابتداء كتابه بما سماه "نمط انعدام الأمن الغذائي المتكرر والمستمر لعدة أجيال" في ثمانينات القرن التاسع عشر بقوله إن "الحكم البريطاني للسودان بدأ في نهاية ثمانينات القرن التاسع عشر على الحدود السودانية – المصرية، وعلى ساحل البحر الأحمر" (صفحة xviii). وباختيار الكاتب لبدء كتابه من نهاية ثمانينات القرن التاسع عشر يكون قد استبعد تماما فترة الحكم التركي – المصري من تاريخ انعدام الأمن الغذائي في السودان – رغم أن تدخلات ذلك النظام في الإنتاج الزراعي بالسودان بدءً من عشرينيات القرن التاسع عشر قد ساهمت بلا شك في تغيير الاقتصاد السوداني، وأجبرت المزارعين السودانيين على زراعة محاصيل نقدية لا تؤكل (مثل القطن ونبات النّيْلَة) عوضا عن نباتات الغذاء. وكذلك نسب المؤلف للبريطانيين نفوذا أعظم ودورا أكبر مما قاموا به فعلا بالتدخل في الصراعات الأهلية بين السودانيين المسلمين في غضون سنوات عهد المهدية (نحو عام 1881 – 1898م) جريا على القاعدة البريطانية المشهورة "فرق تسد" (صفحة 56). غير أنه كان للمسلمين السودانيين في الواقع أسبابهم القوية الخاصة بهم عندما قاموا بالتحارب في تلك الفترة، وكانت تلك الصراعات تعكس آرائهم المتباينة حول السلطة الإسلامية الدينية وطرق ممارستها، ولم تكن صراعاتهم الداخلية مجرد تنافس عشائري محض. وأخيرا، أرى أن وصف المؤلف المتكرر في كتابه للحركة المهدية، ودولتها وعهدها بـ "التمرد المهدوي" فيه تقليل من الأهمية والنفوذ المحلي لنظام / مشروع المهدية Mahdist enterprise، ولا يعدها إلا مجرد فترة فاصلة بين عهدين أجنبيين استعماريين. لقد تناول ستيفن سيرلس في كتابه هذا تاريخا معروفا سبقه الكثيرون في عرضه وتحليل أحداثه، إلا أنه أفلح في تناوله من زاوية جديدة تتعلق بالمجاعة وانعدام الأمن الغذائي، وذلك بربط الجوانب التاريخية المتعلقة بالبيئة والزراعة والتكنلوجيا والعمل مع التاريخ الحربي والعسكري. وكانت نتيجة ذلك الجهد الأكاديمي هذا العمل الطازج الباعث على التفكير. قد لا يوافق المرء على كل ما توصل إليه المؤلف من نتائج، ولكن مما لا ريب فيه هو أن المؤلف قد نجح في تقديم حجج قوية مفعمة بالحياة ستثير النقاش بين المهتمين بتاريخ السودان. ***** ***** ***** ***** 2. العرض الثاني بقلم الدكتورة ستيسي هولدن
سرد ستيفن سيرلس في كتابه هذا تاريخ السودان السياسي الحديث من منظور الأمن الغذائي. ويقع السودان جغرافيا في نطاق طولي معروف بوضعه الخطر بيئيا، وذلك بسبب قلة وعدم انتظام هطول الأمطار فيه بكميات تسمح بزراعة المحاصيل الغذائية بوفرة تكفي كل السكان. غير أن المؤلف يسارع بالتأكيد على أن الفترات المتطاولة المستمرة التي حدثت فيها قلة حادة في الطعام بالسودان لم تكن كلها بسبب شح الأمطار، الذي أفضى لقلة المحاصيل الزراعية. وكرر الكاتب في أكثر من موضع في كتابه بأن الظروف البيئية لم تكن السبب الأوحد في أزمة الطعام بذلك القطر الواقع في شرق أفريقيا. وتتبع المؤلف تاريخ ظهور السودان الحديث منذ الثورة المهدية (في نهايات القرن التاسع عشر) حتى عام الاستقلال، وتناول سياسيات الإداريين البريطانيين والنخبة المحلية عبر خمسة وسبعين عاما، وتوصل إلى أنه "كان للمجاعة وانعدام الأمن الغذائي أدورا مهمة في عملية خلق دولة السودان الحديث" (صفحة xviii). وهذا أمر مقنع إلى حد كبير. وتعد "دراسة الحالة" هذه إضافة مقدرة لكم هائل من الدراسات الحديثة التي تناولت ارتباط الدولة والمجتمع في "هرم توفير الأغذية". فمن المفترض أن توفير الحد الأدنى من الغذاء بتكلفة يمكن لكل السكان دفعها هو من أول واجبات الحكومات على مر العصور، وفي كل الأماكن. وذهب مؤلف هذا الكتاب في مناقشته لمسألة "سياسة المجاعة" (صفحة 180) إلى أن الذين كانوا يسيطرون على الطعام في السودان – سواء أكانوا من الإداريين البريطانيين أو النخب السودانية - قاموا في كثير من المواضع بمنع الكثيرين من الوصول إليه. وفي هذه النقطة يختلف السودان كثيرا عن المغرب – في عصريه السلطاني والفرنسي الاستعماري – وعن دولة الخلافة العثمانية كذلك، حيث كان الحكام في هاتين الدولتين يحرصون على توزيع الطعام للفقراء والمحتاجين من أجل تقليل فرص وأسباب ثورتهم عليهم. أما في السودان، فقد استخدم الاستعمار البريطاني الطعام كسلاح، ومنعه عن بعض السكان لفرض المزيد من السيطرة على الموارد المحلية، وتبعتهم في تلك السياسة فيما بعد النخبة الصفوية السودانية. ويقدم مؤلف هذا الكتاب لقرائه جوانبا هامة وصورا حية عن تجارب معاشة للسودانيين، إلا أن المؤلف يسارع بالقول بأن ما سطره من معلومات كان مستمدا من وثائق المستعمرين الأجانب وحدهم. فعلى سبيل المثال وصف المؤلف بدقة كبيرة دور السواقي في الزراعة بشرق أفريقيا، ودور التكنلوجيا الهيدروليكية (المائية) في تنظيم الاقتصاد السياسي بالسودان في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين (صفحات 14 – 15). وقام المؤلف، بناءً على سجلات الضرائب التي جُمعت من تلك السواقي، باستنتاج احصائيات عن السكان (صفحة 14)، وحصر حتى عدد المسترقين الذين كانوا يعملون فيها بكل منطقة من مناطق الشمال (صفحة 122). ولأعداد المسترقين هنا فائدة خاصة، نسبة لأن غالب الإداريين البريطانيين كانوا يخفون أو يبهمون سياستهم المناصرة للرق في السودان. وتتبع المؤلف بدقة كبيرة وحرص شديد طرق اتخاذ القرارات في العهد الاستعمار البريطاني، وحصرها وحللها، وتوصل إلى أن تلك السياسة كان تنبع وتنفذ من قبل الإداريين البريطانيين بالسودان، وليس من الساسة البريطانيين بلندن. وأوضح المؤلف أيضا أن الإداريين البريطانيين العسكريين (غالبا في سنوات الاستعمار الباكرة. المترجم) كانوا كثيرا ما يحتجون ويعارضون ولا ينفذون السياسات التي توضع في لندن. فعلي سبيل المثال قام اللورد سيء السمعة كتشنر بتحدي الأوامر التي صدرت إليه من رؤسائه، وعمل على تجويع من تمردوا عليه لإجبارهم على الاستسلام (صفحتي 69 و80). وأدت سياسة التجويع التي فرضها كتشنر في نهاية المطاف إلى هزيمة جيش المهدية في موقعة أتبرا، حيث قتل البريطانيون 11,000 من المحاربين، وأسروا 38,000 منهم (صفحة 105). ومع تقدم سرد الكتاب زمنيا إلى العهد الوطني، جعل المؤلف يغطي حوادث سنوات أكثر في صفحات أقل. فالفصول الخمسة الأولي تغطي أعوام 1883 إلى 1913م في نحو 120 صفحة. وأتاح ذلك التوسع الفرصة للكاتب كي يتوسع في سرد تفاصيل دقيقة عن تلك الفترة وسياساتها. غير أن الفصلين السادس والسابع (وهما يتناولان حوادث 43 عاما) جاءا في 44 صفحة فقط. ولم يتح هذا للمؤلف بالطبع فرصة للتوسع في هذين الفصلين لإعطاء سياقات للزمن ولا للشخصيات التاريخية التي لعبت أدوارا مهمة في تلك الفترة. لذا سيفتقد القارئ في الفصلين السادس والسابع عن سودان ما بعد الحرب العالمية الأولى تلك التفاصيل الدقيقة التي وجدها في الفصول الخمسة الأولى. ويظهر غياب التفاصيل بصورة أشد في فصل الكتاب الأخير (المكون من 14 صفحة فحسب)، والمعنون "انعدام الأمن الغذائي والانتقال إلى الاستقلال في سنوات 1940 – 1956م). وكان ينبغي على المؤلف التوسع في هذا الفصل بالذات، خاصة في مسائل عديدة، ومن مصادر مختلفة مثل المصادر الشفاهية، حتى يتلمس آراء الذين خاضوا فعليا معارك متنوعة لنيل الاستقلال، أو كانوا من صناع أحداث تلك السنوات بطريق أو آخر، وأيضا مما في ورد في صحف تلك الأيام. واستخدم المؤلف كلمة "نخبة" عشر مرات في صفحة واحدة دون أن يقدم تعريفا محددا لها (صفحة 175). وكم كنت أود أن أعلم المزيد عن أولئك النخبة السودانية (التي لم يتفضل المؤلف بذكر اسم أي واحد من أفرادها)، خاصة وأنهم قد تسنموا قيادة بلادهم، ولكنهم واصلوا وداوموا (بحسب رأي المؤلف) في استخدام ذات السياسة الاستعمارية السابقة، التي كانت تستخدم حظر الوصول للطعام كوسيلة للسيطرة. وعلى الرغم مما ذكرته أعلاه، فيمكن القول بأن المؤلف قد نجح بالتأكيد في إنجاز هدفه الذي حدده في صفحة xviii وهو إيضاح أن "إرث أواخر القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين لا يزال يؤثر على الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية في السودان". وهذا الكتاب مفيد جدا ومرحب به بالتأكيد من أجل استكشاف "سياسة تكوين الدولة" عن طريق انتاج واستهلاك الطعام. وهو أيضا كتاب مفيد للمهتمين بتاريخ أفريقيا، ولمن لهم اهتمام عام أيضا بالتكوين الحديث للدول، وبما يعرف بسياسات الطعام foodways (أي الممارسات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بإنتاج الطعام واستهلاكه).