عرض كتاب: سياسة التمييز الإثني في السودان، وتداعياتها على انفصال جنوب السودان للدكتور ضيو مطوك (4)

 


 

 


د. قاسم نسيم

موصلة لما أسلفنا نقول: انتقل المؤلف إلى الفصل الثالث: الذي حمل عنوان دور الحكومات الوطنية المتعاقبة في العلاقات بين قبيلتي دينكا ملوال والرزيقات: فقال: إن الحكومات الوطنية ركزت على تعريب وأسلمة السودانيين الجنوبيين، وتحقيق الوحدة الوطنية من خلال العروبة والإسلام- خلافا لما قام به المستعمر- فناشدت السلاطين بتغيير أسمائهم واعتناق الإسلام وإلزام تدريس اللغة العربية في المدارس، وطرحت الجلابية والتوب كزيِّ وطني للذكور والإناث على التوالي، إضافة إلى منع المسيحيين من الزواج بالمسلمات وإجبار غير المختونين على الختان، ليقول بعد قليل: إن هذه المعاملة السيئة عملت على تصعيد التمرد، وهجرة الجنوبيين إلى شرق إفريقيا ودول أخرى في السعي للحصول على سلاح، وأقول إن هذا الأعمال التي قامت بها الحكومات السودانية الوطنية تكشف عن جهل بالإسلام قبيح، فالإسلام لا يلزم معتنقه تغيير اسمه، ولم يغير الرسول (ص) أسماء من دخلوا الإسلام من العجم، إذن فالقضية كانت تعريب أكثر منه دعوة، أما قضية الزواج بين الأديان فشأنٌ ديني وكل صاحب عقيدة يلتزم بأحكام عقيدته دون تدخل الدولة، لكن نجد مندوحة في المذاهب الحداثية الإسلامية في هذا الشأن، إلا أنني لا أجد هذه المساحة مناسبة لتناول آراء تلك المذاهب وتخريجاتها.

يذكر المؤلف أن السياسة التي تبنتها حكومة الأزهري (1953) ركزت على سودنة المؤسسات في البلاد، ويقول إن استبدال الإداريين الشماليين نظرائهم المستعمرين بما في ذلك استبدال اللغة الإنجليزية باللغة العربية، ومطالبة الإرساليات بالمغادرة، فاعتبر الجنوبيون السودنة استعمارًا جديدًا، ونتيجة لذلك اندلع تمرد توريت 1955 نتيجة لتطبيق سياسات السودنة وانتشار الشائعات حول نقل القوة العسكرية الموجودة في الاستوائية إلى الشمال، فنشأت مطالبة الجنوب بالحكم الفدرالي، الشيء المهم الذي نكتشفه ونحن نقرأ حديث د. ضيو هو أننا يمكن أن نقرأ مطالبات الأحزاب اليمينية منذ الاستقلال بالشريعة الإسلامية في سياق سعيها السياسي لحل قضية الجنوب أكثر منه دعاوى حقيقية لإقامة الدين، فالشريعة قصد منها التعريب في سياق لا يفرق بين الدين والثقافة، أو يفعل ذلك قصدًا.

يمضي المؤلف ليقول : سقطت حكومة الأزهري نتيجة لمؤامرات بين حزبه الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة، وقام نظام عبود العسكري وقد مضى في سياسة تعريب وأسلمة الجنوب وطرد الإرساليات، وهنا نرى أنه ما كان لتقلب الحكومات بين عسكرية ومدنية فرق في اتجاه قضية الجنوب، فالسياسات واحدة. وفي كلامه عن حكومة ثورة أكتوبر يقول: اتخذت الحكومة الانتقالية التي سيطرت على البلاد بعد ثورة أكتوبر- وكانت يسارية- سياسات أثرت سلبًا على مجتمع دينكا ملوال والرزيقات بطريقة غير مباشرة، فقد اتخذت الحكومة إجراءات ضد الإدارة الأهلية معتبرة إياها مؤسسات استعمارية، وأعلنت الحرب ضدها وحلت كل الإدارات الأهلية، وهذا فعل يكشف سطحية الحكومات المتعاقبة على البلاد في تناولاتها لقضايا البلاد.

وعن حكومة الديمقراطية الثانية ذكر أنها تسببت في مزيد من سفك الدماء في الجنوب، حيث منحت قوات الأمن حرية التصرف، وسعيًا وراء هذا الهدف نفذت المذابح في جوبا وواو ومدن كثيرة أخرى وهرب كثير من الطلاب والمثقفين من البلاد وانضموا إلى التمرد، وهذه العمليات تؤكد قولنا السابق في ثبات منهجية حكومات المركز تجاه قضية الجنوب مهما تقلبت بين مدنية وعسكرية أو ديمقراية ودكتاتورية، أما فيما يتعلق بموضوع الإدارة الأهلية فيقول المؤلف إن حكومة الصادق المهدي (1966) لم تستحسن قرار تجميد الإدارة الأهلية، وذلك لأن رجالات الإدارة الأهلية كانوا من قياداتها المحلية، لا لسبب وطني آخر.

وعن حقبة مايو يذكر المؤلف أن قرار تجميد الإدارة الأهلية سنة 1970 انعكس سلبا على دورها مما زاد من وتيرة الصراعات على الموارد إذ إن خبرات من تولوا الشأن مكان رجالات الإدارة الأهلية كانت ضعيفة جدًا، وتطرق لدور نميري في الصراع بين دينكا ملوال والرزيقات فذكر أن النميري بدأ بتوفير السلاح للرزيقات لاحتلال مناطق دينكا ملوال، فوفرت قوات الأنيانيا في حامية ميثانق الأسلحة لأبناء شعبهم.

يقول الكاتب إنه بعد الإطاحة بجعفر النميري ، وتولي الفريق سوار الذهب مقاليد السلطة الانتقالية، كان من ضمن أعضاء المجلس الانتقالي اللواء فضل الله برمة ناصر، الذي استخدم منصبه لتسليح الرزيقات والمسيرية في نية واضحة لاحتلال أراضي الدينكا، فصارت سياسة امداد الرزيقات والمسيرية بالسلاح سياسة ذات صبغة مؤسسية، واستطرد أنه لسوء الحظ تم تعيين اللواء فضل الله برمة ناصر مرة أخرى وزير دولة بوزارة الدفاع في عهد الصادق المهدي، في الديمقراطية الثالثة، واعتبر أن هذا التعيين كان استمرارا للخطة المبدئية في خلق تشريد ونزوح جماعي هائل وإبادة للدينكا ـ وأكد أن تعيين برمة صاعد الصراع إلى حرب اتخذت أبعادًا مختلفة من مجرد التنافس التقليدي على الموارد بأسلحة تقليدية إلى حرب منظمة بمشاركة الجيش الوطني من الجانبين ، وأقول إن ما يؤكد مقولات المؤلف، مآلات الحاضر من تمدد لقوات الدعم السريع الناشئة من ذات الحاضة، وعقِّها لجيشها ومحاولاتها هضمه، بعد أن رضعت منه واستقوت بدعمه لها.

وينتقل ليصل بنا إلى حكومة الإنقاذ فيصف المؤلف أولًا الموقف العسكري للجيش السوداني في جنوب السودان قبل انقلاب عمر البشير بالضعف حيث ذكر أن الحركة الشعبية كانت مسيطرة سيطرة شبه كاملة على الجنوب وبعض مناطق الشمال، وذكر أن حكومة البشير طرحت مبادرة السلام من الداخل، وركزت على تقوية الجيش، وتحويل الحرب إلى حرب جهادية وإجازت قانون الدفاع الشعبي والخدمة الإلزامية وسلحت المليشيات القبيلة، وذكر أن المهمة التي كلفت بها مليشيات المسيرية والرزيقات هي دحر وسحق الحركة الشعبية في شمال بحر الغزال، وتلقت لذلك دعما وتسهيلات  وتعويضات على خسائرها، لكن المؤلف يقول إن الرزيقات والمسيرية لم يحفزهم الجهاد هذا، إنما كانوا يسعون وراء السلب والنهب والاختطاف، مما يؤكد أن الصراع ليس دينيا، وساق استشهاداته على زعمه. وهذا يؤكد لنا قوله فيما مضى أن الحرب لم تكن دينية وأن الإسلام السوداني كان يتجنب الخوض في قضايا السياسة. وأورد أن كثيراً من دوائر حقوق الإنسان اعتبرت استخدام القطار من قبل المراحيل تورطًا مباشرًا من الحكومة في اختطاف النساء والأطفال، وذكر أن الأطفال الذين تم اختطافهم  في أعمار مبكرة  أصبحوا جزءً من قوات المراحيل، وتحدث عن عمليات خطف واسعة للنساء والأطفال أخذوا إلى مدينة الضعين عبر الجيش وقوات المراحيل، وقال إن الدعم والتسهيلات التي وجدها المراحيل من الحكومة تبرر الاتهامات بأن الحكومة كانت وراء أنشطة هذه المليشيات، ولما كثرت اتهامات وكالات حقوق الإنسان  على الحكومة بارتكابها اتهاكات حقوق انسان ألقت الحكومة باللائمة على المراحيل.سرد المؤلف تطور قضية الاختطاف/ الرق حتى تدخل الاتحاد الأوربي وتوصل مع الحكومة إلى الاتفاق على الإجراءات التي يجب اتخاذها للقضاء على الممارسة ، بداية بتكوين لجنة القضاء على خطف الأطفال والنساء سنة 1999، وتطرق الدكتور لبرنامج إعادة لم شمل الأطفال المختطفين  مع عائلاتهم رغم المشاكل التي لازمته  مثل عدم قدرة الأطفال على معرفة عائلاتهم.


gasim1969@gmail.com

 

آراء