عطفا على (التقرير ده صلحو لينا) أو إفادات في سياق الممارسة الطبية
في الأول من يناير ٢٠٢١ نشر الدكتور عمر كبير مقالاً بعنوان ( التقرير ده صلحوا لينا ) سرد فيه واقعة مرت عليه في بواكير عمله الطبي بأحد أرياف ولاية شمال كردفان ، ملخصها أن أحد المجنى عليهم وبرفقته مرافق و شرطي ظل يرابط خارج غرفة العيادة بينما تقدم المرافق مع المجني عليه الذي قام أثناء الكشف وملأ الأورنيك الطبي بعد إصابته في حادثة شجار أن تجرأ المرافق ومد نحوه بحزمة أوراق نقدية أثناء تعليقه الكتابي على الأورنيك قائلاً " التقرير ده صلحوا لينا " ، تعرض دكتور عمر للأمر في سياق التعليق على حادثة القبض على أحد أطباء الطب الشرعي على خلفية إغتيال بهاء الدين نوري في ديسمبر 2020 ، في سخرية لخص بها ما حدث حيث إمتدت القصة إلى قيام د عمر بواجبه والإبلاغ عن جريمة رشوه ...
ما يعني في سرد د عمر هو أخلاق المهنة و الإلتزام بها و لا سيما أن الحادثة إرتبطت بشجار في منطقة ريفية تشير إلى أحد مظاهر ثقافة الفساد المهني لدى بعض الجمهور دون خشية أو إحترام للقانون في حضور ممثل لمنفذيه .
بعيدا عن الحادثة و قريبا عن الأورنيك الطبي المتداول الآن فهل يفي أورنيك ٨ الجنائي بكل أغراضه الطبية والقانونية من ناحية بياناته، في تقديري بعض الإجابة تكمن في :
أولا : حملها العام ٢٠٠٦ حينما صدر منشور يتيح لضحايا الإنتهاكات الجنسية الحصول علي العلاج دون التقييد بإحضار الأورنيك بالتزامن مع الحالة ، و هذا يعني أن هنالك تنازع بين الغرض الطبي والقانوني و نتاج ذلك اتساع ثقافة التجريم التي ربطت بين الإنتهاكات و دخول الدولة كطرف في الإنتهاكات سواء التعذيب او غيره .
ثانيا: هو العداء لثقافة حقوق الانسان و مقاومة السلطة لها لأسباب سياسية مما جعل العدالة تخضع للمزاج السياسي للسلطة مما انعكس في تراجع الإستفادة من المناهج والمعارف ، مما جعل السودان يعتمد على أورنيك ٨ في ظل التطور الذي افرز ادوات جديدة مثل المبادئ التوجيهية للتوثيق الفاعل للتعذيب وتوابعه أو ما يعرف ببروتكول استانبول الذي أجيز من الأمم المتحدة في 1999 الذي يشكل إحاطة للتوثيق الطبي و إفادة في الجانب القانوني و هو يتطلب أن يتم النظر إليه في سياق أن يدرس في كليات الطب و للشرطة الجنائية والنيابة وكافة أضلاع العملية الطبية والعدلية المرتبطة بإنتهاكات حقوق الإنسان .
ثالثا : هو تراكم الإنتهاكات وإتساع نطاقها و نوعيتها بما جعل منها نمط مواجهه المدنيين بكافة الأشكال مما دفع إلى التخيط لتكامل التعذيب مع الطب العدلي والحرمان من الوصول للعدالة
رابعا : هو التمكين السياسي الذي طال مؤسسات تنفيذ القانون فجعل من بعض من ينتمون للمؤسسات التي تمارس التعذيب هم من يقومون بالإجراءات القانونية فشجع الأمر على مسألة تنامي ظواهر الفساد إلى الطب العدلي وغيره .
خامسا : طبيعة النظام السياسي السابق الذي في شكله التنفيذي حوى أجسام لعضوية المهنيين فطابقت الدوافع السياسية في النهايات.
سادسا : هو غياب الدور النقابي المرتبط ببيئة العمل و تأثره بالنشاط السياسي إلى حد ما كجند وجد الأولوية على القواعد المرتبطة بالعمل النقابي وأهدافه .
ختاما : هنالك العديد من التجارب الحيه في مجال الطب العدلي في فترات العدالة الإنتقالية وأشير هنا إلى التجربة المغربية الرائدة و لعل الإنتباه إلى ذلك مرتبط بالعدالة والعدالة الإنتقالية في محيط ظل يشهد إنتهاكات تزامنت مع إعلان دولة ما بعد الاستقلال .
badawi0050@gmail.com