عفواً وطني كلنا مجرمون .. كلنا مجرمون!!(2 -2)
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا بلاغ للناس
قال تعالى: «هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ» ..الآية
توطئة:
في الوطن يعيش جميعنا ، وبلا استثناء، يومياً مصادر متنوعة من الضغوط الخارجية بما فيها ضغوط العمل والدراسة والمواصلات ، والضغوط الأسرية والمعيشية وغلائها ، وضغوط تربية وتعليم الأطفال والطبابة والمواصلات ومشكلات عدم الحصول على الدواء وغلائه ، ناهيك عن والأمور المالية وازمات الجنيه وإنهيار قوته الشرائية وضعفه المريع أمام سعر صرف الدولار الذي زادت الطين بلة .
كما نتعرض يومياً للضغوط ذات المصادر الداخلية كالقلق والخوف والتوتر فنصاب بالأمراض المزمنة التي تحتاج للأدوية المنقذة للحياة والتي لا طاقة للمصابين بشرائها والتعاطي مع أسعارها الفلكية ، هذا إن وجدت ، إننا نعيش في وطن الأزمات ، أزمات فشلنا جميعاً فشلاً ذريعاً في حلها. كل هذه الضغوط وأياً كانت مصادرها ـ ومهما كان مصدرها ـ نعلم العواقب الوخيمة التي تسببها في كل نواحي حياة المواطن ، كلنا نعاني من الضغوط ذات الدلالات الخطرة على بقائنا وحياتنا وقد تجاوزنا عتبة العقد الثاني من الألفية الجديدة، فبلغنا مراحل من اليأس والإحباط غير مسبوقة ، والله المستعان
أصبح الناس يمشون على الأرض يحدثون أنفسهم ، بالطبع هي ثرثرة مع الروح ، أي نوعٌ من اللوثة العقلية، ثرثرة هي البوح الذي يختلج الروح ليعبر عما بداخل القلوب والأرواح من معاناة، فلا أمل ، ولا شيء يبدو في الأفق كغمام ينذر بزخات منه علها تخفف عنا معاناة الحياة وضغوطها التي أصبحت جزء من أسلوب حياتنا ، أصبحنا نفقد دوافع الأمل فكيف نمني النفس إلى الأمل لنعيش وقد انعدمت الدوافع دعك عن الأمل نفسه ، نحتاج لهمساتٍ تخترق أضلعنا لتبشرنا ببعض من الفرح ، لا نطمع في كل الفرح!! ، همسات نقية نتوقعها كدعمٍ معنوي لنواصل حياة المعاناة التي أصبحت جزء من جينات هذا المواطن المسحوق ، صدق أمير المؤمنين حين حدث : لو كان الفقر رجلاَ لقتله!!
المتـن:
المرأة هي عماد الأسرة ، ففي بلادي تعاني عماد الأسرة من ضغوطات عديدة تؤثر على صحتها وتقلل من متوسط عمرها مقابل مثيلاتها في دول الجوار، فالمرأة العاملة مثلا تتحمّل مشقة العمل ومعاناة التعب من أجل توفير لقمة العيش وغير ذلك من ضغوطات تؤثر على صحتها الفزيولوجية، إضافة إلى الضغوطات النفسية والاجتماعية ، ولو خُيِّرت الآن لفضلت المكوث بالبيت، ولكن كيف تفعل وغلاء المعيشة وارتفاع تكاليف فتح البيوت أصبح دخل الزوج وحده لا يغطي إلا النذر القليل منها ، فالمسؤوليات الأسرية حتمت عليها الخروج للعمل حتى ولو كانت أعمالاً هامشية حتى تساعد في تكلفة المعيشية ، وربما تكون هي من تتحمل العبء بأكمله . إنّ المرأة في بلادي تعاني من مجموعة مشاكل صحية عديدة في الوقت الراهن نتيجة الضغوط النفسية كالعنوسة التي أسبابها أصلاً اقتصادية معيشية، وأبرز الأمراض التي باتت تهدّد صحتها هي ارتفاع ضغط الدم، والسكري، هذا إذا اعتبرنا أن الأمراض النفسية ترف ، إضافة إلى الالتهابات الجرثومية التي تصيب النساء بكثرة لأسباب عديدة، وما زالت حواء تقف كالطود الشامخ تكافح وقد نسيت كل آلامها ، ومع كل ذلك فإنّ فقر الدم نتيجة سوء التغذية بات يشكّل المرض الأول الذي يصيب المرأة السودانية قبل وبعد الولادة وهذا ـ كما ذكرت ـ ناجم عن سوء التغذية دون أن نطمح حتى على ما أصطلح بتسميته التغذية غير المتكاملة، وهذا مطمح أصبح بعيد المنال ولا يتسم بالواقعية.
لا أحد يغالط في توصيف الوضع المعيشي الذي يعيشه المواطن والمواطنة، فنحن نعيش تحت خط الفقر بتوصيفه العلمي، والمعني بتحت خط الفقر ببساطة انخفاض مستوى المعيشة أو عدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة المطلوب والمرغوب اجتماعياً ، وهذه ظاهرة معقدة ذات أبعاد متعددة اقتصادية واجتماعية وسياسية ، إلا أنه من المتفق عليه أنها ( حالة من الحرمان المادي تتجلى أهم مظاهرها في إنعدام الغذاء كماً ونوعاً وتدني الحالة الصحية والمستوى التعليمي والوضع السكني والحرمان من تملك بعض السلع والأصول المادية الأخرى وفقدان الاحتياطي أو الضمان لمواجهة الحالات الصعـبة كالمرض والإعـاقة والبـطالة والكـوارث والأزمـات ) وهذا هو التوصيف الواقعي للحالة التي نعيشها في بلادنا حسب توصيف الأمم المتحدة.
الوطن اليوم يعيش ما يمكننا أن نطلق عليه (جمهورية التجار ـ "المحتكرون") , إن الفكر السياسي والاقتصادي لهذه الطبقة المحتكرة، والمعبر عن دورها الاقتصادي وولاءاتها ، أُضيف إليه فكر وتوجهات "إجماع واشنطن" المدمر الذي لا بد أن نعترف بأن كان له انعكاسات سالبة على اقتصادنا المتعثر أصلاً، في مرحلة صعود الأمبريالية الجديدة وسعيها لعولمة مصالحها وهيمنتها وفكرها وثقافتها، بقيادة المحافظين الجدد في المركز الأميركي. وقد استصحبنا منها سياسة التحرير والتخصيص حتى قضينا الطبقة السودانية الوسطى فتحولت هذه الطبقة إلى شريحة الفقراء، وشريحة الفقراء انحدرت إلى الشريخة التي إصطلح على وصفها بأنها تحت خط الفقر .
أما الطبقة المهيمنة فهم طبقة جمهورية التجار "المحتكرون"!! ، وهم معروفون للمجتمع السوداني بالإسم وخاصةً لسكان أحياء العاصمة التي تعرف أسماء ساكنيها من تجار هذه الجمهورية فرداً فرداً وحتى نوعية السلع التي يحتكرون سواء أسمنت أو حديد وغاز ومبيدات وسكر ودقيق القمح ، حتى الطماطم احتكرونها، وحتى المنتوجات المعيشية المحلية لم تنجو من سعير الاحتكار ، أضف إلى كل ذلك الجبايات، حتى فاق سعرها المستورد الممنوع استيراده!!
وجمهوية التجار المحتكرون للسلع يتحكمون بأسعارها التي تفوق طاقة المواطن المستهلك الضعيف الذي لا حيلة له غير الاذعان لحد الكفاف . والغريب أن حول جمهورية التجار المحتكرين ظهرت طبقة طفيلية من السماسرة المقربون النين يروجونها ويوزعونها فزادوا البلاء بلاءً فألهبت الأسعار استعاراً، والذي زاد وفاض، هي تلك الجبايات التي بالضرورة يتحملها في النهاية باذعانٍ المستهلك الغلبان!!.. ألم أقل لكم إننا مجرمون.. كلنا مجرمون في حق أنفسنا وفي حق المواطن المسحوق أصلاً.. فهل نحن نخاف الله في العباد؟!!
الحاشية:
تصدر في دولتنا السنية إحصاءات عن نسبة الفقر ، ومن يطلع عليها يضحك مليء شدقيه، والعاقل منا يعتقد أنها إحصائيات عن دولة هي واق الواق وليس وطننا الذي يمكن لأي مواطن أن يحدد من هم عند خط الفقر وبتفاؤل شديد بلغت نسبهم 35% ، أما من هم دون خط الفق فبلغت نسبهم 60% أما بقية الـ 5% فهم مافيا جمهورية التجار "المحتكرون" وزبانيتهم من السماسرة وهؤلاء يعيشون فوق خط الرفاه!! .
في الدولة السنية لا تهتم الحكومة هناك بمكافحة الظواهر المؤثرة على حياة المجتمع كالقضايا الأخلاقية والعنف والجرائم والحوادث المرورية والتي تسمع عنها على استحياء في صفحات الصحف، المهم أنها تضع القوانين الجزائية والتنظيمية، دون أن تبحث في مسببات هذه الظواهر لتعالج جذورها، والكل يعلم إنها إقتصادية معيشية ، في وطني لم يسمع المواطن يوما عن حملة للتصدي لسرقة قوت الشعب ، فجمهورية التجار المحتكرون لقوته يعيثون فساداً في حرية كاملة ، وكأن الناس يعيشون في وادي والمسئولين في وادي آخر !!.. في وطننا أمسنا كيومنا ويومنا كغدنا وغدنا لما بعده!!
أرجو أن يكون فيما أكتب عبر الكلمات والسطور، ما قد يكون لبنة في صرح الدفاع والتحذير؛ فتجعل جاهلاً يدري وغافلاً ينتبه وسادراً يرعوي ونائماً يستيقظ ومدافعاً يتحفَّز وحجَّة تقال وتُقام. فحينما يزعم النظام والحكومة أنهما يحققان في الأسباب والآثار المدمرة لسياسات الإفقار ، دون أن نعترف أنه لضعف الإيمان في قلبيهما أو ضعُفَ أثره، ولتتأكد من ذلك قارئي العزيز فعلى ذوي البصيرة الإطلاع عن قرب على عيش الغلابة الذين أصبح (البوش) وجبة بعيدة المنال خاصة للغالبية العظمى من البسطاء المطحونين الذين استقروا في قاع ما دون خط الفقر!!.. لهذا تعدى حزني على الوطن إلى إنسان الوطن!!
الهامش:
في تقرير للأمم المتحدة نقتطف:[ عندما تحصل النساء على الطعام فإن هذا يعني أن الأطفال سيأكلون، وعندما نساعدهن على زراعة الطعام فإن المجتمعات تأكل، لذا فإن أحد العوامل الهامة في محاربة الجوع هي تمكين النساء وتزويدهن بالمعرفة والمهارات والمال والأدوات لتحقيق الأمن الغذائي لهن ولأسرهن وللمجتمع]. تصوروا يفترض أننا بلد زراعي قيل عنه أنه سلة غذاء العالم العربي!!، والمرأة في الريف يفترض أنها أهم مورد بشري للزراعة في بلادنا ، عُطِلَ دور المرأة في بلد ما زال يستورد 60% من غذائه من الخارج لأن هذا يتماهى وأهداف جمهورية التجار "المحتكرون"!! ، نحن نعيش فشل ذريع في الزراعة في حين أننا بلد حباه الله بالأمطار والأنهار والأراضي الخصبة تحسده عليه كثير من الدول ، الزراعة تحتضر وهي الآن في غرفة الإنعاش برغم الشعار الطنان الرنان الذي رفعناه منذ عقدٍ ونيف من الزمان وهو النهضة الزراعية ، الهند إكتفت من الرز والقمح وأصبحت مصدراً رئيساً لهما في عقد من الزمان وها هي تتحكم في تصدير وسعر الغذاء وتعتبره سلاحاً سياسياً واقتصادياً وهي التي كانت منذ عقدٍ ونيف تعاني شح الغذاء إن لم نقل الجوع والمجاعة !!
قصاصة:
يقال أن فقر الدم هو حالة طبية تتميز بعدم وجود كمية كافية من خلايا الدم الحمراء في الجسم لتنقل كمية كافية من الاكسجين الى الانسجة. والانسان الذي يعاني من فقر الدم من المرجح أن يشعر بالتعب في احيان متقاربة. هنالك بضعة انواع مختلفة من فقر الدم، ولكل نوع منها مسبب خاص به. قد يكون فقر الدم حالة مؤقتة او حالة طبية مستمرة، وقد يتراوح بين المعتدل والحاد. عندما يشك اي شخص بانه مصاب بفقر الدم، عليه يتوجه الى الطبيب، لان فقر الدم يمكن ان يشكل علامة مبكرة لتطور مرض اكثر حدة وخطورة. وتتراوح علاجات فقر الدم بين تناول المضافات الغذائية وحتى العلاجات الطبية. وقد يكون بالامكان منع تطور انواع معينة من فقر الدم عن طريق الحفاظ على تغذية متوازن، متنوعة وصحية. بالطبع الشريحتين اللتان تشكلان 95% من الشعب السوداني أي من هما من هما في خط الفقر وتحت خط الفقر مصابون بفقر الدم لا محالة ومع ذلك يعافرون حتى يقضى الله أمراً كان مفعولا، فبالنسبة لهاتين الشريحتين ليس كما ورد في تعريف المرض أنها حالة مؤقتة وإنما هي دائمة ومستدامة وحادة ، وبالطبع من لم يجد قوت يومه لا يمكنه توفير الاضافات الغذائية المنوه عنها.. في النهاية عليّ أن أؤكد أننا أجرمنا في حق لشعبنا لأجيال قادة .. نحن أيها السادة القراء مجرمون ، مجرمون بجدارة!!
عوافي..
Abubakr Yousif Ibrahim [zorayyab@gmail.com]