عندما يذبح التعليم عبر الأثير
د. أحمد خير
20 May, 2011
20 May, 2011
Ahmed Kheir [aikheir@yahoo.com]
هناك العديد من الأسباب التى تكدر وتنغص حياة الفرد منا ، من تلك الأسباب ما يأتينا بدون إرادتنا، يدخل علينا من النافذة أو الأبواب ، ومنها ما نجره نحن على أنفسنا . من تلك المنغصات التى نجلبها لأنفسنا هى أن نعمد إلى سماع أو مشاهدة قناة تليفزيونية من القنوات المنتشرة فى الفضاء العريض . وهنا على الفرد أن يعترف بما جلبه على نفسه ويقول قولة الزباء الشهيرة " بيدى لابيد عمرو " وهى تمتص السم من فص خاتمها قبل أن يلحق بها سيف أو خنجر خصمها . وجريرتى هى أن قمت عن طواعية بمشاهدة برنامج عرضته قناة الشروق السودانية التى ألجأ إليها فى بعض الأحايين للوقوف على حال الوطن . أعترف هنا وكى لايأخذ القارئ موقفا من القناة المشار إليها أن بها من البرامج الحوارية مايجذب المشاهد ومن مقدمين يمتلكون ناصية الحوار ، مثل البرنامج الحوارى السياسى الجرئ الذى يؤكد مقدرة المعد والمقدم بحيث أنه فعلا يقوم بواجبه حيال المشاهد بما يقدمه من إستطلاعات رأى من عامة الناس ومن أسئلة للضيف هى فى صميم الموضوع . بكل أسف لم يحضرنى إسمه لأسباب ربما الطريقة التى تعرض بها الأسماء فهى من صغر حروفها وسرعة تمريرها ما يتصعب التركيز على إسم مقدم البرنامج .
هناك علامات مضيئة ضمن مقدمى الرامج مثل الإعلامية الأستاذه/ سلمى سيد وبرنامجها " أشجان الغربة " الذى يعكس بحق مقدرتها فى الحوار وحضورها المتميز ، كما أنها فى ختام حلقاتها تقول : لكم منى سلمى سيد وأسرة البرنامج أطيب التحايا وهذا لعمرى ما يجب أن يتبعه كل مقدم ليتعرف عليه المشاهد بدلا عن البحلقة فى شاشة لاتمكنه فى معظم الأحايين من قراءة إسم مقدم ومعد البرنامج . قناة الشروق تقدم أيضا بعض البرامج التى تشد المشاهد مثل برنامج حسين خوجلى الخفيف على النفس وهناك أيضا برنامج رحيق الأمكنة للإعلامية الرقيقة إيمان ، وبرنامج فتاوى الذى يقدمه الأستاذ/ محمد عثمان . وليس هنا المجال لحصر الجيد من البرامج .فخالص الشكر لمعدى ومقدمى تلك البرامج ولقناة الشروق . وبالطبع وكمايقولون " الحلو مايكملش" ولا أعنى هنا السيد الحلو المرشح لمنصب الوالى فى جنوب كردفان .
من سوء حظى أن شاهدت فى الأسبوع الماضى برنامجا فى قناة الشروق كان الضيف فيه ثقيل الظل يدعى المعرفة وبما قدمه من معلومات أوضح للمشاهد البون الشاسع بينه وبين المعرفة فى المجال الذى تناوله وهو التعليم فى السودان ! وما زاد الطين بلة هو أنه أخذ يردد " من خبرتى فى التعليم فى اليمن والسعودية ومسقط ، أستطيع أن أقر بأن التعليم فى السودان وخاصة الأجازة السنوية لابد من إعادة النظر فيها حيث أن فترة الأجازة طويلة جدا ولاداعى لها" . وأضاف : أن الأجازة التى تمتد لأكثر من شهرين هى من صناعة المستعمر التى أطلق عليها فى زمنه إسم " البطالة " من التبطل الشئ الذى يلزم إعادة النظر فيها وفى رأيه أن تلغى أو تخفض أيامها بأن لاتتعدى الـ 45 يوما .والكارثة أنه قال: علينا أن نقتدى بما قام به المسئول عن المدارس الدينية الذى ذهب إلى عبد الباسط سبدرات وصادق له بتخفيض فترة الأجازة وبها إنخفض عدد سنوات الدراسة من ثمانية إلى سبعة ! وألحقها" جعلها الله فى ميزان حسناته !" وليت ذلك المعلم يعلم أن تخفيض فترة الأجازة السنوية للطلاب لايجب أن يأتى بقرارات فوقية ، فأين وكيل الوزارة والخبراء فى وزارة التربية والتعليم فى السودان ؟! وأين الدراسات التى أقرت بأن الفترة طويلة ويجب تخفيضها أم ذلك قد توصل إليه من خبرته فى الدول المتقدمة التى عمل بها وهى كما بات يردد" اليمن والسعودية ومسقط (عمان) "
الأجازة السنوية التى يتمتع بها الطلاب والتى يستكثرها هذا الدعى ليته يعلم أن الغالبية العظمى من أبناء الهامش يستغلون فترة الأجازة فى مساعدة أهلهم فى الزراعة . وهنا تحضرنى حكاية أن إعتاد طالب أن يعود إلى أهله مع بداية فترة الأجازة التى تصادف موسم الزراعة ومن سوء حظه أن إرتكب خطأ ما مما إستدعى مثوله أمام القاضى الذى قال له : لقد حكمنا عليك بشهرين سجنا. فرد الطالب: شهر واحد بس علشان أنا ماشى البلد . الناظر للأمر ربما يرى أنه ليس من حق المحكوم عليه أن يراجع أمر او حكم القاضى . ولكن من يرى أهمية الأجازة بالنسبة للطالب وأهله سيقدر رده فى طلب أن يخفض الحكم إلى شهر واحد لأنه عائد إلى بلده للعمل وليس بطالة كما كان يردد ذلك المدعى للخبرة فى مجال التعليم ! . وبكل أسف ظل مقدم البرنامج طوال الحلقة يومئ ويردد ماقاله الدعى مؤكدا موافقته على كل ماقيل مما يثبت أنه لم يكن مستعدا للحلقة ولم يقوم بعمل الواجب الذى من المفترض أن يقوم به معد ومقدم أى برنامج تليفزيونى ليتمكن من محاورة الضيف فى موضوع النقاش وليس كما عكسه ذلك المقدم الذى أثبت أنه لم يكن ملما بالموضوع فترك للضيف الحبل على الغارب يصول ويجول كما يشاء مما أفقد الحلقة معناها . حقيقة أن مقدم البرنامج إعتمد على مجموعة من المداحين لياخذ فترات راحة يقول فيها " هنا نستمع إلى مدحة من ...... " وتبدأ فترة المديح التى توارى من خلفها مقدم البرنامج لإستغلال زمن البرنامج . والحمد لله أن كان هناك مديح ليخفف عن المشاهد نقمته على الضيف ومقدم البرنامج الذى لم يضيف شيئا طوال الحلقة ولم يبدى أى إعتراض على ما ( طرشه لنا الضيف ) من نتاج تجاربه فى اليمن والسعودية ومسقط .
أن خبراء التعليم فى العالم المتقدم الذى نستقى منه المعرفة والتكنولوجيا التى بتنا لانستغنى عنها فى حياتنا اليومية أقروا بأن زمن الدراسة للمادة الواحدة "الحصة" لايجب أن يتعدى الـ 45 دقيقة لأن درجة إستيعاب الطالب بعد تلك الدقائق تبدأ فى الإنحفاض التدريجى مما يستوجب فترة راحة لبضع دقائق . ثم أن الأجازة الصيفية التى أقرت هى من الحاجة والضرورة يجب أن تتيحها المدارس المختلفة بما يتواءم مع حاجة الطالب والأسرة . حيث أن الطالب بعد جهد شهور الدراسة المتواصلة يحتاج إلى أجازة يستفيد منها بعدة طرق منها حاجة الجسم والعقل للتغييروالترويح ، والبعض يستغلها فى العمل مما يكسب الطالب خبرة عملية ويتيح له دخلا ماديا يشعر معه أنه يمكنه شراء بعض مايريد من دخله الخاص بدلا من الإعتماد طوال الوقت على مايتلقاه من أسرته . وهنا نطالب القطاع الخاص والعام على إتاحة فرص العمل للطلاب فى فترات الأجازة الصيفية . والعمل الصيفى فى البلاد المتقدمة يسهل للطالب شبه إستقلالية ويساعد فى تخفيف الأعباء عن والديه. ثم بعد إكمال الطالب للمرحلة الثانوية وهوالذى تدرب على الإعتماد على نفسه نجده فى معظم الأحوال هو من يقرر التخصص الذى يود دراسته فى الجامعة وكذلك الجامعة التى سيلتحق بها وهنا يكون دور الوالدين هو دورا مساعدا وليس كليا كما يحدث فى معظم الدول النامية حيث تتدخل الأسرة فى إختيار التخصص وأحيانا الجامعة التى سيلتحق بها الإبن . وذلك كما نلاحظ يخلق نوعا من الضعف والإتكالية لدى الأبناء مما يبعدهم عن مراكز إتخاذ القرار لإعتمادهم على الأسرة فى قرارات تخص مستقبلهم مما يشكل عائقا فى مستقبل حياتهم ويؤثر فى بناء الشخصيه .
أما دور أو أثر الأجازة الصيفية فى الأسرة ، فإن الأسر فى الدول المتقدمة تضع برامج أجازتها الصيفية لتتماشى مع أجازة الأبناء ليسعد الجميع بقضاء وقتا ممتعا فى السفر لزيارة الأهل أو قضاء العطلات فى منتجعات أو التوجه لبعض المدن لزيارة المتاحف والآثار وأماكن الترفيه أو الذهاب إلى الشواطئ للإستجمام أو ركوب البواخر " كروز " التى تجوب بعض المناطق والبلدان السياحية ، أو السفر إلى الخارج للتعرف على ثقافات بعض الشعوب الأخرى . و" فى الأسفار سبع من فوائد"
هذا بالإضافة إلى أن فى فترات الصيف تتكثف التدريبات والمناشط الرياضية بحيث يجد الشباب بغيتهم ممايساعدهم فى الإنخراط فى مؤسسات التعليم العالى بالمجان وتلقى منح دراسية من الجامعات التى تتناقس فيما بينها لتقديم تلك المنح للمتفوقين فى عالم الرياضة والجميع يعلم ويشاهد عدد الجوائز التى يتحصل عليها الرياضيين من الدول المتقدمة فى مسابقات الأولمبياد والمسابقات الأخرى فى شتى ضروب الرياضة ، وحتما ذلك لم يتأتى من فراغ .
يحضرنى هنا بعض القرارات التى إتخذها العقيد معمر القذافى فى ثمانينيات القرن الماضى منها أن أصدر قرارا بمنع تدريس أو التعامل باللغة الإنجليزية إلى درجة أن قراراه إنطبق حتى على جوازات السفر التى صدرت بالعربية مشيرا إلى أن على الدول الأخرى ان أرادت التعامل مع الجماهيرية أن تتعلم لغتها ! وبالطبع أول من عانى من قراره العجيب ذاك كان الليبيون أنفسهم حيث كان على الليبى الذى يريد السفر إلى الخارج أن يذهب لترجمة وتوثيق المعلومات التى يحتويها جواز السفر ليرفق ذلك مع الجواز عند التقدم للحصول على تأشيرة دخول لأى بلد أجنبى . وإمتد أثر ذلك القرار فأضعف التعليم العالى بشكل ملحوظ حيث أن معظم المبتعثين للدراسات العليا من الطلبة الليبين كان عليهم أن يبدأوا من الصفر فى دراسة اللغة الإنجليزية فى بلد الدراسة ويستغرق ذلك أكثر من عام تصرف عليهم آلاف الدولارات كى يتعلموا اللغة الإنجليزية مما إضطر الغالبية إلى قطع الدراسة والعودة إلى بلدهم بدون شهادة بسبب معوقات اللغة . وما ينطبق على ليبيا ينطبق على العديد من الدول العربية التى إستهانت بتدريس اللغات الأجنبية وخاصة اللغة الإنجليزية ضمن مناهجها الدراسية ! وأمامى الآن خبر جاء فيه " بعد أن ثبت رسميا تدريسها فى مرحلة الصف الرابع الإبتدائى ، وزارة التربية والتعليم تقترب من شركات عالمية لتدريب معلمى ومعلمات اللغة الإنجليزية (فى المملكة العربية السعودية ) " الشرق الأوسط ، الأحد 15 /5 /2011 . وخبر آخر فى نفس المصدر يقول " مشروع آفاق .. تخطيط مؤسسى بإشراف ملكى ، التعليم العالى السعودى ، 79 تجربة عالمية تحت المجهر لبلورة خطة ربع قرن " وتفاصيل الخبر تقول" طرحت وزارة التعليم العالى على طاولتها 79 تجربة عالية الدقة لمستقبل التعليم الجامعى فى السعودية خلال الخمس والعشرين سنة المقبلة . ..أوضح (وزير التعليم العالى ) أنه تمت دراسة 79 نظاما تعليميا فى العالم وإستخلصت على ضوئها مؤشرات ومعايير معينة ، أهم هذه الأنظمة التى لها أهداف قوية فى أهداف التنمية السعودية ، ناهيك عن الأشياء التى تحققت من خلال هذه البرامج فى الدول الأخرى .... وبرر وكيل وزارة التعليم العالى بأنه لايمكن ان نخطط لسنوات قليلة فقط ثم نغير، لابد أن تكون هناك رؤية طموحة بعيدة المدى، ولها أهداف إستراتيجية كذلك ، وهو مادفع بوزارة التعليم العالى لخلق نمطية الخمس والعشرين سنة . أسوق ذلك لتوضيح أن التعليم هو اللبنة الأولى التى يبنى عليها الإنسان والذى تقوم عليه كل مشاريع التنمية الإجتماعية والإقتصادية ، وبالتالى لايجب أن يتصدى له غير أناس متخصصون من ذوى الكفاءات العالية وذلك لما يحتاجه من دراسات وتقييم وإعادة تقييم بغية وضع الخطط والبرامج التى تضمن تكامل كل مرحلة ومقدرتها على تغذية المرحلة اللاحقة إلى أن تكتمل المنظومة للوصول إلى الغاية المثلى بما يحقق الرفاهية للأمة .
كما أشير هنا إلى أن القنوات الفضائية برغم ماتقدمه من برامج ترفيهية للمشاهد فهى عليها مسئولية إنتقاء ماتقدمه من برامج علمية وتعليمية مما يخدم الإنسان ويصلح حال الأوطان . ونتساءل هنا: هل تقوم الفضائيات السودانية بتقديم دورات تدريبية للعاملين فيها بغرض ترقية العمل ، وهل هناك تقييم وإعادة تقييم للبرامج بغرض التحسين ، أم أنه ليس بالإمكان أفضل مماكان ؟! مجرد سؤال .