عودة حميدتي

 


 

 

حاول المسؤولون عن المراسيم تصوير هذا العودة بأنها نصر كبير ونجاح منقطع النظير لخططهم ، وكان الإستقبال أشبه بالمسرح ، عناق ومصافحة وتبادل التحايا خلت من التلقائية ، وفي الخارج تم حشد بعض الفتيات حتى يضفوا المزيد الرومانسية على المشهد الكاذب وبأن الزعيم تلتف حوله الصبايا ومحبوب من قبل الشعب ، ولو كنت أحد كتاب هذا السيناريو لطلبت من الأطفال أن يحملوا أطواق الزهور والهتاف بصوت عال :
مرحب .. مرحب ..
بابا حميدتي .
هكذا يرسم الطغاة لوحات الترحيب بهم ويشيعون جو الفرح في وسط سرادق الحزن والموت.
الفنانة اللبنانية الشهيرة صباح طلبت من جمهورها بأن لا يبكي عليها ، وطلبت منهم تحويل تشييعها إلى مثواها الأخير إلى ليلة فرح تصطحبه المعازف والرقص مع الدبكة الشعبية ، وقد تم تنفيذ وصيتها ولكن الحقيقة الماثلة أن حقيقة الموت لم تتغير بسبب هذه الطقوس ، وبأن الحزن مهما جالدنا الصبر فهو باق ومتمدد ولن يذهب .
لذلك لم تخفي المظاهر الإحتفالية حجم الأزمة التي يمر بها العسكر ، فهم كانوا يراهنون على روسيا ومنحها الموانئ حتى تعطيهم الحماية والبقاء في الحكم ، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ، فقد عاد حميدتي وهو يجر أذيال الخيبة ولم يفلح في مقابلة سيد الكرملين الرئيس بوتين ، وفي دولة مثل روسيا فإن القائد هو الرئيس والرئيس هو القائد ، وأي مسؤول روسي أدنى من بوتين فإنه لا يخدم الغرض ، وكلنا شاهدنا كيف هزأ الرئيس بوتين بمدير مخابراته أمام وسائل الإعلام .
لذلك عاد حميدتي وهو يحمل معه نفس الواجب الذي سافر به من دون أن ينجز الإجابات ، فقد ذهب غزو أوكرانيا بكل ما كان يحلم به فعاد لنصائح عباس كامل والذي إشترط عليه أن يكون حل القضية السودانية يجب أن يكون سودانياً ، هذه هو عباس كامل الذي رعى الإنقلاب ودعم حرب التيغراي من السودان يتحدث عن الحل الناجح ..
عاد حميدتي خاوي الوفاض من موسكو ، فكل الوعود الروسية مرتبطة بنتيجة حرب أوكرانيا ، كما أن الغرب لن يغفر له تأييده للغزو ووقوفه ضد كل القرارات التي أدانت الغزو فأصبح حميدتي مثل المنبت :
لا أرضاً قطع
ولا ظهراً أبقى
وقد وقف المخلوع البشير امام نفس المنعطف في عام 1990 عندما راوح بين تاييد الغزو والحل السلمي والدعوة إلى الحوار ، فكلف السودان الكثير ووضعه تحت العزلة الدولية وتم إدراجه في مجموعة دول (الضد) ردحاً من الزمن .
يعتقد حميدتي ومستشاريه بأن العالم غبي ولا يراقب تصريحاته ، وهو لا يعلم أن غرز في رمال متحركة وفي قضية لا تقبل الحلول الوسط.
فحميدتي ذهب إلى موسكو وهو يقدم للروس الموانئ السودانية والذهب مقابل السلاح والحماية في مجلس الأمن من قرارات الإدانة حتى يرتكب المزيد من المجازر ويحقق حلمه الكبير بحكم السودان.
عاد حميدتي ليجد الثورة السودانية أقوى مما كانت عليه ، وصفها (بالعبث ) الذي يجب أن ينتهي ، ولكن الحقيقة المرة أن الثورة عبثت بخططه وأحلامه ولن تنتهى إلا بسقوطه ورحيله عن المشهد السياسي .

 

آراء