فض الاعتصام

 


 

 

وما بين عم عبد الرحيم وفض الاعتصام الدم والمطر والقطر. وانا اجلس في خيمة نوري ليست ببعيدة عن قضيب السكة الحديد في ميدان الاعتصام. وابشنب يتوسطنا وصورة حميد تزين المكان.. وهي نوري بلا حميد شن طعمها وهو حميد بلا نوري شن طعموا.. وهنا في خيمة نورى القراريص ماتديك الدرب.. الصاج قدام الخيمة يولعوا النار كلما اقترب موعد الافطار في شهر رمضان وكنداكة، من نوري تنهمك في العواسة في صمت وهمة (ماقالتلو جيب.. شيلن يا الحبيب) وصبي من نوري يشاغل كنداكات وهن مارات امام الخيمة (يا كنداكة تعالي عوسي) ولما ينصرفن عنه يصيح فيهن.. ووووي كنداكات حنكوشات.. ويلتفتن نحوه مبتسمات.. فليس في هذا المكان خصام اوزعل(كل الناس هناك مابتخبر زعل.. تزعل من منو.. وتزعل في شنو.. كل الناس صحاب كل الناس اهل..والماهم قراب.. قربهم العمل) ويتحول الصبي الي داخل الخيمة يأتي بالحطب يزيد نار الصاج لهيبا.. (تعرف ياصبي..) (وهم يا الفنجري) وينتظم الافطار وتنصب الموائد القراصي المي خمج بالدمعة وانواع العصير وشاي كوفتي ونورى ومحمد صالح ادريس الكرم الفياض والمعين الذي لاينضب وينادي ابشنب الي الافطار لايترك احد يمر الاويوقفه ثم يتنفس الصعداء وهو يرى الجميع يتناولون الافطار الشهي (وصنقع للسماء وكان في الجو في غيم وكم نجمات بعاد) ثم تقف في مكان ليس بالبعيد عربة فارهة يترجل منها رجل فخيم وجعيص من اعيان نوري واسمه هاشم التركي يجلس مع الجالسين في خيمة نوري في قلب ميدان الاعتصام (ناسا حالها زين.. مصنع مصنعين.. ما مرابها مر.. بارد همها.. لابيعرق جبين.. لا وجها يصر) ثم يرخي الليل سدوله في خيمة نوري نصفق ونغني ونرقص وفنان كفيف البصر قوي البصيرة يغني ويؤلف الابيات في الحين والان وتحن نردد من خلفه (الليلي تسقط بس).
ولكن ثمة شعور ما يساورني وذات الشعور يبدو علي وجه مقابلي وكانه يقول لي (حالك مابتسر.. الافي ناس كمان فايتاك بالصبر) وكأني حين انظر الي ابشنب وهو يتحدث بثورية وحماس اقول له (يا عبد الرحيم ياحر.. ات ماك حر) فالاجواء معتمة وتنذر بشئ ما لقد جربت الحكومات وعرفت الازمان(حيكومات تجي وحيكومات تغور..تحكم بالحجي بالدجل الكجور.. ومرة العسكري كسار الجقور)
ميدان الاعتصام يعج بالناس. السودان اجمعه في هذا المكان كل الاجناس وكل القوميات مختلف الاعراق والوظائف (عمال المدن كلات الموانئ.. الغبش التعاني لقاط القطن..وووو والشغلانتو نار والجو كيف سخن)
.وابشنب قد( صلي علي عجل وهوزز سبحتو) ..كان قد فرغ من السحور لتوه من بعد ان ادي ركعتين في الثلث الاخير من الليل بدأ الامساك لصيام اليوم ربما قبل الاخير من رمضان.. وفجاءة دوي انفجار في المكان وقد بدأت معالم الصباح تبدو (فتاح يا عليم رزاق يا كريم).. واشتعلت النيران في الخيام بقاذفات اللهب والانفجار تلو الانفجار وصراخ وصيحات.. ورصاص وهراوات وسياط (مثل الحال ده يوم لا كان لاحصل.. والبال اشتغل).والشباب لايدرون مايحدث فالكثيرون كانوا نياما وفجاءة تعالت الصيحات (وسال الدم مطر وطارت دمعتين وانشايح وتر.)، كان الزمان حاضرا والانسانية تئن من هول ماتري.. الدماء والقتل لشباب عزل لايحملون الانفوسا تنضح قيما وثورة. وقلوب تنبض بحب هذا الوطن العظيم (. يا طاحن الخبر مابين القضاء ومرحاكة القدر.. الشرق الدموم والدمع الهدر..ايدهم في التراب والعين في القطر) وكأن قطار عطبرة قد تطايرت اشلاؤه ومات الفرح الذي كان فيه ومن حوله ومن فوقه (عارفين الحصل.. عارفين في حذر.. الخبر اليقين بوخ وانتشر.. اطفال القري وعمال الحضر ادوه الطيور.. والدم بحر انصاعد سحاب واندافق مطر...) الشمس كانت فد اشرقت علي المكان والجثث تنتشر في المكان والجرحي و الخوف والهلع والوجوم ومن( علي الشارع عصر.. متفادي الكجر.. عربية الكجر).. خبمة نوري تحترق وصورة حميد تحترق يتعالي الدخان ويتصاعد الي السماء ليكتب مأساة شعب ومصيبة أمة(فتاح ياعليم سال الدم مطر.. مجرتق بالتراب منشور بي كتاب روشتة وجواب) وتناثرت اشياؤهم وتصاعدت ارواحهم لم يكونوا واحدا او اثنان ولكنهم كانوا أمة(عم عبد الرحيم با كمين بشر.. صحي النوم سلام ما يغشاك شر.)... والدم قصاد الدم مابنقبل الدية(ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب)
وعم عبد الرحيم يقف الان في ميدان الاعتصام موثوق اليدين مكمم الفن يحيطون به ويصرخون فيه وهو واقف كالجبل الاشم لايخشي الوعيد والتهديد فقد علمته الايام وصقلته التجارب يعرف الامن واحابيله وجرب العسكر وأحايله لاتهمه تلك العبارات المسيئة التي تصك ولاقعقعة السلاح التي يحاولون ان يخيفونه بها.اخذوه الي تحت الجسر الحديدى وقد ازاحوا العصابة من عينيه كان يتأهبون لضربه بالهروات الضخمة التي يحملونها والشر يتطاير من اعينهم كلما هموا بضربه شئ ما يمنعهم انها العناية الالهية واللطف (انك بأعيننا) كانوا في هستيريا القتل والضرب علي ايديهم ومن فوهات بنادقهم صعدت ارواح الي بارئها (للجنةام نعيم للجنة ام قصر)اما هم فيعيشون عذاب الضمير وتطاردهم لعنات الشهداء في محيط القيادة كوابيس ليلية واشباح يومية هذه الدماء التي اريقت في هذا المكان ستظل تظلل سماواتهم بالسواد والعتمة والأرق تنغص عيشهم وتحيل حياتهم الي جحيم لايطاق.اطلق عم عبد الرحيم بصره بعيدا ينظر بحسرةوالم وتوجع الي اجساد الشباب جثثا تنتشر في المكان وتذكر كيف حملتهم امهاتهم وهنا علي وارضعنهم وكيف ان اباؤهم قد ربوهم وعلموهم في اصعب الظروف واقسي الا حوال مع الفقر والعوز وضيق ذات اليد (ياعم عبد الرحيم لاتسرح كتر...وان كان الفقر اشبه بالكفر)
حقيقة فان الارض الان(قد تغطت بالتعب والبحار اتخذت شكل الفراغ) فالسودان يتوشح الان ثوب السواد وتخيم الكآبة علي النفوس من بعد فض اعتصام القيادة فالابناء الذين كنا نحلم بان يتفتحوا كالازهار ويفوحون عطرا وجمالا وينثرون الحب ويبعثون الفرح في النفوس(والله باكر يا حليوة لما أولادنا السمر ..يبقوا افراحنا البنمسح بيها احزان الزمن) ولكنهم ياويحنا نراهم مجندلين امامنا يشخطون في دمائهم الطاهرة ممدودة اصابعهم وكانت أخر كلماتهم ان( لا اله الا الله محمد رسول الله)
والليل الان اوشك ان يضيع وقاري ووددت لو انني اجهش بالبكاء حتي اخرج مكنون نفسي عاصفة من الحزن تجتاحني وسيل من تباريح الجوي يكتسحني فلا اقوي علي النهوض واراه جاحظ العينين مهدود القوي يرجوني فاستجمع كل قواي النفسيةوالعقلية والجسدية وامضي اليه نتحسس خطواتنا في الظلام الدامس والليل المريع واجثو علي جثة صديقه كاني عابد متبتل في حضرة مولاه واغوص في الحزن اللا متناهي وفي الأسي الذي يطول وحزن ممتد وقديم وزعر وخوف وهلع وموت وقتل ودماء.
////////////////////////

 

آراء