فلنعزز النظام الصحي لهزيمة كرونا
يحتل تقوية وتعزيز النظام الصحي الأسبقية في ظروف جائحة "كرونا" التي تهدد البشر الذين يشكلون حجر الزاوية في القوى المنتجة، بجانب التحوطات والضوابط التي اتخذتها وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية ، والسلطات الحكومية والمحلية، رغم قلة الاصابات بالسودان، الا أنه غير معصوم من انتشار المرض، فالسودان في تاريخه تأثر بالأمراض التي مرت بها اوربا وغيرها في القرون الوسطي الذي حصد الملايين من البشر ، علي سبيل المثال لا الحصر: عرف السودانيون الجدرى أيام مملكة الفونج أو السلطنة الزرقاء الذي حصد السكان حصدا في ابادة جماعية نتيجة لذلك المرض، واستخدموا الحجر الصحي في بيوت بعيدة عن السكان ( الكروفه) لمنع انتشار عدوى الجدرى ، كما جاء في مقطع الشعر عن الجدرى:
جابوك للكتل لا كليت ولا مليت
ياجدرى "الكروفه" البرّزوا ليك بيت
و(الكروفه) بيت من القش خارج الأحياء السكنية كان يحجر أو يعزل فيها مرضي الجدري.
يجب اعطاء الاسبقية لتقوية النظام الصحي، وحشد كل الامكانيات والجهود لهزيمة الوباء ، الذي ترك تأثيره الواضح علي مجمل الأوضاع الاقتصادية عالميا ومحليا ، وأدي لانخفاض معدل النمو، وتأثرت قطاعات النقل، وخدمات التجارة وانخفضت أسعار البترول وأثر علي السياحة، واضر بأغلب مصادر الدخل، وتراجعت فرص المساعدات والقروض الخارجية . الخ. مما يتطلب التوجه للداخل دون الانعزال عن العالم ، وزيادة ميزانية الصحة، وتقليل منصرفات الأمن والدفاع والقطاع السيادي والحكومي،ووقف الحرب وتحقيق السلام الشامل والعادل، وسن القوانين لوضع الدولة يدها علي ثروات الذهب والبترول ، وشركات الصادر للمحاصيل النقدية، والاسراع في استعادة أموال وأصول الشعب المنهوبة، ودعم المزارعين ، والغاء الجبايات الكثيرة، باعتبارهم المصدر لتوفير الغذاء ، وتوفير العناية الصحية والتعليم والخدمات لهم.
كما يتطلب رفض سياسة وزير المالية البدوى في رفع الدعم عن الوقود ( زيادة الاسعار)، رغم أن أسعاره هابطة عالميا، ورفض توصيات صندوق النقد الدولي التي نفذها نظام الانقاذ وكانت وبالا علي تدمير التعليم والصحة، والسير في اقتصاد السوق ، وتخفيض العملة المستمر ، والخصخصة وتشريد العاملين ، أي سياسة التحرير الاقتصادي التي اندفعت فيها الليبرالية الجديدة في البلدان الاوربية وامريكا وغيرها، واكدت فشلها الآن في مواجهة وباء " كرونا"، مما يؤكد أهمية تدخل الدولة للسيطرة علي كل المرافق الصحية ، وتوفير كل المعينات لمواجهة خطر المرض .
كما يتطلب تدخل الدولة لتركيز الأسعار ، ووقف تجارة العملة وتدخل البنك المركزي بعد وضعه تحت المالية لتحديد قيمة العملة الأجنبية، فزيادة الأسعار والتضخم ترتبط بالارتفاع المستمر للدولار والانخفاض المستمر للجنية السوداني، ودعم الإنتاج الزراعي والصناعي والحيواني والخدمي، وتوفير فرص العمل للشباب وتقوية الجنية السوداني.
كما يتطلب دعم الدولة للعاملين طيلة فترة الحظر المنزلي ، والفئات التي تعمل برزق اليوم باليوم وتحسين المواصلات منعا للازدحام، واستقرار خدمات المياه والكهرباء وخدمة الانترنت.
الخطوات أعلاه تتطلب وحدة قوى الثورة باعتبار ذلك صمام الآمان لانقاذ البلاد من الابادة الجماعية في حالة انتشار المرض علي اسوا الفروض ، فالاوضاع الحالية لا تبشر بخير مالم نبذل كل الجهود لتغييرها، فقد تمّ تكريس هيمنة المكون العسكري، وأصبحت عيوب الوثيقة الدستورية ظاهرة للعيان منذ أزمة اختيار رئيس القضاء والنائب العام ، وتحجيم سلطات رئيس الوزراء، ولم يتكون التشريعي بعد 90 يوما (3 شهور)، ولم يتم تحقيق السلام بعد 6 شهور ، وتم خرق الوثيقة الدستورية بتكوين مجلس السلام ، وتم توقيع اتفاق مع الجبهة الثورية لتأجيل السيادي واختيار الولاة المدنيين، وبدلا من حل الأزمة الاقتصادية والمعيشية كما جاء في الوثيقة ، تفاقمت الأوضاع المعيشية، وتأخر تفكيك التمكين، محاسبة منسوبيه عن الجرائم، ولم تتم تسوية المفصولين المدنيين والعسكريين تعسفيا، وتأخر الاصلاح القانوني، واستمر البطء في إلغاء القوانين المقيدة للحريات، وإلغاء قانون النقابات 2010 ( المنشأة)، والعودة لقانون 1987 حتى اجازة القانون الجديد، ومحاولة التدخل الإداري في النقابات التي رفضها العاملون، وتأكيد استقلالية وديمقراطية الحركة النقابية ، ولجان المقاومة .
كما تمّ خرق "الوثيقة الدستورية" في : مقابلة البرهان -–نتنياهو ، وطلب رئيس الوزراء حمدوك بعثة سياسية للامم المتحدة حسب الفصل السادس، وتعيين ثلاثة وزراء دولة، وتجاوز السلطة التنفيذية في العلاقات الخارجية من المكون العسكري، والتأخير في استعادة أموال الشعب المنهوبة، واستمرار التمكين في البنك المركزي، بحكم المصالح الطبقية التي تربط المكون العسكري برموز النظام السابق، واستمرار التمكين الإعلامي للنظام البائد، والنشاط السافر للفلول المسلح والتخريبي لاسقاط حكومة الفترة الانتقالية، كما في مواكب الزحف الأخضر ، واحداث الفتنة القبلية، نسف الأمن ، وحرق المحاصيل، ومحاولة شراء القمح من المزارعين لتخزينه ، لخلق الأزمة وتحقيق اقصي الارباح من الأزمة والمجاعة. الخ.
كما اطلت خلافات (قحت) برأسها بحكم المصالح الطبقية التي تعبر عنها مكوناتها، والصراع الأساسي بين تيار " الهبوط الناعم" الذي يسعي لتغيير شكلي مع الابقاء علي سياسات النظام السابق القمعية والاقتصادية، والتحالفات العسكرية الخارجية ، والتسوية التاريخية مع الإسلامويين، وتيار التغيير الجذري الذي يهدف لمواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها في الحكم المدني الديمقراطي ، والصراع حول الوظائف والمحاصصات واستبدال تمكين بآخر، والاشارة لفشل حكومة حمدوك ، وطرح الانتخابات المبكرة كبديل ، ورفض تسليم البشير للجنائية . الخ.
كل ذلك يتطلب التركيز علي مواجهة الخطر الماثل في وباء الكرونا الذي يجب حشد كل الجهود لدعم قطاع الصحة، وتجاوز السير في الطريق القديم الذي قاد للأزمة ،وتوفير كل الامكانيات والجهود لتجاوزها، ومواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها، بانجاز مهام الفترة الانتقالية.
alsirbabo@yahoo.co.uk
///////////////////