في ذكرى أول مايو: نشأة هيئة شؤون العمال

 


 

 

 

نتابع في هذه الدراسة بمناسبة عيد أول مايو يوم العمال العالمي نشأة أول تنظيم نقابي " هيئة شؤون العمال في عطبرة" ، في هذا الصدد ، ونحن نتناول الموضوع ، من المهم توسيع مدى وزوايا النظر حول نشأة "هيئة شؤون العمال " التي كانت نتاج نضال طويل خاضته الطبقة العاملة السودانية من أجل تحسين مستوى معيشتها وحياتها الاجتماعية، كما لاحظ محمد عمر بشير في مؤلفه :" تاريخ الحركة الوطنية في السودان"، وكما جاء في مؤلف تاج السر عثمان: " خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية"، الذي كان سابقا للحرب العالمية الثانية وعام 1947 عندما انتزع عمال السكة الحديد شرعية تنظيمهم النقابي " هيئة شؤون العمال " للدفاع عن مطالبهم . فاضرابات ونضالات الطبقة العاملة ترجع جذورها بعيدا والتي تلازمت مع نشؤها وميلادها في بداية القرن العشرين ، مع مشاريع الاستعمار الحديثة : سكك حديدية ، مشروع الجزيرة ، صناعات خفيفة . الخ، كانت تعاني من الاستغلال البشع للاستعماريين ، في ضآلة الأجور التي كانت تتقاضاها ، وكان عمال الجنوب يعانون من اضطهاد طبقي وعنصري من خلال نظام الأجر غير المتساوي للعمل المتساوي مع عمال الشمال ، كما كانت المرأة تعاني من اضطهاد طبقي وجنسي من جراء الأجر غير المتساوي بين الرجال والنساء ، وكان جهاز الدولة الاستعماري هو المخدم الرئيسي والذي كان ينهب خيرات البلاد الاقتصادية ويصدر فائضها الاقتصادي للخارج ، وبالتالي كان من مصلحته أن يعيش العمال والمزارعون وصغار الموظفين وبقية القوي الأخرى العاملة بأجر علي حد الكفاف ليجنى أكبر قدر من الأرباح .

مع بداية القرن العشرين بدأت الإدارة البريطانية في السودان تشرع في إنجاز مشاريعها الزراعية والصناعية والخدمية في السودان ، واتجهت إلى توفير الأيدي العاملة من السودانيين وتشجيع العمل المأجور في التعدين وبناء السكك الحديدية وفي قطع الأخشاب وفي المشاريع الزراعية ، وكانت ظروف العمل سيئة والأجور ضئيلة ، وتشير تقارير الحاكم العام عام : 1903 ، 1907 ، 1908 ، الى إضرابات وقعت في تلك الفترة ، مثل : -
– في عام 1903 ، 1907 أضرب عمال مصلحة الغابات احتجاجا علي ظروفهم السيئة.
– وفي عام 1907 قام العمال المصريون الذين جاءوا إلي العمل في مصلحة البواخر النيلية بإضراب نتيجة تذمرهم من ضآلة أجورهم ، وكان السجن نصيب البعض منهم. وفي العام نفسه حدث إضراب للعاملين بمزرعة الفاضلاب ببربر وكانت أعمار العاملين تتراوح ما بين الثانية عشره والرابعة عشرة ( ويعكس هذا الاستغلال البشع لللاحداث دون سن ال16 سنة ) .
– وفي عام 1908 م قدم موظفو السلك الكتابي مذكرة ضمت شكواهم من شروط الخدمة وضآلة المرتبات.
وتواصلت اضرابات العمال مع الحركة الوطنية بعد الحرب العالمية الثانية " للمزيد من التفاصيل: راجع تاج السر عثمان: خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية، الشركة العالمية 2007).
ولم تكن الطبقة العاملة بمعزل عن ثورة 1924 ، فقد شارك بعض العمال في جمعية اللواء الأبيض وتمّ تقديمهم لمحاكمات " للمزيد من التفاصيل: راجع محمد عمر بشير ، مرجع سابق" ، بل جرت أولي المحاولات لانشاء نقابات للعمال، لكنها فشلت " للمزيد من التفاصيل راجع: مقال الأستاذ محمد سلمان
بجريدة الأضواء السودانية يناير 1969 م ( صحائف مطوية من تاريخنا الحديث ).
وجاءت الأزمة الاقتصادية لعام ( 1929 – 1932) التي كان لها أثرها علي تدهور المعيشة وانخفاض الصادر مما اضطر الحكومة إلي اتباع سياسة تخفيض القوي العاملة أملا في تخفيض المصروفات ، وطلبت من المصالح الحكومية الاستغناء عن بعض الموظفين والخدمات ومن ثم فُصل 1095 موظفا تقريبا من بينهم 271 موظفا بريطانيا و520 مصريا و69 سودانيا والباقون من السوريين والجنسيات الأخرى ، وتم استقطاع نسبة تراوحت بين : 5 –10 % من المرتبات كما خصمت بعض العلاوات الخاصة وتم تحقيق وفر قدره 125 ألف جنيه في السنة ( محمد عمر بشير : تاريخ الحركة الوطنية ، ص 129 ) .
كان رد الموظفين السودانيين إرسال عريضة للحاكم العام عبروا فيها عن معارضتهم لسياسة التقشف وتخفيض الوظائف والخريجين والأجور ، وكان اضراب طلاب كلية غردون 1931 ، وكوّن الخريجون لجنة العشرة لمتابعة المعركة التي واصلوها ، حتى جاء رد الحكومة إيجابيا إذ أعادت النظر في قرارها فيما يتعلق بمرتب الخريج الجديد ، وقررت أن يكون 6 جنيهات شهريا بدلا من 5 جنيهات و500 مليم ، وكان القرار في نظر لجنة العشرة انتصارا، وبنجاح إضراب كلية غردون أضحي الخريجون اكثر ثقة في بالنفس وتوصلوا إلى إمكانية إزالة بعض المظالم الواقعة عليهم من خلال العمل الجماعي المنظم ، ودفع ذلك الخريجين إلى اتباع وسائل اكثر فعالية لمواصلة عملهم.
في الواقع دور الخريجين كان له الأثر في تطور وعي الطبقة العاملة، و بدأ يتعاظم ويزداد في الحياة العامة بعد إضراب 1931 ومذكرة لجنة العشرة ، وتعيين سايمز حاكما عاما والذي طرح أفكارا تحررية حول التوسع في التعليم العالي وتقليص نفوذ الإدارة الأهلية ، وبدأ الخريجون يخرجون للحياة العامة بأشكال جديدة ، حيث ظهرت مجلتا "الفجر" و"النهضة السودانية" والجماعات الأدبية المختلفة وازداد النشاط الثقافي في أندية الخريجين بأم درمان ومدني وغيرهما، واثمرت هذه الجهود تكوين مؤتمر الخريجين عام 1938 م.
كان اثر الأزمة الاقتصادية كبيرا علي الطبقة العاملة وعلي مستوي معيشتها من تخفيض للأجور وتشريد واسع من العمل والمعاناة التي كان يواجهها المزارعون نتيجة للانخفاض المستمر في أسعار السلع الزراعية ونتيجة لذلك اضرب عمال ورش النجارين التابعة للسكة الحديد ( عبد الخالق محجوب : لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني ، ص 25 ) . وكان أثر الأزمة الاقتصادية كبيرا علي العمال الذين فضلا عن ذلك ازدادوا استياءا من استيعاب العمال الأجانب في الوقت الذي يعاني فيه الكثير من العمال السودانيين من البطالة ويعيشون حياة العوز والفاقة . وفي عام 1934 م اضرب 200 عامل بخزان جبل أولياء مطالبين بزيادة الأجور ، كما قام العمال المصريون في الخزان نفسه بإضراب مماثل ( محمد عمر بشير : ص 212 ) وفي سنة 1934 قام سائقو الترام والمفتشون وجامعي التذاكر بشركة الماء والقوي الكهربائية باضراب لمدة خمسة أبام ( نفسه : ص 212 ) ، كما يشير النقابي إدريس عبد القادر في مؤلفه : نضال العاملين عبر السنين ص 9 – 15 إلى إضراب عمال التراموي ( عمال مواصلات العاصمة ) في مايو عام 1928 ، ( إضراب شركة النور والقوي الكهربائية فيما بعد ) ، نتيجة لخصم 25 % من مرتب كل عامل لقيام حفل وداع للسيد الإنجليزي (مدير المصلحة) والذين قادوا ذلك الإضراب هم : علي عبد الله ، إسماعيل أبو حراز الفضل ابر أهيم سليمان .. الخ . وفي عام 1935 اضطرت الحكومة نتيجة لإضرابات وضغوط العمال أن تصدر هيكلا راتبيا جديدا ، وتم رفع الحد الأدنى للأجور كما كان معمولا به في جدول هدلستون من 180 قرشا مصريا وزيادة الحد الأقصى للأجور من 15 إلى 17 جنيها
فترة الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945 م ) :
اندلعت نيران لحرب العالمية الثانية والتي كان لها آثار بعيدة علي الشعب السوداني ، واشترك فيها السودانيون إلى جانب الحلفاء ضد الفاشية والنازية واضطر الاستعمار البريطاني أن يوسع الجيش السوداني لإرساله إلى شرق إفريقيا وشمالها للاشتراك في المعارك ضد جيوش الفاشية ، كما خلفت الحرب جوا ديمقراطيا نسبيا وخلقت وعيا سياسيا لدي جماهير الشعب السوداني والجنود الذين اشتركوا في المعارك في الخارج . كما أن إعلان الأطلنطي الخاص بتقرير المصير دفع مؤتمر الخريجين لرفع مذكرته الشهيرة عام 1942 م التي طرحت تقرير المصير ، كما قامت بعض الصحف التي أصبحت اكثر جرأة في نقد المظالم الواقعة علي السودانيين ونقد سياسة المفتشين البريطانيين ، كما تحرر الوضع في معاهد التعليم ، وتم إلغاء عقوبة الجلد وسمح للطلبة بإصدار صحف الحائط وبتكوين اتحادات إقليمية خلال العطلات المدرسية ، كما ادخل نظام للجمعيات التي يديرها الطلبة ، ومن جانب آخر ، وخلال فترة الحرب ونتيجة للحصار البحري والجوي علي بريطانيا ، اضطرت الإدارة البريطانية لإنشاء العديد من ورش الصيانة لآلات الحرب والمواصلات .
ابتدأ العمال السودانيون يتدربون علي الآلات الجديدة ، مما سمح بتطور في مستوي التدريب الفني لديهم ، كما أن نشؤ هذه الصناعات وسع من عدد الطبقة العاملة ، فتزايدت وانضم إلى صفوفها عدد من المزارعين السابقين والنازحين من القري ، لكن الطبقة العاملة كانت تعاني الأمرين : من اختفاء السلع الضرورية ومن جشع التجار وقسوة السوق السوداء ، إن الطبقة العاملة بدأت تحس بكيانها وتنمو عدديا ، كما إنها كانت ساخطة علي الاستغلال البشع والعمل الإضافي غير المدفوع في كثير من الأحوال ( عبد الخالق محجوب : لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني ، ص 30 – 31 ) . هذا إضافة لمعاناة المزارعين الذين كانوا مجبرين علي بيع إنتاجهم للحكومة بأسعار منخفضة ومعاناة صغار التجار من غير الذين كرسوا جهودهم للعمل في السوق السوداء ، فالسلع أصبحت شحيحة والاستيراد صعبا ، كما أن التصدير في كثير من الأحيان محتكرا للإدارة البريطانية ، وعلي سبيل المثال: تتناول صحيفة السودان الجديد الصادرة بتاريخ : 25 / 2 / 1944 م ميزانية ذلك العام بالنقد والتحليل جاء فيه : ( ماذا ينتظر الناس في ميزانية حكومة لا تصل إلى الستة ملايين من الجنيهات ، ومع ذلك فهي تنفق علي ما يزيد المليونين والربع مرتبا للموظفين وملزمة بدفع 415 ألف جنية للمعاشات و416 ألف جنية علاوة حرب و600 ألف جنية لمصروفات قوة دفاع السودان ، وهذه المبلغ تزيد عن 3,5 مليون حنية مصري ، أي حوالي 60 % من ميزانية البلاد كانت تنفق علي المصالح الاستعمارية في الحرب العالمية الخاصة ببريطانيا وحلفاءها ) . من كل ما سبق ، يتضح أن ظروف الحرب نتج عنها ارتفاع في أسعار البضائع والسلع الاستهلاكية في حين أن أجور العمال كانت ثابتة .
يقول د . سعد الدين فوزي ( إن الانخفاض الفعلي في مستوي دخل الفرد قد أثر علي جميع أقسام وفئات العاملين ، ذلك أن أجورهم لم تتغير منذ عام 1935 ، إذ أن ارتفاع الأسعار لم يواجه إلا بزيادة ضئيلة عبارة عن بدل حرب وبدل غلاء للمعيشة منذ نهاية الحرب ، وقد تضاعف مستوي المعيشة للسوداني ذي الدخل الأقل من 12 جنيها في 1946 بالمقارنة مع مستواها قبل الحرب ، ولكن تلك الظروف لم تحرك الحكومة لاتخاذ عمل إيجابي كان من شأنه تحسين أحوال معيشة العاملين أو زيادة أجورهم ( د . سعد الدين فوزي : الحركة العمالية في السودان ، 1946 – 1955 م ، جامعة اكسفورد ، بالإنجليزي ، 1957 ) .
وكان من الطبيعي ونتيجة لهذه الظروف القاسية أن تنفجر موجة الإضرابات من قبل العاملين في المصانع المختلفة ، وخلال الفترة : 1941 م – 1942 م وقعت علي سببيل المثال: الإضرابات الآتية : -
- إضراب عمال مصلحة الري بالجزيرة في اكتو بر 1941 م.
- عمال مصنع الزراير بعطبرة في نوفمبر 1941.
- إضراب عمال المقاولات بكسلا في يناير 1942 م.
- عمال بحر الغزال في يناير 1942 م.
- عمال مصلحة الأشغال العمومية بالخرطوم في إبريل 1942 م.
- عمال بجوبا في نوفمبر 1942 م.
- عمال الري بالشجرة عام 1942 م
- عمال مصلحة السكة الحديد بالمقرن بالخرطوم عام 1942.
كما امتدت الإضرابات جنوبا إلى جوبا وتسربت إلى صفوف الجيش السوداني ، ففي أبريل 1941 أعلنت إحدى فرق قوات دفاع السودان المحاربة بليبيا حالة إضراب في مراكز عملها احتجاجا علي إلغاء الإجازات ( محمد عمر بشير : تاريخ الحركة الوطنية ، ص 213 – 214 ) .
تكوين هيئة شؤون العمال
في عام 1946 نشأت "الحركة السودانية للتحرر الوطني" – حستو- في عطبرة ( الحزب الشيوعي فيما بعد) التي لعب دورا مهما في تأسيس هيئة شؤون العمال، في رواية د. مصطفي السيد في مؤلفه "ذكريات في مشاوير الحياة" ، ورواية الجزولي سعيد في مذكراته بمجلة الشيوعي العدد (150) التي تقول: حضر مصطفي السيد الي عطبرة عام 1946 ، وقام بتجنيد الشفيع أحمد الشيخ ، قاسم أمين ،ابراهيم زكريا، عثمان إبراهيم، عبد الله عثمان الريح، وسيد بيومي، تلك هي المجموعة الأولي التي انضمت ل(حستو) بعطبرة ، أما المجموعة الثانية كما يقول الجزولي سعيد "فبروزها مع قدوم هاشم السعيد من بورتسودان ليعمل في عطبرة ، وقام هاشم بتجنيد الجزولي سعيد ، محمد عثمان جمعة، جمبلان، محى الدين محمد طاهر"، وانضم اليهم فيما بعد الحاج عبد الرحمن، أرباب العربي، علي محمد بشير ، محجوب علي (النقابي العجوز). الخ. وانضمت المجموعتان لتشكل (حستو) بعطبرة، ولم يكن عبد الخالق أول من حضر الي عطبرة، فقد حضر اليها قياديون من الحزب قبله، كما يقول الجزولي منهم : عثمان وني المحامي ، إبراهيم حاج حمد الذي كان طالبا بالمدارس العليا وأصبح ناظر الجعليين فيما بعد ، وعوض عبد الرازق ، وجاء عبد الخالق عام 1947 لمرتين في نفس العام ، قدم عبد الخالق مساعدات سياسية وتنظيمية وفكرية، وطرح ضرورة تكوين النقابة،كما طرح عبد الخالق استقلال الحزب ، وبعد زيارة عبد الخالق صدر أول منشور للحزب في عطبرة بخط اليد.
وقبل العام 1946 تكونت أندية العمال في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي في المدن الكبري مثل : الخرطوم ، عطبرة ، بور تسودان والتي انطلقت منها النواة الأولى للتنظيم النقابي الذي كان بسبب ظروف العمال المعيشية وظروف العمل السيئة وغير الصحية، فلا ضمان ضد الحوداث في الورش التي تسبب الموت أو العاهات، كما جاء في رواية علي محمد بشير عن حادث مصرع الحداد ميرغني فرج الله في مؤلفه : " تاريخ نقابة عمال السكة الحديد والحركة النقابية في السودان، 1906- 1961، دار عزة 2006"، وفي رواية الجزولي سعيد والطيب حسن عن الظروف التي نشأت فيها هيئة شؤون العمال. يقول الجزولي سعيد: ( كانت حالة العمال رديئة، وظروف العمل سيئة ، وظروف الحرب سائدة حيث كان التموين والتقتير في توزيع السلع أحد معالم تلك الفترة هي الحركة المطلبية لنجاري ورش السكة حديد بعطبرة والذين مارسوا الإضراب المطلبي 1938 م . أما الطيب حسن فيري: أن هذا الإضراب حدث عام 1940 ، انظر (مذكرات الطيب حسن ، دار جامعة الخرطوم، ص 6 ) ، كما كان أحد معالمها بالمثل إضراب خريجي المدرسة الصناعية القسم الثانوي بعد مفاوضات اجروها مع الإدارة تتعلق بالمرتب الذي يتخرجون به ( أربعة جنيهات ونصف ) ، وكان أحد نتائج الإضراب قفل القسم وتجميد الدراسة لمدة سنة )، يقول إبراهيم زكريا " كان لي شرف تنظيم وقيادة مظاهرة (مدرسة الصنائع) الذي قاد لاغلاق المدرسة لمدة عام(مذكرات إبراهيم زكريا، مجلة الشيوعي 152).
يقول الجزولي سعيد :( في عام 1946 م نشأت هيئة شؤون العمال في عطبرة ، وبدأت تطالب لمدة سنة الاعتراف بها ، وكان في قيادتها سليمان موسى ( اتحادي ) رئيسا ، الطيب حسن ( اتحادي ) سكرتيرا ، قاسم أمين ( شيوعي ) نائب السكرتير ، الحاج عبد الرحمن ( شيوعي ) . بد أ الإضراب في : 12 / 7 / 1947 م واستمر 10 أيام ، وجاء من الخرطوم وفد يمثل الجبهة الاستقلالية والجبهة الاتحادية ( محمد نور الدين ومحمد احمد المحجوب ) ، ولاول مرة يحدث مثل هذا الإضراب الواسع .
ويواصل الجز ولي سعيد ( كان في الحركة – كتقييم – عنصر الوطنية الشاملة فيها الجميع ، لكن الشيوعيين لعبوا دورا مهما ) ( مذكرات الجز ولي سعيد : مجلة الشيوعي ، العدد 150 ، ص 76 ) .
يقول محمد السيد سلام ( الرئيس السابق لاتحاد نقابات السودان ) في محضر لقاء أجراه معه عبد الرحمن قسم السيد في كتابه "عمال السودان والسياسة" ، ص 143 وما بعدها ( الذين تصدوا لا نشاء الحركة النقابية كانوا من العاملين من قيادات مؤتمر الخريجين العام والأحزاب السياسية وفي مقدمتها حزب الأشقاء أمثال: سليمان موسى ، الطيب حسن ، عبد القادر سالم ، دهب عبد العزيز ، بشير حسين ، محمد إدريس ، حسين السيد ، ، محمد عبيدي برودويل ، عثمان محمد جسور . اليساريون : إبراهيم ذكريا ، قاسم أمين ، الشفيع أحمد الشيخ ، الحاج عبد الرحمن ، علي محمد بشير . حزب الأمة : عبد الله بشير ، النور آدم وآخرين، ومن بينهم مثقفون شاركوا في الجمعيات الأدبية التي كانت رائجة ومؤثرة في الحياة الفكرية أمثال : محمد السيد سلام ، سعد الدين الأمين ، عثمان ابر أهيم حربي ، فضل بشير ، الأمين علي عبد الله ، هاشم السعيد ، مصطفي فضل المولي ، كانوا حزبيين في تنظيمات الأشقاء ( تصويب من الكاتب: هاشم السعيد كان حزب أمة في البداية بعدها انضم للحزب الشيوعي ) .
ومن نادي العمال بالخرطوم : شريف أحمد شرفي ، الجاك موسى ، عبده حسن عجيب ، حسين محمد حسن ، زيدان بريمة ، جمعة الجاك .
ثم يواصل ويقول : ( كان وجود هؤلاء الأشخاص في قيادة الحركة النقابية العمالية مبررا طبيعيا لاتصال زعماء الأحزاب السياسية بالحركة العمالية ، إلا أن الحركة النقابية كانت مستقلة كامل الاستقلال بدليل رفض هيئة شئون عمال السكة حديد لكل محاولات الوساطة عند إضراب ال33 يوما بما في ذلك الزعماء الدينيون ، الأمر الذي أجبر الحكومة في ذلك الوقت لتكوين مفوضية برئاسة قاضي المحكمة العليا مستر واطسون للتقاضي مع الهيئة الذي أسفر عن وضع أول كادر للعمال من ثمان درجات برفع الحد الأدنى إلي 2,100 مليمج بدل عن 1,100 والحد الأقصى إلي 11,500 بدلا عن 10,500 إلى جانب بعض القضايا الخاصة بعمال السكة حديد في مقدمتها مشاكل عمال السينافورات مما يؤكد استقلالية الحركة النقابية العمالية في السودان وتأثيرها المباشر علي الحياة الاجتماعية في البلاد .. وهذا الموقف يشهد علي هذا ) .
هكذا نصل إلي أن قيادة الحركة النقابية كانت تتكون من اتجاهات متعددة ( أشقاء ، شيوعيون ، أمة ، وطنيون ، . الخ ) ، وإنها كانت حركة مستقلة عن الأحزاب والحكومة التي فشلت في التدخل لتدجين الحركة النقابية بتكوين صيغة (لجان العمل) التي رفضها العمال .
أثمر إضراب 1947 م قانون 1948 م وتم كشف مخطط الخبير الانجليزي (نيومان) لعمل نقابات علي الطراز الإنجليزي ، وتم انتزاع الموافقة علي النقابة حسب إرادة العمال، أصدر قاسم أمين كتابا بعنوان : كشفناك..كشفناك يا نيومان، دحض فيه صيغة "لجان العمل" ، وطرح البديل النقابة.
في عام 1948 م صدر قانون نقابات العمال والذي استمد أحكامه من قانون النقابات الإنجليزي لسنة 1871 م فيما عدا أن قانون نقابات العمال لسنة 1948 م أكد علي ضرورة تسجيل النقابات كما صدر في العام نفسه قانون منازعات العمال لسنة 1948 م وقانون منازعات العمال ( التحكيم والتحقيق ) ، كما صدر أيضا قانون المخدمين والأشخاص المستخدمين لسنة 1948 م ، وقانون تعويضات العمال لسنة 1948 م ، وكانت القوانين المذكورة مثل قانون نقابات العمال تستمد أحكامها من القوانين واللوائح الإنجليزية المماثلة ، وقد عهد لصياغة جميع تلك القوانين إلي أحد الخبراء البريطانيين الذي أنتدب من وزارة العمل والخدمة الوطنية .
وبعد أن حصلت هيئة شئون العمال علي اعتراف الحكومة بها أبدت رفضها لأحكام قانون نقابات العمال نظرا لما انطوي عليه من فرض اشتراطات وقيود كثيرة ، ولذلك احتج العمال من جديد .
وفي يناير 1948 م أضرب العمال ن كما أضربوا في مارس 1948 م إضرابا امتد 33 يوما ونتيجة للضغط تم تعديل القوانين لإزالة القيود ومن ثم انهالت طلبات تسجيل النقابات في عام 1949 م حيث كان هناك خمس فقط من النقابات التي استكملت إجراءات التسجيل ، وفي عام 1951 م ارتفع عدد النقابات المسجلة إلي 86 ثم إلي 99 في عام 1952 م وإلي 123 عام 1954 م ، وفي عام 1956 م ارتفع العدد إلي 135 نقابة ، وكانت تضم في عضويتها حوالي 87355 عاملا . ( تيم نبلوك : صراع السلطة والثروة في السودان، ص 123 ) .
بالتالي جاء انتزاع النقابة نتاج نضال طويل خاضة العاملون من أجل تحسين أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والثقافية منذ بداية القرن العشرين، عندما نشأت الطبقة العاملة بسبب المشاريع الصناعية والخدمية والزراعية التي أنشأها المستعمر. وهو ارث كبير تستند اليه الحركة النقابية في نضالها من أجل انتزاع قانون نقابات ديمقراطي يؤكد ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية بعد ثورة ديسمبر بع إلغاء قانون نقابة المنشأة، وتحسين الأوضاع المعيشية والصحية في ظروف جائحة "كرونا" التي أكدت فشل النظام الرأسمالي، ودور الدولة المهم في توفير الخدمات الخدمات الصحية والاحتياجات الأساسية للمواطنين.

alsirbabo@yahoo.co.uk
////////////////

 

آراء