قانون الأمن… ولو جاء مُبرءاً من كل عيب!!

 


 

عادل الباز
22 October, 2009

 

عادل الباز

 

 

في تسعينيات القرن الماضي كان صديقي محمد محجوب ضحية لوشاية خطرة أودت به الى السجن. لم تكن هذه الحادثة في شركيلا حيث موطنه، كما أن وقائعها لم تجرِ في الخرطوم، بل كانت في قلب العاصمة البريطانية لندن. كل ما جرى أن محمد محجوب ذهب في زيارة عادية لماثيو ابور الذي كان مسئولا في حكومة الجنوب وقتئذٍ، وهناك وجد قوات الأمن في انتظاره، فتم اعتقاله مباشرة. وقضى في محبسه خمسة وثلاثين يوما. وشاية وصلت الى السيد ماثيو بأن محمد محجوب شخصية خطرة على حياته، فسارع بإبلاغ الأمن الذي انقضّ عليه حال وصوله الى منزل ماثيو. هنا في الخرطوم قمنا أنا والزميل أحمد كمال الدين «الله يطراهو بالخير» بتنظيم احتجاجات أمام السفارة البريطانية، وقابلنا القنصل، واستنكرنا اعتقال صديقنا الأستاذ محجوب، فاستغرب استنكارنا لمبدأ اعتقال شخص خطر، وسألَنا هل نتركه يقتله ثم نقبض عليه؟.

طافت بذهني هذه الحادثة بالأمس حين اُستدعينا، استغفر الله أقصد حين دعُينا، لمباني جهاز الأمن لنستمع لشرحٍ وافٍ حول قانون الأمن الجديد، الذي يبدو أنه يزحف نحو البرلمان الآن.

جدل كثيف دار في الغرف المغلقة، وآخر منتظر في البرلمان وفي الصحافة، حول القانون. القضية الخلافية هي مبدأ سلطات وصلاحيات الجهاز، وبالذات سلطة ومدة الاعتقال. موقف الجهاز داع لمنح الجهاز سلطة الاعتقال والتي تبدأ بصلاحيات ضباط الجهاز، وتتدرج من النيابة الى القضاء. الجهاز يستند في موقفه على نقطة دستورية شملتها المادة الثالثة، بينما يرى المعارضون أن نيفاشا تعلو على الدستور، وهي لم تمنح الجهاز صلاحيات أكثر من إسداء النصح وجمع المعلومات. من هنا بدأ الجدل الذي دار في ردهات قاعة جهاز الأمن، وهو ما سيدور في البرلمان قريبا.

 في لقاء أمس قلت دعونا أولا نحدّق في المكان والزمان الذي نحن فيه الآن. نحن الآن في قاعة جهاز المخابرات، وقبل فترة وجيزة كان ضباط الأمن هم من يأتون الى دُورنا على أيام الرقابة القبْلية، الله لا أعادها. الآن نحن بين ظهرانيهم بأرجُلنا, الأمر الآخر أن (الجماعة ديل) كانوا يراقبوننا، ولكن الآن يقع جهاز الأمن والمخابرات تحت رقابة الصحافة، ابتداءً من قانونه، وحتى ممارساته لاحقا. إذا كان لأي شخص شك في التحول الديمقراطي فليرانا في هذه الجلســـة الما منظــــور مثيله. في قاعة المخابرات نتجادل معهم حول أحقيتهم في مبدأ الاعتقال!! بالله شوف.

قلت في مداخلتي إن الجدل حول القانون بهذه الطريقة لا معنى له، بل ولا أرى معنى أصلا لإيداع القانون على منضدة البرلمان الآن. أولا إن المخاوف التي تبثها الأطراف المعارضة للقانون تنبع من خشيتهم من الاستخدام السياسي لمواد القانون ضد المعارضين، أو ضد أنشطتهم السياسية أو تعويق ممارستهم الديمقراطية. وهذا لن يحسمه قانون، بأي كيفية أو مواد أُجيز. فإذا كانت نية الحكومة إعاقة المسار الديمقراطي، فبإمكانها أن تفعل ذلك بشتّى الطرق، فهي قادرة على أن (تتلولو وتتحايل لتعطيل نشاط القوى السياسية) بمداخل عديدة، ولذا فإن هذه المخاوف لن يهديها القانون ولو جاء مبرءاً من كل عيب. الحل الأمثل أن تتوافق القوى السياسية والحكومة على أن يكف جهاز الأمن والحكومة من ورائه عن التدخل في إعاقة أي نشاط سياسي، وهذا ما وعد وبشّر به السيد مدير الجهاز الفريق محمد عطا في لقاء الأمس، بل قال إن الجهاز لايمكن أن يعمل بمثل هذا الغباء. فإذا ما تمت اتفاقية (جنتل مان) وبعُد الجهاز من الانغماس في النشاط السياسي أو الانحياز لحزب، فلا أرى معنىً لهذا الجدل، كما أنني أشك في أن المعارضين للقانون يرغبون في ترك البلاد في العراء نهبا للإرهاب والتخريب، بكف يد الجهاز عن وقف الجرائم قبل وقوعها. لا أظن أن هناك معارضة عاقلة تقول بذلك. ولذا فإن تهدئة مخاوفها سياسيا ممكن، والالتزام بالاتفاق معها بحرية النشاط السياسي يجعل من إجازه القانون أو تأجيله سيان.

 في ذات الجلسة تساءلت عن دواعي العجلة وخاصة إذا ما حدث توافق سياسي حول القانون، سيما أن القانون بصورته الراهنة يشتمل على محاصصات سياسية، تنتهي بانتهاء الانتخابات، فهل سنعود مرة أخرى لتعديله بعد أقل من عام؟ لماذا لانترك مهمة إجازة القانون للبرلمان المنتخب ديمقراطيا، يجيزه أو لايفعل، «علي كيفو». كان هذا ملخص مارأيت في جلسة الأمس التي قبلت النقاش الحر لا التنويرات الصارمة. والله الزمن اتغيّر ولكنكم تنكرون!!

 

آراء