قبسات من سيرة آدم باشا العريفي
محمد التجاني عمر قش
14 March, 2022
14 March, 2022
gush1981@hotmail.com
يهدف هذا المقال التاريخيّ للحديث عن شخصية عظيمة السيرة، عالية القدر، رفيعة المنزلة، كريمة السُّمعة. وهذا النوع من الكتابات يستعصي على من تمهّرَ وبَرَع من أرباب اليراع في هذا الضرب من ضروب الكتابة؛ إذ إنّ هذا المَسلَك من الكتابة في هذا المجال حَمّالُ أوجُه، تجتمع فيه السيرة الذاتية بالرواية التاريخية، مما يتطلب جهدا من الكاتب للامساك -باقتدار-بالخيوط المتشابكة ما بين الضربين من أنواع الكتابة. وفي كليهما يحتاج الكاتب إلى وفرة المعلومة ودِقّتها؛ فدِقّةُ المعلومة عن حياة الشخص شَرْطُ صِحّةٍ لما يرتبط به من أحداث تقع في مضمار ما يرويه الكاتب من تاريخ مبتعداً عن آفة تلوين التاريخ بما هو ذاتي. والرَّهَقُ كلُّ الرَّهَقُ إن كان مَن يُكتَبُ عنه مِمَّن يصنع الأحداث أو مِمَّن تدور الأحداث حولَهم. وقد يصعب على القارئ أن يستوعبَ ما يُكتَبُ عن شخصٍ ما إلا بوضع صورته في الإطار البيئي الذي نشأ وترعرع فيه ذاك الشخص، فالإنسان ابن بيئته التي تؤثر على حياته زمانياً ومكانيّاً، وهذه حقيقةٌ لم يغادر الشعراءُ فيها من متردَّم.
فالبيئةُ المكانية والظروفُ الاجتماعية المحيطة بنشأة شخصيتنا في هذا المقال خيرُ مُفتَتَحٍ للكتابة عنه؛ إذ إنّه عاش في ظروف وبيئة استثنائيتين، جعلتا منه أن يكون واحداً من أبطال السودان وعظمائه بلا أدنى شك. فقد ولد هذا الرجل في كُورة شمال كردفان وبواديها الواسعة، حيث عاشت قبائل دار حامد، أو فزارة منذ وقت مبكر من القرن الخامس عشر الميلادي بعد هجرتها شرقاً من منطقة أم دخن في غرب جبل مرة، تحت ضغط سلطنة الفور، واستقرت تلك القبائل في الرقعة الواسعة من الأرض فيما يعرف الآن بمحليتي بارا وغرب بارا، في ولاية شمال كردفان، وظلت فروع هذه القبلية مرتبطة مع بعضها البعض اجتماعياً وجغرافياً، كما أنّها شاركت في كثير من الأحداث التي شهدتها المنطقة والسودان عموماً في تلك الفترة من تاريخه، بما في ذلك تأسيس دولة الفونج في إطار طلب دار حامد الحماية من سلطان الفور، فشكّل انتشار هذه القبائل سدّاً منيعاً من تمدد سلطنة الفور شرقاً. وقد تكون القبيلة قد شاركت مع الكواهلة في تأسيس مملكة العباسية تقلي، إلا أننا لم نجد دليلاً واضحاً في هذا الصدد. وعندما قام محمد الدفتردار بغزو كردفان في عام 1821، وقف فرسان دار حامد بقيادة المقدوم مسلم ضد الجيش الغازي وأبلوا بلاءً حسناً في موقعة بارا، حيث استشهد ما يقارب ثمانية آلاف فارس من دار حامد من أمثال إبراهيم ود دير وغيره من الذين سَقَوا ذلك الثرى بدمائهم الطاهرة. وفي المهدية كان أمبدة ود سيماوي أحد أشهر قادة الثورة، ومع بدايات المهدية قامت دار حامد بتحرير حامية أسحف وشاركت في حصار بارا، التي كانت مقدمة لفتح الأبيض وموقعة شيكان فيما بعد. وقد برزت شخصيات عظيمة من هذه المجموعة عبر التاريخ. وفي مطلع الحكم التركي نشب نزاع بين السلطات التركية هناك وبين زعماء قبائل دار حامد، ربما يكون ذلك فيما يعرف بـ "كتلة شاكر 1829-1830" أحد أشهر حكام العهد التركي في كردفان، مما أدى إلى مقتل بعض الأشخاص، فما كان من العقلاء من القبيلة إلا أنْ قرروا شدّ الرحال بعيداً عن ذاك المكان تفادياً لسفك الدماء وإزهاق الأرواح؛ وخوفاً من بطش الأتراك، فخلت الدار من أهلها لفترة من الزمان. في ذاك الحين من الزمان كان الصبيُّ القروي (آدم محمد ضو البيت العريفي) يرعى غنمه في الفلاة بعيداً عن موطن العشيرة، فلما عاد وجد الدار خاليةً من الأهل والأقارب، فلم يجزع الصبي أو يزرف دمعاً أو يترك أغنامه، بل سقاها في "العد" وعاد أدراجه إلى الفلاة وحيداً رغم صغر سنه حيث لم يكن يتجاوز عقده الأول من العمر بعد. دارت الحلقات الأولى من هذه القصة في مضارب العريفية الواقعة إلى الغرب من مدينة بارا حول جبل الهيماوي في منطقة دار حامد.
وبعد أنْ استقرت الأمور للجيش الفاتح في ربوع كردفان، في العقد الثالث من القرن التاسع عشر، أي بعد عام 1821، نشطت التجارة بين الأبيض والقاهرة؛ خاصة تجارة الصمغ العربي عبر درب الأربعين وصولاً إلى دنقلا ثم منها إلى صعيد مصر تحت إشراف حكومة الخديوي وبمشاركة فعالة من قبل "جمّالة" شمال كردفان الذين كانوا يتولون نقل الصمغ إلى أسواق "الريف" أي مصر. في تلك الأثناء كان الصبي آدم محمد ضو البيت العريفي، من عربان دار حامد، يرعى غنمه كما أشرنا في تلك الفيافي وحيداً، فمرت به قافلة في طريقها إلى مصر. توقفت القافلة عند الصبي وسألوه عن قومه فحكى لهم ما حدث فعرضوا عليه أن يذهب معهم إلى الأبيض لعله يستطيع معرفة مكان أهله أو يجد أخبارهم عند الشرطة أو الجهات الحكومية! لم يكن الصبي يعلم أن القافلة متجهة شمالاً، ولكنها عندما وصلت إلى (دنقلا) أدرك أنه قد وقع في فخ فما كان منه إلا أن صاح بأعلى صوته معلناً أن أولئك القوم قد سرقوه! في تلك اللحظة أسقط في يد الرجال الذين كانوا في القافلة فاعتذروا للصبي وتركوه تحت رعاية شيخ المنطقة وواصلوا سيرهم شمالاً. ظل الطفل آدم يعمل مع ذلك الشيخ ويقيم معه في داره معززاً مكرماً لاسيما وأن صاحب الدار قد أدرك نبل ذلك الطفل وفطنته وكرم أرومته حتى وهو في تلك السن المبكرة فبات يعامله كما يعامل أبناءه. مرت سنين من الزمان والصبي يقيم في دنقلا دون أن يعلم أهله عنه شيئاً ولم يجد سبيلاً إلى الرجوع فاحتمل الغربة وبدأ يشق طريقه بعيداً عن مراتع صباه ومضارب أهله في شمال كردفان في غربة لا النفس راضية بها ولا حبيب يرى ما به فيكتئب. بالطبع لم يكن الصبي آدم يعلم أن الأقدار تخبّئ له العظمة والشهرة، كما أنه لم يكن يدرك معنى الآية (فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا). ظل الصبيُّ آدم على تلك الحال حتى بلغ الثالثة عشرة من عمره. وبما أنّه قد كان (غريب الوجه واليد واللسان) في دنقلا، فقد تعلم لسان أهل المنطقة (الرطانة) في وقت قياسي حتى أجادها تماماً، مما يدل على نبوغه وفرط ذكائه. وهنالك رواية تقول إن آدم العريفي قد ولد في جبال النوبة في جنوب كردفان وربما تكون الأسرة قد ذهبت هناك لبعض الظروف الطبيعية أو الاقتصادية.
كان آدم فتى عربيَّ الملامح، فارعَ الطول، قويَّ البنية، معتداً بنفسه، رابط الجأش، حتى في تلك السن المبكرة، لا يميل إلى اللعب مع أترابه إلا لِماماً، مليح القسمات مع صرامة لا تخطئها العين والبصيرة. وكان ذلك الفتى إذا أوكل له الشيخ مهمة أداها بكل أمانة وصدق ودراية؛ فأعجب به الشيخ أيما إعجاب حتى فكر أن يستبقيه معه، بيد أن الأقدار كانت دائماً تسوق فتانا نحو المجد والسؤدد وهو لا يدري.
ذات يوم قرر الخديوي تجنيد بعض الشباب من شمال السودان للعمل في سلك الجندية فأرسل بعض أعوانه إلى دنقلا والمناطق المجاورة لها حتى يأتوه بكل من تتوفر لديه متطلبات العمل العسكري، فأخذ أعداداً كبيرة من الشباب في تلك المنطقة، ومن بينهم الصبيّ آدم. ولما وصل هؤلاء إلى القاهرة أدخلوا معسكرات التدريب إلا آدم لم يلتحق بالجيش نظراً لصغر سنه فرأى القائمون على الأمر إرساله للعمل في قصر الخديوي لما علموا عنه من صدق ونبل وأمانة. فسبحان مغير الأحوال فذلك الصبي الذي كان يرعى الغنم في ربوع دار حامد بشمال كردفان وجد نفسه فجأة وسط القصور والخدم والحشم وتلك الحياة التي تتطلب الالتزام بنظام محكم وصارم من حيث المظهر والمسلك وحتى طريقة الكلام. استسلم آدم لذلك الواقع الجديد مع حنينه (أبداً لأول منزل) في تلك القرية التي باتت تفصله عنها بيد دونها بيد. لم يلبث ذلكم الشاب حتى بدأ يتأقلم مع تلك الحياة ولكنه حافظ على ذلك السمت الملتزم دوماً بقيم المروءة والشجاعة والصبر والانضباط. كان من حسن الطالع أن يكلف الفتى آدم بمرافقة الأمير إسماعيل بن إبراهيم باشا الذي كان حينئذ يتلقى العلم في الأزهر الشريف. ودأب الشاب السوداني على حضور مجالس العلم حتى حفظ القرآن الكريم ودرس اللغة العربية وحفظ متون الفقه، خاصة الشافعي والمالكي، هذا فضلاً عن إلمامه التام باللغة التركية، تحدثاً وكتابة، ونال شهادة عليا من الأزهر الشريف فأعجب الخديوي بنبوغه ورجاحة عقله فعينه ضابطاً في الحرس الخديوي حيث أظهر كفاءة عالية وتفان منقطع النظير في أداء واجبه. وفيما بعد طلب إسماعيل من والده أن يلحق رفيق دربه آدم العريفي بالجيش المصري؛ ليبدأ نجمه في الصعود بعد أن شارك في كثير من العمليات العسكرية في مساحة امتدت إلى البوسنة والهرسك ودول البلقان الأخرى، ثم في تركيا وبعض البلاد الآسيوية التي كانت تتبع لسلطان الأستانة بما في ذلك حملة إبراهيم باشا ضد الدولة السعودية حيث وصلت تلك القوات حتى الدرعية في وسط نجد فاستولت عليها. وشارك آدم العريفي في كل تلك العمليات والحروب بكل كفاءة واقتدار، شهد له بذلك كل الذين عملوا معه أو كانوا تحت قيادته. وقد أورد الموقع الرسمي للقوات المسلحة السودانية ما نصه (عندما نشبت حرب القرم (1854-1856م) بين تركيا وروسيا لجأ الباب العالي (السلطان العثماني) إلى والي مصر طالباً منه مده بقوات لتشارك في الحرب، فقام بإمداده بالأورطة التاسعة (كتيبة) التي شاركت في الحرب إلى جانب تركيا وكان دورها كبيراً وفاعلاً. وكان آدم بك العريفي أحد ضباط هذه الأورطة. وترقى في عام 1867م إلى رتبة أمير اللواء ومنح اللقب (باشا). ولما قرر الخديوي إسماعيل توسيع نطاق نفوذه في السودان وأفريقيا عموماً عمد إلى اختيار أفضل عناصر جيشه من جند وضباط ليدفع بهم في تلك المهمة التي لم تكن تخلو من بعض المخاطر والمشقة. وتشير بعض المصادر التي أرخت لتك الفترة إلى ما قام به هذا الرجل العظيم فقد شرح المؤرخ المعروف جون يودال في كتابه عن تاريخ السودان في الفترة بين عامي 1504 و1862م كيف أن نجم آدم باشا العريفي، من عربان دار حامد، قد بدأ في البزوغ وهو في الخمسين من عمره بخوضه حروباً عديدة مع الجيش المصري والتركي في داخل البلاد وخارجها، وتدرج في الرتب حتى ترقى إلى رتبة القائد العام في عام 1871. ويذكر المؤلف ما يلي: (صدر أمر لآدم باشا سر العسكر بأن يقوم باعتقال أحمد ممتاز باشا وأن يحل محله كحاكم عام. وقد حانت أخيراً فرصة ذهبية لسوداني قوي أمين أن يتولى منصبا كبيراً ذا خطر. إن لم يكن حكمداراً فليكن الحاكم العام للمناطق جنوب الخرطوم. كان الرجل في منتصف الخمسينيات من العمر وله من الإنجازات العسكرية سجل طويل مشرف في خدمة الجيش التركي المصري، وكان يتمتع بثقة لا حدود لها من جنوده السودانيين لشجاعته وعدالته ونظافة يده، إذ لم ينسب له قسوة أو ظلم أو فساد أو سوء تصرف في أي موقع شَغَلَه أو عَمِل به، حتى في ذلك العهد الذي اتسم بالظلم عموماً. وبهذه الصفات كان الرجل مؤهلاً تمام التأهيل لحكم السودان على الرغم من أنه لم يكن تركيا، ولكن من المؤكد أنه كان مقرباً من بعض دوائر الحكم في مصر.
مرة أخرى ساقت الأقدار آدم باشا وإسماعيل أيوب للعمل معا لإنقاذ حملة محمد الهلالي ناظر الخديوي في دار فرتيت. قام الهلالي في مايو من عام 1872 بتكليف من جعفر مظهر بحملة ضد زرائب تاجر الرقيق الشيخ الزبير رحمة منصور في بحر الغزال، بيد أن تلك الحملة منيت بالفشل ونجح ملازم الزبير الرئيس رابح فضل الله في قتل الهلالي. بعد نحو ثلاثة أشهر وصل الخبر إلى نائب الحاكم العام السر عسكر آدم باشا العريفي الذي نقل بدوره الخبر الحزين إلى القاهرة على الفور. كان تقدير آدم للموقف هو أن قتل الهلالي والقضاء على الحملة التي كان يقودها باسم الخديوي إنما هي نتيجة لخيانة من ملاك "زريبة الزبير". لذا اقترح على مصر أن توجه حملة إنقاذ من كردفان تصوب نحو بحر الغزال لاعتقال الزبير وإحضاره للخرطوم للتحقيق والمساءلة، لكن خلافا لنصيحة آدم باشا العريفي رمى الخديوي باللوم على الهلالي لهجومه على زرائب الزبير، وقرر تعويض ملاك الزريبة بعد أن قرر المحققون أنهم تضرروا من تلك الحملة). هذا النص يشير بوضوح تام إلى أن آدم باشا العريفي قد تبوأ مكانة عليّة في سلك العسكرية وصار قائداً فذاً تسند إليه المهمات الصعبة بحكم خبرته وتجربته الطويلة الممتازة. ومع هذا كله ظلت سيرة هذا البطل مجهولة لدى كثير من الناس ولم يرد ذكره إلا في عدد قليل جداً من المصادر التي تتحدث عن تاريخ السودان، ليس هذا فحسب بل أن هنالك من هم أقل منه شأناً ولكنهم حُظوا بقدر كبير من الدراسة وأفردت لهم مساحة واسعة في مناهجنا الدراسية وقدموا كأبطال قوميين لحاجة في نفوس من كتبوا التاريخ أو وضعوا المناهج الدراسية! عموماً يشير نفس المصدر السابق إلى بعض المعلومات التي تتعلق بسيرة آدم باشا العريفي قائلاً: (عندما عيّن إسماعيل أيوب حكمداراً في أكتوبر عام1872 كلف آدم باشا العريفي ليكون سر عسكر الجيش (القائد العام). وعقب تنصيبه كحاكم عام للسودان، صدر أمر إسماعيل باشا أيوب باحتلال القلابات وهي نقطة الحدود التجارية الهامة مع الحبشة، وعهد لآدم باشا العريفي بقيادة تلك الحملة وكان الرجل شديد الإدراك لخطورة الأطماع التوسعية عند قادة الحبشة الذين خلفوا الإمبراطور الحبشي ثيودور. وأفلحت حملة احتلال القلابات في مايو 1873 في مسعاها. ومرة أخرى يثبت هذا القائد والضابط العظيم أنه جدير بالثقة؛ لأنه أينما وجّه ركائب جيشه فهي بالنصر المؤزر ترجع، فسحائب الرضوان تغشى تربة ضمته ما نجم يغيب ويطلع. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التاريخ في العالم الثالث وفي إفريقيا والسودان على وجه الخصوص قد ظل يعتمد على الروايات الشفهية؛ نظراً لشح المصادر الموثوقة التي، إن وجدت، فهي إما شحيحة أو أنها كتبت بأقلام غربية أو استخباراتية أو محلية ذات أغراض ضيقة لا تسعى لكشف الحقائق؛ ولهذا السبب ظلت كتابة تاريخنا القومي وتدوينه وفقاً لمعايير علمية دقيقة ومحايدة مطلباً ملحاً؛ حتى نسلط الضوء على شخصيات قامت بأدوار عظمية في مسيرة أمتنا من أمثال آدم باشا العريفي. وفي هذا الصدد نود أن نقتبس مما سطره نعوم شقير في كتابه " تاريخ السودان" عن آدم باشا العريفي. لقد أورد هذا المؤرخ طرفا معتبراً من سيرة آدم باشا العريفي؛ فقد قدم لنا رواية متكاملة عما قام به ذلك الضابط العظيم آدم باشا العريفي حتى أخمد ثورة الجنود الجهادية السود بعد أن تمردوا على سلطان الدولة في كسلا فأحدثوا فيها خراباً كبيراً وبثوا الرعب بين المواطنين حتى كادت الحياة تتوقف تماماً وينفلت زمام الأمر لولا حكمة آدم باشا وحنكته. يقول نعوم شقير: (فتح الجهادية المزاغل في القشلاق والمنازل التي في جواره وصاروا يرمون المارة بالرصاص فقطعوا السابلة وحبسوا الناس مدة 26 يوما حتى حضر آدم بك من ود مدني فالخرطوم فبربر بمدد من الجنود المنظمة والباشبوزق فكفوا عن الحرب. أما آدم بك فقد كان من أعظم ضباط الجيش المنظم وقد تربى في مصر ورافق إبراهيم باشا إلى بر الشام فاشتهر بالبسالة والدربة وحسن السياسة. ولذلك كتب إليه إسماعيل باشا باللغة التركية في سبتمبر 1865 قائلاً: عزتلو آدم بك، إني أعلم بسالتك وحسن سياستك منذ كنت مع المرحوم والدنا في سوريا فحقق آمالنا فيك وعند انتهاء الثورة أحضر إلى مصر والسلام. بعد وصوله إلى كسلا، اجتمع العريفي مع الضباط وخاطبهم قائلاً: " يا أولادي ما هذا التمرد والعصيان اللذان جاهرتم بهما، ألستم أولاد أفندينا الذي شرفكم بخدمته وأجرى عليكم الأرزاق والخيرات، فهل يحسن بكم أن تعصوه وتنقضوا على حكومته وهو قد عهد عليكم تأييد سلطته في البلاد؟ نعم إنكم مظلومون لعدم أخذ رواتبكم في أوقاتها ولكم أن ترفعوا أصواتكم بالشكوى لكنكم خرجتم عن حد الشكوى ووسعتم الخرق. ومع هذا فإني أرجو إصلاح الأمر وأخذ العفو لكم من ولي النعم في القاهرة"). بهذا الأسلوب الأبوي استطاع آدم باشا العريفي السيطرة على ذلك التمرد وانتهت ثورة الجهادية في كسلا بعد أن ازهقت كثيراً من الأرواح وأضاعت كثيراً من الأموال. ولكن بعض كبار الضباط قام بعكس ما توصل إليه آدم بك مع الجهادية فذهب العريفي إلى مصر مغاضباً فاستقبله الخديوي وطيب خاطره وأنعم عليه بلقب الباشوية. عاد آدم باشا العريفي إلى الخرطوم وظل يعمل في الجيش بكل تفانٍ وإخلاص لعدة سنوات. وحسبما ذكر جون يودال في كتابه الذي ترجمه بدر الدين الهاشمي:(ليس من المعلوم إن كان آدم باشا العريفي قد تقاعد وهو في رتبة سر عسكر ولكن سيذكر التاريخ آدم باشا العريفي كأول سوداني وصل لرتبة لواء ثم سر عسكر في الجيش أثناء الحكم المصري التركي، لا سيما وأنه قد ترك وراءه اسماً وتاريخاً عسكريا ممتازا مشرفا. يفترض أن يكون آدم باشا قد تقاعد وهو في الستين من عمره، بيد أنه من المؤكد أنه في أكتوبر من عام 1879 لم يرد أسم آدم باشا العريفي من ضمن من رشحوا لشغل منصب الحكمدار بديلا لغوردون باشا). هذه المعلومات تشير بوضوح أننا أمام شخصية فذة وقيادي مقتدر ليس في المجال العسكري فحسب، بل في مجال الإدارة والمواقف الصعبة التي تحتاج إلى قدر من الحكمة والحنكة؛ ولذلك نستطيع القول بأن آدم باشا العريفي شخصية قومية تستحق منا الدراسة حتى نستخلص من سيرته العطرة قبسات لعلها تضئ الطريق لكل من يريد العمل من أجل رفعة الوطن ونهضته.
على الرغم من تلك المدة الطويلة التي قضاها آدم باشا بعيداً عن دياره ومراتع صباه، وبغض النظر عما نال من شهرة وحاز من مكانة رفيعة إلا أنه ظل وفياً لعشيرته فما انفك يزورهم في شمال كردفان بين الفينة والأخرى وتزوج بإثنين من بنات القرية وأنجب منهما ذرية طيبة. ولقب آدم باشا بالعريفي؛ نظراً لأنه ينتمي إلى فرع العريفية من قبيلة دار حامد، وهي قبلية فزارية دخلت السودان من البوابة الغربية ضمن الحلف الهلالي الجهني ولذلك ينسبون خطأً لجهينة في بعض المصادر التاريخية. يقيم فرع العريفية الآن في إدارية الحاج اللين التابعة لمحلية غرب بارا وتمتد ديارهم شرقاً حتى خور أبو قايدة والرغاي في منطقة الخيران إلى الشمال من بارا. عاش آدم باشا العريفي مع أسرته في وسط الخرطوم وكان منزله عند موقع مجلس تشريعي الخرطوم الآن. والجدير بالذكر أن أسرة آدم باشا العريفي قد أحرزت قصب السبق في نشر التعليم في منطقة مجلس ريفي دار حامد إذ قام المأمور عبد الله عثمان العريفي بإنشاء مدرسة خور جادين الأولية في عام 1949، بالقرب من قرية دميرة الواقعة في مجلس ريفي دار حامد، وهي أول مدرسة للتعليم النظامي تؤسس خارج مدينة بارا، وقد درس في تلك المدرسة كثير من الرجال الذين شغلوا مناصب متقدمة في مختلف المجالات الإدارية والعسكرية والأهلية.
توفي آدم باشا العريفي في الخرطوم، على ما يبدو قبيل الثورة المهدية بقليل، ووسد الثرى في المقابر الكائنة بجوار قباب الأتراك في شارع البلدية بوسط الخرطوم. عموماً لو عاش هذا الرجل في أي بلد غير السودان لكتب اسمه بأحرف من الذهب في سجل العظماء ولكن من المؤسف حقاً ألا يجد سعادة اللواء والباشا حظه من الاهتمام اللازم ولم يطلق اسمه ولو على شارع صغير في عاصمة البلاد ولا حتى على أي قاعة في واحدة من الكليات العسكرية في السودان. إن أمة لا تقدر عظماءها لهي أمة لا تحتفي بتاريخها. إن أمثال اللواء آدم باشا العريفي هم من يجب أن يقدموا كقدوة أو نماذج للأجيال من خلال دروس التربية الوطنية لأنهم عملوا بصدق وأمانة حتى شهد لهم الجميع بالعظمة والكفاءة فلله درهم من قادة عظماء. لم يكن آدم باشا العريفي أول سوداني يترقى إلى رتبة لواء فحسب بل كان إدارياً متمرساً ورجلاً مثقفاً يعلم ما يدور في كل أنحاء العالم من حراك سياسي وصراعات بين كثير من القوى العالمية والإقليمية وكانت له مشاركة مشهودة في كثير من الأحداث والمواقف وبذلك استحق أن يخلده التاريخ بكل جدارة، سيما وأن رجالاً من أسرته قد شاركوا أيضاً بقدر كبير في مجالات الإدارة والعسكرية والتعليم والفنون ومنهم على سبيل المثال لا الحصر المأمور عبد الله العريفي والبروفسور صالح العريفي والأستاذ سليمان جاد الله العريفي الفنان التشكيلي المعروف وغيرهم كثر ممن خرجوا من رحم هذه الدوحة الوارفة
وفي الختام يجدر بنا أن نؤكد أن ما حازه آدم باشا العريفي من نجاح وصيت يعود إجمالا لكونه سودانياً نشأ في بيئة كردفانية هيئته لأداء تلك المهام الصعاب التي اجتازها بجدارة وحنكة، فضلا عن كونه ينتسب إلى قبيلة ذات سمت بدوي أصبغ عليه ذكاء البادية وشجاعة البدوي وجلده وعزة نفسه، فالبدوي أينما كان ملك في دنياه؛ فالأرض كلها له ولأنعامه والسماء كلها وما حوت من أنجم وكواكب هي سقف داره، ولعل قبيلته التي انتمى إليها أورثته حُسْنَ الأخلاق وطِيبَ المكارم. فرجل بهذه السيرة العامرة، كيف فات على مؤرخينا وباحِثِينا أنْ يكتبوا عنه كتابة تاريخيةً تخلّد ذكره وتسطّر تاريخه لمقبل الأيام، أكسلاً منهم حال دون حفرهم لمكامن المعلومة، أم تأثرا بسير الأجنبي المغرض في كتابة تاريخ السودان، أم انجراراً لقيد الانحيازيات الجهوية. فهذا رجل قامة، قيمته فيما سجله التاريخ عنه إلا أنه قد أُسقط عمداً مما نتداول أو ندرس من تاريخ. فقد آن الأوان لإنصاف آدم باشا العريفي وأضرابه ممن طالهم سيف التناسي أو التجاوز المتعمد.
هذه مقاربة لتسليط الضوء على سيرة آدم باشا العريفي أحد عظماء السودان، وقد جعلت من البيئة مدخلا للتعرف على شخصيته نظرا لأنه ولد وترعرع في شمال كردفان حيث اكتسب صفات الصبر والجلد وتحمل المشاق مع رحابة الصدر ورجاحة العقل مما جعله يتبوأ أعلى المراتب والدرجات حتى أصبح سر العسكر وحاكم عام السودان وخلّف لنا هذه السيرة العطرة التي نقتبس منها الآن ويكفي أنه قد شغل منصب الحاكم العام لمدة ستة شهور في عام 1872 وخلد بذلك اسمه في قائمة الرؤساء الذين حكموا البلاد، ألا رحم الله هذا القائد المحنك.
يهدف هذا المقال التاريخيّ للحديث عن شخصية عظيمة السيرة، عالية القدر، رفيعة المنزلة، كريمة السُّمعة. وهذا النوع من الكتابات يستعصي على من تمهّرَ وبَرَع من أرباب اليراع في هذا الضرب من ضروب الكتابة؛ إذ إنّ هذا المَسلَك من الكتابة في هذا المجال حَمّالُ أوجُه، تجتمع فيه السيرة الذاتية بالرواية التاريخية، مما يتطلب جهدا من الكاتب للامساك -باقتدار-بالخيوط المتشابكة ما بين الضربين من أنواع الكتابة. وفي كليهما يحتاج الكاتب إلى وفرة المعلومة ودِقّتها؛ فدِقّةُ المعلومة عن حياة الشخص شَرْطُ صِحّةٍ لما يرتبط به من أحداث تقع في مضمار ما يرويه الكاتب من تاريخ مبتعداً عن آفة تلوين التاريخ بما هو ذاتي. والرَّهَقُ كلُّ الرَّهَقُ إن كان مَن يُكتَبُ عنه مِمَّن يصنع الأحداث أو مِمَّن تدور الأحداث حولَهم. وقد يصعب على القارئ أن يستوعبَ ما يُكتَبُ عن شخصٍ ما إلا بوضع صورته في الإطار البيئي الذي نشأ وترعرع فيه ذاك الشخص، فالإنسان ابن بيئته التي تؤثر على حياته زمانياً ومكانيّاً، وهذه حقيقةٌ لم يغادر الشعراءُ فيها من متردَّم.
فالبيئةُ المكانية والظروفُ الاجتماعية المحيطة بنشأة شخصيتنا في هذا المقال خيرُ مُفتَتَحٍ للكتابة عنه؛ إذ إنّه عاش في ظروف وبيئة استثنائيتين، جعلتا منه أن يكون واحداً من أبطال السودان وعظمائه بلا أدنى شك. فقد ولد هذا الرجل في كُورة شمال كردفان وبواديها الواسعة، حيث عاشت قبائل دار حامد، أو فزارة منذ وقت مبكر من القرن الخامس عشر الميلادي بعد هجرتها شرقاً من منطقة أم دخن في غرب جبل مرة، تحت ضغط سلطنة الفور، واستقرت تلك القبائل في الرقعة الواسعة من الأرض فيما يعرف الآن بمحليتي بارا وغرب بارا، في ولاية شمال كردفان، وظلت فروع هذه القبلية مرتبطة مع بعضها البعض اجتماعياً وجغرافياً، كما أنّها شاركت في كثير من الأحداث التي شهدتها المنطقة والسودان عموماً في تلك الفترة من تاريخه، بما في ذلك تأسيس دولة الفونج في إطار طلب دار حامد الحماية من سلطان الفور، فشكّل انتشار هذه القبائل سدّاً منيعاً من تمدد سلطنة الفور شرقاً. وقد تكون القبيلة قد شاركت مع الكواهلة في تأسيس مملكة العباسية تقلي، إلا أننا لم نجد دليلاً واضحاً في هذا الصدد. وعندما قام محمد الدفتردار بغزو كردفان في عام 1821، وقف فرسان دار حامد بقيادة المقدوم مسلم ضد الجيش الغازي وأبلوا بلاءً حسناً في موقعة بارا، حيث استشهد ما يقارب ثمانية آلاف فارس من دار حامد من أمثال إبراهيم ود دير وغيره من الذين سَقَوا ذلك الثرى بدمائهم الطاهرة. وفي المهدية كان أمبدة ود سيماوي أحد أشهر قادة الثورة، ومع بدايات المهدية قامت دار حامد بتحرير حامية أسحف وشاركت في حصار بارا، التي كانت مقدمة لفتح الأبيض وموقعة شيكان فيما بعد. وقد برزت شخصيات عظيمة من هذه المجموعة عبر التاريخ. وفي مطلع الحكم التركي نشب نزاع بين السلطات التركية هناك وبين زعماء قبائل دار حامد، ربما يكون ذلك فيما يعرف بـ "كتلة شاكر 1829-1830" أحد أشهر حكام العهد التركي في كردفان، مما أدى إلى مقتل بعض الأشخاص، فما كان من العقلاء من القبيلة إلا أنْ قرروا شدّ الرحال بعيداً عن ذاك المكان تفادياً لسفك الدماء وإزهاق الأرواح؛ وخوفاً من بطش الأتراك، فخلت الدار من أهلها لفترة من الزمان. في ذاك الحين من الزمان كان الصبيُّ القروي (آدم محمد ضو البيت العريفي) يرعى غنمه في الفلاة بعيداً عن موطن العشيرة، فلما عاد وجد الدار خاليةً من الأهل والأقارب، فلم يجزع الصبي أو يزرف دمعاً أو يترك أغنامه، بل سقاها في "العد" وعاد أدراجه إلى الفلاة وحيداً رغم صغر سنه حيث لم يكن يتجاوز عقده الأول من العمر بعد. دارت الحلقات الأولى من هذه القصة في مضارب العريفية الواقعة إلى الغرب من مدينة بارا حول جبل الهيماوي في منطقة دار حامد.
وبعد أنْ استقرت الأمور للجيش الفاتح في ربوع كردفان، في العقد الثالث من القرن التاسع عشر، أي بعد عام 1821، نشطت التجارة بين الأبيض والقاهرة؛ خاصة تجارة الصمغ العربي عبر درب الأربعين وصولاً إلى دنقلا ثم منها إلى صعيد مصر تحت إشراف حكومة الخديوي وبمشاركة فعالة من قبل "جمّالة" شمال كردفان الذين كانوا يتولون نقل الصمغ إلى أسواق "الريف" أي مصر. في تلك الأثناء كان الصبي آدم محمد ضو البيت العريفي، من عربان دار حامد، يرعى غنمه كما أشرنا في تلك الفيافي وحيداً، فمرت به قافلة في طريقها إلى مصر. توقفت القافلة عند الصبي وسألوه عن قومه فحكى لهم ما حدث فعرضوا عليه أن يذهب معهم إلى الأبيض لعله يستطيع معرفة مكان أهله أو يجد أخبارهم عند الشرطة أو الجهات الحكومية! لم يكن الصبي يعلم أن القافلة متجهة شمالاً، ولكنها عندما وصلت إلى (دنقلا) أدرك أنه قد وقع في فخ فما كان منه إلا أن صاح بأعلى صوته معلناً أن أولئك القوم قد سرقوه! في تلك اللحظة أسقط في يد الرجال الذين كانوا في القافلة فاعتذروا للصبي وتركوه تحت رعاية شيخ المنطقة وواصلوا سيرهم شمالاً. ظل الطفل آدم يعمل مع ذلك الشيخ ويقيم معه في داره معززاً مكرماً لاسيما وأن صاحب الدار قد أدرك نبل ذلك الطفل وفطنته وكرم أرومته حتى وهو في تلك السن المبكرة فبات يعامله كما يعامل أبناءه. مرت سنين من الزمان والصبي يقيم في دنقلا دون أن يعلم أهله عنه شيئاً ولم يجد سبيلاً إلى الرجوع فاحتمل الغربة وبدأ يشق طريقه بعيداً عن مراتع صباه ومضارب أهله في شمال كردفان في غربة لا النفس راضية بها ولا حبيب يرى ما به فيكتئب. بالطبع لم يكن الصبي آدم يعلم أن الأقدار تخبّئ له العظمة والشهرة، كما أنه لم يكن يدرك معنى الآية (فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا). ظل الصبيُّ آدم على تلك الحال حتى بلغ الثالثة عشرة من عمره. وبما أنّه قد كان (غريب الوجه واليد واللسان) في دنقلا، فقد تعلم لسان أهل المنطقة (الرطانة) في وقت قياسي حتى أجادها تماماً، مما يدل على نبوغه وفرط ذكائه. وهنالك رواية تقول إن آدم العريفي قد ولد في جبال النوبة في جنوب كردفان وربما تكون الأسرة قد ذهبت هناك لبعض الظروف الطبيعية أو الاقتصادية.
كان آدم فتى عربيَّ الملامح، فارعَ الطول، قويَّ البنية، معتداً بنفسه، رابط الجأش، حتى في تلك السن المبكرة، لا يميل إلى اللعب مع أترابه إلا لِماماً، مليح القسمات مع صرامة لا تخطئها العين والبصيرة. وكان ذلك الفتى إذا أوكل له الشيخ مهمة أداها بكل أمانة وصدق ودراية؛ فأعجب به الشيخ أيما إعجاب حتى فكر أن يستبقيه معه، بيد أن الأقدار كانت دائماً تسوق فتانا نحو المجد والسؤدد وهو لا يدري.
ذات يوم قرر الخديوي تجنيد بعض الشباب من شمال السودان للعمل في سلك الجندية فأرسل بعض أعوانه إلى دنقلا والمناطق المجاورة لها حتى يأتوه بكل من تتوفر لديه متطلبات العمل العسكري، فأخذ أعداداً كبيرة من الشباب في تلك المنطقة، ومن بينهم الصبيّ آدم. ولما وصل هؤلاء إلى القاهرة أدخلوا معسكرات التدريب إلا آدم لم يلتحق بالجيش نظراً لصغر سنه فرأى القائمون على الأمر إرساله للعمل في قصر الخديوي لما علموا عنه من صدق ونبل وأمانة. فسبحان مغير الأحوال فذلك الصبي الذي كان يرعى الغنم في ربوع دار حامد بشمال كردفان وجد نفسه فجأة وسط القصور والخدم والحشم وتلك الحياة التي تتطلب الالتزام بنظام محكم وصارم من حيث المظهر والمسلك وحتى طريقة الكلام. استسلم آدم لذلك الواقع الجديد مع حنينه (أبداً لأول منزل) في تلك القرية التي باتت تفصله عنها بيد دونها بيد. لم يلبث ذلكم الشاب حتى بدأ يتأقلم مع تلك الحياة ولكنه حافظ على ذلك السمت الملتزم دوماً بقيم المروءة والشجاعة والصبر والانضباط. كان من حسن الطالع أن يكلف الفتى آدم بمرافقة الأمير إسماعيل بن إبراهيم باشا الذي كان حينئذ يتلقى العلم في الأزهر الشريف. ودأب الشاب السوداني على حضور مجالس العلم حتى حفظ القرآن الكريم ودرس اللغة العربية وحفظ متون الفقه، خاصة الشافعي والمالكي، هذا فضلاً عن إلمامه التام باللغة التركية، تحدثاً وكتابة، ونال شهادة عليا من الأزهر الشريف فأعجب الخديوي بنبوغه ورجاحة عقله فعينه ضابطاً في الحرس الخديوي حيث أظهر كفاءة عالية وتفان منقطع النظير في أداء واجبه. وفيما بعد طلب إسماعيل من والده أن يلحق رفيق دربه آدم العريفي بالجيش المصري؛ ليبدأ نجمه في الصعود بعد أن شارك في كثير من العمليات العسكرية في مساحة امتدت إلى البوسنة والهرسك ودول البلقان الأخرى، ثم في تركيا وبعض البلاد الآسيوية التي كانت تتبع لسلطان الأستانة بما في ذلك حملة إبراهيم باشا ضد الدولة السعودية حيث وصلت تلك القوات حتى الدرعية في وسط نجد فاستولت عليها. وشارك آدم العريفي في كل تلك العمليات والحروب بكل كفاءة واقتدار، شهد له بذلك كل الذين عملوا معه أو كانوا تحت قيادته. وقد أورد الموقع الرسمي للقوات المسلحة السودانية ما نصه (عندما نشبت حرب القرم (1854-1856م) بين تركيا وروسيا لجأ الباب العالي (السلطان العثماني) إلى والي مصر طالباً منه مده بقوات لتشارك في الحرب، فقام بإمداده بالأورطة التاسعة (كتيبة) التي شاركت في الحرب إلى جانب تركيا وكان دورها كبيراً وفاعلاً. وكان آدم بك العريفي أحد ضباط هذه الأورطة. وترقى في عام 1867م إلى رتبة أمير اللواء ومنح اللقب (باشا). ولما قرر الخديوي إسماعيل توسيع نطاق نفوذه في السودان وأفريقيا عموماً عمد إلى اختيار أفضل عناصر جيشه من جند وضباط ليدفع بهم في تلك المهمة التي لم تكن تخلو من بعض المخاطر والمشقة. وتشير بعض المصادر التي أرخت لتك الفترة إلى ما قام به هذا الرجل العظيم فقد شرح المؤرخ المعروف جون يودال في كتابه عن تاريخ السودان في الفترة بين عامي 1504 و1862م كيف أن نجم آدم باشا العريفي، من عربان دار حامد، قد بدأ في البزوغ وهو في الخمسين من عمره بخوضه حروباً عديدة مع الجيش المصري والتركي في داخل البلاد وخارجها، وتدرج في الرتب حتى ترقى إلى رتبة القائد العام في عام 1871. ويذكر المؤلف ما يلي: (صدر أمر لآدم باشا سر العسكر بأن يقوم باعتقال أحمد ممتاز باشا وأن يحل محله كحاكم عام. وقد حانت أخيراً فرصة ذهبية لسوداني قوي أمين أن يتولى منصبا كبيراً ذا خطر. إن لم يكن حكمداراً فليكن الحاكم العام للمناطق جنوب الخرطوم. كان الرجل في منتصف الخمسينيات من العمر وله من الإنجازات العسكرية سجل طويل مشرف في خدمة الجيش التركي المصري، وكان يتمتع بثقة لا حدود لها من جنوده السودانيين لشجاعته وعدالته ونظافة يده، إذ لم ينسب له قسوة أو ظلم أو فساد أو سوء تصرف في أي موقع شَغَلَه أو عَمِل به، حتى في ذلك العهد الذي اتسم بالظلم عموماً. وبهذه الصفات كان الرجل مؤهلاً تمام التأهيل لحكم السودان على الرغم من أنه لم يكن تركيا، ولكن من المؤكد أنه كان مقرباً من بعض دوائر الحكم في مصر.
مرة أخرى ساقت الأقدار آدم باشا وإسماعيل أيوب للعمل معا لإنقاذ حملة محمد الهلالي ناظر الخديوي في دار فرتيت. قام الهلالي في مايو من عام 1872 بتكليف من جعفر مظهر بحملة ضد زرائب تاجر الرقيق الشيخ الزبير رحمة منصور في بحر الغزال، بيد أن تلك الحملة منيت بالفشل ونجح ملازم الزبير الرئيس رابح فضل الله في قتل الهلالي. بعد نحو ثلاثة أشهر وصل الخبر إلى نائب الحاكم العام السر عسكر آدم باشا العريفي الذي نقل بدوره الخبر الحزين إلى القاهرة على الفور. كان تقدير آدم للموقف هو أن قتل الهلالي والقضاء على الحملة التي كان يقودها باسم الخديوي إنما هي نتيجة لخيانة من ملاك "زريبة الزبير". لذا اقترح على مصر أن توجه حملة إنقاذ من كردفان تصوب نحو بحر الغزال لاعتقال الزبير وإحضاره للخرطوم للتحقيق والمساءلة، لكن خلافا لنصيحة آدم باشا العريفي رمى الخديوي باللوم على الهلالي لهجومه على زرائب الزبير، وقرر تعويض ملاك الزريبة بعد أن قرر المحققون أنهم تضرروا من تلك الحملة). هذا النص يشير بوضوح تام إلى أن آدم باشا العريفي قد تبوأ مكانة عليّة في سلك العسكرية وصار قائداً فذاً تسند إليه المهمات الصعبة بحكم خبرته وتجربته الطويلة الممتازة. ومع هذا كله ظلت سيرة هذا البطل مجهولة لدى كثير من الناس ولم يرد ذكره إلا في عدد قليل جداً من المصادر التي تتحدث عن تاريخ السودان، ليس هذا فحسب بل أن هنالك من هم أقل منه شأناً ولكنهم حُظوا بقدر كبير من الدراسة وأفردت لهم مساحة واسعة في مناهجنا الدراسية وقدموا كأبطال قوميين لحاجة في نفوس من كتبوا التاريخ أو وضعوا المناهج الدراسية! عموماً يشير نفس المصدر السابق إلى بعض المعلومات التي تتعلق بسيرة آدم باشا العريفي قائلاً: (عندما عيّن إسماعيل أيوب حكمداراً في أكتوبر عام1872 كلف آدم باشا العريفي ليكون سر عسكر الجيش (القائد العام). وعقب تنصيبه كحاكم عام للسودان، صدر أمر إسماعيل باشا أيوب باحتلال القلابات وهي نقطة الحدود التجارية الهامة مع الحبشة، وعهد لآدم باشا العريفي بقيادة تلك الحملة وكان الرجل شديد الإدراك لخطورة الأطماع التوسعية عند قادة الحبشة الذين خلفوا الإمبراطور الحبشي ثيودور. وأفلحت حملة احتلال القلابات في مايو 1873 في مسعاها. ومرة أخرى يثبت هذا القائد والضابط العظيم أنه جدير بالثقة؛ لأنه أينما وجّه ركائب جيشه فهي بالنصر المؤزر ترجع، فسحائب الرضوان تغشى تربة ضمته ما نجم يغيب ويطلع. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التاريخ في العالم الثالث وفي إفريقيا والسودان على وجه الخصوص قد ظل يعتمد على الروايات الشفهية؛ نظراً لشح المصادر الموثوقة التي، إن وجدت، فهي إما شحيحة أو أنها كتبت بأقلام غربية أو استخباراتية أو محلية ذات أغراض ضيقة لا تسعى لكشف الحقائق؛ ولهذا السبب ظلت كتابة تاريخنا القومي وتدوينه وفقاً لمعايير علمية دقيقة ومحايدة مطلباً ملحاً؛ حتى نسلط الضوء على شخصيات قامت بأدوار عظمية في مسيرة أمتنا من أمثال آدم باشا العريفي. وفي هذا الصدد نود أن نقتبس مما سطره نعوم شقير في كتابه " تاريخ السودان" عن آدم باشا العريفي. لقد أورد هذا المؤرخ طرفا معتبراً من سيرة آدم باشا العريفي؛ فقد قدم لنا رواية متكاملة عما قام به ذلك الضابط العظيم آدم باشا العريفي حتى أخمد ثورة الجنود الجهادية السود بعد أن تمردوا على سلطان الدولة في كسلا فأحدثوا فيها خراباً كبيراً وبثوا الرعب بين المواطنين حتى كادت الحياة تتوقف تماماً وينفلت زمام الأمر لولا حكمة آدم باشا وحنكته. يقول نعوم شقير: (فتح الجهادية المزاغل في القشلاق والمنازل التي في جواره وصاروا يرمون المارة بالرصاص فقطعوا السابلة وحبسوا الناس مدة 26 يوما حتى حضر آدم بك من ود مدني فالخرطوم فبربر بمدد من الجنود المنظمة والباشبوزق فكفوا عن الحرب. أما آدم بك فقد كان من أعظم ضباط الجيش المنظم وقد تربى في مصر ورافق إبراهيم باشا إلى بر الشام فاشتهر بالبسالة والدربة وحسن السياسة. ولذلك كتب إليه إسماعيل باشا باللغة التركية في سبتمبر 1865 قائلاً: عزتلو آدم بك، إني أعلم بسالتك وحسن سياستك منذ كنت مع المرحوم والدنا في سوريا فحقق آمالنا فيك وعند انتهاء الثورة أحضر إلى مصر والسلام. بعد وصوله إلى كسلا، اجتمع العريفي مع الضباط وخاطبهم قائلاً: " يا أولادي ما هذا التمرد والعصيان اللذان جاهرتم بهما، ألستم أولاد أفندينا الذي شرفكم بخدمته وأجرى عليكم الأرزاق والخيرات، فهل يحسن بكم أن تعصوه وتنقضوا على حكومته وهو قد عهد عليكم تأييد سلطته في البلاد؟ نعم إنكم مظلومون لعدم أخذ رواتبكم في أوقاتها ولكم أن ترفعوا أصواتكم بالشكوى لكنكم خرجتم عن حد الشكوى ووسعتم الخرق. ومع هذا فإني أرجو إصلاح الأمر وأخذ العفو لكم من ولي النعم في القاهرة"). بهذا الأسلوب الأبوي استطاع آدم باشا العريفي السيطرة على ذلك التمرد وانتهت ثورة الجهادية في كسلا بعد أن ازهقت كثيراً من الأرواح وأضاعت كثيراً من الأموال. ولكن بعض كبار الضباط قام بعكس ما توصل إليه آدم بك مع الجهادية فذهب العريفي إلى مصر مغاضباً فاستقبله الخديوي وطيب خاطره وأنعم عليه بلقب الباشوية. عاد آدم باشا العريفي إلى الخرطوم وظل يعمل في الجيش بكل تفانٍ وإخلاص لعدة سنوات. وحسبما ذكر جون يودال في كتابه الذي ترجمه بدر الدين الهاشمي:(ليس من المعلوم إن كان آدم باشا العريفي قد تقاعد وهو في رتبة سر عسكر ولكن سيذكر التاريخ آدم باشا العريفي كأول سوداني وصل لرتبة لواء ثم سر عسكر في الجيش أثناء الحكم المصري التركي، لا سيما وأنه قد ترك وراءه اسماً وتاريخاً عسكريا ممتازا مشرفا. يفترض أن يكون آدم باشا قد تقاعد وهو في الستين من عمره، بيد أنه من المؤكد أنه في أكتوبر من عام 1879 لم يرد أسم آدم باشا العريفي من ضمن من رشحوا لشغل منصب الحكمدار بديلا لغوردون باشا). هذه المعلومات تشير بوضوح أننا أمام شخصية فذة وقيادي مقتدر ليس في المجال العسكري فحسب، بل في مجال الإدارة والمواقف الصعبة التي تحتاج إلى قدر من الحكمة والحنكة؛ ولذلك نستطيع القول بأن آدم باشا العريفي شخصية قومية تستحق منا الدراسة حتى نستخلص من سيرته العطرة قبسات لعلها تضئ الطريق لكل من يريد العمل من أجل رفعة الوطن ونهضته.
على الرغم من تلك المدة الطويلة التي قضاها آدم باشا بعيداً عن دياره ومراتع صباه، وبغض النظر عما نال من شهرة وحاز من مكانة رفيعة إلا أنه ظل وفياً لعشيرته فما انفك يزورهم في شمال كردفان بين الفينة والأخرى وتزوج بإثنين من بنات القرية وأنجب منهما ذرية طيبة. ولقب آدم باشا بالعريفي؛ نظراً لأنه ينتمي إلى فرع العريفية من قبيلة دار حامد، وهي قبلية فزارية دخلت السودان من البوابة الغربية ضمن الحلف الهلالي الجهني ولذلك ينسبون خطأً لجهينة في بعض المصادر التاريخية. يقيم فرع العريفية الآن في إدارية الحاج اللين التابعة لمحلية غرب بارا وتمتد ديارهم شرقاً حتى خور أبو قايدة والرغاي في منطقة الخيران إلى الشمال من بارا. عاش آدم باشا العريفي مع أسرته في وسط الخرطوم وكان منزله عند موقع مجلس تشريعي الخرطوم الآن. والجدير بالذكر أن أسرة آدم باشا العريفي قد أحرزت قصب السبق في نشر التعليم في منطقة مجلس ريفي دار حامد إذ قام المأمور عبد الله عثمان العريفي بإنشاء مدرسة خور جادين الأولية في عام 1949، بالقرب من قرية دميرة الواقعة في مجلس ريفي دار حامد، وهي أول مدرسة للتعليم النظامي تؤسس خارج مدينة بارا، وقد درس في تلك المدرسة كثير من الرجال الذين شغلوا مناصب متقدمة في مختلف المجالات الإدارية والعسكرية والأهلية.
توفي آدم باشا العريفي في الخرطوم، على ما يبدو قبيل الثورة المهدية بقليل، ووسد الثرى في المقابر الكائنة بجوار قباب الأتراك في شارع البلدية بوسط الخرطوم. عموماً لو عاش هذا الرجل في أي بلد غير السودان لكتب اسمه بأحرف من الذهب في سجل العظماء ولكن من المؤسف حقاً ألا يجد سعادة اللواء والباشا حظه من الاهتمام اللازم ولم يطلق اسمه ولو على شارع صغير في عاصمة البلاد ولا حتى على أي قاعة في واحدة من الكليات العسكرية في السودان. إن أمة لا تقدر عظماءها لهي أمة لا تحتفي بتاريخها. إن أمثال اللواء آدم باشا العريفي هم من يجب أن يقدموا كقدوة أو نماذج للأجيال من خلال دروس التربية الوطنية لأنهم عملوا بصدق وأمانة حتى شهد لهم الجميع بالعظمة والكفاءة فلله درهم من قادة عظماء. لم يكن آدم باشا العريفي أول سوداني يترقى إلى رتبة لواء فحسب بل كان إدارياً متمرساً ورجلاً مثقفاً يعلم ما يدور في كل أنحاء العالم من حراك سياسي وصراعات بين كثير من القوى العالمية والإقليمية وكانت له مشاركة مشهودة في كثير من الأحداث والمواقف وبذلك استحق أن يخلده التاريخ بكل جدارة، سيما وأن رجالاً من أسرته قد شاركوا أيضاً بقدر كبير في مجالات الإدارة والعسكرية والتعليم والفنون ومنهم على سبيل المثال لا الحصر المأمور عبد الله العريفي والبروفسور صالح العريفي والأستاذ سليمان جاد الله العريفي الفنان التشكيلي المعروف وغيرهم كثر ممن خرجوا من رحم هذه الدوحة الوارفة
وفي الختام يجدر بنا أن نؤكد أن ما حازه آدم باشا العريفي من نجاح وصيت يعود إجمالا لكونه سودانياً نشأ في بيئة كردفانية هيئته لأداء تلك المهام الصعاب التي اجتازها بجدارة وحنكة، فضلا عن كونه ينتسب إلى قبيلة ذات سمت بدوي أصبغ عليه ذكاء البادية وشجاعة البدوي وجلده وعزة نفسه، فالبدوي أينما كان ملك في دنياه؛ فالأرض كلها له ولأنعامه والسماء كلها وما حوت من أنجم وكواكب هي سقف داره، ولعل قبيلته التي انتمى إليها أورثته حُسْنَ الأخلاق وطِيبَ المكارم. فرجل بهذه السيرة العامرة، كيف فات على مؤرخينا وباحِثِينا أنْ يكتبوا عنه كتابة تاريخيةً تخلّد ذكره وتسطّر تاريخه لمقبل الأيام، أكسلاً منهم حال دون حفرهم لمكامن المعلومة، أم تأثرا بسير الأجنبي المغرض في كتابة تاريخ السودان، أم انجراراً لقيد الانحيازيات الجهوية. فهذا رجل قامة، قيمته فيما سجله التاريخ عنه إلا أنه قد أُسقط عمداً مما نتداول أو ندرس من تاريخ. فقد آن الأوان لإنصاف آدم باشا العريفي وأضرابه ممن طالهم سيف التناسي أو التجاوز المتعمد.
هذه مقاربة لتسليط الضوء على سيرة آدم باشا العريفي أحد عظماء السودان، وقد جعلت من البيئة مدخلا للتعرف على شخصيته نظرا لأنه ولد وترعرع في شمال كردفان حيث اكتسب صفات الصبر والجلد وتحمل المشاق مع رحابة الصدر ورجاحة العقل مما جعله يتبوأ أعلى المراتب والدرجات حتى أصبح سر العسكر وحاكم عام السودان وخلّف لنا هذه السيرة العطرة التي نقتبس منها الآن ويكفي أنه قد شغل منصب الحاكم العام لمدة ستة شهور في عام 1872 وخلد بذلك اسمه في قائمة الرؤساء الذين حكموا البلاد، ألا رحم الله هذا القائد المحنك.