قوات الدعم السريع: قراءة في الإطار السياسي والقانوني (1/4)

 


 

 

1
في إحدى المقابلات التلفزيونية مع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) سأله مقدم البرنامج عن مسألة دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية. أجاب الفريق حميدتي بغضب "الدعم السريع قام بقانون وما فرض نفسه." كرّر الفريق حميدتي هذه المقولة في عدّة مقابلاتٍ أخرى.
في حقيقة الأمر فقد تم إنشاء قوات الدعم السريع بقانونٍ خاصٍ بها صدر عام 2017 بواسطة الحركة الإسلامية الحاكمة وقتها (والتي سمّت نفسها الإنقاذ). وقد تضمّن القانون نصوصاً واضحةً عن استقلال قوات الدعم السريع، وتمويلها وتنظيمها وكيفية دمجها في القوات المسلحة السودانية. وتم في عام 2019 إدخال تعديلين على هذا القانون بواسطة المجلس العسكري الانتقالي الذي ترأسه الفريق البرهان. وقد منح التعديل الأول مزيداً من الاستقلالية والتمدّد لقوات الدعم السريع، بينما حسم التعديل الثاني مسألة دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة بإسقاط مادة القانون التي تناولت هذه المسألة.
وشملت الوثيقة الدستورية لعام 2019، والاتفاق الإطاري الذي وقع عليه عددٌ من الأحزاب السياسية والحركات المسلحة والمنظمات النقابية عام 2022 (رغم أن الاتفاق الإطاري لم يدخل حيز النفاذ بعد)، عدداً من المواد عن قوات الدعم السريع.
وقد ظل قانون قوات الدعم السريع ومسألة دمجها في القوات المسلحة السودانية ووجود جيشين في بلدٍ واحد من أهم أركان النقاش في الكثير من المحافل الأكاديمية والسياسية ومجموعات التواصل الاجتماعي، خصوصاً بعد بداية حرب أبريل العبثية اللعينة.
سوف نقوم في هذا المقال بنقاشٍ موجزٍ للخلفية التاريخية لميلاد ونشأة قوات الدعم السريع، ثم ننتقل إلى المسائل الرئيسية التي تناولها هذا القانون، ونوضّح كيف مهّد القانون لتمدّد قوات الدعم السريع وقنّن وجودها ووسّع مهامها.
وسوف نتناول في المقال الثاني مناقشة التعديل الأول للقانون والذي صدر عام 2019، وكيف ساهم هذا التعديل في توسّع وتمدّد مهام وصلاحيات قوات الدعم السريع. وسيتناول المقال الثالث التعديل الثاني للقانون الذي صدر في عام 2019 وأغلق الباب أمام مسألة دمج قوات الدعم السريع، وكذلك مناقشة مواد الوثيقة الدستورية لعام 2019 المتعلقة بقوات الدعم السريع. وسوف يناقش المقال الرابع والأخير مواد الاتفاق الإطاري عن قوات الدعم السريع وفتح الباب مرة ثانية لمسألة الدمج. وسوف نختتم هذا المقال بملاحظاتٍ عامة عن قيام ونشأة وتمدّد القوات وعلاقات قيادتها بقيادة القوات المسلحة وقيادات القوى السياسية المدنية، وانعكاسات ذلك على حرب أبريل عام 2023 العبثية اللعينة.
2
تمّت في 10 أغسطس عام 2013 إعادة تسمية وهيكلة المليشيات التي كانت تحارب، باسم حكومة السودان، الحركات المسلحة في دارفور. وقد أطلقت حكومة الحركة الإسلامية على تلك المليشيات اسم "حرس الحدود" لكنها ظلّت تُعرف عموماً باسم الجنجويد. وقد ارتكبت تلك المليشيات منذ نشوب النزاع المسلح في دارفور عام 2003، وبمساعدة الحركة الإسلامية الحاكمة والجيش السوداني، أسوأ أنواع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من قتلٍ وحرقٍ للقرى والمزارع واغتصابٍ ونهب.
وقد أحال مجلس الأمن في شهر مارس عام 2005، بمقتضى قراره رقم 1593، تلك القضايا إلى محكمة الجنايات الدولية. تمّت الإحالة رغم أن السودان لم يكن طرفاً في اتفاقية روما التي أنشأت المحكمة عام 1998. وكان السودان قد وقّع على الاتفاقية عام 2000، لكنه لم يقم بالتصديق عليها. قامت المحكمة بتوجيه عددٍ من التهم إلى سبعة أشخاص من الجنجويد وحكومة السودان وقواتها المسلحة والحركات المسلحة، من بينهم رئيس الجمهورية عمر البشير ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين والوزير أحمد هرون.
وقد صار اسم تلك المليشيات منذ أغسطس 2013 "قوات الدعم السريع." وكان حميدتي قد نجح في إزاحة غريمه موسى هلال لتصبح تلك القوات تحت كامل سيطرته وإمرته بذلك التاريخ، بعد نجاحها في حربها ضد الحركات المسلحة في دارفور. وكانت قوات الدعم السريع تتبع في سنوات إنشائها الأولى لجهاز الأمن والمخابرات السوداني، وليس للقوات المسلحة السودانية.
قامت حكومة الحركة الإسلامية بالصرف بسخاءٍ شديدٍ على قوات الدعم السريع، فمدّتها بالعتاد الحربي – خفيفه وثقيله، وبالمال بلا حدود، مستخدمةً العائدات الكبيرة من النفط وقتها. ونتيجة لذلك الدعم غير المحدود فقد تمدّدت وتوسّعت تلك القوات ووصل عددها عام 2013 – حسب تقديرات عددٍ من المراقبين – إلى حوالي 30 ألف مقاتل يحملون كل أنواع الأسلحة وأحدثها، ويتقاضون مرتباتٍ ومخصصاتٍ عالية.
وكجزءٍ من سياسة الهيكلة لقوات الدعم السريع فقد تم وضع وتحديد الرتب العسكرية لضباط وجنود تلك القوات بصورةٍ مماثلة لضباط وضباط الصف وجنود القوات المسلحة السودانية، ونال حميدتي رتبة عميد. كما تم انتداب عددٍ من كبار الضباط في القوات المسلحة إلى قوات الدعم السريع بغرض تدريب تلك القوات لكي تصبح قوةً حديثةً لها نفس نُظم الجيش السوداني. ويمكن القول أن قوات الدعم الدعم السريع قد أصبحت في عام 2013 جيشاً موازياً للجيش السوداني.
وقد أشاد الرئيس البشير بقوات الدعم السريع وسماها "المخزون الاستراتيجي" لحكومته، وذكر أنه طلب من حميدتي في إحدى اللقاءات "خمسة ألف مقاتل في أسبوعين" لكن حميدتي استطاع، بدلاً من ذلك، تجنيد "ستة ألف مقاتل في أسبوعين رغم شدة الأمطار خلال هذين الأسبوعين."
3
ساهم الاعتراف الرسمي عام 2013 بقوات الدعم السريع، والعون غير المحدود الذي قدمته الحكومة لها، في بسط تلك القوات لنفوذها العسكري والاقتصادي في اقليم دارفور، ونشطت في أعمالها التجارية بما في ذلك التنقيب عن المعادن، خاصةً الذهب واليورانيوم.
وبمرور السنوات أصبحت قوات الدعم السريع قوةً عسكريةً واقتصاديةً يُحسب لها ألف حساب. ومن أجل تأكيد الاعتراف بتلك القوة قررت حكومةَ الحركة الإسلامية تقنين وضع قوات الدعم السريع. فبعد مداولاتٍ في أروقة النظام الأمنية والعسكرية والسياسية تقرر إصدار قانونٍ خاص بقوات الدعم السريع ليخلق منها قواتٍ منفصلةٍ لا يحكمها قانون القوات المسلحة السودانية لعام 2007 إلّا في بعض المسائل الاستثنائية، ولينهي تبعيتها لجهاز الأمن والمخابرات السوداني.
4
ناقش المجلس الوطني (برلمان حكومة الحركة الإسلامية الحاكمة) مشروع قانون قوات الدعم السريع وأجازه في جلسته رقم 43 في 16 يناير عام 2017. وقد وقّع عمر البشير، رئيس الجمهورية، على القانون في 15 فبراير عام 2017، ودخل القانون حيز النفاذ في ذلك اليوم.
كان الحماس لتقنين قوات الدعم السريع عالياً وسط أجهزة دولة حكومة الحركة الإسلامية الرسمية، وتناولت وسائل الإعلام الحكومية ذلك القرار بقدرٍكبيرٍ من الترحيب والإطراء. لذا فقد كان غريباً أن يمر شهرٌ كاملٌ بين موافقة المجلس الوطني على القانون وتصديق رئيس الجمهورية عليه.
غبر أنه لم يمض وقتٌ طويلٌ على ذلك التساؤل. فقد تم تداول تقارير وقتها تشير إلى عدم رضاء قادة قوات الدعم السريع على المادة (5) من القانون الخاصة بدمج تلك القوات في القوات المسلحة السودانية، كما سنناقش لاحقاً. لكن يبدو أن تفاهماً قد تم بخصوص تطبيق تلك المادة ومستقبلها مما مهّد الطريق إلى التوقيع على القانون ودخوله حيز النفاذ في 15 فبراير عام 2017. وقد ذكر البشير بعد توقيعه على القانون أنه يعتبر قرار إنشاء قوات الدعم السريع "أهم قرار اتخذته خلال ال 27 عاماً الماضية."
ثم أشار البشير إلى حميدتي في عدّة مناسبات بـ "حمايتي." ووضح جلياً أن قوات الدعم السريع، والتي كانت تُعرف بـ "حرس الحدود"، قد أصبحت في ذهن البشير "الحرس الجمهوري" أو الحرس الخاص والدعم السريع له في مواجهة أية ثورةٍ شعبية أو انقلابٍ عسكرس عليه. غير أن ذهن حميدتي كان يحمل أفكاراً مختلفة عن أفكار البشير عن دور ومستقبل تلك القوات، كما ستكشف السنوات اللاحقة.
5
يتكوّن قانون قوات الدعم السريع من 25 مادة، مقسّمةٍ إلى سبعة فصول. تشمل المادة 3 من الفصل الأول تفسيراتٍ لعدّة كلماتٍ ومصطلحات. أوضحت تلك المادة أن كلمة "القائد" تعني قائد قوات الدعم السريع المعيّن بموجب أحكام المادة 10 من القانون. وتشير تلك المادة إلى أن تعيين القائد يتم بواسطة القائد الأعلى لقوات الدعم السريع. وعرّفت المادة 3 مصطلح "القائد الأعلى" ليعني رئيس الجمهورية. بمعنى آخر، وبطريقٍ أقصر، يعين البشير حميدتي قائداً لقوات الدعم السريع.
أنشأ القانون "مجلس قوات الدعم السريع" وأعطى القائد الأعلى - البشير - السلطة الكاملة لتشكيل المجلس ورئاسته كما سنناقش لاحقاً.
وهكذا حصر القانون قيادة وإدارة قوات الدعم السريع في شخصين: عمر البشير والذي هو القائد الأعلى لهذه القوات، وحميدتي قائد القوات. ولا مكان أو سلطة في القانون لقيادة القوات السودانية المسلحة، بما فيها وزير الدفاع أو القائد العام للقوات المسلحة، على قوات الدعم السريع إلا في مسائل استثنائية عدّدها القانون، سوف نبرزها خلال نقاشنا في هذا المقال وفي المقالين القادمين.
6
تتاولت المادة 5 من القانون حالتين لخضوع قوات الدعم السريع لأحكام قانون القوات المسلحة لعام 2007. وتقرأ تلك المادة كالآتي:
"5 (1) عند إعلان حالة الطوارئ أو عند الحرب بمناطق العمليات الحربية تخضع قوات الدعم السريع لأحكام قانون القوات المسلحة لسنة 2007 وتكون تحت إمرتها.
(2) يجوز لرئيس الجمهورية في أي وقتٍ أن يدمج قوات الدعم السريع مع القوات المسلحة وفقاً للدستور والقانون وتخضع عندئذٍ لأحكام قانون القوات المسلحة لسنة 2007."
وكما ذكرنا أعلاه فقد كانت هذه المادة، خصوصاً الفقرة الثانية منها والخاصة بالدمج، موضع خلافٍ منذ بداية مناقشة القانون، وظلت كذلك إلى أن تم إلغاؤها بواسطة تعديلٍ للقانون صدر عام 2019 من المجلس العسكري الانتقالي ورئيسه البرهان، بعد عامين من صدور القانون، كما سنناقش لاحقاً.
أشارت المادة 6 من قانون قوات الدعم السريع إلى أن قوات الدعم السريع تتبع للقوات المسلحة وتعمل تحت إمرة القائد الأعلى (والذي هو رئيس الجمهورية كما ذكرنا أعلاه).
غير أن المادة 7 أوضحت أن قوات الدعم السريع "قوات عسكرية قومية التكوين تهدف لإعلاء قيم الولاء لله والوطن"، وعدّدت مهامها لتشمل "دعم ومعاونة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى في أداء مهامها." يبدو أن الغرض من هذين النصين المختلفين إرسال رسالتين، إحداهما للقوات المسلحة أن قوات الدعم السريع تتبع لهم، والثانية لقوات الدعم السريع أنهم قوات عسكرية قومية التكوين من مهامها دعم ومعاونة القوات المسلحة، وليس التبعية لها. ولتأكيد هذا الاستقلال فقد أوضحت المادة 6، كما ذكرنا أعلاه، أن قوات الدعم السريع تعمل تحت إمرة رئيس الجمهورية، وليس وزير الدفاع أو القائد العام للقوات المسلحة.
شملت مهام قوات الدعم السريع بموجب المادة 7 من القانون التصدّي لحالات الطوارئ، الدفاع عن البلاد في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية، وأية مهام أخرى يكلفها بها القائد الأعلى أو المجلس. من الملاحظ أن المادة 7 لم تشر من قريبٍ أو بعيد إلى أي دورٍ لوزير الدفاع أو للقائد العام للقوات المسلحة السودانية في مهام قوات الدعم السريع، رغم أن المادة 6 ذكرت أن قوات الدعم السريع تتبع للقوات المسلحة.
7
عدّدت المادة 8 المبادئ العامة التي يجب على قوات الدعم السريع التقيّد بها أثناء أداء واجباتهم. وتشمل هذه المبادئ قيم الدين واحترام جميع الأديان السماوية، احترام الدستور والقانون، وحدة الصف الوطني، التعاون والانسجام وترسيخ وحدة الهدف مع القوات النظامية، ومراعاة واحترام الأعراف المحلية الراسخة.
بالطبع تثير الفقرة الخاصة بالتعاون وترسيخ وحدة الهدف مع القوات النظامية مرةً ثانية تساؤلاتٍ حول تبعية قوات الدعم السريع للقوات المسلحة السودانية. فكيف يمكن أن يُطلب من قواتٍ أن تتعاون وتنسجم مع قواتٍ أخرى إذا كانت تتبع أصلاً لتلك القوات؟
تناولت المادة 9 تشكيل واختصاصات مجلس قوات الدعم السريع. يتم بمقتضى تلك المادة تشكيل المجلس بقرارٍ من القائد العام (الرئيس البشير)، وتشمل الاختصاصات وضع السياسات والخطط اللازمة لعمل قوات الدعم السريع، إصدار وإجازة اللوائح المالية والإدارية وإصدار القرار اللازم في أي أمرٍ يُعرض عليه بواسطة السلطات المختصة. لكن القانون لم يُعرّف تلك السلطات المختصة.
أعطت المادة 10، كما ذكرنا أعلاه، القائد الأعلى لقوات الدعم السريع (رئيس الحمهورية، البشير) سلطة تعيين قائد قوات الدعم السريع (حميدتي)، وأوضحت المادة 11 أن القائد يكون مسئولاً للقائد الأعلى عن أداء قوات الدعم السريع.
وفصّلت المادة 11 مهام القائد (حميدتي) لتشمل تنقيذ قرارات وتوجيهات المجلس، القيادة الإدارية والفنية لقوات الدعم السريع، إصدار الأوامر المستديمة، وإعداد موازنة قوات الدعم السريع وعرضها على الجهات المختصة لإجازتها، وأية مهام أخرى يكلفه بها المجلس.
لكن لم يتم تشكيل أي مجلسٍ منذ صدور قانون قوات الدعم السريع عام 2017 وحتى اليوم. وتواصل بقاءُ كل سلطات المجلس، وفي حقيقة الأمر معظم، إن لم نقل كل، المسائل الخاصة بقوات الدعم السريع، في يد حميدتي قائد هذه القوات، خصوصاً بعد صدور التعديلين للقانون عام 2019، كما سنناقش لاحقاً.
أوضحت المادة 12 أن مواد الفصل الرابع من الباب الأول لقانون القوات المسلحة لعام 2007 والخاصة بالتجنيد والتعيين والاختيار والتأهيل تطبّق على أفراد قوات الدعم السريع.
لا بد ان تكون هذه المادة قد أثارت تساؤلاتٍ إن كانت طريقة التجنيد لقوات الدعم السريع منذ قيامها وحتى اليوم قد خضعت أو تخضع فعلاً لأي قانونٍ أو نظمٍ غير قرار قيادة قوات الدعم السريع وقائدها حميدتي.
تناولت المادة المادة 13 قسم الولاء الذي يؤديه أفراد قوات الدعم السريع. وعدّدت المادة 14 رتب الضباط وضباط الصف لقوات الدعم السريع والتي تتطابق مع رتب ضباط وضباط الصف في القوات المسلحة السودانية. وأوضحت المادة 15 أن ترقيات ضباط قوات الدعم السريع تصدر بقرارٍ من رئيس الجمهورية، وليس القائد العام للقوات المسلحة أو وزير الدفاع.
8
أعطت المادة 16 القائد (حميدتي) سلطة انتداب أي شخصٍ للعمل بقوات الدعم السريع بعد موافقة المنْتَدَب والجهة التي يتبع لها، وسلطة إنهاء هذا الانتداب. ويتم الانتداب لمدة عامين يُخيّر بعدها الشخص المنتدب بين النقل نهائياً لقوات الدعم السريع أو العودة للجهة التي انتُدِب منها. ومنحت المادة 17 رئيس الجمهورية، بناءً على توصية المجلس، السلطة لنقل أي فردٍ من قوات الدعم السريع إلى القوات المسلحة أو إلى أية قوةٍ نظامية، كما له أن ينقل أي فردٍ من القوات المسلحة أو أية قوة نظامية إلى قوات الدعم السريع. وهذا ما يفسر وجود عددٍ من ضباط القوات المسلحة في صفوف قوات الدعم السريع. بل ويفسر أيضاً الوضع الغريب في وجود ضباطٍ من القوات المسلحة ضمن وفد قوات الدعم السريع في جولات التفاوض المنعقدة في مدينة جدة، والتي تم الاتفاق خلالها على "إعلان جدة" الإنساني في 11 مايو عام 2023، واتفاق وقف إطلاق النار الأخير في 20 مايو عام 2023.
تناولت المادة 18 مسألة ضبط العمل المالي بقوات الدعم السريع وأوضحت أنه يتم وفقاً للمبادئ والموجهات المنصوص عليها في قانون الإجراءات المالية والمحاسبية لعام 2007. أما مرتبات ومخصصات وامتيازات افراد قوات الدعم السريع فتحدّدها اللوائح المالية. وليس من الواضح أي لوائحٍ ماليةٍ تشير إليها هذه المادة، لكن يبدو أنها اللوائح التي يُفترض أن يصدرها مجلس قوات الدعم السريع بمقتضى المادة 9 من قانون قوات الدعم السريع. وبما أن هذا المجلس لم يتم تشكيله منذ إصدار القانون وحتى الآن فيبدو أن مسألة مرتبات و مخصصات أفراد قوات الدعم السريع كانت وظلت من ضمن صلاحيات قائد قوات الدعم السريع بمقتضى المادة 11، الفقرة (هاء)، الخاصة بسلطات القائد بإعداد موازنة قوات الدعم السريع.
عدّدت المادة 19 أسباب انتهاء خدمة الضباط، بينما تناولت المادة 20 أسباب انتهاء خدمة ضباط الصف والجنود، وتتطابق هاتان المادتان مع مواد قانون القوات المسلحة السودانية في هذه المسألة. أوضحت المادة 21 أنه لأغراض فوائد ما بعد الخدمة فيُطبّق على المجموعتين قوانين معاشات ضباط وضباط صف وجنود القوات المسلحة.
يلاحظ هنا أن مرتبات ومخصصات أفراد قوات الدعم السريع تحددها، كما ناقشنا أعلاه، اللوائح المالية ولا يقضي القانون أن تكون مماثلةً لمرتبات ضباط القوات المسلحة، بينما تكون فوائد ما بعد الخدمة مماثلة لضباط وضباط صف القوات المسلحة. غير أن هذا التماثل في فوائد ما بعد الخدمة لن يكون حقيقياً على أرض الواقع لأن هذه الفوائد يتم حسابها بالمرتب الأخير للمتقاعد. فمرتبات افراد قوات الدعم السريع تختلف كما أوضحنا أعلاه، من مرتبات أفراد القوات المسلحة السودانية.
9
تناولت المادة 22 الإجراءات في مواجهة أفراد قوات الدعم السريع، وأوضحت هذه المادة أنه "لا يعتبر جريمة أي فعلٍ يصدر من ضابط أو ضابط صف أو جندي بحسن نية أو بسبب أداء أعمال وظيفته أو القيام بأي واجبٍ مفروضٍ عليه أو عن فعلٍ صادرٍ منه بموجب أية سلطةٍ مخولةٍ أو ممنوحةٍ له بمقتضى قانون الإجراءات الجنائية أو أي قانونٍ آخر ساري المفعول أو أية لائحة أو أوامر صادرة بموجب أيٍ منها، على أن يكون ذلك الفعل في حدود الأعمال أو الواجب المفروض عليه وفق السلطة المخولة له، ولا يتعدى القدر المعقول من القوة لتنفيذ واجباته أو لتنفيذ القانون دون أي دافعٍ آخر للقيام بذلك العمل."
لقد أوردنا نص المادة 22 كاملاً لكي نوضّح أن هذه المادة تعطي أفراد قوات الدعم السريع الحماية والحصانة الكاملة لأفعالهم، بما فيها جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في دارفور، ولاحقاً جريمة فض الاعتصام. بل إن الجزء الثاني من المادة نفسها يذهب مسافةً أبعد من هذه ويشير إلى أنه إذا نتج عن إنفاذ الواجب أو أي أمرٍ قانوني وفاة أو ضرر يستحق الدية أو التعويض فإن الدولة تتحمل دفع الدية أو التعويض نيابةً عن الضابط أو ضابط الصف أو الجندي الذي يعمل بحسن نية وفقاً لأحكام هذه المادة.
كما أن المادة توضح أنه لا يجوز لأي شخصٍ خاضعٍ لأحكام هذا القانون مقاضاة ضابطه الأعلى أو الأدنى أمام محكمة القضاء العادي أثناء وبعد تركهم الخدمة عن أي آثار مباشرة أو غير مباشرة وقعت عليهم تنفيذاً لأوامر قانونية صدرت أثناء أداء وظائفهم.
وتشير المادة 23 أنه لا يجوز توقيع الحجز القضائي على الأصول الثابتة أو المنقولة الخاصة بقوات الدعم السريع.
من الواضح أنها حصانة كاملة لقوات الدعم السريع وأفرادها، وتشمل ليس فقط الجانب الجنائي، بل تمتد لتشمل جانب التعويض المدني لأفعال أفراد قوات الدعم السريع (والتي ستتكفّل بها الدولة)، وتتوسّع هذه الحصانة لتشمل حماية أصول قوات الدعم السريع الثايتة والمنقولة من الحجز القضائي.
10
عددت المادة 24 مواد الباب الثاني من قانون القوات المسلحة لعام 2007 وأشارت إلى أنها تُطبّق على أفراد قوات الدعم السريع وذاك فيما يتعلق بالمحاكم العسكرية، النيابة الجنائية العسكرية، الدعاوى الجنائية العسكرية، التحري والتحقيق، الإحضار والضبط والضمان، الحجز والتفتيش والتحفظ العسكري. وتشمل هذه القائمة أيضاً الادعاءات، صياغة الادعاءات، إجراءات المحاكمة، العقوبات التي تحكم بها المحاكم العسكرية، الاستئناف والتأييد والفحص والتنفيذ، والاسترحام. بهذه التفاصيل تكون هذه المادة قد منحت أفراد قوات الدعم السريع نفس الإجراءات الحمائية التي يتمتع بها أفراد القوات المسلحة.
11
اختتمت المادة 25 القانون بمنح القائد حميدتي سلطة إصدار اللوائح والأوامر المستديمة ورفعها إلى المجلس لإجازتها بما يحقق مصلحة أفراد قوات الدعم السريع في مسائل التدريب والتأهيل، تنظيم الشئون العامة للأفراد، الملابس والمهمات والأدوات، حسن إدارة الأفراد ورفاهيتهم، والمكاتب والمساكن ومراكز التدريب وأي أماكن أخرى تستخدمها قوات الدعم السريع. وكما ذكرنا من قبل، فمع غياب المجلس وتجريد قيادات القوات المسلحة من إصدار أي قرارٍ أو أوامر بخصوص المسائل المضمنة في هذه المادة، فإن الجهة التي تدير هذه المسائل هي حميدتي قائد قوات الدعم السريع.
لا بد من إضافة أن عدد قوات الدعم السريع قد ارتفع من حوالي 30 ألف مقاتل عند إنشائها عام 2013، إلى أكثر من 50 ألف عند صدور القانون عام 2017. كما تمت ترقية حميدتي في ذلك العام من رتبة عميد إلى رتبة لواء.
12
أعلاه عرضٌ موجزٌ وسريعٌ لمواد قانون قوات الدعم السريع لعام 2017. يوضح هذا العرض كيف قامت حكومة الحركة الإسلامية من خلال هذا القانون بإرساء قواعد قوات الدعم السريع وتقويتها، وتزويدها بالمال والعتاد والتدريب وكل فرص التمدّد والتوسّغ، بالإضافة إلى الحصانة والحماية من أية إجراءات قانونية على أفرادها وممتلكاتها. كما يوضح العرض أيضاً تخطيط وجهد قيادات الحركة الإسلامية في أن تكون وتظل هذه القوات مستقلةً عن القوات المسلحة السودانية ومن وزارة ووزير الدفاع، ومن أي تدخّل أو تغوّلٍ على وضعيتها القانونية والمالية والسياسية من أية جهةٍ حكوميةٍ أخرى. وقد منحت الحركة الإسلامية كل هذه الصلاحيات والإمكانيات لقوات الدعم السريع كي تقوم هذه القوات بحماية نظام الحركة الإسلامية من أي انقلابٍ أو ثورةٍ عليه.
باختصارٍ شديد، لقد خرجت قوات الدعم السريع من رحم الحركة الإسلامية الحاكمة، ورضعت من ثديها، ونمت واستطالت وقويت في حضنها، وبدعمها اللا محدود.
سوف نناقش في المقال الثاني من هذه السلسلة من المقالات التعديل الأول من التعديلين اللذين تم إصدارهما بواسطة الفريق البرهان ونالت قوات الدعم السريع بموجبهما مزيداً من الاستقلال والتمدّد. وسوف نوضح أن هذا التمدّد لم يكن في الجانب العسكري فقط، وإنما امتد إلى الجانب الاقتصادي أيضاً، وليس فقط داخل السودان، بل امتد إلى دول الجوار أيضاً.

Salmanmasalman@gmail.com
www.salmanmasalman.org

 

آراء