قيادات “الكنكشة”..مدير جامعة الخرطوم السابق.. و “عمى البصيرة”!!

 


 

 


ظل قادة نظام الإنقاذ طيلة فترة عهدهم الظلامي يؤكدون بأفعالهم، لا بأقوالهم، أنهم يتمتعون بقدر عال من النزعة الدكتاتورية، و الجنوح لقمع الرأي الآخر، و إرهاب كل من يخالفهم، و إذلال كل من يعارضهم. وقد أكدوا مرارا و تكرارا بأنهم يجيدون هذا النهج ، لا ينافسهم فى ذلك سوى عتاة الطغاة الذين سبقوهم، و الذين كنستهم شعوبهم الى مزبلة التاريخ، من أمثال الجنرالات فرانكو،شاه إيران، بينوتشيه، منقستو، نميري، و أخيرا بن على و حسني مبارك، مشيعين بلعنات المظلومين، و المهمشين، و الغلابة الذين أذاقوهم الأمرين أثناء سنوت حكمهم العجاف.
ظل قادة الإنقاذ طيلة سنوات حكمهم التى إمتدت لأكثر من عقدين يقولون شيئا و يفعلون النقيض له تماما، وهو ما يمكن وصفه بالنفاق و الكذب الصراح. لم يردهم عن هذا الكذب أي وازع ديني أو أخلاقي. سأدلل على ذلك بمثالين فقط لا غير. الأول هو إدعائهم منذ أن قاموا بسرقة السلطة السياسية عن طريق إنقلابهم المشؤوم بأنهم لم يرتكبوا جريمتهم تلك إلا لتحكيم الدين فى الحياة العامة و حكم الناس بالشريعة الإسلامية. ثم يأتى رأس النظام، و بعد مرور أكثر من عقدين من الزمان، ليبشرنا بأنه سوف يبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية بعد إنفصال الجنوب فى التاسع من يوليو القادم!! هذا يعنى أنه كان يكذب على الشعب السودانى طيلة تلك الفترة دون أن يجد من يسائله، أو حتى يلفت إنتباهه، من الجيش العرمرم من مستشاريه، حارقى البخور الذين يسبحون بحمده ليل نهار، و يا للأسف، أن يتم كل ذلك بإسم الدين الحنيف.
أما المثال الثانى الذى سأسوقه للتدليل على مدى كذب "هؤلاء الناس" فيتمثل فى محرقة الحرب فى الجنوب و التى أهلكوا فيها الزرع و الضرع، وقتلوا فيها مئات الالاف من خيرة شباب السودان، شمالا وجنوبا. لقد ظل هؤلاء الكذبة يخوضون حربا ضد ما أسموه بحركة التمرد بهدف سحقها. كان الهدف الحقيقى لقادة الإنقاذ من وراء هذه الحرب اللعينة هو فرض الدولة الدينية فى جميع أرجاء الوطن عن طريق القوة المسلحة. لذلك أسموا حربهم تلك بالجهاد، أي أنهم قد حولوا الحرب فى الجنوب الى حرب دينية صرفة، بعد أن كانت حرب مظالم اجتماعية و اقتصادية و سياسية منذ أن بدأت فى خمسينات القرن الماضى.  
 و إذا لم يفلحوا فى تحقيق هدفهم المتمثل فى إقامة الدولة الدينية من خلال الحرب، فما عليهم إذن سوى فصل الجنوب حتى يتمكنوا من إقامتها فيما تبقى من الوطن، عن طريق أساليب القهر و الإرهاب، وهو ما ظل يبشر به رأس النظام من فوق جميع المنابر، الجماهيرية و الإعلامية، و منذ ظهور نتائج الإستفتاء الأخير التى أظهرت التصويت بنسبة كاسحة لصالح فصل الجنوب، و من ثم إعتماده الرسمى لتلك النتائج. ليس هذا فحسب، بل ذبحهم للثيران السوداء إبتهاجا بهذا ‘النصر المبين‘!!
إذا كانت هذه هي إستراتيجيتهم المعتمدة لإقامة الدولة الدينية فى البلاد منذ مجيئهم الى سدة الحكم، فلماذا ظلوا يخفونها على الشعب السودانى طيلة هذه الفترة؟ بل لماذا ظلوا يكذبون عليه طيلة عقد و نصف من الزمان، وبإسم الدين الإسلامى الحنيف؟! إننا نقولها، وللمرة الألف، بأن "هؤلاء الناس" ظلوا، و سيظلون كذلك حتى نهاية عهدهم الظلامي البئيس، يكذبون و يستغلون الدين الحنيف لتحقيق أغراض دنيوية بحتة، و للدفاع عن مكاسبهم الشخصية و الحزبية الرخيصة، لا اكثر و لا أقل.
وقد بلغ سيل كذبهم الزبى، ووصل مرحلة لم تحتملها حتى كوادرهم الأصيلة المنتمية إليهم، و المنضوية تحت لواء تنظيمهم، فإنبرى لهم مؤخرا السيد مدير جامعة الخرطوم البروفسير مصطفى إدريس، ليقدم لهم النصيحة فى نزاع حول أراضى تخص جامعته، فما كان منهم إلا أن قاموا بفصله فورا ودون أي إبطاء. ويا للمسخرة، وسخرية الأقدار، فقد فعلوا فعلتهم الشنيعة و المعيبة تلك بواسطة التلفون، وهو كان فى طريقه لتقديم واجب العزاء.
إن النصيحة التى قدمها هذا الرجل الشجاع لقادة الإنقاذ لم تكن فى أمور الدين، و هو واجب يحتمه عليه إلتزامه الديني، و إنما كان فى أمر دنيوي بحت. وليت هذا الأمر الدنيوي كان أمرا جللا، ولو أنه كذلك بالنسبة لجامعة الخرطوم، ولكنه كان حول قطعة أرض. سرقوا مليون ميل مربع، ولم يكتفوا بذلك، فظلوا يواصلون "السرقة داخل السرقة" حتى يوم الناس هذا!!
إذا كان قادة الإنقاذ لا يحتملون الحوار حتى مع كوادرهم القيادية المنظمة، فكيف سيحاورون قيادات "الكنكشة"؟ و إذا كان قادة الإنقاذ لا يقبلون النصح حتى من أقرب كوادر الحركة الإسلامية إليهم، فكيف يا ترى سيقبلون المناصحة من قيادات "الكنكشة"؟ وإذا كان قادة الإنقاذ لا يتقبلون المشورة من أكثر كوادرهم المنظمة إخلاصا حول قطعة أرض، فكيف يا ترى سيتقبلونها من قيادات "الكنكشة" حول الأجندة الوطنية؟
لكن متى ستعود قيادات "الكنكشة" الى صوابها وتقتنع بأن محاولاتها لإقناع قادة الإنقاذ بضرورة الجلوس الى مائدة الحوار الوطنى للخروج بالبلاد من الأزمة الراهنة ليست سوى "أحلام ظلوط"، إذا لم تعدها حادثة مدير جامعة الخرطوم البئيسة و الحزينة الى جادة الصواب؟ إن من يحاول إجراء أي نوع من الحوار مع قادة نظام الإنقاذ، من قبل أي طرف من أطراف قيادات "الكنكشة"، بعد فصل مدير جامعة الخرطوم، بعد حواره و مناصحته لهم حول قطعة أرض، سيكون مصابا قطعا بعمى البصيرة، حتى و إن كان يبصر كوكب زحل فى وضح النهار!!
ما هى الحكمة يا ترى من وراء الإصرار على مواصلة الحوار مع قيادات لا تود أن تستمع لأحد سوى نفسها؟ وما هى الحكمة من الإصرار على إجراء حوار مع نظام دكتاتوري أعلنها على رؤوس الأشهاد، و للمرة المليون، بأنه لن يجرى حوارا سوى مع من يحمل السلاح؟ إذا كانت قيادات "الكنكشة" لا تزال عند موقفها بضرورة مواصلة الحوار مع قادة الإنقاذ حول الأجندة الوطنية، بعد حادثة فصل مدير جامعة الخرطوم، فسيكون حوارها هذا كحوار الطرشان، و سيكون حالها كحال من يحرث فى البحر، أو تكون تجرى وراء سراب معتقدة أنها ستجد ماءا زلالا، ولكن هيهات!! و إن هي أصرت على المضي قدما فى هذا الإتجاه فإنها ستكون بالفعل قد ضلت الطريق و فقدت بوصلتها السياسية. عندها ليس عندنا ما نقوله سوى تنحوا يرحمكم الله، و إفسحوا المجال للشباب لقيادة النضال ضد النظام الظلامي الجاثم على صدر شعبنا الأبي.
 إن القيادات الشابة لحركة الثلاثين من يناير، داخل أحزابنا الوطنية و خارجها، هى وحدها القادرة على منازلة نظام الإنقاذ، وإلحاق الهزيمة الماحقة به، و كنس آثاره من فوق ترابنا الوطنى الذى دنسوه بموبقاتهم، و جرائمهم،و آثامهم التى إرتكبوها فى حق الشعب و الوطن، و التى لا تحصى و لا تعد. لكن الشرط الرئيسي لهذا الإنتصار يتمثل فى إزاحة قيادات "الكنكشة" عن تصدر مسيرتهم الظافرة و زحفهم المقدس، و ليكن شعارهم: "الشعب يريد إسقاط النظام"... و "الشباب يريد تنحية قيادات ‘الكنكشة‘ " فى ذات الوقت!!
16/2/2001م
Ibrahim Kursany [sheeba82@hotmail.com]
\\\\\\\\\\\\\
 

 

آراء