كَشْفُ حَال..!
ضياء الدين بلال
12 April, 2025
12 April, 2025
ضياء الدين بلال
-١-
لن أدخل معك في جدالٍ، عزيزي القارئ، إذا تعاملتَ مع ما سأرويه لك كمشهدٍ من كوميديا سوداء، خارج مسرح الواقع.
أحد أحياء العاصمة ظلّ ينعم بنور الكهرباء بلا انقطاع، بينما كانت ظلمة الساعات الطوال تغمر الأحياء المجاورة.
ولم يكن ذلك عطـاءً غير مستحق بأيدي المحاباة أو التمييز المتحيز، ولا عن غفلةٍ ساهيةٍ من إدارة التحكم.
كل ما في الأمر: من محاسن الصدف أن بالحي مستشفى خارج خارطة برمجة القطوعات.
وجود محوِّل كهربائي وحيد في المنطقة حال دون فرز منازل ومتاجر الحي عن المستشفى.
سكان الأحياء المجاورة استبدّ بهم الغيظ، فنظّموا وقفات احتجاجية… لا ضد انقطاع الكهرباء عنهم، بل ضد تنعُّم ذلك الحي بها!
-٢-
لم يقف الأمر عند هذا الحد:
نقاشٌ، وجدال، واحتجاج، وشائعات، وادعاءات، وأخذ ورد من هنا وهناك.
وفي النهاية، اتُّفِق على جمع تبرعات من سكان أحياء الظلام لشراء محوِّل خاص بالمستشفى!
جُمعت المبالغ على وجه السرعة، وتم شراء المحوِّل… ونجحت الأحياء المجاورة — لا في إنارة منازلها — بل في ضم ذلك الحي إلى نادي الظلام!
هِمّةٌ عالية، ونشاطٌ وفير، وكرمٌ مبذول… في إلحاق الضرر بالآخرين، دون تحقيق فائدة ذاتية!
-٣-
هذه من أخطر أزماتنا المجتمعية، التي تُقعد بنا في الوحل، وتجرّنا إلى ذيل قوائم الفشل والتخلُّف وسوء التغذية وفساد الأخلاق والحكام.
تتقدّم رغبتنا في إلحاق الضرر بالآخرين على التفكير في إنجاز ما ينفع الذات ويحقق المصلحة العامة.
قلتُ لصديقٍ غير مهتم بكرة القدم:
أتُصدِّق؟ توزيع الصحف الموالية للهلال يرتفع بهزيمة المريخ أكثر من انتصار الهلال، والعكس صحيح!
فرحُنا بهزيمة الخصم أكبر من سعادتنا بانتصارنا!
-٤-
أحزابُنا تنقسم على نفسها مراتٍ عدة لأتفه الأسباب.
شراكاتُنا التجارية لا تستمر، حتى داخل الأسرة الواحدة. يقبلون بالفشل الفردي ويرفضون النجاح المشترك.
فرقُنا الغنائية، مثل عقد الجلاد، تناثرت حباتُها على بلاط الخلافات المتعددة، فضاع جمال اللحن وسط ضجيج النزاع.
وفرقُنا الرياضية لا تعرف جماعية الأداء؛ معظم الأهداف تأتي بمجهودات فردية أو بأقدام الصدفة الطائشة، تُبهرك في الدقائق الأولى وتخذلك في الخواتيم.
-٥-
نعم، كلما تقدَّم شخصٌ إلى الأمام، أصبح هدفًا لمن هم وراءه.
المبدعون مُستهدفون، والعباقرة مُحاربون، والانتهازيون يصعدون على جراح الوطن لقطف الثمار الآثمة، والأغبياء في نعيم!
النجاح متَّهَم ومساءَل، بينما الفشل يحظى بالتعاطف والتقدير.
أول الفصل في المدرسة تطارده اللعنات، والطيش “عند الله بعيش”!
-٦-
أضحكني صديقنا الدكتور كمال عبد القادر، الكاتب الساخر، قبل أيام، وهو يحكي قصة طريفة:
قال إنه طار فرحًا حين ذهبت نتيجته — وهو أول الفصل — إلى زميلٍ يطابقه في الاسم الثلاثي،
وفي المقابل، ذهبت نتيجة الطالب كمال المتأخرة إلى الطالب المتفوق!
مصدر فرحة كمال أنه نجا في ذلك اليوم — نهاية العام الدراسي — من تنمُّر الأقران واستهدافهم لأوائل الفصول!
- أخيراً -
لهذا كلّه، تتغيّر الحكومات والأسماء، ولا يتغيّر الحال ولا السلوك.
بئرٌ معطّلة، وقصرٌ مشيَّد، مياهٌ عذبة على ظهور إبلٍ عطشى، وقلمٌ لا يزيل “البلم”!
ماضٍ بائس، وواقعٌ مُزرٍ، ومستقبلٌ حزين. أخيارٌ كأفراد، وأشرارٌ إذا اجتمعنا.
قالها أديبنا الراحل الطيب صالح:
من الذي يبني لك المستقبل يا هداك الله، وأنت تذبح الخيل وتُبقي العربات، وتُميت الأرض وتُحيي الآفات؟
(إعادة نشر)
-١-
لن أدخل معك في جدالٍ، عزيزي القارئ، إذا تعاملتَ مع ما سأرويه لك كمشهدٍ من كوميديا سوداء، خارج مسرح الواقع.
أحد أحياء العاصمة ظلّ ينعم بنور الكهرباء بلا انقطاع، بينما كانت ظلمة الساعات الطوال تغمر الأحياء المجاورة.
ولم يكن ذلك عطـاءً غير مستحق بأيدي المحاباة أو التمييز المتحيز، ولا عن غفلةٍ ساهيةٍ من إدارة التحكم.
كل ما في الأمر: من محاسن الصدف أن بالحي مستشفى خارج خارطة برمجة القطوعات.
وجود محوِّل كهربائي وحيد في المنطقة حال دون فرز منازل ومتاجر الحي عن المستشفى.
سكان الأحياء المجاورة استبدّ بهم الغيظ، فنظّموا وقفات احتجاجية… لا ضد انقطاع الكهرباء عنهم، بل ضد تنعُّم ذلك الحي بها!
-٢-
لم يقف الأمر عند هذا الحد:
نقاشٌ، وجدال، واحتجاج، وشائعات، وادعاءات، وأخذ ورد من هنا وهناك.
وفي النهاية، اتُّفِق على جمع تبرعات من سكان أحياء الظلام لشراء محوِّل خاص بالمستشفى!
جُمعت المبالغ على وجه السرعة، وتم شراء المحوِّل… ونجحت الأحياء المجاورة — لا في إنارة منازلها — بل في ضم ذلك الحي إلى نادي الظلام!
هِمّةٌ عالية، ونشاطٌ وفير، وكرمٌ مبذول… في إلحاق الضرر بالآخرين، دون تحقيق فائدة ذاتية!
-٣-
هذه من أخطر أزماتنا المجتمعية، التي تُقعد بنا في الوحل، وتجرّنا إلى ذيل قوائم الفشل والتخلُّف وسوء التغذية وفساد الأخلاق والحكام.
تتقدّم رغبتنا في إلحاق الضرر بالآخرين على التفكير في إنجاز ما ينفع الذات ويحقق المصلحة العامة.
قلتُ لصديقٍ غير مهتم بكرة القدم:
أتُصدِّق؟ توزيع الصحف الموالية للهلال يرتفع بهزيمة المريخ أكثر من انتصار الهلال، والعكس صحيح!
فرحُنا بهزيمة الخصم أكبر من سعادتنا بانتصارنا!
-٤-
أحزابُنا تنقسم على نفسها مراتٍ عدة لأتفه الأسباب.
شراكاتُنا التجارية لا تستمر، حتى داخل الأسرة الواحدة. يقبلون بالفشل الفردي ويرفضون النجاح المشترك.
فرقُنا الغنائية، مثل عقد الجلاد، تناثرت حباتُها على بلاط الخلافات المتعددة، فضاع جمال اللحن وسط ضجيج النزاع.
وفرقُنا الرياضية لا تعرف جماعية الأداء؛ معظم الأهداف تأتي بمجهودات فردية أو بأقدام الصدفة الطائشة، تُبهرك في الدقائق الأولى وتخذلك في الخواتيم.
-٥-
نعم، كلما تقدَّم شخصٌ إلى الأمام، أصبح هدفًا لمن هم وراءه.
المبدعون مُستهدفون، والعباقرة مُحاربون، والانتهازيون يصعدون على جراح الوطن لقطف الثمار الآثمة، والأغبياء في نعيم!
النجاح متَّهَم ومساءَل، بينما الفشل يحظى بالتعاطف والتقدير.
أول الفصل في المدرسة تطارده اللعنات، والطيش “عند الله بعيش”!
-٦-
أضحكني صديقنا الدكتور كمال عبد القادر، الكاتب الساخر، قبل أيام، وهو يحكي قصة طريفة:
قال إنه طار فرحًا حين ذهبت نتيجته — وهو أول الفصل — إلى زميلٍ يطابقه في الاسم الثلاثي،
وفي المقابل، ذهبت نتيجة الطالب كمال المتأخرة إلى الطالب المتفوق!
مصدر فرحة كمال أنه نجا في ذلك اليوم — نهاية العام الدراسي — من تنمُّر الأقران واستهدافهم لأوائل الفصول!
- أخيراً -
لهذا كلّه، تتغيّر الحكومات والأسماء، ولا يتغيّر الحال ولا السلوك.
بئرٌ معطّلة، وقصرٌ مشيَّد، مياهٌ عذبة على ظهور إبلٍ عطشى، وقلمٌ لا يزيل “البلم”!
ماضٍ بائس، وواقعٌ مُزرٍ، ومستقبلٌ حزين. أخيارٌ كأفراد، وأشرارٌ إذا اجتمعنا.
قالها أديبنا الراحل الطيب صالح:
من الذي يبني لك المستقبل يا هداك الله، وأنت تذبح الخيل وتُبقي العربات، وتُميت الأرض وتُحيي الآفات؟
(إعادة نشر)