لا امام سوى العقل (٥-٩)
أبوبكر القاضي
14 September, 2023
14 September, 2023
من وحي فلسفة نيتشه حول (موت الإله) : هل نجح متمردو الهامش-زرقة وعربا - بالتتابع - في هدم معبد المركز (الجيش) وقتلمعبود الإسلام السياسي (السلطة) ؟!!
++ فولتير.. الفيلسوف الفرنسي الساخر الذي ساهمت فلسفته وسخريته في تحطيم سلطتي الكنيسة والملكية على السواء ؟!
++ اول صدام لفولتير مع الكنيسة ونفيه الى انكلترا .. وما ترتب على ذلك من إعجابه بالملكية الدستورية ، والممارسة السياسية عبرالبرلمان ، وإعجابه بادب شكسبير:
++ ١٥/ ابريل ٢٠٢٣ نهاية التاريخ في السودان.. سقوط دولة الجلابة الشماليين الاسلامويين ، وافاق جديدة للسودان جديد يقومعلى متلازمة: الليبرالية/العلمانية/الديموقراطية/الحكم الرشيد
(١) فولتير (٢١ نوفمبر ١٦٩٤ الي ٣١ اغسطس ١٧٧٨ ) فيلسوف التنوير واحد صانعي الثورة الفرنسية: نستلهم تجربته لتصحيحمسار ثورة ديسمبر المجيدة:
في الفصل الخامس من كتابنا الذي يحمل عنوان (لا امام سوي العقل)- والمقولة في الاصل للاديب والفيلسوف العربي ابو العلاءالمعري - سوف نتناول الفيلسوف الفرنسي فولتير بصفته احد أعمدة التنوير الذين صنعوا الثورة الفرنسية ١٧٨٩م . ارتبط اسمفولتير في ذاكرة الشعب الفرنسي بانه الفيلسوف الساخر الذي ساهم بفكره الثاقب المستنير في تحطيم سلطتي الكنيسة والملكيةالاستبدادية علي السواء . اننا نقدم الفلسفة والعقلانية للقارئ السوداني ونستهدف بصورة خاصة الأجيال آلتي شبت وترعرعت فيعهد دولة الإنقاذ الظلامية الكيزانية التي عمدت منذ مجيئها في ٣٠ يونيو ١٩٨٩ الى إعادة صياغة الإنسان السوداني وبرمجتهوشحنه بالحماس الديني والتعبئة الجهادية التكفيرية الاقصائية ، وثقافة الكراهية للآخر السوداني المختلف دينيًا وعرقيا ولغويًا.
إننا نقدم في هذا افصل بصورة خاصةً فلسفة كل من (فولتير) و فريدريك نيتشه لتكون منارات هدي من الفلسفة والعقلانية كأدواتتغيير .. وإعادة برمجة واستنارة للعقول من خلال اشاعة افكار التنوير وثقافة التسامح وقبول الاخر ، وتثبيت (حق الآخر في ان يكوناخر) .. وتثبيت اركان (دولة الوطن والمواطنة المتساوية بغض النظر عن الدين او العرق، او اللغة والثقافة او الجندر من ذكر وأنثى) بدلًا من ثقافة (دولة العقيدة الاسلاموية الكيزانية الاقصائية المفصلة على مقاس (أبناءً وبنات الحركة الاسلامية) .. ونسبة لانالإقصاء لا حد فقد اقتصر مشروع الحركة الاسلامية على النخبة النيلية فقط بعد المفاصلة التي جرت بين الإسلاميين في رمضانعام ١٩٩٩ .. وللحقيقة فان مشروع الحركة الاسلامية لم يستوعب أبناءً كردفان ودارفور الا في دور (الترميز التضليلي ) ودور الجهادوالدماء الرخيصة التي تحارب وتموت نيابة عن مشروع النخبة النيلية الفاشل الذي قضى نحبه عبر ثورات الهامش في الجنوبالذي:ذهب وجبال النوبة والانقسنا ، وكانت (الطامة الكبرى والضربة القاضية في حرب ١٥ ابريل ٢٠٢٤).
(٢) فولتير في سجن الباستيل بسبب نقده للسلطة والسخرية من طبقة النبلاء !!
الحرية التي يتمتع بها إنسان القرن الواحد والعشرين والمتمثلة في حق نقد الموظف العام ونقد الملك ومجلس الوزراء ، والسخريةمنهم بكل الوسائل بما في ذلك الفنون والرسومات الكاريكاتورية .. هذه الحريات التي تجسدت في المواثيق الدولية لحقوق الانساندفع ثمنها رجال عظام على شاكلة الفيلسوف الفرنسي فولتير .. السخرية التي اطلقها فولتير ودخل بسببها سجن الباستيل لمدة (١١شهرًا مع النفي من البلاد) بسيطة جدا بمقاييس زماننا .. وكبيرة جدا بمقاييس زمان فولتير.. السخرية تقول:( آن القصر الملكيالفرنسي قد دخل في ضائقة مالية اضطر بسببها لبيع جزء مقدر من حصين البلاط الملكي.. وحين علم الشاب فولتير بهذه الواقعةقال وهو يسخر :( كان الانفع للدولة الفرنسية بيع نصف الحمير الذين بالبلاط الملكي).. يقصد بالحمير حاشية الملك.. وفي خلال اقلمن ٢٤ ساعة عمت هذه السخرية كل ارجاء باريس .. ومن ثم كادت له الحاشية المبينة في المقتطف ادناه.. وادخلته سجن الباستيلونفته الى خارج فرنسا.. الي بريطانيا التي كانت متقدمة على فرنسا من ناحية الحريات والفنون والرواية والمسرح.. فالي المقتطف:
(وبعد أن قام فولتير بإهانة النبيل الفرنسي الشاب - كافلييه دي روهان - في وقت متأخر من عام 1725، استطاعت أسرة روهانالأرستقراطية أن تحصل على lettre de cachet - وهو مرسوم موقع من ملك فرنسا (وكان الملك هو لويس الخامس عشر فيعصر فولتير) يتضمن عقاب استبدادي لأحد الأشخاص، ولا يمكن استئناف الحكم الذي جاء فيه. وهو نوع من الوثائق التي كانيشتريها أفراد طبقة النبلاء الأثرياء للتخلص من أعدائهم غير المرغوب فيهم. واستخدمت أسرة روهان هذه الضمانة في بداية الأمرللزج بفولتير في سجن الباستيل، ثم التخلص منه عن طريق النفي خارج البلاد دون أن يتعرض لمحاكمة أو يسمح له بالدفاع عننفسه.[17] وتعتبر هذه الواقعة علامة بارزة في تاريخ بدء محاولات فولتير لتطوير نظام القضاء الفرنسي.) الموسوعة الحرة ويكبيديا.
شكلت بريطانيا (المنفى الإجباري لفولتير) محطة ملهمة في حياة فولتير.. فقد كانت بريطانيا متقدمة علي فرنسا من ناحيةالحريات.. فقد تم تقليص سلطة الملك الذي أصبح (يملك ولا يحكم ) حيث انتقلت السلطة التنفيذية لمجلس الوزراء والسلطات المالية(فرض الضرائب) الي البرلمان فيما عرف بنظام الملكية الدستورية آلتي افتتن بها فولتير . كما اعجب فولتير بفن الرواية عند شكسبير، وكذلك اعجب فولتير بتسامح طائفة الكويكرز المسيحية (بروتستانت ) التي كانت تدعو الى الغاء نظام الرق ورفض المشاركة فيالحروب وامتناعهم عن شرب الخمور . قام فولتير بنقل تجربته الثرة في بريطانيا عبر رسائل الى فرنسا. شاهدنا هو ان فولتير قدامضى حياته من (منفي الى منفي ) بسبب فلسفته المناهضة للكنيسة الكاثوليكية وللملكية المستبدة في فرنسا حتي بلغ عمره (84 سنة) .
(٣) التسامح.. اشهر عناصر فلسفة فولتير:
(أ) الدولة الدينية الإنقاذية المجردة تمامًا من قيم التسامح هي التي تسببت في فصل جنوب السودان!!
قدم الفيلسوف الساخر فولتير نقده اللاذع للكنيسة الكاثوليكية وللأديان كلها من خلال كتابه: (قاموس فولتير الفلسفي) .. وتحديدًافي الفصل المتعلق بالتسامح جاء فيه ما يلي:
( ما التسامح؟ إنه نتاج الإنسانية. نحن جميعًا مخلوقون من الضعف والخطأ، فليعذر كل منا حماقة الآخر. هذا هو القانون الأولللطبيعة.
واضحٌ أن الفرد الذي يضطهد أخاه الإنسان، لأنه ليس من رأيه، هو وحش. يمكننا قول ذلك بلا صعوبة، لكن الحكومة! لكن القضاة! لكن الأمراء! كيف يعاملون أولئك الذين يتعبدون بعبادة مختلفة عن عباداتهم؟ إذا كانوا غرباء أقوياء فمن المؤكد أن الأمير سوفيتحالف معهم. سيتحالف فرانسوا الأول، المسيحي للغاية، مع المسلمين ضد شارل الخامس الكاثوليكي للغاية. سيُعطي فرانسواالأول المال للوثريِّي ألمانيا ليدعمهم في تمردهم ضد الإمبراطور؛ لكن، طبقًا للعادة، سوف يبدأ بحرق اللوثريِّين في وطنه. لأسبابسياسية يدفع لهم في ساكسونيا، ولأسباب سياسية يحرقهم في باريس. ولكن ماذا سيحدث؟ هل تصنع الاضطهادات مرتدِّين؟سرعان ما ستَمتلئ فرنسا بأعداد جديدة من البروتستانت. في البداية، سيستسلمون للشَّنق، ولكن بعد ذلك سيَشنُقون هم بدورهم. ستكون هناك حروب أهلية، وستأتي مذبحة سان بارثولوميو، وسيصبح هذا الركن من العالم أسوأ من أي جحيم سمع عنه القدماء أوالمُحدَثون .) انتهي. المرجع: كتاب : فاموس فولتير الفلسفي/تاليف فولتير /ترجمة يوسف نبيل /مؤسسة هنداوي دوت أورغ .
يعنينا في هذا الفصل ونحن نتحدث عن (التسامح) في فلسفة فولتير ان كلما ورد من نقد للدين المسيحي الكاثوليكي من (تعصبورفض الآخر) وإثارة الكراهية ضده ينطبق تمامآ على التدين الإسلامي.. ونذكر بأن اشكالية (عدم التسامح بين المسلمين وخاصةبين الصحابة الاجلاء رضي الله عنهم هو (من المسكوت عنه عمدًا في التاريخ الاسلامي) .. الحديث عن (الفتنة الكبرى) بينالصحابة حفظة القران والمبشرين بالجنة ممنوع في التاريخ الاسلامي.. لان الحديث عن هذه الفتنة ينزع القداسة عن صحابة رسولالله صلى الله عليه وسلم.. وربطا بقصة حروب الصحابة فيما بينهم بشأن السلطة بفلسفة فولتير حول التسامح نقول بان كلام فولتيرحول عدم التسامح الكاثوليكي ينطبق تمامًا على كل الأديان سماوية وغير سماوية.. بما فيها الاسلام .. لان المشكلة تكمن في(التدين.. الذي يعني الاستخدام السياسي والتجاري للدين.. وليس في دين الله النقي / دين الفطرة) .. وربطا للحديث بين فلسفةفولتير و (تدين الكيزان) .. الذين ملأوا الدنيا ضجيجا (كل شيءٍ لله) .. وشعار (لا لدنيا قد عملنا ) فقد فضحت الممارسات الكيزانيةتجاه شعب جنوب السودان زيف هذه الشعارات.. باختصار فقد فشل الاخوان المسلمون في التعايش مع الجنوبيين المختلفين معهمفي الدين.. وضربوا بعرض الحائط كل التجربة البشرية في الأخذ (بعلمانية ألدولة - العلمانية المؤمنة) التي تعني وقوف ألدولة علىمسافة واحدة من جميع الاديان.. ولا تعني علمانية المجتمع او الافراد..
واختم الحديث حول فلسفة فولتير حول التسامح بالقول بآن معاداة الاخوان المسلمين السودانيين للعلمانية المرتبطة بظروف نشاةالحركة (الام) في مصر علي يدي حسن البنا ،. والتي ارتبطت بالبكاء على سقوط الخلافة العثمانية في تركيا وما تلاها من قيام دولةاتاتورك العلمانية.. هذه المعاداة التاريخية للعلمانية في في مصر لا نجد لها مبررًا في السودان خاصةً وان أهل السودان (باستثناءدارفور) كانوا في الاتجاه المعاكس لمعسكر تركيا في الحرب العالمية الاولى ، فضلًا عن ان السودان قد اشعل الثورة المهدية بحالهاضد تركيا دولة الخلافة الاسلامية .. مما يعني ان الوجدان السوداني الذي اقام الجهاد ضد تركيا كان ينظر لدولة الخلافة العثمانيةعلى أنها محض ( استعمار وباشبزق ) - اي دولة تجمع الضرائب الباهظة بلا رحمة بعيدًا عن عدالة الإسلام.. لذلك فان المزاجالسوداني لم يأسف البتة لسقوط الخلافة الاسلامية في تركيا . شاهدنا هو آن مشروع الأخوان المسلمين كان منذ النشاة وحتىفشله في السودان وسقوطه الابدي .. ظل يفتقر الي الرؤية والبرنامج ، ولا يملك سوي الهتاف الشعبوي (لا شيوعية ولا الحاد ) .. ومناهضة العلمانية. . وفشل تمامًا في تطوير مشروعه السياسي (من دولة العقيدة الاسلامية) الي دولة المواطنة المتساوية.
(ب) الإشكالية الكبرى في السودان هي ان معاداة الكيزان للعلمانية قد انطلت على كافة الأحزاب السياسية في الخرطوم/المركز بمافي ذلك الحزب الجمهوري ، والشيوعى السوداني الذي خفف من لغته السالبة تجاه الدين منذ فتنة معهد المعلمين العالي في عهدثورة اكتوبر المجيدة آلتي قادت لحل الحزب الشيوعى وصار الحزب الشيوعي يتحدث عن (الدولة المدنية.. مسقطا كلمة العلمانية) .. ونذكر في هذا الخصوص بان تركيا مقر الخلافة الاسلامية قد خرجت من ظلام العصور الوسطى ودخلت الحداثة عن طريق (علمانيةكمال اتاتورك) .. ومن عظمة (الكوز الاسلاموي رجب طيب اردوغان) تمسكه بالعلمانية.. بل وتسويقها لدول الربيع العربي/ الاسلامي.
اما الحزب الجمهوري برئاسة الأستاذ محمود محمد طه فانه يتحدث عن (توحيد الامة وتجديد دينها الاسلامي) .. فهو عمليًا ليسفي سفينته متسع لغير المسلمين المحمديين !! فشعار الفكرة الجمهورية هو :(بتقليد محمد تتوحد الأمة ويتجدد دينها ) .. وهو شعارلا يختلف ابدا عن شعار الأخوان المسلمين : (الاسلام هو الحل ) .. يتميز الجمهوريون عن الأخوان المسلمين بآن رؤية الجمهوريينالإسلامية واضحة ومفصلة في كتاب الرسالة الثانية من الإسلام وتطوير شريعة الاحوال الشخصية ، واسس دستور السودان(المستمد من القرآن وحده) .. ويعيب الحل الجمهوري انه (حل إسلامي بغض النظر عن (مستوى هذا الإسلام ، آو الإدعاء بعلميةهذا المستوى) . فمن حق الجمهوريين ان يفرحوا (بهديتهم الرسالة الثانية من الإسلام).. ولكنها دون دون المطلوب بالنسبة للأخرينغير المسلمين.. لانها (تلغي اديانهم وعاداتهم وتقاليدهم السابقة لظهور الاسلام) .. لان الاسلام (في اي مستوى) ليس المظلةالجامعة للسودانيين في بلدٍ متعدد الديانات.. باختصار الفكرة الجمهورية المستمدة من القرآن وحده .. والداعية لتجديد ألدين وتوحيدالامة عن طريق (تقليد محمد) .. غير مؤهلة لإدارة التنوع السوداني المتعدد الأديان!!
اقول للجيل الراكب رأسه.. جيل ثورة ديسمبر المجيدة: انفضوا من رؤوسكم غبار ثقافة دولة الإنقاذ الداعشيه المعادية للعلمانية بدونسبب عقلاني .. فالعلمانية كآلية للحكم لها القدرة علي إدارة التنوع الديني والثقافي السوداني وهي الوسيلة الوحيدة للحفاظ علي(المتبقي من كيان ألدولة السودانية) .. وهي (العلمانية) هي الأمل الوحيد لإحياء مشروع د جون غرانق.. السودان الجديد والوحدةالطوعية الجاذبة بين جنوب السودان الذي ذهب وشمال السودان.
(٤) فلسفة فولتير حول السلطة : فان كان فولتير قد ازدرى فقهاء السلطان المستبد الذين حاكموا (جاليليو) .. فاننا نزدري النميريوعمر البشير وفقهاءهم وقضاتهم الشرعيين الذين اعدموا الأستاذ محمود محمد طه والمعارضين السياسيين والنقابيين!!
هذا ما قاله فولتير بعظمة لسانه في فصل السلطة من كتابه (القاموس الفلسفي) في وصف رجال السلطة ورجال الدين البائسين.. وعن زيهم ، وجرائمهم .. الخ :
(أيها البشر البائسون، سواء أَرْتديتم أردية خضراء، أم عمائم، أم أرديةً سوداء، أم أردية كهنوتية، أم عباءات وأشرطة حول الرقبة، لاتسعوا أبدًا إلى استغلال السلطة حيثما تكون هناك مسألة للعقل وحده، أو ترضوا بأن تكونوا محلَّ ازدراء عبر كل القرون كأكثرالناس صَلفًا، وأن تُعانوا كراهية الجماهير مثل أكثر الناس ظلمًا.
حدَّثكم المرء مئات المرات عن السخافة المتغطرسة التي أدنتم بها جاليليو، وأُحدِّثكم للمرة الحادية بعد المائة، وأتمنى أن تُحافظوا علىذكراها السنوية إلى الأبد. أتمنى أن يُكتَب على ضريحكم المقدس:
هنا يَرقد سبعة كرادلة يُساعدهم بعض من الإخوة الأدنى رتبة، ألقوا بأستاذ الفكر في إيطاليا في غياهب السجن وهو في السبعينمن عمره، وجعلوه يصوم على الخبز والماء لأنه علَّم الجنس البشري، ولأنهم كانوا جهلة.) انتهي. المصدر: كتاب فولتير بعنوان: قاموسفولتير الفلسفي/ ترجمة يوسف نبيل /مؤسسة هنداوي /عام ٢٠١٨
حين فرغت من قراءة (فصل السلطة) في كتاب قاموس فولتير الفلسفي رجعت بي الذاكرة لصباح ١٨/ينام/١٩٨٥ امام سجن كوبرحيث خرجت الجماهير حزينة ومحبطة (لانهم توقعوا حدوث كرامة تنجي الأستاذ محمود من الموت) .. خرجت الجماهير من ساحةالاعدام وتركت الأستاذ محمود معلقا على حبل المشنقة.. بعد ان تم تنفيذ حكم الاعدام مع الصلب .. ولو اننا استبدلنا كلمة إيطاليًابكلمة السودان من كلام فولتير اعلاه لاستقام الكلام .. ولفهم القارئ ان فولتير كان يتحدث عن الشهيد محمود محمد طه. فإذا تمعناكلام فولتير في المقتطف أعلاه: (القوا باستاذ الفكر في إيطاليًا في غياهب السجن) .. ففي السودان أستاذ الفكر السبعيني الذيجرى إعدامه بواسطة تحالف السلطان المستبد وفقهاء السلطان معلوم للكافة هو الأستاذ الشهيد محمود محمد طه.. فقد امتلأتساحة سجن كوبر بالاخوان المسلمين الذين آتوا ليشهدوا واقعة حدوث تنفيذ حكم الاعدام مع الصلب وهم يهتفون ويهللون ويكبرونفي منتهى الفرح ..كانهم لم يتدبروا القرآن حين قال المولي عز وجل عن خروف الأضحية ان الهدف منه ليس الشحم واللحم والدموانما الهدف هو قلوب العباد (التقوي ) : ( لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)) الحج . فهل يعقل ان يتقرب الأخوان المسلمون في السودان اليالله بدم ورقبة شيخ في عمر ٧٦ سنة وقانون الاجراءات الجنائية السوداني وفي كل العالم المتحضر ينص علي عدمجواز تنفيذ حكم الإعدام علي شخص بلغ السبعين من عمره ؟!
الفيلسوف فولتير في (فصل السلطة من كتابه العظيم: القاموس الفلسفي) يشير الي ذاكرة تاريخ البشرية المليء بالأفعال الإجراميةلتحالف (السلطان المستبد مع فقهاء السلطان) .. يشير فولتير الى قصة (جاليليو) العالم الايطالى الذي برهن خداع (العين المجردة) حول العلاقة بين الشمس والكواكب.. وبرهن على ان الكواكب (الارض والمريخ والزهرة) هي التي تدور حول الشمس .. هذه النظريةالتي اصبحت في زماننا هذا حقيقة يعرفها طالب المرحلة الابتدائية ، حكمت محكمة التفتيش الايطالية بحبس (جاليليو) في منزلهحتي الموت وقد تم تنفيذ هذا الحكم القبيح الذي يصر فولتير على الاحتفال بالتنديد به سنويا كما يفعل الشعب السوداني كل يوم١٨ يناير من كل عام بذكرى إعدام الشهيد محمود محمد طه.
إننا في السودان نعرف جيدًا النتائج الكارثية (لتحالف السلطان المستبد وفقهاء السلطان) .. ونموذج السلطان المستبد هو (جعفرنميري.. وعمر البشير) .. فمتي ما توفر السلطان المستبد فان (فقهاء السطان جاهزون) ليفتوا له حسب هواه .. هذا هو دور فقهاءالسلطان (قبحهم الله).. يحللون دماء الفلاسفة والعلماء والمفكرين وفقا لهوي الاستبداد. سوف تحتفظ ذاكرة الشعب السودانيبجرائم نظام الإنقاذ الإسلاموي بإعدام ٢٨ ضابط يوم ٢٨ رمضان ١٩٩٠ وهم من خيرة ضباط القوات المسلحة ، واعدم تجار الدولار(مجدي وجرجس ورفاقهم) .. وضحايا (بيوت الأشباح.. بروفسير علي فضل ورفاقه) .. وجرائم الإبادة لشعوب السودان في الجنوبتحت مسمي (الجهاد) .. وجرائم الإبادة في جبال النوبة ودارفور.. وجريمة فض الاعتصام امام القيادة العامة.. والطامة الكبرىممثلة في (حريق الخرطوم بواسطة كتائب الظل الإخوانية وجيش الأخوان المسلمين : البرهان والكباشي والعطا وبقية الفلول.
(5 ) من وحي فلسفة نيتشه حول (موت الإله) : نقدم المقابلة التالية:
متمردوا الهامش السوداني يهدون (معبدين كبيرين هما (١) ما يسمى ب (الجيش السوداني- الذي هو عبارة عن مليشيا شمالية٧٥٪ من ضباطه من قبائل الشمال النيلي - (٢ ) الصنم الأخر هو الحركة الاسلامية التي ثبت انها (حركة جهوية شمالية عنصريةمتماهية مع (الجيش السوداني المزعوم الذي ثبت انه مليشيا الشمال النيلي ) .
سوف نعالج هذا الملف في محورين: الأول نشرح فيه مفهوم (موت الاله) في فلسفة نيتشه ، وفي المحور الثاني سنقوم بتطبيق مفهومموت الاله عند نيتشه على واقع (دولة ١٩٥٦) التي استعمرت فيها النخبة النيلية الشمالية بقية أطراف السودان عن طريق الجيشالسوداني (مليشيا النخبة النيلية) :
(أ) كيف تقبل العالم الغربي مقولة نيتشه حول (موت الاله)؟
هذا السؤال يجيب عليه الكاتب محمد احمد يوسف في مقاله الذي بعنوان: ماذا قصد نيتشه ب (موت الاله)؟ وذلك من خلال المقتطفادناه:
(لقد مر ما يقارب الـ 136 عامًا منذ أن أعلن «فريدريك نيتشه» «موت الإله»، مما منح طلاب الفلسفة صداعًا جماعيًا استمر منذالقرن التاسع عشر وحتى اليوم. ربما كانت هذه الجملة هي واحدة من أفضل الجمل المعروفة في كل أنواع الفلسفة، والتي يعرفهاجيدًا حتى أولئك الذين لم يسبق لهم قط قراءة كتاب «العلم المرح»، والتي ذكر فيه نيتشه هذه الجملة. لكن هل نعرف بالضبط ماذاكان يقصد نيتشه بأن الإله قد مات؟ أو ربما نعيد صياغة السؤال الأهم من ذلك: ماذا تعني لنا تحديدًا هذه الجملة؟) انتهي: المرجع: محمد احمد يوسف/ ماذا قصد نيتشه ب (موت الإله)؟ /موقع إضاءات على الشبكة/١٠ يوليو ٢٠١٨ .
ويستطرد الكاتب محمد احمد يوسف في بيان مقاصد نيتشه من مقولته حول (موت الاله) مبينًا رمزية هذه العبارة بالبيان التالي:
(كان نيتشه ملحدًا بطبيعة الحال، فهو هنا لم يكن يعني أن هناك إلهًا وقد مات بالمعنى الحرفي، بل أن فكرتنا عن الإله هي التيماتت. فبعد عصر التنوير، أصبحت فكرة الكون الذي تحكمه القوانين الفيزيائية وليست العناية الإلهية حقيقةً واقعة. لقد أظهرتالفلسفة أن الحكومات لم تعد بحاجة إلى الالتفاف حول فكرة الحق الإلهي لكي تكتسب شرعية وجودها، وإنما من خلال موافقة أوعقلانية المحكومين، تلك النظريات الأخلاقية الكبيرة والمتسقة يمكن أن توجد بدون الرجوع إلى الإله. فكان هذا حدثًا جللًا؛ حيث لم تعدأوروبا بحاجة إلى الإله كمصدر ومرجعية للأخلاق أو القيمة أو النظام في الكون، بل كانت الفلسفة والعلوم قادرتين على فعل ذلك منأجلنا. دفعت هذه الفلسفة العلمانية المتزايدة في الغرب إلى إدراك نيتشه أن الإله لم يمت فقط، بل أن البشر قد قتلوه بثورتهم العلمية،ورغبتهم في فهم العالم بشكل أفضل.) انتهي المرجع السابق/محمد احمد يوسف.
(ب) كيف حطم متمردوا الهامش السوداني (الصنم الشمالي النيلي الكبير (الجيش السوداني المقدس ) الذي ثبت انه (مجردمليشيا جهوية تتبع لشمال السودان) ؟ إضافةً الي بيان التماهي بين (الحركة الاسلامية والجيش المليشيا ) الذي يمثل مصالحالشماليين وحدهم ودون غيرهم.. بل الأخطر من ذلك ان هذا الجيش المليشيا ظل يقتل ويمارس الإبادة الجماعية (بمعاونة القبائلالعربية) لشعوب الهامش في الجنوب الذي ذهب وجبال النوبة والانجسنا ودارفور وأخيرًا في ولاية الخرطوم ؟ للإجابة على هذاالسؤال نبين الحقائق التالية:
(اولاً) النخبة النيلية الشمالية التي تقطن المنطقة من محطة الجيلي حتي حلفا في أقصى شمال السودان ، سكان هذه المنطقةاحصائياً لا يتجاوز تعدادهم مليون ونصف من البشر ، ورغم هذه القلة القليلة مقارنةً بنسبة السكان في الجنوب ودارفور وكردفانمثلا ، ظلت هذه الاقلية الشمالية تحكم السودان (بالحديد والنار) وطائرة الانتينوف الكريهة وسيئة السمعة!!
(ثانيًا) في إثبات ان (الجيش السوداني هو عبارة عن مليشيا)؟!
لعل اول سوداني شمالي يعترف علنا بان الجيش السوداني هو عبارة عن مليشيا شمالية هو الشهيد ابراهيم شمس الدين.. وقدمنحناه مرتبة (الشهيد) علي امل ان يحصل اولاده علي العدالة الجنائية ، وذلك لوجود شبهات تدعو للتحقيق الشفاف حول سقوططائرته ، وكذلك طائرة الشهيد الزبير محمد صالح وسيارة الشهيد مجذوب الخليفة ، والقاسم المشترك بين هؤلاء الشهداء هو قوةالشخصية ، وكونهم رجال دولة وبالتالي فان عيونهم علي (كرسي الرئاسة) .. لذلك فان الشارع السوداني يتهم عمر البشير الضلاليبتصفيتهم جسديا.. وعودة الى شهادة أبراهيم شمس الدين.. فقد قال بما معناه (حين قامت ثورة الإنقاذ وجدنا ان نسبة ابناء شمالالسودان من الضباط خريجي الكلية الحربية في الجيش السوداني تبلغ ٧٥٪ وقد تركنا او حافظنا علي هذه النسبة كما وجدناها ) .. ويفهم من سياق الحديث ان السيد إبراهيم شمس الدين كان يدافع عن موقف الحركة الاسلامية من هذا الخلل الفاضح في تركيبةالجيش السوداني مما يجعله (مليشيا شمالية وليس جيشًا وطنيًا سودانيًا) . ودفاع أبراهيم شمس الدين عن هذه الفضيحة يشبهدفاع المغني الذي قال : (الحب ده انا ما بديته .. من زمن الصحابة ياناس). وبعد الانتصار الجزئي لثورة ديسمبر المجيدة وضحتالحقائق كلها ، نسبة الشماليين من الضباط في الجيش السوداني ، وعدد الضباط الإسلاميين في الجيش السوداني.. ومعلوم انالثور اذا نحروه تكثر السكاكين لمزيد من النحر .. فقد فشل الجيش المهبب في هزيمة الدعم السريع.. واخيرا هرب البرهان !
(ثالثا) الجيش السوداني (مليشيا الجلابة في الشمال) هو اداة (الاستعمار ، وحكم السودان بالحديد والنار) :
إذا نظرنا الى برلمان السودان الذي صوت يوم ١٩ ديسمبر ١٩٥٥ بالاجماع لصالح تقرير المصير وانفصال السودان عن مصر نجدان الغالبية العظمى من النواب من (المركز / العاصمة المثلثة) وذلك بسبب ظاهرة قبيحة اسمها (تصدير النواب) .. وعلي سبيل المثالفان النائب البرلماني عن منطقة (ام كدادة في دارفور) هو السيد عبدالله خليل الذي امتدحه لنا المرحوم د منصور خالد ان لم تخنيالذاكرة في اهداء كتابه (النخبة السودانية وادمان الفشل) .. المرحوم عبدالله خليل علم من اعلام السودان وحزب الامة ، فهو رئيسالوزراء الذي سلم السلطة للفريق ابراهيم عبود عام ١٩٥٨ .. شاهدنا هو ان نواب البرلمان يصدرون من الخرطوم للأقاليم ، والنائبالمصدر يطلق عليه (مرشح السيد ) .. والسيد العلم هذا اما مرشح السيد علي الميرغني في دوائر الشمالية وشرق السودان او مرشحالسيد عبدالرحمن في دوائر غرب السودان الكبير والنيل الأبيض.. ودائما وفي الحالتين (مرشح السيد فائز) .
بعد ثورة أكتوبر ١٩٦٤ حدثت قفزة في الوعي لدي جماهير الولايات ، فقد ظهر (مؤتمر البجة منذ عام ١٩٥٨ خصماً على الحزبالاتحادي الديموقراطي ، و بالتتابع ظهرت نهضة / اتحاد جبال النوبة ونهضة دارفور.. اما في جنوب السودان فقد ظهرت (اخطربذرة.. وهي تمرد ابناء الاستوائية منذ عام ١٩٥٥ ). شاهدنا من هذه الخلفية هو ان ابناء النخبة النيلية الشمالية قد ادركوا حقيقةأنهم اقلية عددا في الدولة السودانية وبالتالي فان الديمقراطية ليست الألية المناسبة التي تمكنهم من حكم السودان.. لذلك (حافظواعلي الجيش كإمبراطورية خاصة بالشماليين ، ومن خلال الجيش يتداولون السلطة فيما بينهم كشماليين!) وذلك عن طريق الانقلاباتالتي تدبرها أحزاب النخبة النيلية الشمالية.
(رابعا) هيمنت النخبة النيلية الشمالية بذات الأسلوب على كل الأجهزة الأمنية التابعة التابعة لوزارة الداخلية وجهاز امن ألدولةوالجمارك.. الخ .
(خامسًا) هيمنت النخبة النيلية الشمالية على الاقتصاد السوداني ، من خلال هيمنتهم على إدارة البنوك التجارية التي توفر التمويللابناء الشمال مما مكنهم السوق ، وكذلك من خلال المؤسسة العسكرية ويكفي ان نعلم ان حوالي ٨٢٪ من ميزانية ألدولة تداربواسطة ضباط الجيش السوداني ولمصلحتهم وجلهم من ابناء الإقليم الشمالي كمًا سبق البيان.
(سادسا) حين ادرك ابناء الهامش في الجنوب وجبال النوبة والانقسنا ودارفور ان حقيقة ان الجيش السوداني (هو حكر للجلابةالشماليين ، وان هذا الجيش هو اداة استعمار الجلابة لبقية أطراف السودان) سعت الأقاليم الاخري لتأسيس جيوشها لتحريراقاليمها من (إستعمار الجلابة الشماليين) .. وقد كانت (الحركة الشعبية لتحرير شعوب السودان بقيادة الشهيد د جون غرانقصاحبة الريادة في هذا المجال ومن رحمها خرجت جميع حركات المقاومة السودانية في جبال النوبة والانقسنا ودارفور.
(سابعًا ) تحالف القبائل العربية مع الجلابة الشماليين من اجل إخماد ثورات المهمشين:
لمواجهة حركات المقاومة/التحرير المشار اليها في الفقرة (سادسا) اعلاه استخدم الجيش السوداني الاستعماري (سياسة فرق تسدالاستعمارية ) وذلك بتسليح القبائل العربية المجاورة لاماكن التمرد واطلاق يدها (للغنيمة) .. لتقتل وتنهب الاموال وتسبي النساءوالأطفال.. حدث هذا الفعل القبيح في جنوب السودان وفي جبال النوبة والانقسنا وفي دارفور.. الشيء القبيح الذي مازال يجرياليوم في ولاية الخرطوم منذ ١٥/ ابريل ٢٠٢٣ من قتال شرس (مميت - امسح امسح ماتجيبه حي) بين الجيش المليشيا من طرفضد مليشيا الدعم السريع هو نفسه الذي ظل يجري في أطراف السودان المختلفة منذ عام ١٩٥٦ .. وبكل اسف لم تخرج مظاهرةواحدة في الخرطوم تندد بحروب الإبادة التي يمارسها الجيش الاستعماري واعوانه من القبائل العربية في حين كانت تخرجمظاهرات التنديد لموت طفل فلسطينى في غزة .
(ثامنا ) نهاية التاريخ لدولة الجلابة الاستعمارية!!
الحرب الجارية في ولاية الخرطوم منذ ١٥/ ابريل ٢٠٢٣ بين جيش الجلابة الاستعماري وبين حلفائه من الجنجويد هي حرب نهايةالتاريخ.. نهاية دولة ١٩٥٦ غير مأسوف عليها.. ونهاية مشروع الاسلاموعروبي في السودان.. نهاية (دولة العقيدة) لتنطلق (دولةالمواطنة السودانوية) .. القائمة على متلازمة (الليبرالية/ العلمانية/ الديموقراطية/ والحكم الرشيد) . العسكر للثكنات.. وفترة انتقاليةجديدة تقودها حكومة كفاءات وطنية مدنية .. وبرلمان انتقالي أيضا.. بناء جيش (وطني جديد ينتمي الى كل السودان خلفًا لجيشالجلابة الجهوي الشمالي ) . ( موت الاله ) في فلسفة نيتشه يتكرر في السودان بعد حرب ١٥/ ابريل.. اصنام ومعابد المركز تتحطمعلى رؤوس أصحابها الجيش السوداني الجلابي الاستعماري ينهزم بعد المفاصله الأبدية بينه وبين حلفائه من القبائل العربية.
ابوبكر القاضي
نيوبورت/ويلز/UK
١٣/سبتمبر ٢٠٢٣ .
aboubakrelgadi@hotmail.com
++ فولتير.. الفيلسوف الفرنسي الساخر الذي ساهمت فلسفته وسخريته في تحطيم سلطتي الكنيسة والملكية على السواء ؟!
++ اول صدام لفولتير مع الكنيسة ونفيه الى انكلترا .. وما ترتب على ذلك من إعجابه بالملكية الدستورية ، والممارسة السياسية عبرالبرلمان ، وإعجابه بادب شكسبير:
++ ١٥/ ابريل ٢٠٢٣ نهاية التاريخ في السودان.. سقوط دولة الجلابة الشماليين الاسلامويين ، وافاق جديدة للسودان جديد يقومعلى متلازمة: الليبرالية/العلمانية/الديموقراطية/الحكم الرشيد
(١) فولتير (٢١ نوفمبر ١٦٩٤ الي ٣١ اغسطس ١٧٧٨ ) فيلسوف التنوير واحد صانعي الثورة الفرنسية: نستلهم تجربته لتصحيحمسار ثورة ديسمبر المجيدة:
في الفصل الخامس من كتابنا الذي يحمل عنوان (لا امام سوي العقل)- والمقولة في الاصل للاديب والفيلسوف العربي ابو العلاءالمعري - سوف نتناول الفيلسوف الفرنسي فولتير بصفته احد أعمدة التنوير الذين صنعوا الثورة الفرنسية ١٧٨٩م . ارتبط اسمفولتير في ذاكرة الشعب الفرنسي بانه الفيلسوف الساخر الذي ساهم بفكره الثاقب المستنير في تحطيم سلطتي الكنيسة والملكيةالاستبدادية علي السواء . اننا نقدم الفلسفة والعقلانية للقارئ السوداني ونستهدف بصورة خاصة الأجيال آلتي شبت وترعرعت فيعهد دولة الإنقاذ الظلامية الكيزانية التي عمدت منذ مجيئها في ٣٠ يونيو ١٩٨٩ الى إعادة صياغة الإنسان السوداني وبرمجتهوشحنه بالحماس الديني والتعبئة الجهادية التكفيرية الاقصائية ، وثقافة الكراهية للآخر السوداني المختلف دينيًا وعرقيا ولغويًا.
إننا نقدم في هذا افصل بصورة خاصةً فلسفة كل من (فولتير) و فريدريك نيتشه لتكون منارات هدي من الفلسفة والعقلانية كأدواتتغيير .. وإعادة برمجة واستنارة للعقول من خلال اشاعة افكار التنوير وثقافة التسامح وقبول الاخر ، وتثبيت (حق الآخر في ان يكوناخر) .. وتثبيت اركان (دولة الوطن والمواطنة المتساوية بغض النظر عن الدين او العرق، او اللغة والثقافة او الجندر من ذكر وأنثى) بدلًا من ثقافة (دولة العقيدة الاسلاموية الكيزانية الاقصائية المفصلة على مقاس (أبناءً وبنات الحركة الاسلامية) .. ونسبة لانالإقصاء لا حد فقد اقتصر مشروع الحركة الاسلامية على النخبة النيلية فقط بعد المفاصلة التي جرت بين الإسلاميين في رمضانعام ١٩٩٩ .. وللحقيقة فان مشروع الحركة الاسلامية لم يستوعب أبناءً كردفان ودارفور الا في دور (الترميز التضليلي ) ودور الجهادوالدماء الرخيصة التي تحارب وتموت نيابة عن مشروع النخبة النيلية الفاشل الذي قضى نحبه عبر ثورات الهامش في الجنوبالذي:ذهب وجبال النوبة والانقسنا ، وكانت (الطامة الكبرى والضربة القاضية في حرب ١٥ ابريل ٢٠٢٤).
(٢) فولتير في سجن الباستيل بسبب نقده للسلطة والسخرية من طبقة النبلاء !!
الحرية التي يتمتع بها إنسان القرن الواحد والعشرين والمتمثلة في حق نقد الموظف العام ونقد الملك ومجلس الوزراء ، والسخريةمنهم بكل الوسائل بما في ذلك الفنون والرسومات الكاريكاتورية .. هذه الحريات التي تجسدت في المواثيق الدولية لحقوق الانساندفع ثمنها رجال عظام على شاكلة الفيلسوف الفرنسي فولتير .. السخرية التي اطلقها فولتير ودخل بسببها سجن الباستيل لمدة (١١شهرًا مع النفي من البلاد) بسيطة جدا بمقاييس زماننا .. وكبيرة جدا بمقاييس زمان فولتير.. السخرية تقول:( آن القصر الملكيالفرنسي قد دخل في ضائقة مالية اضطر بسببها لبيع جزء مقدر من حصين البلاط الملكي.. وحين علم الشاب فولتير بهذه الواقعةقال وهو يسخر :( كان الانفع للدولة الفرنسية بيع نصف الحمير الذين بالبلاط الملكي).. يقصد بالحمير حاشية الملك.. وفي خلال اقلمن ٢٤ ساعة عمت هذه السخرية كل ارجاء باريس .. ومن ثم كادت له الحاشية المبينة في المقتطف ادناه.. وادخلته سجن الباستيلونفته الى خارج فرنسا.. الي بريطانيا التي كانت متقدمة على فرنسا من ناحية الحريات والفنون والرواية والمسرح.. فالي المقتطف:
(وبعد أن قام فولتير بإهانة النبيل الفرنسي الشاب - كافلييه دي روهان - في وقت متأخر من عام 1725، استطاعت أسرة روهانالأرستقراطية أن تحصل على lettre de cachet - وهو مرسوم موقع من ملك فرنسا (وكان الملك هو لويس الخامس عشر فيعصر فولتير) يتضمن عقاب استبدادي لأحد الأشخاص، ولا يمكن استئناف الحكم الذي جاء فيه. وهو نوع من الوثائق التي كانيشتريها أفراد طبقة النبلاء الأثرياء للتخلص من أعدائهم غير المرغوب فيهم. واستخدمت أسرة روهان هذه الضمانة في بداية الأمرللزج بفولتير في سجن الباستيل، ثم التخلص منه عن طريق النفي خارج البلاد دون أن يتعرض لمحاكمة أو يسمح له بالدفاع عننفسه.[17] وتعتبر هذه الواقعة علامة بارزة في تاريخ بدء محاولات فولتير لتطوير نظام القضاء الفرنسي.) الموسوعة الحرة ويكبيديا.
شكلت بريطانيا (المنفى الإجباري لفولتير) محطة ملهمة في حياة فولتير.. فقد كانت بريطانيا متقدمة علي فرنسا من ناحيةالحريات.. فقد تم تقليص سلطة الملك الذي أصبح (يملك ولا يحكم ) حيث انتقلت السلطة التنفيذية لمجلس الوزراء والسلطات المالية(فرض الضرائب) الي البرلمان فيما عرف بنظام الملكية الدستورية آلتي افتتن بها فولتير . كما اعجب فولتير بفن الرواية عند شكسبير، وكذلك اعجب فولتير بتسامح طائفة الكويكرز المسيحية (بروتستانت ) التي كانت تدعو الى الغاء نظام الرق ورفض المشاركة فيالحروب وامتناعهم عن شرب الخمور . قام فولتير بنقل تجربته الثرة في بريطانيا عبر رسائل الى فرنسا. شاهدنا هو ان فولتير قدامضى حياته من (منفي الى منفي ) بسبب فلسفته المناهضة للكنيسة الكاثوليكية وللملكية المستبدة في فرنسا حتي بلغ عمره (84 سنة) .
(٣) التسامح.. اشهر عناصر فلسفة فولتير:
(أ) الدولة الدينية الإنقاذية المجردة تمامًا من قيم التسامح هي التي تسببت في فصل جنوب السودان!!
قدم الفيلسوف الساخر فولتير نقده اللاذع للكنيسة الكاثوليكية وللأديان كلها من خلال كتابه: (قاموس فولتير الفلسفي) .. وتحديدًافي الفصل المتعلق بالتسامح جاء فيه ما يلي:
( ما التسامح؟ إنه نتاج الإنسانية. نحن جميعًا مخلوقون من الضعف والخطأ، فليعذر كل منا حماقة الآخر. هذا هو القانون الأولللطبيعة.
واضحٌ أن الفرد الذي يضطهد أخاه الإنسان، لأنه ليس من رأيه، هو وحش. يمكننا قول ذلك بلا صعوبة، لكن الحكومة! لكن القضاة! لكن الأمراء! كيف يعاملون أولئك الذين يتعبدون بعبادة مختلفة عن عباداتهم؟ إذا كانوا غرباء أقوياء فمن المؤكد أن الأمير سوفيتحالف معهم. سيتحالف فرانسوا الأول، المسيحي للغاية، مع المسلمين ضد شارل الخامس الكاثوليكي للغاية. سيُعطي فرانسواالأول المال للوثريِّي ألمانيا ليدعمهم في تمردهم ضد الإمبراطور؛ لكن، طبقًا للعادة، سوف يبدأ بحرق اللوثريِّين في وطنه. لأسبابسياسية يدفع لهم في ساكسونيا، ولأسباب سياسية يحرقهم في باريس. ولكن ماذا سيحدث؟ هل تصنع الاضطهادات مرتدِّين؟سرعان ما ستَمتلئ فرنسا بأعداد جديدة من البروتستانت. في البداية، سيستسلمون للشَّنق، ولكن بعد ذلك سيَشنُقون هم بدورهم. ستكون هناك حروب أهلية، وستأتي مذبحة سان بارثولوميو، وسيصبح هذا الركن من العالم أسوأ من أي جحيم سمع عنه القدماء أوالمُحدَثون .) انتهي. المرجع: كتاب : فاموس فولتير الفلسفي/تاليف فولتير /ترجمة يوسف نبيل /مؤسسة هنداوي دوت أورغ .
يعنينا في هذا الفصل ونحن نتحدث عن (التسامح) في فلسفة فولتير ان كلما ورد من نقد للدين المسيحي الكاثوليكي من (تعصبورفض الآخر) وإثارة الكراهية ضده ينطبق تمامآ على التدين الإسلامي.. ونذكر بأن اشكالية (عدم التسامح بين المسلمين وخاصةبين الصحابة الاجلاء رضي الله عنهم هو (من المسكوت عنه عمدًا في التاريخ الاسلامي) .. الحديث عن (الفتنة الكبرى) بينالصحابة حفظة القران والمبشرين بالجنة ممنوع في التاريخ الاسلامي.. لان الحديث عن هذه الفتنة ينزع القداسة عن صحابة رسولالله صلى الله عليه وسلم.. وربطا بقصة حروب الصحابة فيما بينهم بشأن السلطة بفلسفة فولتير حول التسامح نقول بان كلام فولتيرحول عدم التسامح الكاثوليكي ينطبق تمامًا على كل الأديان سماوية وغير سماوية.. بما فيها الاسلام .. لان المشكلة تكمن في(التدين.. الذي يعني الاستخدام السياسي والتجاري للدين.. وليس في دين الله النقي / دين الفطرة) .. وربطا للحديث بين فلسفةفولتير و (تدين الكيزان) .. الذين ملأوا الدنيا ضجيجا (كل شيءٍ لله) .. وشعار (لا لدنيا قد عملنا ) فقد فضحت الممارسات الكيزانيةتجاه شعب جنوب السودان زيف هذه الشعارات.. باختصار فقد فشل الاخوان المسلمون في التعايش مع الجنوبيين المختلفين معهمفي الدين.. وضربوا بعرض الحائط كل التجربة البشرية في الأخذ (بعلمانية ألدولة - العلمانية المؤمنة) التي تعني وقوف ألدولة علىمسافة واحدة من جميع الاديان.. ولا تعني علمانية المجتمع او الافراد..
واختم الحديث حول فلسفة فولتير حول التسامح بالقول بآن معاداة الاخوان المسلمين السودانيين للعلمانية المرتبطة بظروف نشاةالحركة (الام) في مصر علي يدي حسن البنا ،. والتي ارتبطت بالبكاء على سقوط الخلافة العثمانية في تركيا وما تلاها من قيام دولةاتاتورك العلمانية.. هذه المعاداة التاريخية للعلمانية في في مصر لا نجد لها مبررًا في السودان خاصةً وان أهل السودان (باستثناءدارفور) كانوا في الاتجاه المعاكس لمعسكر تركيا في الحرب العالمية الاولى ، فضلًا عن ان السودان قد اشعل الثورة المهدية بحالهاضد تركيا دولة الخلافة الاسلامية .. مما يعني ان الوجدان السوداني الذي اقام الجهاد ضد تركيا كان ينظر لدولة الخلافة العثمانيةعلى أنها محض ( استعمار وباشبزق ) - اي دولة تجمع الضرائب الباهظة بلا رحمة بعيدًا عن عدالة الإسلام.. لذلك فان المزاجالسوداني لم يأسف البتة لسقوط الخلافة الاسلامية في تركيا . شاهدنا هو آن مشروع الأخوان المسلمين كان منذ النشاة وحتىفشله في السودان وسقوطه الابدي .. ظل يفتقر الي الرؤية والبرنامج ، ولا يملك سوي الهتاف الشعبوي (لا شيوعية ولا الحاد ) .. ومناهضة العلمانية. . وفشل تمامًا في تطوير مشروعه السياسي (من دولة العقيدة الاسلامية) الي دولة المواطنة المتساوية.
(ب) الإشكالية الكبرى في السودان هي ان معاداة الكيزان للعلمانية قد انطلت على كافة الأحزاب السياسية في الخرطوم/المركز بمافي ذلك الحزب الجمهوري ، والشيوعى السوداني الذي خفف من لغته السالبة تجاه الدين منذ فتنة معهد المعلمين العالي في عهدثورة اكتوبر المجيدة آلتي قادت لحل الحزب الشيوعى وصار الحزب الشيوعي يتحدث عن (الدولة المدنية.. مسقطا كلمة العلمانية) .. ونذكر في هذا الخصوص بان تركيا مقر الخلافة الاسلامية قد خرجت من ظلام العصور الوسطى ودخلت الحداثة عن طريق (علمانيةكمال اتاتورك) .. ومن عظمة (الكوز الاسلاموي رجب طيب اردوغان) تمسكه بالعلمانية.. بل وتسويقها لدول الربيع العربي/ الاسلامي.
اما الحزب الجمهوري برئاسة الأستاذ محمود محمد طه فانه يتحدث عن (توحيد الامة وتجديد دينها الاسلامي) .. فهو عمليًا ليسفي سفينته متسع لغير المسلمين المحمديين !! فشعار الفكرة الجمهورية هو :(بتقليد محمد تتوحد الأمة ويتجدد دينها ) .. وهو شعارلا يختلف ابدا عن شعار الأخوان المسلمين : (الاسلام هو الحل ) .. يتميز الجمهوريون عن الأخوان المسلمين بآن رؤية الجمهوريينالإسلامية واضحة ومفصلة في كتاب الرسالة الثانية من الإسلام وتطوير شريعة الاحوال الشخصية ، واسس دستور السودان(المستمد من القرآن وحده) .. ويعيب الحل الجمهوري انه (حل إسلامي بغض النظر عن (مستوى هذا الإسلام ، آو الإدعاء بعلميةهذا المستوى) . فمن حق الجمهوريين ان يفرحوا (بهديتهم الرسالة الثانية من الإسلام).. ولكنها دون دون المطلوب بالنسبة للأخرينغير المسلمين.. لانها (تلغي اديانهم وعاداتهم وتقاليدهم السابقة لظهور الاسلام) .. لان الاسلام (في اي مستوى) ليس المظلةالجامعة للسودانيين في بلدٍ متعدد الديانات.. باختصار الفكرة الجمهورية المستمدة من القرآن وحده .. والداعية لتجديد ألدين وتوحيدالامة عن طريق (تقليد محمد) .. غير مؤهلة لإدارة التنوع السوداني المتعدد الأديان!!
اقول للجيل الراكب رأسه.. جيل ثورة ديسمبر المجيدة: انفضوا من رؤوسكم غبار ثقافة دولة الإنقاذ الداعشيه المعادية للعلمانية بدونسبب عقلاني .. فالعلمانية كآلية للحكم لها القدرة علي إدارة التنوع الديني والثقافي السوداني وهي الوسيلة الوحيدة للحفاظ علي(المتبقي من كيان ألدولة السودانية) .. وهي (العلمانية) هي الأمل الوحيد لإحياء مشروع د جون غرانق.. السودان الجديد والوحدةالطوعية الجاذبة بين جنوب السودان الذي ذهب وشمال السودان.
(٤) فلسفة فولتير حول السلطة : فان كان فولتير قد ازدرى فقهاء السلطان المستبد الذين حاكموا (جاليليو) .. فاننا نزدري النميريوعمر البشير وفقهاءهم وقضاتهم الشرعيين الذين اعدموا الأستاذ محمود محمد طه والمعارضين السياسيين والنقابيين!!
هذا ما قاله فولتير بعظمة لسانه في فصل السلطة من كتابه (القاموس الفلسفي) في وصف رجال السلطة ورجال الدين البائسين.. وعن زيهم ، وجرائمهم .. الخ :
(أيها البشر البائسون، سواء أَرْتديتم أردية خضراء، أم عمائم، أم أرديةً سوداء، أم أردية كهنوتية، أم عباءات وأشرطة حول الرقبة، لاتسعوا أبدًا إلى استغلال السلطة حيثما تكون هناك مسألة للعقل وحده، أو ترضوا بأن تكونوا محلَّ ازدراء عبر كل القرون كأكثرالناس صَلفًا، وأن تُعانوا كراهية الجماهير مثل أكثر الناس ظلمًا.
حدَّثكم المرء مئات المرات عن السخافة المتغطرسة التي أدنتم بها جاليليو، وأُحدِّثكم للمرة الحادية بعد المائة، وأتمنى أن تُحافظوا علىذكراها السنوية إلى الأبد. أتمنى أن يُكتَب على ضريحكم المقدس:
هنا يَرقد سبعة كرادلة يُساعدهم بعض من الإخوة الأدنى رتبة، ألقوا بأستاذ الفكر في إيطاليا في غياهب السجن وهو في السبعينمن عمره، وجعلوه يصوم على الخبز والماء لأنه علَّم الجنس البشري، ولأنهم كانوا جهلة.) انتهي. المصدر: كتاب فولتير بعنوان: قاموسفولتير الفلسفي/ ترجمة يوسف نبيل /مؤسسة هنداوي /عام ٢٠١٨
حين فرغت من قراءة (فصل السلطة) في كتاب قاموس فولتير الفلسفي رجعت بي الذاكرة لصباح ١٨/ينام/١٩٨٥ امام سجن كوبرحيث خرجت الجماهير حزينة ومحبطة (لانهم توقعوا حدوث كرامة تنجي الأستاذ محمود من الموت) .. خرجت الجماهير من ساحةالاعدام وتركت الأستاذ محمود معلقا على حبل المشنقة.. بعد ان تم تنفيذ حكم الاعدام مع الصلب .. ولو اننا استبدلنا كلمة إيطاليًابكلمة السودان من كلام فولتير اعلاه لاستقام الكلام .. ولفهم القارئ ان فولتير كان يتحدث عن الشهيد محمود محمد طه. فإذا تمعناكلام فولتير في المقتطف أعلاه: (القوا باستاذ الفكر في إيطاليًا في غياهب السجن) .. ففي السودان أستاذ الفكر السبعيني الذيجرى إعدامه بواسطة تحالف السلطان المستبد وفقهاء السلطان معلوم للكافة هو الأستاذ الشهيد محمود محمد طه.. فقد امتلأتساحة سجن كوبر بالاخوان المسلمين الذين آتوا ليشهدوا واقعة حدوث تنفيذ حكم الاعدام مع الصلب وهم يهتفون ويهللون ويكبرونفي منتهى الفرح ..كانهم لم يتدبروا القرآن حين قال المولي عز وجل عن خروف الأضحية ان الهدف منه ليس الشحم واللحم والدموانما الهدف هو قلوب العباد (التقوي ) : ( لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)) الحج . فهل يعقل ان يتقرب الأخوان المسلمون في السودان اليالله بدم ورقبة شيخ في عمر ٧٦ سنة وقانون الاجراءات الجنائية السوداني وفي كل العالم المتحضر ينص علي عدمجواز تنفيذ حكم الإعدام علي شخص بلغ السبعين من عمره ؟!
الفيلسوف فولتير في (فصل السلطة من كتابه العظيم: القاموس الفلسفي) يشير الي ذاكرة تاريخ البشرية المليء بالأفعال الإجراميةلتحالف (السلطان المستبد مع فقهاء السلطان) .. يشير فولتير الى قصة (جاليليو) العالم الايطالى الذي برهن خداع (العين المجردة) حول العلاقة بين الشمس والكواكب.. وبرهن على ان الكواكب (الارض والمريخ والزهرة) هي التي تدور حول الشمس .. هذه النظريةالتي اصبحت في زماننا هذا حقيقة يعرفها طالب المرحلة الابتدائية ، حكمت محكمة التفتيش الايطالية بحبس (جاليليو) في منزلهحتي الموت وقد تم تنفيذ هذا الحكم القبيح الذي يصر فولتير على الاحتفال بالتنديد به سنويا كما يفعل الشعب السوداني كل يوم١٨ يناير من كل عام بذكرى إعدام الشهيد محمود محمد طه.
إننا في السودان نعرف جيدًا النتائج الكارثية (لتحالف السلطان المستبد وفقهاء السلطان) .. ونموذج السلطان المستبد هو (جعفرنميري.. وعمر البشير) .. فمتي ما توفر السلطان المستبد فان (فقهاء السطان جاهزون) ليفتوا له حسب هواه .. هذا هو دور فقهاءالسلطان (قبحهم الله).. يحللون دماء الفلاسفة والعلماء والمفكرين وفقا لهوي الاستبداد. سوف تحتفظ ذاكرة الشعب السودانيبجرائم نظام الإنقاذ الإسلاموي بإعدام ٢٨ ضابط يوم ٢٨ رمضان ١٩٩٠ وهم من خيرة ضباط القوات المسلحة ، واعدم تجار الدولار(مجدي وجرجس ورفاقهم) .. وضحايا (بيوت الأشباح.. بروفسير علي فضل ورفاقه) .. وجرائم الإبادة لشعوب السودان في الجنوبتحت مسمي (الجهاد) .. وجرائم الإبادة في جبال النوبة ودارفور.. وجريمة فض الاعتصام امام القيادة العامة.. والطامة الكبرىممثلة في (حريق الخرطوم بواسطة كتائب الظل الإخوانية وجيش الأخوان المسلمين : البرهان والكباشي والعطا وبقية الفلول.
(5 ) من وحي فلسفة نيتشه حول (موت الإله) : نقدم المقابلة التالية:
متمردوا الهامش السوداني يهدون (معبدين كبيرين هما (١) ما يسمى ب (الجيش السوداني- الذي هو عبارة عن مليشيا شمالية٧٥٪ من ضباطه من قبائل الشمال النيلي - (٢ ) الصنم الأخر هو الحركة الاسلامية التي ثبت انها (حركة جهوية شمالية عنصريةمتماهية مع (الجيش السوداني المزعوم الذي ثبت انه مليشيا الشمال النيلي ) .
سوف نعالج هذا الملف في محورين: الأول نشرح فيه مفهوم (موت الاله) في فلسفة نيتشه ، وفي المحور الثاني سنقوم بتطبيق مفهومموت الاله عند نيتشه على واقع (دولة ١٩٥٦) التي استعمرت فيها النخبة النيلية الشمالية بقية أطراف السودان عن طريق الجيشالسوداني (مليشيا النخبة النيلية) :
(أ) كيف تقبل العالم الغربي مقولة نيتشه حول (موت الاله)؟
هذا السؤال يجيب عليه الكاتب محمد احمد يوسف في مقاله الذي بعنوان: ماذا قصد نيتشه ب (موت الاله)؟ وذلك من خلال المقتطفادناه:
(لقد مر ما يقارب الـ 136 عامًا منذ أن أعلن «فريدريك نيتشه» «موت الإله»، مما منح طلاب الفلسفة صداعًا جماعيًا استمر منذالقرن التاسع عشر وحتى اليوم. ربما كانت هذه الجملة هي واحدة من أفضل الجمل المعروفة في كل أنواع الفلسفة، والتي يعرفهاجيدًا حتى أولئك الذين لم يسبق لهم قط قراءة كتاب «العلم المرح»، والتي ذكر فيه نيتشه هذه الجملة. لكن هل نعرف بالضبط ماذاكان يقصد نيتشه بأن الإله قد مات؟ أو ربما نعيد صياغة السؤال الأهم من ذلك: ماذا تعني لنا تحديدًا هذه الجملة؟) انتهي: المرجع: محمد احمد يوسف/ ماذا قصد نيتشه ب (موت الإله)؟ /موقع إضاءات على الشبكة/١٠ يوليو ٢٠١٨ .
ويستطرد الكاتب محمد احمد يوسف في بيان مقاصد نيتشه من مقولته حول (موت الاله) مبينًا رمزية هذه العبارة بالبيان التالي:
(كان نيتشه ملحدًا بطبيعة الحال، فهو هنا لم يكن يعني أن هناك إلهًا وقد مات بالمعنى الحرفي، بل أن فكرتنا عن الإله هي التيماتت. فبعد عصر التنوير، أصبحت فكرة الكون الذي تحكمه القوانين الفيزيائية وليست العناية الإلهية حقيقةً واقعة. لقد أظهرتالفلسفة أن الحكومات لم تعد بحاجة إلى الالتفاف حول فكرة الحق الإلهي لكي تكتسب شرعية وجودها، وإنما من خلال موافقة أوعقلانية المحكومين، تلك النظريات الأخلاقية الكبيرة والمتسقة يمكن أن توجد بدون الرجوع إلى الإله. فكان هذا حدثًا جللًا؛ حيث لم تعدأوروبا بحاجة إلى الإله كمصدر ومرجعية للأخلاق أو القيمة أو النظام في الكون، بل كانت الفلسفة والعلوم قادرتين على فعل ذلك منأجلنا. دفعت هذه الفلسفة العلمانية المتزايدة في الغرب إلى إدراك نيتشه أن الإله لم يمت فقط، بل أن البشر قد قتلوه بثورتهم العلمية،ورغبتهم في فهم العالم بشكل أفضل.) انتهي المرجع السابق/محمد احمد يوسف.
(ب) كيف حطم متمردوا الهامش السوداني (الصنم الشمالي النيلي الكبير (الجيش السوداني المقدس ) الذي ثبت انه (مجردمليشيا جهوية تتبع لشمال السودان) ؟ إضافةً الي بيان التماهي بين (الحركة الاسلامية والجيش المليشيا ) الذي يمثل مصالحالشماليين وحدهم ودون غيرهم.. بل الأخطر من ذلك ان هذا الجيش المليشيا ظل يقتل ويمارس الإبادة الجماعية (بمعاونة القبائلالعربية) لشعوب الهامش في الجنوب الذي ذهب وجبال النوبة والانجسنا ودارفور وأخيرًا في ولاية الخرطوم ؟ للإجابة على هذاالسؤال نبين الحقائق التالية:
(اولاً) النخبة النيلية الشمالية التي تقطن المنطقة من محطة الجيلي حتي حلفا في أقصى شمال السودان ، سكان هذه المنطقةاحصائياً لا يتجاوز تعدادهم مليون ونصف من البشر ، ورغم هذه القلة القليلة مقارنةً بنسبة السكان في الجنوب ودارفور وكردفانمثلا ، ظلت هذه الاقلية الشمالية تحكم السودان (بالحديد والنار) وطائرة الانتينوف الكريهة وسيئة السمعة!!
(ثانيًا) في إثبات ان (الجيش السوداني هو عبارة عن مليشيا)؟!
لعل اول سوداني شمالي يعترف علنا بان الجيش السوداني هو عبارة عن مليشيا شمالية هو الشهيد ابراهيم شمس الدين.. وقدمنحناه مرتبة (الشهيد) علي امل ان يحصل اولاده علي العدالة الجنائية ، وذلك لوجود شبهات تدعو للتحقيق الشفاف حول سقوططائرته ، وكذلك طائرة الشهيد الزبير محمد صالح وسيارة الشهيد مجذوب الخليفة ، والقاسم المشترك بين هؤلاء الشهداء هو قوةالشخصية ، وكونهم رجال دولة وبالتالي فان عيونهم علي (كرسي الرئاسة) .. لذلك فان الشارع السوداني يتهم عمر البشير الضلاليبتصفيتهم جسديا.. وعودة الى شهادة أبراهيم شمس الدين.. فقد قال بما معناه (حين قامت ثورة الإنقاذ وجدنا ان نسبة ابناء شمالالسودان من الضباط خريجي الكلية الحربية في الجيش السوداني تبلغ ٧٥٪ وقد تركنا او حافظنا علي هذه النسبة كما وجدناها ) .. ويفهم من سياق الحديث ان السيد إبراهيم شمس الدين كان يدافع عن موقف الحركة الاسلامية من هذا الخلل الفاضح في تركيبةالجيش السوداني مما يجعله (مليشيا شمالية وليس جيشًا وطنيًا سودانيًا) . ودفاع أبراهيم شمس الدين عن هذه الفضيحة يشبهدفاع المغني الذي قال : (الحب ده انا ما بديته .. من زمن الصحابة ياناس). وبعد الانتصار الجزئي لثورة ديسمبر المجيدة وضحتالحقائق كلها ، نسبة الشماليين من الضباط في الجيش السوداني ، وعدد الضباط الإسلاميين في الجيش السوداني.. ومعلوم انالثور اذا نحروه تكثر السكاكين لمزيد من النحر .. فقد فشل الجيش المهبب في هزيمة الدعم السريع.. واخيرا هرب البرهان !
(ثالثا) الجيش السوداني (مليشيا الجلابة في الشمال) هو اداة (الاستعمار ، وحكم السودان بالحديد والنار) :
إذا نظرنا الى برلمان السودان الذي صوت يوم ١٩ ديسمبر ١٩٥٥ بالاجماع لصالح تقرير المصير وانفصال السودان عن مصر نجدان الغالبية العظمى من النواب من (المركز / العاصمة المثلثة) وذلك بسبب ظاهرة قبيحة اسمها (تصدير النواب) .. وعلي سبيل المثالفان النائب البرلماني عن منطقة (ام كدادة في دارفور) هو السيد عبدالله خليل الذي امتدحه لنا المرحوم د منصور خالد ان لم تخنيالذاكرة في اهداء كتابه (النخبة السودانية وادمان الفشل) .. المرحوم عبدالله خليل علم من اعلام السودان وحزب الامة ، فهو رئيسالوزراء الذي سلم السلطة للفريق ابراهيم عبود عام ١٩٥٨ .. شاهدنا هو ان نواب البرلمان يصدرون من الخرطوم للأقاليم ، والنائبالمصدر يطلق عليه (مرشح السيد ) .. والسيد العلم هذا اما مرشح السيد علي الميرغني في دوائر الشمالية وشرق السودان او مرشحالسيد عبدالرحمن في دوائر غرب السودان الكبير والنيل الأبيض.. ودائما وفي الحالتين (مرشح السيد فائز) .
بعد ثورة أكتوبر ١٩٦٤ حدثت قفزة في الوعي لدي جماهير الولايات ، فقد ظهر (مؤتمر البجة منذ عام ١٩٥٨ خصماً على الحزبالاتحادي الديموقراطي ، و بالتتابع ظهرت نهضة / اتحاد جبال النوبة ونهضة دارفور.. اما في جنوب السودان فقد ظهرت (اخطربذرة.. وهي تمرد ابناء الاستوائية منذ عام ١٩٥٥ ). شاهدنا من هذه الخلفية هو ان ابناء النخبة النيلية الشمالية قد ادركوا حقيقةأنهم اقلية عددا في الدولة السودانية وبالتالي فان الديمقراطية ليست الألية المناسبة التي تمكنهم من حكم السودان.. لذلك (حافظواعلي الجيش كإمبراطورية خاصة بالشماليين ، ومن خلال الجيش يتداولون السلطة فيما بينهم كشماليين!) وذلك عن طريق الانقلاباتالتي تدبرها أحزاب النخبة النيلية الشمالية.
(رابعا) هيمنت النخبة النيلية الشمالية بذات الأسلوب على كل الأجهزة الأمنية التابعة التابعة لوزارة الداخلية وجهاز امن ألدولةوالجمارك.. الخ .
(خامسًا) هيمنت النخبة النيلية الشمالية على الاقتصاد السوداني ، من خلال هيمنتهم على إدارة البنوك التجارية التي توفر التمويللابناء الشمال مما مكنهم السوق ، وكذلك من خلال المؤسسة العسكرية ويكفي ان نعلم ان حوالي ٨٢٪ من ميزانية ألدولة تداربواسطة ضباط الجيش السوداني ولمصلحتهم وجلهم من ابناء الإقليم الشمالي كمًا سبق البيان.
(سادسا) حين ادرك ابناء الهامش في الجنوب وجبال النوبة والانقسنا ودارفور ان حقيقة ان الجيش السوداني (هو حكر للجلابةالشماليين ، وان هذا الجيش هو اداة استعمار الجلابة لبقية أطراف السودان) سعت الأقاليم الاخري لتأسيس جيوشها لتحريراقاليمها من (إستعمار الجلابة الشماليين) .. وقد كانت (الحركة الشعبية لتحرير شعوب السودان بقيادة الشهيد د جون غرانقصاحبة الريادة في هذا المجال ومن رحمها خرجت جميع حركات المقاومة السودانية في جبال النوبة والانقسنا ودارفور.
(سابعًا ) تحالف القبائل العربية مع الجلابة الشماليين من اجل إخماد ثورات المهمشين:
لمواجهة حركات المقاومة/التحرير المشار اليها في الفقرة (سادسا) اعلاه استخدم الجيش السوداني الاستعماري (سياسة فرق تسدالاستعمارية ) وذلك بتسليح القبائل العربية المجاورة لاماكن التمرد واطلاق يدها (للغنيمة) .. لتقتل وتنهب الاموال وتسبي النساءوالأطفال.. حدث هذا الفعل القبيح في جنوب السودان وفي جبال النوبة والانقسنا وفي دارفور.. الشيء القبيح الذي مازال يجرياليوم في ولاية الخرطوم منذ ١٥/ ابريل ٢٠٢٣ من قتال شرس (مميت - امسح امسح ماتجيبه حي) بين الجيش المليشيا من طرفضد مليشيا الدعم السريع هو نفسه الذي ظل يجري في أطراف السودان المختلفة منذ عام ١٩٥٦ .. وبكل اسف لم تخرج مظاهرةواحدة في الخرطوم تندد بحروب الإبادة التي يمارسها الجيش الاستعماري واعوانه من القبائل العربية في حين كانت تخرجمظاهرات التنديد لموت طفل فلسطينى في غزة .
(ثامنا ) نهاية التاريخ لدولة الجلابة الاستعمارية!!
الحرب الجارية في ولاية الخرطوم منذ ١٥/ ابريل ٢٠٢٣ بين جيش الجلابة الاستعماري وبين حلفائه من الجنجويد هي حرب نهايةالتاريخ.. نهاية دولة ١٩٥٦ غير مأسوف عليها.. ونهاية مشروع الاسلاموعروبي في السودان.. نهاية (دولة العقيدة) لتنطلق (دولةالمواطنة السودانوية) .. القائمة على متلازمة (الليبرالية/ العلمانية/ الديموقراطية/ والحكم الرشيد) . العسكر للثكنات.. وفترة انتقاليةجديدة تقودها حكومة كفاءات وطنية مدنية .. وبرلمان انتقالي أيضا.. بناء جيش (وطني جديد ينتمي الى كل السودان خلفًا لجيشالجلابة الجهوي الشمالي ) . ( موت الاله ) في فلسفة نيتشه يتكرر في السودان بعد حرب ١٥/ ابريل.. اصنام ومعابد المركز تتحطمعلى رؤوس أصحابها الجيش السوداني الجلابي الاستعماري ينهزم بعد المفاصله الأبدية بينه وبين حلفائه من القبائل العربية.
ابوبكر القاضي
نيوبورت/ويلز/UK
١٣/سبتمبر ٢٠٢٣ .
aboubakrelgadi@hotmail.com