لا خير فينا ان لم نقلها: القفاز امام ايقونة الثورة (3)  .. بقلم صديق الزيلعي

 


 

صديق الزيلعي
21 February, 2022

 

نواصل مناقشتنا حول قضايا الفترة الانتقالية. جاء المقال الأول بعنوان " يا قائدا بلا معركة ... آن أوان المعركة"، وكان الثاني بعنوان " القشة التي قصمت ظهر البعير". واتعرض اليوم لتجمع المهنيين " أيقونة الثورة"، واناقش التحديات التي تواجهه، وتواجه مجمل الحركة النقابية، وحددت بوضوح، لا لبس فيه، ان قفاز التحدي قد وضع امامه، فعليه ان يلتقطه، ويواصل ارث الحركة النقابية السودانية الديمقراطي، والمنحاز لقضايا شعبنا. سيبدأ المقال بعرض سريع ومختصر، لبعض سمات الحركة النقابية السودانية، وينتقل لتجربة الاسلامويين النقابية، ثم نشوء التجمع. ثم يناقش دور التجمع، وانقساماته، والتحدي الذي يواجهه الآن.

تميزت الحركة النقابية السودانية بالسمات الآتية:

• الحركة أنشأها عمال السودان بأنفسهم، ولم ينشأها حزب سياسي أو حكومة مثلما حدث في معظم البلدان الافريقية والعربية. فرضت الاعتراف بها قبل وجود قانون للنقابات.

• تمسكت الحركة بوحدتها، في وجه كافة محاولات الانقسام، او التدخل لفركشتها. وفشلت محاولات خلق ما سمي باتحاد عمال القطاع العام، لأكثر من مرة.

• رفضت الاستعمار البريطاني بقوة وحزم، وبيانات واضرابات تلك الفترة تؤكد ذلك.

• تميزت بالديمقراطية، حيث يتم الانتخاب الدوري سنويا للقيادة، وانعقاد الاجتماعات الموسعة لاتخاذ القرارات الهامة، وتنوير القواعد، بانتظام، عن نشاطات القيادة.

• تمسكت باستقلاليتها في وجه كافة محاولات الاستقطاب الناعم، أو الأسلوب القمعي الخشن لتتبعيها.

• بدأت كحركة مصادمة، لا تهادن، وخير مثال رد الشفيع لطلب الحاكم العام الاستعماري بالاعتذار عن بيان وصف فيه السلطة الاستعمارية بانها تنهب كدح العمال، " اننا لن نعتذر لأننا لن نعتذر".

• ارتبطت الحركة النقابية بالحركة النقابية العالمية منذ وقت مبكر، ونال ممثلوها مواقع قيادية في الحركة النقابية العالمية.

• تضامنت الحركة النقابية السودانية مع نضالات شعب الجزائر واليمن الجنوبي والكنغو وفيتنام وكافة حركات التحرير في اقطار جنوب افريقيا. وأصبح ذلك سمة مميزة لها في دعم قضايا التحرر والعدالة.

• للحركة النقابية السودانية أرث متميز في النضال من اجل الديمقراطية والدفاع عنها. كما انها لم تتصالح، ابدا، مع الأنظمة العسكرية، وخاضت ضدها معارك مريرة وبتضحيات كبيرة.

كان أول قرارات انقلاب الجبهة الإسلامية في 1989 هو حل النقابات ومصادرة أموالها واعتقال قادتها. وعقد في عام 1990 ما سمي بمؤتمر الحوار النقابي، الذي كان حشدا من كوادرهم، وتأتيهم القرارات جاهزة من مطبخ اللجنة السياسية للانقلاب. وقام ذلك المؤتمر تحت شعار أسلمة وتأصيل الحركة النقابية، بإعداد تغييرات مست جوهر العمل النقابي، وغيرت كامل هياكله وأهدافه وأسلوب عمله. أهم تغيير هو فرض نقابة المنشأة، حيث يجتمع المدير والغفير في نقابة واحدة. وكان لجهاز الامن اليد الطولى في تحديد القيادات أيام الانتخابات الصورية.

نشأ تجمع المهنيين السودانيين، منم خلال النضال النقابي. فقد قررت ثمانية تجمعات نقابية التنسيق وتكوين تجمع المهنيين. وقام التجمع بدراسة تكاليف المعيشة والأجور. كما قاد مظاهرات ثورة ديسمبر. وكانت الثقة في قيادته هي تعبير صادق وأصيل عن ثقة شعبنا في حركته النقابية، وتقديرا لمواقفها على عبر العصور والحقب.

أعلن المجلس العسكري الانتقالي، في محاولة للانحناء امام العاصفة، حل لجان النقابات في 28 أبريل 2019 وكلف مسجل النقابات بمتابعة تكوين لجان تسيير. وكان ذلك محاولة لاسترضاء الجماهير التي نجحت في إزاحة البشير عن السلطة. ولكن في 22 مايو، بعد 3 اسابيع من حلها، تم ارجاعها. والغريب في الأمر، الذي يثير الشبهة، انها تمت قبل أيام من مذبحة فض الاعتصام مما يؤكد النية المسابقة على ارتكاب الجريمة.

تصاعد الزخم النقابي، بعد إسقاط البشير، وسط القواعد لتغيير القيادات القديمة التي تنكرت لحقوقهم ونجحت قواعد العاملين في بنك السودان بانتخاب نقابة جديدة وبدأ الحراك النقابي يتوسع لكن القيادات كانت منشغلة بقضية القانون. وحتى حول القانون لم تمارس ضغطا قويا لإلغاء قانون 2010 واستبداله بقانون 1987المجاز بطريقة دستورية خلال الديمقراطية الثالثة.

تحرك تجمع المهنيين ومركز الأيام وعدد من الاحزاب والكتل النقابية بتنظيم عدد من الورش حتى تم اعداد القانون البديل، وسمي القانون الموحد. وقد اعتمد على اعادة نقابة المنشأة بديلا لنقابة المنشأة.  ولكن وزيرة العمل الاولي، اعتمدت علي نصايح كبار موظفي الوزارة وبعض النقابين الذين نصحوها بتعديل قانون 2010 الإنقاذي.  ومارس اتحاد العمال السابق، تحت قيادة الاسلامويين، تحركات خارجية مكثفة شملت منظمة العمل الدولية واتحادات النقابات العالمي والعربي والافريقي، تحت ادعاء كاذب، بأنه لا توجد حريات نقابية في السودان، وتتدخل السلطة التنفيذية في العمل النقابي. وهنا يجب الإشارة لعدم اهتمام قحت وحكومتها بقضية القانون ومارسوا، تلكؤ تمدد واستطال. ثم جاءت حكومة المحاصصات، وكانت وزارة العمل من نصيب حزب البعث، الذي كان أحد الاحزاب المشتركة في إعداد القانون الموحد. ولكنها لم تكن أفضل من سابقتها، وأجرت تغيرات شكلية وارسلته لوزارة العدل لتقديم لاجتماع المجلسين لإجازته. نجحت الضغوط علي حمدوك بأن قرر إرجاع القانون لمزيد من التشاور.  وجاء الانقلاب المشؤم ليوقف كل ذلك.

تواصل خلال تلك الفترة، الصراع الداخلي في تجمع المهنيين، بسبب ممارسات السكرتارية السابقة، من دعم للشراكة مع العسكر وتأييد الوثيقة الدستورية المعطوبة، والمشاركة في اجتماع اديس ابابا مع الجبهة الثورية، والسفر مع حميدتي الي جوبا. وكان اول من بادر برفض ذلك هو شبكة الصحفيين، فقد أرسلت مذكرة، في أكتوبر 2019، اقتطفت منها ما يلي:

" ظللنا نحن في شبكة الصحفيين السودانيين طيلة الفترة الماضية، ومن خلال وجودنا الفاعل في كل مكاتب تجمع المهنيين، نرصد عددا من التجاوزات سعينا لمعالجتها تارة داخل المستويات التنظيمية، وتارة أخرى عبر البيانات الجماهيرية، لما وجدنا فيه مخالفة صريحة لقواعد العمل المؤسسي والتنظيمي. وقد فوجئنا اخيرا بأن قرار مسجل تنظيمات العمل وما انطوى عليه من إقرار بشرعية الاتحادات المهنية للنظام البائد، واعطائها زمام المبادرة في انتخابات الاتحادات، وفق ما فصله القرار وأدناه في بيان الشبكة، قد صدر بالتشاور مع تجمع المهنيين، وفق ما ذكر المسجل بنفسه، ووفق ما حمل المؤتمر الصحفي لتجمع المهنيين، إننا في شبكة الصحفيين قد أعلنا رفضنا لهذا القرار، ونعتبر أن صدوره بهذه الشاكلة التي رفضتها سبعة من أجسام التجمع إنما هو امتداد لنهج تغييب المؤسسة، والعمل الفردي الذي يعرض هذا الكيان لخطر التفكك والتشرذم. إن تاريخ هذه التجاوزات قديم وقد عبرنا مرارا عن رفضنا له، وفي رصدنا وتتبعنا لهذه الاتجاهات التنظيمية الضارة نشير الى أنها قد تصاعدت في اعقاب مجزرة فض الاعتصام، وتسارعت مسالك العمل الفردي والتجاوزات التنظيمية حتى اضحت قلة قليلة تتحرك باسم التجمع، وتتخذ القرارات دونما تفويض، في استهانة واضحة بالأجسام المشكلة للتجمع"

كما قدم الأصم استقالته، في العاشر من مارس 2020، من سكرتارية تجمع المهنيين بحجة تعطلها وفقدانها الفعالية. وفي مايو تم اجتماع لإنجاز الرؤية السياسية والهيكلة الجديدة ولائحة الانتخابات وتحديد دور المكاتب وتقرر تأجيل الانتخابات لمدة أسبوع. وبعد الأسبوع المقرر تمت الانتخابات بمشاركة الجميع، ولم يتخلف او يعترض أحد، بل ان بعض الرافضين، لاحقا، كانوا في اللجنة المشرفة على الانتخابات. ادت الانتخابات لعدم فوز أعضاء السكرتارية القديمة، مما آثار غضبهم وأعلنوا عدم اعترافهم بالانتخابات، وبدأوا البحث عن اسباب لتبرير موقفهم وهزيمتهم.  وتمادوا أكثر من ذاك باختطاف موقع التجمع في النت ورفض تسليم الباسورد. وواصلوا التحدث باسم تجمع المهنيين وتمثيله في قحت ومجلس الشركاء وغيرها.

وتفجرت الصراعات بطريقة علنية، حيث يتهم كل طرف الطرف الآخر. فالسكرتارية المنتخبة تصف المجموعة الأخرى بانها شاركت في كل ممارسات قحت التي أدت لتراجع الثورة، وعطلت انجاز مهامها ولذلك تتحمل المسئولية مع قحت. وانهم شاركوا في الانتخابات حتى النهاية وعندما هزموا صاروا يتحدثون عن التآمر الحزبي للسيطرة على التجمع، وان الانتخابات ليست الشكل المناسب لاختيار القيادة. ,اعتقد ان الطرف المنتصر أخطأ في عدم محاسبة السكرتارية القديمة قبل الانتخابات. وقد اشارت شبكة الصحفيين لتلك الأخطاء قبل ثمانية أشهر قبل اجراء الانتخابات، وهو تهاون كبير، جعل المسألة تبدو بغير حقيقتها.  وحصيلة هذا التهاون اهتزاز الثقة في تجمع المهنيين.

كشف انقسام تجمع المهنيين وما اعقبه من اتهامات وصراعات عن قدرات الكادر الذي تصدى لقيادة العمل النقابي. وأعتقد ان الاسلامويين يتحملون المسئولية الأساسية في ذلك بسبب تخريبهم للحركة النقابية الذي أدى لانقطاع الخبرة والحنكة النقابية، التي راكمتها خلال زمن طويل، عن الأجيال الجديدة. وللحقيقة الكوادر الجديدة كوادر تميزت بالشجاعة والاقدام، نالت خبرتها من خلال النشاط الطلابي، الذي يتميز بالحدة

وانقسامات المعسكرات المختلفة. وهنا، نقول بكامل الصراحة والصدق، ان السكرتارية القديمة ارتكبت، احدى كبائر العمل النقابي، وهي تدمير الوحدة النقابية بالانقسام. كما ان المجموعة المنتخبة تنقصها الخبرة أيضا حول كيفية معالجة الانقسامات، والمرونة في التفاوض، باعتبار الوحدة هي اس العمل النقابي.

الآن على تجمع المهنيين التقاط القفاز والتصدي لأخطاء الفترة الماضية، ومواجهة التحديات الجديدة، في هذا المنعطف الهام من ثورة شعبنا:

• مواصلة النضال مع قوى شعبنا في لجان المقاومة ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية لهزيمة الانقلاب العسكري، وإقامة البديل الديمقراطي.

• النزول للقواعد النقابية لقيادة حملة تكوين النقابات، والاهتداء بتجارب أساتذة جامعة الخرطوم، المكتب الموحد للأطباء، والصحفيين. هذه القضية يجب ان تعامل كأولوية قصوى، لأننا عندما نصل لمرحلة الاضراب السياسي ضد الانقلاب، نحتاج لنقابات منتخبة، قوية وديمقراطية.

• مواجهة قضية الوحدة النقابية، التي بادرت عدة جهات وطنية ومخلصة، بالاتصال بقيادة تجمع المهنيين، الذي اشترط ان تقوم المجموعة الأخرى بنقد مواقفها. ورغم ان السكرتارية القديمة عقدت مؤتمرا صحفيا انتقدت فيه بعض ممارسات التجربة السابقة، ولكنها استخدمت منهجا تظهر فيه كأنها تدرس التجربة من خارجها، ولم تكن جزءا لا يتجزأ فيها. ولكني أرى وأشدد ان قضية الوحدة من الأهمية بمكان خاصة خلال المعارك الانتخابية القادمة، مما يستدي بعض التنازلات من الطرفين، وبلادنا تواجه حكم عسكري دموي غاشم.

• للنقابات الحق في ان تلعب دورا سياسيا حول القضايا القومية. ويحتاج الخط السياسي الحالي لتجمع المهنيين لطرحه امام كل لجان التنظيمات والكيانات المكونة للتجمع حتى يتم الوصول لرأي موحد حول الوجهة السياسية للتجمع ودوره الوطني. لأنه من الخطورة، في العمل النقابي، ان تنفرد القيادات وحدها بالقرار، كما ان هذا يتناقض مع التجربة التاريخية للحركة النقابية السودانية.

• يجب ان تتميز مواقف التجمع السياسية بالاتساق، فمثلا وافق على مقابلة وفد الاتحاد الافريقي، وهذا جيد ومطلوب، رغم اشادات موسى فكي بالبشير ودور ولد لبات في اخراج المفاوضات لصالح العسكر، ورفض المنظمة الافريقية تقديم الدعم اللوجستي المطلوب من لجنة تحقيق الاعتصام بعد عام كامل من المطالبة. من جهة أخرى رفض التجمع مقابلة فولكر رغم انه صرح يوم الاربعاء16 فبراير:" الاعتقالات مشكلة رئيسية. شددنا منذ انقلاب 25 أكتوبر على ضرورة خلق مناخ مناسب لحوار بين القيادة والأحزاب السياسية والابتعاد عن العنف".

• هناك قضية يجب الانتباه لها والتصدي لها وهي الاتصالات المستمرة لاتحاد العمال الانقاذي مع النقابات العالمية والإقليمية.


siddigelzailaee@gmail.com

 

آراء