لا يحل مشكلة السودان الا السودانيون أنفسهم!

 


 

بثينة تروس
24 January, 2022

 

لقد أثمر المخاض العسير الذي تمر به البلاد، ان يتبين جميع العالم عظمة هذا الشعب، بإزاء رخص انقلاب البرهان وحلفائه الاخوان والحركات المسلحة التي سارت في ركابهم، اذ بضدها تتمايز الأشياء، فشتان ما بين ان تكافح بالسلاح باسم المستضعفين في المعسكرات ثم يتصدر قائمة اشتراطاتك للسلام (اقتسام السلطة والثروة) وبين مطالب جيل الشباب الثوري السلمي بالحرية والعدالة والسلام ممهورة بالأرواح من اجل الوطن (يا انت يا وطنك جهز عديل كفنك)!
كما يوجد ما يعقد حاجب الدهشة من كثرة الوفود الدولية والاقليمية للإسهام في حل الازمة السودانية الراهنة كل يحمل مبادرته والتي لم تستثني منها حتى وفد (إسرائيل)! بالطبع العالم اليوم بأجمعه تتشابك مصائره بواقع كوني متداخل يتداعى جسده بالسهر والحمى فيسعى لحل الازمات المتتالية سياسية كانت أو اقتصادية او أمنية، مستخدماً علم إدارة الازمات وغيرها من معارف العلوم الإنسانية المعينة. والسودان ليس بمستثنى من ذلك، فقط يتميز بأنه ضحية سوء قادته، وضعف اخلاق حكامه، صناع الازمة، من الذين حكموا البلاد منذ الاستعمار وانتهاء بحكم الاسلاميين لمدة ثلاثين عام، وهم لايزال ينكرون انهم الازمة الحقيقة التي فتحت باب جحيم تلك التدخلات الدولية.. فالإخوان المسلمون هم من تامر علي هذا الشعب قبل الدول الخارجية..
لقد سمحوا لحكام مصر حين نضب (بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها) باحتلال أراضي السودان واستباحة مياهها واقطانها ولحومها وصمغها وخصب أراضيها.. ولذلك فإن تواجدها كطرف في إدارة الازمة هو فقط من قبيل الوصول لحلول تحتفظ فيها بجميع تلك المكاسب. وكذلك دول المحاور التي تخشي الديموقراطية ووعي شعوب المنطقة فإنها تراقب الوعي الثوري للجان المقاومة بحذر شديد، فالسعودية تسعي لاستمرار الأوضاع حتى يستمر عبث حرب الوكالة في اليمن التي كنا نتشاطر معها التعليم والارزاق، والامارات لا يهمها البرهان بقدر ما يهمهما ضرورة ان يكون خلفا له حاكم سهل الشراء مثله، فلا ينقطع وارد تهريب الذهب والمعادن، وكذلك تركيا.. وإسرائيل تخشي ان تنجح الثورة في الاتيان بقيادة وطنية ترفض التطبيع الفوقي! وروسيا تخشي انقطاع تهريب الذهب وتحقيق صفقة بيع مواني الشرق، وامريكا تستر اطماعها في المنطقة بإظهار التزامها بدعم للديموقراطية ولكنها تخشي ردة فعل الشارع الأمريكي المراقب لسياسات إدارة الرئيس جو بادين ليرى ما إذا كان بالفعل قد انحاز لنضالات الشارع الثوري المتمترس حول اللاَءت الثلاثة، ضد النظام العسكري الاستبدادي.. وهكذا فالكل يهرول نائحاً يخشى ضياع مكتسبات حديقته الخلفية.
كما ان المبادرات السودانية العديدة للخروج من الازمة الراهنة التي يتولى قيادتها الانقلابيون التزمت أساليب الخديعة مستندة على دعم رجال الدين وعلماء السلطان واستجلاب الادارات الاهلية والنظار وزعماء القبائل، وهي مبادرات رفضها الثوار بالطبع، بل سفهوا امرها وفضحوا انحيازها للعسكر فبارت تجارتها، فهي من ايادي موغلة في الغدر تسفك دماء الشباب السلميين نهارا ويعلن عن مهزلتها خبراؤها الاستراتيجيين.
وفي الجانب المدني لازالت عقلية الاستعلاء على جيل الشباب ولجان المقاومة هي السائدة، لذلك ولدت معظم المبادرات ميته، شابها الادعاء المعرفي بإدارة الازمات بحصيلة تجارب سياسية مشوشة ما بين الانتماءات الحزبية والمصالح التاريخية، والانتماءات الأيدلوجية عابرة الحدود، وغيرها من المكاسب السياسية التي نجحت في توسيع الشقة بين الأحزاب والشباب! اذ تميزت تلك المبادرات الوطنية بالتشابه في الخطوط العريضة السامية المطلوب التي تحوم حول الحمي ولا تقربه، بعقلية ان الشيطان يكمن في التفاصيل، والشباب تهمه التفاصيل الواضحة بلا (دغمسة) ولا يكترث بالشيطان البتة، لذلك جات تلك المبادرات باردة وغير ملهمة، لم تتوافر حولها الثقة المطلقة.
الشاهد انه لا يحل مشكلة السودان الا السودانيون أنفسهم، فنجاح المبادرات مرهون بان يتوحد الجميع حول الايمان بضرورة خلق قوى سياسية شعبية وطنية جديدة، وذلك يستوجب ان تدرك قوي الحرية والتغيير ان ترقيع ثوبها لا يستر عورتها، وان تعلم الأحزاب ان تجريب ادواتها القديمة في الهيمنة على لجان المقاومة وحرفها عن مسارها الحر، سوف يخل بميزان القوى في الشارع ويخلق فتنة لا طائل من ورائها، فالأجدى لها ان تمد اياديها لتلك اللجان لانجاح خططهم في المقاومة، ولتجمع المهنيين والنقابات التي شهدناها الان ساندت حراك تلك لجان بقوة، وتتوحد جميعها من أجل انقاذ الوطن..
الشي الذي ميز ثورة ديسمبر انها ثورة وعي شاملة لذلك نجد أن الشباب الديسمبريين في ترقب لمبادرة شجاعة تقتلع جذور القديم المتعفن البالي، وتحقق شروط العيش الكريم للشابات والشباب في وطن يضمن لهم الكرامة والحياة الإنسانية، والعدالة بوقف الانتهاكات والاعتقالات التعسفية، تحت حراسة نظام عدلي مشرف ينفض عن كاهله عار ما لحق به في العهد البائد والعهد الحالي، وهم أيضا يتطلعون لجيش وطني يسهم في تحقيق الحريات الأساسية، من أمن وسلام، وفي التخلص من قهر السلطات الحاكمة وبطشها بإتاحة مجال للإسهام والابداع والحلم بوطن ينهض رغم المحن والبلايا.
وكل هذا يعني ان وقائع الراهن السياسي تترقب لحظة ميلاد البلاد من جديد، لفك محابس الاحتقان السياسي والهشاشة الأمنية مما يستوجب ان يصطف أبناء هذا الوطن العقلاء بالداخل والخارج بأجمعهم، للاستفادة من موقف المجتمع الدولي الراهن الذي تخلى عن دعم الانقلابيين، الذين اصبحوا في مازق حقيقي يعلمون حقيقته ويكابرون في انكاره، فليكن حرص القوي الوطنية الجدية في وقف نزيف دم الشباب السوداني العزيز، وإنقاذ الشعب الذي طحنه العناء الاقتصادي، مؤجلين لصراعاتهم وخلافاتهم حتى مشارف الديموقراطية وانتشال البلاد الي بر الأمان.

 

tina.terwis@gmail.com

 

آراء