لكي نجعل من الكارثة فرصة

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

umsalsadig@gmail.com

تحيط بالحكومة الانتقالية ومن ثمّ ثورة ديسمبر العظيمة التي بذل فيها خيرة شبابنا دمهم وعرقهم وجهدهم وقدم فيها كل الوطن عصارة جهده وبذله ، أخطارا محيطة ومصاعبا جمة ..
ولأن ثورة ديسمبر ثورة مختلفة حصدت تجاربا متراكمة للخبرات السودانية السياسية وللنضالات السودانية الباذلة المضحية من أجل الوطن فقد أوجدت وعيا جديدا ومحيطا ومتابعا ومستعدا .
تبدّى ذلك جليا في المواكب التي سيّرتها لجان المقاومة في 17 أغسطس الجاري لمجلس الوزراء قبل نحو اسبوعين أطلقت عليها مليونيات جرد الحساب وقدمت فيها مطالبها في مذكرة حاوية (والمطالب تطابق ما قدمه حزب الأمة القومي في العقد الاجتماعي منذ 25 ابريل 2020):
-المطالبة بتكوين مفوضية السلام لادارة ملف السلام وعدم تركه لادارة العسكر.
-مخاطبة الملف الاقتصادي بعقد المؤتمر الاقتصادي وأيلولة الشركات الأمنية لسلطة المالية.
-عقد المؤتمر التأسيسي للحرية والتغيير.
-الاسراع بتكوين المجلس التشريعي.
-المسارعة بكشف ما توصلت له لجان التحقيق بشأن الشهداء والمضي بجدية في محاكمة رموز النظام المباد.
-إعادة هيكلة القوات المسلحة.
-البعد عن نهج المحاصصات والترضيات.
-بسط الأمن في كافة أنحاء الوطن .
أتى في مذكرة جرد الحساب التأكيد لكل أطراف القضية السودانية أن الثورة حاضرة والترس صاحي والوعي كذلك كبير وأن تأييد الحكومة الانتقالية ليس شيكا على بياض انما هو شرط موقوف على الاصلاح وعلى البقاء على موقف الثورة وتنفيذ المطالب التي من أجلها ضحى الناس بأرواحهم..
أول مهددات الانتقالية ومن ثمّ الثورة المجيدة التي بدت لنا بعد مرور عام على ثورتنا المجيدة: تشرذم تحالف الحرية والتغيير الذي يمثل حاضنة الحكومة الانتقالية السياسية .
فالتحديات الجسام والمنعطفات الخطرة التي تمر بها بلادنا اليوم تستوجب من تحالف الحرية والتغيير أن يتحزم ويتلزم ليلم شعث نفسه ويجمع أطرافه ويترك كل خلافاته جانبا وأن يصلح في هيكله في سبيل العودة الى موقف موحد قوي لكيما يحسن التصويب ويحقق الأهداف المرجوة للوطن.
فإن استطاع النجاح في جهاد النفس فهو لا شك قمين بحفظ البلاد من العوار والدوار وفي البال أن ق ح ت هو التحالف الذي تمكن من تحقيق النصر المبين على نظام الانقاذ المحروس بآلة عسكرية بكماء وايدلوجية عمياء فلن يستعصي عليه ذلك ولن تنقصه الارادة اللازمة والوطنية الحقة.
من الواجبات التي قصر فيها تحالف الحرية والتغيير عدم تكوين المجلس التشريعي حتى يوم الناس هذا بعد مضي ثلث الفترة الانتقالية.
هذا النداء الهام لتحالف الحرية والتغيير بالاسراع في عقد مؤتمره التأسيسي، وجهه أيضا السيد رئيس الوزراء لحاضنته السياسية في خطبة جرد الحساب التي ألقاها بمناسبة مرور عام على تسنمه المنصب في يوم السبت الماضي الموافق 22 أغسطس الجاري وقد أكد دكتور حمدوك دعمه الشخصي ودعم الحكومة الانتقالية للمؤتمر الأساسي التأسيسي الذي تعتزم الحرية والتغيير عقده في قادمات الأيام.
وقحت الموحدة القوية تستطيع أن تدعم الحكومة الانتقالية وتنير لها الطريق كما تستطيع أن تتكفل بحمايتها من تغول سلطة العسكر.
ثاني مهددات الانتقالية ومن ثمّ الثورة، الحكومة الانتقالية نفسها ومنها غياب الشفافية في تناول بعض الملفات الهامة والتأخر عن الوفاء بالتزامات هي من أوجب ميسّرات الانتقال السلس ومن ذلك تأخير عقد المؤتمر الاقتصادي وتأخير تكوين المفوضيات وتجاهل نقدٍ تحول لاتهامات عالية الصوت يجب تداركها ومخاطبتها وتفنيدها أو التحلحل منها عن جماعة تحيط برئيس الوزراء ودون تفويض تحل وتربط في أمور هامة ولا نحتاج أن نذكر هنا السيد رئيس الوزراء بأنه قد حظي بشعبية لم تتوفر لغيره حتى انتخابا وأن عليه أن لا يضيع فرصتها على السودان فمثل تلك الاتهامات بتغول آخرين غير مفوضين من الشعب، بالتحكم في الأمور هي التي أطاحت بالرئيس مرسي رحمه الله، فقد كان مرشد الاخوان هو من يقرر في السياسة المصرية بدلا عن الرئيس الذي انتخبه شعبه، مما فجر غضبة مصرية أرادت تصحيح المسار وكانت تلك الثغرة التي أُتيت منها الثورة المصرية فأضاعتها.
كذلك التنازل طوعا عن ملفات هامة لابد من ادارتها من قبل الحكومة المدنية مثل الاقتصاد والسلام فكانت النتيجة ادارة ملف السلام بمنهج غير سليم يتناول الملف بصورة جزئية لن تؤدي لحلول نهائية تخاطب جذور القضايا.
من مهددات الثورة كذلك شقها العسكري في الحكومة الانتقالية:
نعلم أن الطريقة التي حدث بها التغيير في السودان وانحياز اللجنة الأمنية للثورة جعلت الجانب العسكري المنحاز للثورة بما حقن مزيدا من نزيف الدم يحتفظ بمقدراته كاملة وغير خاضعة للسلطة المدنية مما يشكل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في كل وقت وهي تمثل تهديدا غير خاف على الديمقراطية.
فالجيش في النظم الديمقراطية المحترمة يجب أن يكون خاضعا للسلطة المدنية وأن يتم الصرف عليه من أموال الدولة التي تديرها وزارة المالية..
وقد كان التصور أن هذا الأمر ستتم معالجته بموافقة جميع الأطراف لانهاء هذه التشوهات من وجه الدولة وقد أتى في خطاب رئيس الوزراء المشار اليه سابقا ذكر لمثل هذا الاستحقاق بشكل أعطى انطباعا بأن هذا أمر متوافق عليه وقد بدأ فيه العمل باشتراك وموافقة كافة مؤسسات الدولة، لذلك بدا للمتابعين أن غضبة الفريق البرهان رئيس مجلس السيادة التي تناول فيها أمر الشركات العسكرية خارج النص تماما ومدهشا.
فقد أطلق الفريق البرهان رسائلا عديدة و مخيفة في خطابيه سواء الذي وجهه لضباط الصف والجنود بمناسبة الاحتفال بالعيد 66 للقوات المسلحة في وادي سيدنا يوم الاثنين 24 أغسطس الجاري أو الذي سبقه بيوم واحد في مخاطبة قادة القوات المسلحة برتبة العميد فما فوق على خلفية ما أتى في خطاب رئيس الوزراء بخصوص المشكل الاقتصادي والذي ذكر فيه أن من معيقات الاقتصاد استمرار وجود الشركات العسكرية والأمنية خارج ولاية المالية وأنهم بالاتفاق بين مؤسسات الدولة قد بدأوا المعالجات في هذا الجانب. على إثر ذلك هرع رئيس مجلس السيادة يخاطب حاضنته العسكرية متناسيا صفته كرئيس لكل السودانيين: خلاصة خطابي البرهان للجيش: أنتم خير أمة أخرجت للناس والمكتسبات الاقتصادية التابعة للجيش هي لكم من دون الناس ولا نسمح بتعليق فشل الحكومة على شماعة الجيش واتجاه لمخاطبة مباشرة للشارع ليشير له بالانحياز للمطالب مثلما حدث في 11 ابريل 2019!
هذا الخطاب المتودد من الرئيس البرهان للشارع الغاضب مردوفا بالأزمة الاقتصادية المشهودة متزامنا مع تصاعد متطاير لسعر الدولار بصورة لا يمكن تكون طبيعية تشير لتدبير أمر في الخفاء فهل يفكر البرهان في انقلاب ؟ نرجو ألا تكون الاجابة بنعم . فذلك محبط جدا ويعني أن الدروس لا تفيد.
يجب أن يكون واضحا أن تجربة السيسي في مصرغير قابلة للتكرار في السودان وأن هذا الشعب المتشوق للحرية وقد نالها ببذل كل غال ومسترخص قد كسر حاجز الخوف والى الأبد وها هي لجان المقاومة ترسل البيانات بوضوح أن عزمنا لا يلين وقوانا لن تخور.
فليست المشكلة في أن مؤسسات الجيش الاقتصادية ناجحة أم فاشلة مثلما حاول أن يبرر بعض سدنة الشموية، بل المشكلة كلها في ولوغ الجيش في الاقتصاد وانصرافه عن مهنته والمشكلة تكمن في عدم تبعية تلك المؤسسات للمالية وهنا أيضا يأتي المبررون بحيل مثل أن المالية لم تنجح في ادارة ما بيدها من شركات وهي مقصرة في ذلك لكن لا يمكن اصلاح الخلل بخلل آخر.
ويجب بوضوح أن نعمل معا بما فينا الجيش وفيه رجال رشيدون بدون أدنى شك، على اصلاحه واعادة هيكلته وخروجه فورا من السوق للتركيز على مهامه في حماية البلد من المهددات التي لا تخفى على أحد.
من مهددات الانتقالية ومن ثمّ الثورة هشاشة التحالف العسكري المدني الذي جعل العبور ممكنا وضرورة التمسك بهذا التحالف كان من الأشياء المهمة التي أتى حمدوك على ذكرها في خطابه المشار إليه :ضرورة التمسك بالتحالف المدني العسكري الذي استطاع أن يكفل عبورا آمنا للانتقالية قلل من حمامات الدم وحفظ الأنفس.
هذا التحالف يواجه اليوم تحديا حقيقيا، فكلنا يعلم الحسابات الدقيقة التي دفعت للاتفاق بين المدنين بقيادة الحرية والتغيير والعسكر بقيادة اللجنة الأمنية وقد كان بدون أدنى شك عملا ثقيلا على الطرفين: فاللجنة الأمنية- المنحازة من جانبها كانت تخطط لازاحة البشير بالاستفادة من زخم الثورة والتمكين لأنفسهم في الحكم بحسب دلالات لاحقة وقراءات منطقية لطبائع الأشياء أما الثوار فيأخذون على اللجنة الأمنية خدمتها للنظام المباد وكونها كانت يد البشير التي كم بطشت بالشعب .
من الأحداث التي كشفت عن تلك النوايا المضمرة نفض الفريق البرهان يده من أي اتفاق مع الحرية والتغيير أو التزام لها صبيحة فض الاعتصام !
بالطبع تم الرجوع عن تلك النوايا بالدرس الذي قدمه الشعب بخروجه العظيم في 30 يونيو 2019 واستطاع أن يعيد الأمور الى نصابها مرة أخرى مما أجبر المجلس العسكري على العودة مرة أخرى لطاولة المفاوضات التي توسط فيها الرئيس الأثيوبي والاتحاد الأفريقي بزخم عالي ولم يغب حزب الأمة عن مشهد تليين المواقف بما أولد الوثيقة الدستورية في أغسطس 2019 بحضور دولي واقليمي واحتفاء داخلي وخارجي كبير..
فذلك الاتفاق لم يكن سلسا لكن كان واضحا لكل حادب على الوطن ومصالحه أنه الطريق السالك الوحيد لسودان الغد المشرق وليس منه من بد والحرص عليه هو حرص على الانتقالية وعلى الثورة.
وعلى خلفية ذلك يمكننا تقييم مقدار التحدي القديم المتجدد الذي يواجه الفترة الانتقالية خوفا من ضياع هذا التحالف الضامن لنجاح الانتقالية والثورة ..
أمام الحرية والتغيير والحكومة الانتقالية وجيش الوطن فرصا ذهبية لتحويل الكارثة لفرصة- فليت قومي يعلمون.
وسلمتم

 

آراء