لماذا تعثرنا في خلق تراكم معرفي ايجابي في مجال الحكم والسياسة ؟

 


 

 

القدرة علي التعلم من الاخطاء والعجلة والسرعة في دراسة وتقصي ومعرفة اسباب الفشل واعتبار الفشل فسحة وفرصة للتعلم والاخذ باسباب النجاح كل اولئك يعتبروا من وسائل واليات ضمان التفوق علي المنافسين والتقدم في عالم تسعي فيه جميع الدول الي سعادة ورفاهية مواطنيها فلماذا لا نتعلم بسرعة من تجاربنا منذ الاستقلال؟ ولماذا تتدهور الدولة الوطنية عاما بعد عام منذ الاستقلال حتي قال احدهم ساخرا " في كل عام ترزلون" .

في تقديري السؤال معقد ويحتاج الي مؤسسات فكرية ومهنية لتناوله من جميع الجوانب ولكن سأتناول شيئا مما بدا لي من زاوية نظري المتواضعة.

العلة الاولي تقلبات نظام الحكم مابين ديمقراطي وشمولي عسكري. فكل نظام وحكومة يأتي بتصورات ومبادئ عامة وسياسات مستندة الي رؤية خاصة غالبا متناقضة تماما مع الحكومة التي قبلها. كل حكومة جديدة لا تري في الحكومة قبلها الا شرا محضا يجب ازالة اثاره ومسحه ومسخه .

و تبدأ عملية نقض غزل الحكومة والنظام السابق والابدال والاحلال والمحاباة وتجريف المؤسسات العامة والخاصة وهكذا .

عدم الاستقرار وعدم استمرارية الموجهات الكلية للدولة وعدم استمرارية الاستراتيجيات والخطط والسياسات القي باثاره السالبة والمدمرة علي المؤسسات والقوي العاملة ضعفا في الاداء وانهزاما للروح المعنوية للقوي العاملة وتشريدا للكفاءات وتقويضا لجهود الخطط الاستراتيجية والتطوير والابتكار.

التقلبات هذه اثرها أسوأ من الزلزال المدمر علي المؤسسات العامة
و المحصلة اليوم السودان دولة فاشلة بحسب التصنيف الدولي ومن أسوأ الدول في توفير الخدمات الاساسية لمواطنيها يسيطر عليها جنرالات عسكريا بشرعية العنف والغاب والسلاح .

العلاج لهذه العلة الاولي هو اجتماع السواد الاعظم من اهل السودان علي رؤية وطنية ومبادئ توجه الدولة ودستور يعبر عن اهل السودان قاطبة ويحفظ حقوق الاقليات ويتضمن تدابير لضمان عدم طغيان المؤسسة العسكرية والامنية في ظل نظام ديمقراطي تعددي.

هذا الاجتماع والوحدة سيقوده ويحققه قيادات نحبهم من رجال ونساء لا تنقصهم الوطنية والهمة واليقين والايمان ولا يألون جهدهم وطاقتهم ووسعهم في الدفع نحو تحقيق التغيير المنشود.

هؤلاء القادة لن تثنيهم تدابير وتدخلات واجندات دول الجوار ولا مرارات
الماضي ولا عوائق واحاديث المشككين والمخذلين من اخوة الوطن عن المضي قدما نحو جمع الكلمة لاحداث التغيير المنشود.


العلة الثانية ضعف وقصور ادوات التحليل للتطور التاريخي والتجارب.
يبدو لي ان تقييمنا للتجارب غالبا مفخخ بتحامل ناتج عن تعميم تجارب شخصية او اخبار متناقلة او (مجاملات شلة) بينما يسارع عقلنا دائما الي التفسيرات السهلة المريحة التي تبسط الامر الي ثنائيات الفشل والنجاح والابيض والاسود والوطني والعميل وبالتالي نفقد فرصة عظيمة للتعلم من التجارب.

الثقافة السياسية تخلو من حقيقة ان الاسئلة التي تحاول الحكومات ورجال الدولة الإجابة عليها والتحديات التي تواجههم تحديات " معقدة"
هكذا يصفها علماء السياسات والادارة العامة . تقديرنا الجيد للتعقيد يترتب عليه تحديد طريقة ومنهجية تناولنا له وبالتحديد أتباع الوسائل المجربة الناجحة التي تبتعد عن التبسيط المخل والانحياز للاجابات الثنائية والحمولات الشخصية وفي مقدمتها المنهج العلمي والتعاون والنقاش المنتج الخلاق . علي سبيل المثال ثورة التعليم العالي حققت نجاحات وصاحبتها اخفاقات فبدلا من ان تخضع للدراسة والبحث العلمي من اجل اصلاح التعليم العالي ينقسم الرأي العام الي فريق يهتف بالنجاح واخر بالفشل . ثم مايلبس الخلاف بين الفريقين ان يتحول الي صراع صفري يقضي علي ما تم تحقيقه من قليل نجاح .

وهكذا النظرة الثنائية ليس فيها ابداع او قدرة علي رؤية الخيارات والمحددات بين الفشل والنجاح مثل النجاح في استيعاب عدد كبير في مقاعد دراسة جامعية والفشل في توفير تعليم بجودة ممتازة وهكذا .

العالم ادم جرانت في كتابة اعادة التفكير تحدث عن نظرية التحيز الثنائي وان الانسان عادة ينحاز الي تبسيط الاشياء ليسهل عليه فهمها فيجعلها ثنائية وبالتالي يقع في فخ عدم التقدير الجيد والاحاطة بتعقيدات المسألة وبالتالي عدم القدرة علي ايجاد حلول للمشكلات . ادم من انصار استخدام المنهج العلمي كمنهج محايد لا ينحاز ويدعو لاتخاذه كوسيلة لتجديد وتحديث الافكار والسياسات والقرارات والاراء من الضرورة بمكان لكل من رغب في التفوق او زيادة العلم. يقول " متي وجد منهج علمي سيساعد ذلك علي تقليل الخلافات" وبدلا من ان تصبح الخلافات سببا للصراعات ستكون محركا للبحث العلمي والحوار والتعاون للوصول للافضل والاقرب للحقيقة ولتحقيق الاهداف العامة.

المنهج العلمي يوفر الاجابات العلمية القابلة للتغيير بتجدد العقل والادلة. هل هذ دليل علي ضرورة علمانية الدولة؟ ليس بالضرورة. فثقافة المجتمع لها دور وتأثير في تشكيل المبادئ والسياسات العامة للدولة وطالما الهدف النهائي للحكومات ونظم الحكم هو تحقيق اكبر قدر من السعادة والرفاهية للمواطن فبالضرورة يجب ان لا تتعارض اي من المبادئ الاساسية والدستورية والسياسات مع ثقافة المجتمع.

في تقديري لو طرحت العلمانية في مقابل الشريعة للاستفتاء العام فستسقط العلمانية سقوطا مدويا. لان الشريعة ترتبط بدين السكان والعلمانية ترتبط في الاذهان بالمستعمر واعداء الدين . المستعمر الانجليزي فطن لهذا الامر لذلك ابتعد في الماضي عن اثارة كل ما من شأنه ان يثير الحساسية الدينية .

لذلك من الحكمة التوفيق بين الثقافة المحلية والشريعة ومخرجات المنهج العلمي.

لكثير من الدول تجارب ناجحة في صناعة التوفيق بين المنهج العلمي والثقافة المحلية مثل النموذج الياباني الذي يعتمد في تفوقه في بعض المجالات علي نجاح المزج بين القيم اليابانية واحدث المناهج العلمية.

كما ذكرت في مقدمة المقال السؤال الذي طرحته يتناول قضية معقدة تحتاج الي المزيد من التقصي والبحث والله من وراء القصد.

شريف محمد شريف علي
٦/١١/٢٠٢٢
engshereef1977@yahoo.com
////////////////////////////

 

آراء