مأساة الجيش السوداني بين جناية الكيزان ، افتراء الجنجويد ، وانتهازية الإطاريين
محمد فقيري
9 May, 2023
9 May, 2023
fageer05@gmail.com
"غالباً ، الكلام الذي تخشى أن تقوله هو الكلام الذي يجب أن يُقال"
جورج برناردشو
2 من 2
أما الحديث عن أن الكيزان الملاعين هم من أشعلوا الحرب، وأن الجيش يحارب من أجل إعادة الكيزان إلي السلطة فحديث يلهينا عن خطورة تمكن الجنجويد من الدولة نفسها، كما أنه يلهينا عن الفضيحة والعار الذي يمكن أن يلحق بجيش الدولة في حالة إنتصار العدو الأجنبيي لا سمح الله، تخيلوا لدقيقة أن ينهزم الجيش على يد مليشيا أجنبة تتكون من لقطاء من دول مجاورة ، تخيلوا لدقيقة أن يتمكن الجنجويد من مفاصل دولة السودان، كلنا يعلم ماذا يعني أن يتمكن الجنجويد من الدولة، كلنا يعلم، وكلنا لديه صورة واضحة من همجية ورعونة وحيوانية ووحشية وجلافة وعدم مدنية الجنجويد، فهؤلاء ليسوا من الأخلاق الإنسانية في شئ، وليسوا من الأخلاق السودانية في شئ، وليسوا من المدنية في شئ ، قد يقول قائل هنا أن الكيزان كذلك بنفس السوء، وأنا أوافق على أن الكيزان زبالة، وقد قلنا وما زلنا نقول وسوف نظل نقول أن الكيزان من أسوء مَن خلق الله، وأن ما فعلوه من نهب وتدمير وفساد في السودان لم يسبقهم إليه أحد في أي بلد، قلنا فيهم ما لم يقله مالكٌ في الخمر، ولكني اذهب إلي أن التعامل مع الكيزان بعد الحرب سوف يكون أسهل من شرب الماء مقارنة بالتعامل مع الجنجويد، فالكيزان جاؤوا في المرة السابقة بإنقلاب أيضاً، وجثموا على صدورنا ثلاثين عاماً عجافا، ولكن، ورغم أنهم تمكنوا من كل مفاصل الدولة، وخلقوا الجنجويد بإسم (الدعم السريع) لمناصرتهم، إلّا أن الشعب السوداني عندما فاض به هب إلي ثورة إقتلعت الكيزان ورمتهم في مزبلة التاريخ، ولن يعجز هذا الشعب أن يتخلص مرة أخرى من الكيزان في حالة عودتهم إلي السلطة التي لن يمكثوا فيها غير أيام، فالشارع السوداني معبأ مسبقاً ضدهم. ويجب ألا يخيفنا جعجعة بعض الكيزان ولعلعتهم الجوفاء، يجب ألا يخيفنا ما يقوله أفراد من الكيزان في السوشال ميديا ملمحين إلي أنهم سوف يستولون على السلطة بعد الإجهاز على الجنجويد، يجب ألا نلتفت إلي من (يعوعي) كديك المسلمية، فشباب الثورة مشغول بتحمير بصلته، جداد الكيزان يفترعون بعض البوستات التي توهم الناس بأنهم على مشارف القصر الجمهوري، هذه البوستات ليست إلا إنتهازية سمجة وإصطياد في الماء العكر وحرب نفسية قذرة يشنونها على الشعب، علينا ألا نلتف لها. حسناً، هل معنى هذا أن نؤيد الحرب؟ ، لا أحد عاقل في هذه الدنيا يؤيد الحرب، و(لا للحرب) شعار يجب أن يكون مرفوعاً في كل الأوقات، ونتمنى جميعاً لو لم تقم الحرب أصلاً، ولكن يبقى هذا التمني مجرد تمني، والتمني هو رجاء شئ لا يمكن أن يحدث، فلا نستطيع الآن أن نعيد عقارب الساعة ونمنع وقوع الحرب، نرجو أن تتوقف الحرب اليوم قبل الغد، ولكن، أليس توقف الحرب يعني الذهاب إلي طاولة المفاوصات مع المليشيا المتمردة وقائدها المجرم لتقاسم السلطة؟ أليس تقاسم السلطة مع الجنجويد استبدالاً للكيزان بالجنجويد؟ هل مليشيا الجنجويد أفضل من الكيزان؟ ، الكيزان، يا جماعة الخير، حزب مهلهل و يعلمون جيداً انهم مرفوضون تماماً من الشعب السوداني ومن المجتمع الدولي، وقد إنكشف أمرهم وفضحوا أنفسهم بأنفسهم وفقدوا كثير من قيادييهم الذين أعلنوا أخطاء الحركة الإسلامية وكشفوا عن سوءاتها ونشروا غسيل الكيزان الوسخان في قارعة الطريق، فيجب ألا نخشى منهم ومن أصواتهم الهستيرية العالية. وإذا كنا نرفض أن يتولى الجنجويد أمر السودان ونريد أن نتخلص منهم مرة واحدة وللأبد، فهل من جهة تستطيع تخليصنا منهم غير الجيش السوداني؟، وهل من طريقة أخرى غير الحسم بالحرب التي قامت رغم رفضنا لها؟ غض النظر عن من بدأها؟ ، إن الدعوة إلي إنهاء وجود الجنجويد ليس تأييداً للبرهان ولا للكيزان، ولذلك، فدمغ كل من يدعو إلي إنهاء وجود الجنجويد بأنه برهاني أو كيزاني فتنميط خاطئ، فيه ظلم كبير وتجني على وطنية من يقول بذلك وسوء فهم لرأيه، كلنا يكره البرهان بمثل كرهنا لحميدتي، وكلنا يكره الكيزان بمثل كرهنا للجنجويد، ولكننا لا نستطيع أن نكره قواتنا المسلحة بحجة أن بعض قادتها من الكيزان فنتركها لقمة سائغة لمليشيا الجنجويد، قد يحتج البعض بأن للحرب خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، صحيح ومؤسف ومحزن، ولكن هذه هي طبيعة الحروب، فليست هناك حرب بدون خسائر، وليست هناك حرب بدون أخطاء، والجيوش المتطورة والتي تملك أحدث الأسلحة التي تحدد الأهداف بدقة عالية لها أخطاء قاتلة، وفي النهاية فليس حميدتي هو من سيأتينا بحكومة مدنية، وليس هو من سوف يؤسس لنا الديمقراطية ويسوق خطانا إلي باب الإنتخابات الحرة النزيهة، فهو لم يتكبد كل هذه المشاق ليسلمنا السلطة ويذهب إلي ثكناته، وبالمقابل فالبرهان أيضاً لن يحقق لنا المدنية والديمقراطية ، الجنرالان حالمان ، كل بطريقته ، الجنرالان يعملان على الإستحواذ على السلطة بثمن باهظ يدفعه الشعب السوداني، وليس من المعقول أن يضيع هذا الثمن الباهظ هباءاً، هذا الثمن الباهظ يجب أن تذهب فاتورته إلي إنتصار الجيش، لا بد أن يكون هذا الثمن هو ثمن تحرر السودان من مليشيا آل دقلو ومن ورائهم عرب التيه في غرب أفريقيا الذين وجدوا في السودان أرض مهملة ودولة مضعضعة ووضع إجتماعي مأساوي وفراغ دستوري وخواء سياسي وسياسيين مهرجين أنانيين وفشل نخبوي مريع وعدم وطنية متدني وفوضى شاملة لكل شئ، فقرروا تحقيق حلمهم وإنشاء مملكتهم على هذه الأرض البوار إلا من الخلافات المدمرة.
يدور رأسي دورتين كاملتين في الثانية الواحدة عندما أسمع من يقول أن ليس هناك في هذه الحرب منتصر!!!، يا الله ، أليس إنتصار الجيش على الجنجويد إنتصاراً للوطن؟ ، أليس تثبيتاً لوجود الدولة وكينونتها؟، أليس هزيمة الجنجويد مطلباً شعبياً؟ ، ما لنا، كيف نحكم؟ ، هل يعقل أن ينقسم الشعب السوداني بين مؤيد للجيش ومؤيد للجنجويد ومحايد لا يهمه من الذي ينتصر؟.
للجنجويد بقيادة آل دقلو- يا سادتي - مشروع خطير تحدّثنا عنه من قبل، ولا بأس في أن نعيده مع بعض التفصيل. ليست الأحاديث الدائرة هذه الأيام من مجموعات من دول غرب أفريقيا في الفديوهات التي نشاهدها والتسجيلات التي نسمعها، ليست هذه الأحاديث (ونسة) عند ستات الشاي، وليست دردشات في المقاهي وتحت الأشجار، وليس كلاماً نسمعه ثم ننشغل بإتهام بعضنا البعض بالكوزنة والقحتية والبرهانية، ليس كلاماً نتسلى به في قروبات منصات التواصل الإجتماعي في حوارات سطحية فارغة من أي محتوى جاد، ليست المسألة الآن مسألة خلافات وإنقسامات، ليس الوقت الآن وقتاً يهدر في توصيف بعضنا البعض
بكوز/قحتي/شيوعي/برهاني ووو من تسميات أهلكتنا وأوصلتنا إلي حافة الهاوية، الهاوية التي بدأنا السقوط إلي قاعها العدمي إذا لم نتدارك أمرنا وننتشل بعضنا البعض. في الأيام القليلة السابقة إستمعتُ إلي عدة تسجيلات وبعض الفديوهات من افراد من عرب التيه في غرب أفريقيا يتحدثون عن محمد حمدان دقلو بإعتباره المنقذ الذي سوف يقيم لهم مملكتهم في أرض ميعادهم وهي أرض السودان، هؤلاء البشر مثل بني إسرائيل، يعتقدون أنهم مبعثرون في تيه خاص بهم مثل تيه بني إسرائيل، وينتظرون قائداً يلم شملهم، ووجدوا في حميدتي ذلك القائد المهدوي المنتظر، وأرض السودان هي أرض ميعادهم التي سوف تجمعهم، بعضهم يقول أنهم شعب كوش الأصليين وأن مروي هي مدينتهم المقدسة، وقد سمعنا شقيق حميدتي يتحدث عن مروي في مناسبات سابقة، وإذا تحدثنا عن المؤامرات التي تحاك ضد السودان من المنتفعين الإقليميين والدوليين فأخطرها هي مؤامرة عرب التيه، لأنها مؤامرة لمسح السودان الحالي من الخريطة وإقامة مملكة بديلة تجمع شمل من يسمون أنفسهم بعرب غرب أفريقيا، نعم تكوّن الجنجويد عن طريق البشير الهبيل وبرهان السفاح، ثم وجدت الإمارات ضالتها في حميدتي وإحتضنته ودعمته وسلحته لمصلحتها، كذلك روسيا، ثم حاول الإطاريون الإستفادة منه وخلق جيش موازي للجيش الوطني كذراع عسكري لتجمعهم المدني، وكان حميدتي داخل كل هذه الأحضان منتشياً بتحقق مشروعه الأساسي على يد غيره، ومشروعه الأساسي هو حكم السودان وإقامة مملكته العربية على أنقاض الدولة السودانية. الجنجويد هو العدو الأخطر.
الذين حلموا بالأمس، والذين يحلمون اليوم بأن حميدتي وعن طريق الجنجويد سوف يؤسس لهم دولة المدنية والديمقراطية فإنما عاشوا ويعيشون أضغاث أحلام بائسة، وكذلك حميدتي، مثلهم تماماً عاش حلماً ساذجاً. كانت (الجماعة) تحلم وكان حميدتي يحلم، حُلمين مختلفين، المشترك بينهم أن كل جهة كان يعتقد أنه يضحك على الآخر ويستغله ، هل إستفاقوا الآن؟.
تحقيق المدنية والديمقراطية يقع على عاتقنا، على عاتق الشعب السوداني بطرقه السلمية التي أباد بها الإنقاذ وحزب الكيزان، فدعوا الجيش حتى لو كان كيزانياً ليزيح لنا الجنجويد من الساحة، بعد ذلك سوف تخلوا لنا الساحة مع الكيزان وهم عدو مقدور عليه بطرقنا السلمية المجربة.
السودان، منذ العهد التركي وحتى يومنا هذا يطلق عليه مصطلح (دولة) مجازاً ، فهو ليس دولة مكتملة حتى بالتعريف الكلاسيكي للدولة، دعك من مفهوم الدولة الحديث، ولا نستطيع أن نتحدث عنه كدولة لها عقد إجتماعي ينظم أي نوع من التعاقد بين من يقومون على الحُكم والمحكومين، ولم تكن العلاقة بين المركز والأقاليم قائماً على إتفاق محدد له أُسس ونُظم فدرالية واضحة ، ولم يكن له دستور دائم في أي وقت من الأوقات، فوضع الدولة المجازية هذه دارت بين حُكم ديمقراطي بدائي يأتي من خلال إنتخابات يلعب الدور الأكبر فيها القبلية ، والمناطقية المقفولة ، والأسرية ، والموالاة الدينية بين أنصار وختمية ، وطرق صوفية ، وتنظيم ديني شمولي بطبيعنه يستمد فكره من جماعة الإخوان المسلمين المنفلتة ، وشمولية يسارية تنقسم بين شيوعيين وبين نبت غريب يسمى البعث العربي، دار وضع السودان بين هذه الأجسام وبين حكومات عسكرية طويلة الأمد تأتي بالإنقلاب على النظام الديمقراطي، ولهذا السبب لم يستقر الوضع السياسي وتبعاً لعدم الإستقرار السياسي فلم يستقر الوضع الإقتصادي ولم تدخل الدولة في أي دورة تنموية جادة تحقق نفسها. تأتي العهود الديمقراطية بتلك الإنتخابات البدائية ولا تكمل دورة واحدة ، تبدأ الأحزاب بمشاكسة بعضها البعض وتهمل مهمتها الأساسية في العمل على تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين ووضع الخطط التنموية وتنفيذها وتوسيع الوعي الجماهيري وترسيخ معنى الديمقراطية في الأذهان وتدريب المواطنين عليها ، بدلاً من ذلك، تتعارك الأحزاب في تقسيم السلطة فيتذمر المواطنون فيتخذه الجيش زريعة للإنقضاض على الديمقراطية، في الغالب بإيعاز من جهة حزبية، وتدار الدولة كلها كما تدار المؤسسة العسكرية بالأوامر والتعليمات واجبة التنفيذ، ويذهب جل ميزانية الدولة للجيش ويُترك الفتات لأهم مرفقين، التعليم والصحة، فيتحول المجتمع كله إلي مجتمع جاهل ومريض وعاجز وغير تنموي، الآن يعيش السودان حالة لا دولة بإنطباق كامل لهذا التعريف، نتيجة السياسات القاتلة التي انتهجتها النخب السودانية الفاشلة والتهورات التي إرتكبتها القوات المسلحة بالتعدي على غير مهامها والتي أنهتها بإنقلاب الإنقاذ المشؤوم بالتعاون مع أردأ من في السودان وهم الكيزان التعساء، ورغم تحميلنا المسئولية كاملة لقيادة القوات المسلحة في قيام هذه المليشيا المنفلتة، ورغم أننا نخص البرهان بهذه المسئولية ونعتبره الأب الشرعي للمليشيا الجنجويدية، إلا أننا لا نملك إلا أن نساند القوات المسلحة كأهم وأكبر مؤسسة سودانية غالب ضباطها وطنيون ذووا عقيدة وطنية في القضاء على المليشيا الآثمة، وإلا، فتطوير دولتنا السودانية المتخلفة أصلاً سوف يكون في حُكم المستحيل مع وجود الجنجويد في الساحة. نملك الآن ـ على الأقل ـ دولة رمزية نستطيع أن نطورها ونطور نُظمها لتكون دولة حديثة رغم الصعاب، ونستطيع أن نعمل على تحويل الجيش إلي جيش قومي وطنى ينحصر مهامه على المهام العسكرية المعروفة ، ونستطيع أن نقضي على الحركة الإسلامية وفكرها الخبيث وممارساتها الوبيلة ، ليس بالسلاح الناري إنما بسلاح الفكر ونشر الوعي المرتقي إلي مصاف العصر حتى لا يبقى منهم أحد ، ولكننا لو حاربنا الجيش أو تخلينا عنه بحجة كيزانية بعض قادته فلن نجد دولة أصلاً لتطويرها ولن نجد جيش لا مأدلج ولا غير مأدلج. وهكذا فالأمر في ذهني واضح، إما أن نساند الجيش رغم خلافنا مع قادته أو أن نفقد الدولة السودانية للأبد.
الجيش هو صمام أمان البلد، حامي الحمى ، رمز العزة والكرامة ، ضامن سيادتنا على أرضنا ، حارس عَلَم السودان ليظل عالياً خفاقاً ، الجيش الآن في مأزق وفي حوجة ماسة إلينا نحن الشعب السوداني الوطني الحر المستقل المتعافي من أمراض السعي إلي السلطة ، الجيش محتاج ألي مساندتنا لإنقاذه من جناية الكيزان وإفتراء الجنجويد وإنتهازية الإطاريين ، فهل نفعل؟.
"غالباً ، الكلام الذي تخشى أن تقوله هو الكلام الذي يجب أن يُقال"
جورج برناردشو
2 من 2
أما الحديث عن أن الكيزان الملاعين هم من أشعلوا الحرب، وأن الجيش يحارب من أجل إعادة الكيزان إلي السلطة فحديث يلهينا عن خطورة تمكن الجنجويد من الدولة نفسها، كما أنه يلهينا عن الفضيحة والعار الذي يمكن أن يلحق بجيش الدولة في حالة إنتصار العدو الأجنبيي لا سمح الله، تخيلوا لدقيقة أن ينهزم الجيش على يد مليشيا أجنبة تتكون من لقطاء من دول مجاورة ، تخيلوا لدقيقة أن يتمكن الجنجويد من مفاصل دولة السودان، كلنا يعلم ماذا يعني أن يتمكن الجنجويد من الدولة، كلنا يعلم، وكلنا لديه صورة واضحة من همجية ورعونة وحيوانية ووحشية وجلافة وعدم مدنية الجنجويد، فهؤلاء ليسوا من الأخلاق الإنسانية في شئ، وليسوا من الأخلاق السودانية في شئ، وليسوا من المدنية في شئ ، قد يقول قائل هنا أن الكيزان كذلك بنفس السوء، وأنا أوافق على أن الكيزان زبالة، وقد قلنا وما زلنا نقول وسوف نظل نقول أن الكيزان من أسوء مَن خلق الله، وأن ما فعلوه من نهب وتدمير وفساد في السودان لم يسبقهم إليه أحد في أي بلد، قلنا فيهم ما لم يقله مالكٌ في الخمر، ولكني اذهب إلي أن التعامل مع الكيزان بعد الحرب سوف يكون أسهل من شرب الماء مقارنة بالتعامل مع الجنجويد، فالكيزان جاؤوا في المرة السابقة بإنقلاب أيضاً، وجثموا على صدورنا ثلاثين عاماً عجافا، ولكن، ورغم أنهم تمكنوا من كل مفاصل الدولة، وخلقوا الجنجويد بإسم (الدعم السريع) لمناصرتهم، إلّا أن الشعب السوداني عندما فاض به هب إلي ثورة إقتلعت الكيزان ورمتهم في مزبلة التاريخ، ولن يعجز هذا الشعب أن يتخلص مرة أخرى من الكيزان في حالة عودتهم إلي السلطة التي لن يمكثوا فيها غير أيام، فالشارع السوداني معبأ مسبقاً ضدهم. ويجب ألا يخيفنا جعجعة بعض الكيزان ولعلعتهم الجوفاء، يجب ألا يخيفنا ما يقوله أفراد من الكيزان في السوشال ميديا ملمحين إلي أنهم سوف يستولون على السلطة بعد الإجهاز على الجنجويد، يجب ألا نلتفت إلي من (يعوعي) كديك المسلمية، فشباب الثورة مشغول بتحمير بصلته، جداد الكيزان يفترعون بعض البوستات التي توهم الناس بأنهم على مشارف القصر الجمهوري، هذه البوستات ليست إلا إنتهازية سمجة وإصطياد في الماء العكر وحرب نفسية قذرة يشنونها على الشعب، علينا ألا نلتف لها. حسناً، هل معنى هذا أن نؤيد الحرب؟ ، لا أحد عاقل في هذه الدنيا يؤيد الحرب، و(لا للحرب) شعار يجب أن يكون مرفوعاً في كل الأوقات، ونتمنى جميعاً لو لم تقم الحرب أصلاً، ولكن يبقى هذا التمني مجرد تمني، والتمني هو رجاء شئ لا يمكن أن يحدث، فلا نستطيع الآن أن نعيد عقارب الساعة ونمنع وقوع الحرب، نرجو أن تتوقف الحرب اليوم قبل الغد، ولكن، أليس توقف الحرب يعني الذهاب إلي طاولة المفاوصات مع المليشيا المتمردة وقائدها المجرم لتقاسم السلطة؟ أليس تقاسم السلطة مع الجنجويد استبدالاً للكيزان بالجنجويد؟ هل مليشيا الجنجويد أفضل من الكيزان؟ ، الكيزان، يا جماعة الخير، حزب مهلهل و يعلمون جيداً انهم مرفوضون تماماً من الشعب السوداني ومن المجتمع الدولي، وقد إنكشف أمرهم وفضحوا أنفسهم بأنفسهم وفقدوا كثير من قيادييهم الذين أعلنوا أخطاء الحركة الإسلامية وكشفوا عن سوءاتها ونشروا غسيل الكيزان الوسخان في قارعة الطريق، فيجب ألا نخشى منهم ومن أصواتهم الهستيرية العالية. وإذا كنا نرفض أن يتولى الجنجويد أمر السودان ونريد أن نتخلص منهم مرة واحدة وللأبد، فهل من جهة تستطيع تخليصنا منهم غير الجيش السوداني؟، وهل من طريقة أخرى غير الحسم بالحرب التي قامت رغم رفضنا لها؟ غض النظر عن من بدأها؟ ، إن الدعوة إلي إنهاء وجود الجنجويد ليس تأييداً للبرهان ولا للكيزان، ولذلك، فدمغ كل من يدعو إلي إنهاء وجود الجنجويد بأنه برهاني أو كيزاني فتنميط خاطئ، فيه ظلم كبير وتجني على وطنية من يقول بذلك وسوء فهم لرأيه، كلنا يكره البرهان بمثل كرهنا لحميدتي، وكلنا يكره الكيزان بمثل كرهنا للجنجويد، ولكننا لا نستطيع أن نكره قواتنا المسلحة بحجة أن بعض قادتها من الكيزان فنتركها لقمة سائغة لمليشيا الجنجويد، قد يحتج البعض بأن للحرب خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، صحيح ومؤسف ومحزن، ولكن هذه هي طبيعة الحروب، فليست هناك حرب بدون خسائر، وليست هناك حرب بدون أخطاء، والجيوش المتطورة والتي تملك أحدث الأسلحة التي تحدد الأهداف بدقة عالية لها أخطاء قاتلة، وفي النهاية فليس حميدتي هو من سيأتينا بحكومة مدنية، وليس هو من سوف يؤسس لنا الديمقراطية ويسوق خطانا إلي باب الإنتخابات الحرة النزيهة، فهو لم يتكبد كل هذه المشاق ليسلمنا السلطة ويذهب إلي ثكناته، وبالمقابل فالبرهان أيضاً لن يحقق لنا المدنية والديمقراطية ، الجنرالان حالمان ، كل بطريقته ، الجنرالان يعملان على الإستحواذ على السلطة بثمن باهظ يدفعه الشعب السوداني، وليس من المعقول أن يضيع هذا الثمن الباهظ هباءاً، هذا الثمن الباهظ يجب أن تذهب فاتورته إلي إنتصار الجيش، لا بد أن يكون هذا الثمن هو ثمن تحرر السودان من مليشيا آل دقلو ومن ورائهم عرب التيه في غرب أفريقيا الذين وجدوا في السودان أرض مهملة ودولة مضعضعة ووضع إجتماعي مأساوي وفراغ دستوري وخواء سياسي وسياسيين مهرجين أنانيين وفشل نخبوي مريع وعدم وطنية متدني وفوضى شاملة لكل شئ، فقرروا تحقيق حلمهم وإنشاء مملكتهم على هذه الأرض البوار إلا من الخلافات المدمرة.
يدور رأسي دورتين كاملتين في الثانية الواحدة عندما أسمع من يقول أن ليس هناك في هذه الحرب منتصر!!!، يا الله ، أليس إنتصار الجيش على الجنجويد إنتصاراً للوطن؟ ، أليس تثبيتاً لوجود الدولة وكينونتها؟، أليس هزيمة الجنجويد مطلباً شعبياً؟ ، ما لنا، كيف نحكم؟ ، هل يعقل أن ينقسم الشعب السوداني بين مؤيد للجيش ومؤيد للجنجويد ومحايد لا يهمه من الذي ينتصر؟.
للجنجويد بقيادة آل دقلو- يا سادتي - مشروع خطير تحدّثنا عنه من قبل، ولا بأس في أن نعيده مع بعض التفصيل. ليست الأحاديث الدائرة هذه الأيام من مجموعات من دول غرب أفريقيا في الفديوهات التي نشاهدها والتسجيلات التي نسمعها، ليست هذه الأحاديث (ونسة) عند ستات الشاي، وليست دردشات في المقاهي وتحت الأشجار، وليس كلاماً نسمعه ثم ننشغل بإتهام بعضنا البعض بالكوزنة والقحتية والبرهانية، ليس كلاماً نتسلى به في قروبات منصات التواصل الإجتماعي في حوارات سطحية فارغة من أي محتوى جاد، ليست المسألة الآن مسألة خلافات وإنقسامات، ليس الوقت الآن وقتاً يهدر في توصيف بعضنا البعض
بكوز/قحتي/شيوعي/برهاني ووو من تسميات أهلكتنا وأوصلتنا إلي حافة الهاوية، الهاوية التي بدأنا السقوط إلي قاعها العدمي إذا لم نتدارك أمرنا وننتشل بعضنا البعض. في الأيام القليلة السابقة إستمعتُ إلي عدة تسجيلات وبعض الفديوهات من افراد من عرب التيه في غرب أفريقيا يتحدثون عن محمد حمدان دقلو بإعتباره المنقذ الذي سوف يقيم لهم مملكتهم في أرض ميعادهم وهي أرض السودان، هؤلاء البشر مثل بني إسرائيل، يعتقدون أنهم مبعثرون في تيه خاص بهم مثل تيه بني إسرائيل، وينتظرون قائداً يلم شملهم، ووجدوا في حميدتي ذلك القائد المهدوي المنتظر، وأرض السودان هي أرض ميعادهم التي سوف تجمعهم، بعضهم يقول أنهم شعب كوش الأصليين وأن مروي هي مدينتهم المقدسة، وقد سمعنا شقيق حميدتي يتحدث عن مروي في مناسبات سابقة، وإذا تحدثنا عن المؤامرات التي تحاك ضد السودان من المنتفعين الإقليميين والدوليين فأخطرها هي مؤامرة عرب التيه، لأنها مؤامرة لمسح السودان الحالي من الخريطة وإقامة مملكة بديلة تجمع شمل من يسمون أنفسهم بعرب غرب أفريقيا، نعم تكوّن الجنجويد عن طريق البشير الهبيل وبرهان السفاح، ثم وجدت الإمارات ضالتها في حميدتي وإحتضنته ودعمته وسلحته لمصلحتها، كذلك روسيا، ثم حاول الإطاريون الإستفادة منه وخلق جيش موازي للجيش الوطني كذراع عسكري لتجمعهم المدني، وكان حميدتي داخل كل هذه الأحضان منتشياً بتحقق مشروعه الأساسي على يد غيره، ومشروعه الأساسي هو حكم السودان وإقامة مملكته العربية على أنقاض الدولة السودانية. الجنجويد هو العدو الأخطر.
الذين حلموا بالأمس، والذين يحلمون اليوم بأن حميدتي وعن طريق الجنجويد سوف يؤسس لهم دولة المدنية والديمقراطية فإنما عاشوا ويعيشون أضغاث أحلام بائسة، وكذلك حميدتي، مثلهم تماماً عاش حلماً ساذجاً. كانت (الجماعة) تحلم وكان حميدتي يحلم، حُلمين مختلفين، المشترك بينهم أن كل جهة كان يعتقد أنه يضحك على الآخر ويستغله ، هل إستفاقوا الآن؟.
تحقيق المدنية والديمقراطية يقع على عاتقنا، على عاتق الشعب السوداني بطرقه السلمية التي أباد بها الإنقاذ وحزب الكيزان، فدعوا الجيش حتى لو كان كيزانياً ليزيح لنا الجنجويد من الساحة، بعد ذلك سوف تخلوا لنا الساحة مع الكيزان وهم عدو مقدور عليه بطرقنا السلمية المجربة.
السودان، منذ العهد التركي وحتى يومنا هذا يطلق عليه مصطلح (دولة) مجازاً ، فهو ليس دولة مكتملة حتى بالتعريف الكلاسيكي للدولة، دعك من مفهوم الدولة الحديث، ولا نستطيع أن نتحدث عنه كدولة لها عقد إجتماعي ينظم أي نوع من التعاقد بين من يقومون على الحُكم والمحكومين، ولم تكن العلاقة بين المركز والأقاليم قائماً على إتفاق محدد له أُسس ونُظم فدرالية واضحة ، ولم يكن له دستور دائم في أي وقت من الأوقات، فوضع الدولة المجازية هذه دارت بين حُكم ديمقراطي بدائي يأتي من خلال إنتخابات يلعب الدور الأكبر فيها القبلية ، والمناطقية المقفولة ، والأسرية ، والموالاة الدينية بين أنصار وختمية ، وطرق صوفية ، وتنظيم ديني شمولي بطبيعنه يستمد فكره من جماعة الإخوان المسلمين المنفلتة ، وشمولية يسارية تنقسم بين شيوعيين وبين نبت غريب يسمى البعث العربي، دار وضع السودان بين هذه الأجسام وبين حكومات عسكرية طويلة الأمد تأتي بالإنقلاب على النظام الديمقراطي، ولهذا السبب لم يستقر الوضع السياسي وتبعاً لعدم الإستقرار السياسي فلم يستقر الوضع الإقتصادي ولم تدخل الدولة في أي دورة تنموية جادة تحقق نفسها. تأتي العهود الديمقراطية بتلك الإنتخابات البدائية ولا تكمل دورة واحدة ، تبدأ الأحزاب بمشاكسة بعضها البعض وتهمل مهمتها الأساسية في العمل على تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين ووضع الخطط التنموية وتنفيذها وتوسيع الوعي الجماهيري وترسيخ معنى الديمقراطية في الأذهان وتدريب المواطنين عليها ، بدلاً من ذلك، تتعارك الأحزاب في تقسيم السلطة فيتذمر المواطنون فيتخذه الجيش زريعة للإنقضاض على الديمقراطية، في الغالب بإيعاز من جهة حزبية، وتدار الدولة كلها كما تدار المؤسسة العسكرية بالأوامر والتعليمات واجبة التنفيذ، ويذهب جل ميزانية الدولة للجيش ويُترك الفتات لأهم مرفقين، التعليم والصحة، فيتحول المجتمع كله إلي مجتمع جاهل ومريض وعاجز وغير تنموي، الآن يعيش السودان حالة لا دولة بإنطباق كامل لهذا التعريف، نتيجة السياسات القاتلة التي انتهجتها النخب السودانية الفاشلة والتهورات التي إرتكبتها القوات المسلحة بالتعدي على غير مهامها والتي أنهتها بإنقلاب الإنقاذ المشؤوم بالتعاون مع أردأ من في السودان وهم الكيزان التعساء، ورغم تحميلنا المسئولية كاملة لقيادة القوات المسلحة في قيام هذه المليشيا المنفلتة، ورغم أننا نخص البرهان بهذه المسئولية ونعتبره الأب الشرعي للمليشيا الجنجويدية، إلا أننا لا نملك إلا أن نساند القوات المسلحة كأهم وأكبر مؤسسة سودانية غالب ضباطها وطنيون ذووا عقيدة وطنية في القضاء على المليشيا الآثمة، وإلا، فتطوير دولتنا السودانية المتخلفة أصلاً سوف يكون في حُكم المستحيل مع وجود الجنجويد في الساحة. نملك الآن ـ على الأقل ـ دولة رمزية نستطيع أن نطورها ونطور نُظمها لتكون دولة حديثة رغم الصعاب، ونستطيع أن نعمل على تحويل الجيش إلي جيش قومي وطنى ينحصر مهامه على المهام العسكرية المعروفة ، ونستطيع أن نقضي على الحركة الإسلامية وفكرها الخبيث وممارساتها الوبيلة ، ليس بالسلاح الناري إنما بسلاح الفكر ونشر الوعي المرتقي إلي مصاف العصر حتى لا يبقى منهم أحد ، ولكننا لو حاربنا الجيش أو تخلينا عنه بحجة كيزانية بعض قادته فلن نجد دولة أصلاً لتطويرها ولن نجد جيش لا مأدلج ولا غير مأدلج. وهكذا فالأمر في ذهني واضح، إما أن نساند الجيش رغم خلافنا مع قادته أو أن نفقد الدولة السودانية للأبد.
الجيش هو صمام أمان البلد، حامي الحمى ، رمز العزة والكرامة ، ضامن سيادتنا على أرضنا ، حارس عَلَم السودان ليظل عالياً خفاقاً ، الجيش الآن في مأزق وفي حوجة ماسة إلينا نحن الشعب السوداني الوطني الحر المستقل المتعافي من أمراض السعي إلي السلطة ، الجيش محتاج ألي مساندتنا لإنقاذه من جناية الكيزان وإفتراء الجنجويد وإنتهازية الإطاريين ، فهل نفعل؟.