مؤشر قياس سيادة القانون
12 December, 2009
من الاشياء التي تسترعي الانتباه ما يجري الان في العالم حول وضع مؤشر لقياس مدي تقيد الدول حول العالم بحكم القانون. حسب العدد 237 من تقرير واشنطن بتاريخ 6 ديسمبر 2009م ، فقد انعقد في الفترة من 11 الي 14 نوفمبر الماضي المنتدي الثاني لما يعرف بمشروع العدالة العالمي ( World Justice Project ) لمناقشة مؤشر لحكم القانون (The Rule of Law Index ) . يهدف المشروع الي تجميع الجهود العالمية عبر الحقول المعرفية المختلفة لتنمية و تطوير حكم القانون في مختلف دول العالم. يعتبر المؤشر الذي يجري اعداده اول مؤشر يعطي صورة مفصلة و شاملة لمدي تقيد" الدول" و انصياعها لحكم القانون. يهدف المشروع ايضا الي وضع و تطوير منهجية منضبطة علميا و صالحة للتطبيق في معظم دول العالم من حيث ملائمتها لتتبع التغير التراكمي في مدي تقيد الدول بحكم القانون علي مدار الزمن. الآلية التي سيتم إتباعها هي توفير قاعدة من البيانات المحايدة التي يمكن ان تساعد المسئولين الحكوميين و غير الحكوميين في معرفة نقاط الضعف و القوة و النقاط التي هي في مرحلة التطور ، اضافة للاصلاحات اللازمة في عدد من المجالات و الأبعاد المرتبطة بمبادئ حكم القانون. تم التأكيد في المنتدي علي انه ( لكي يتم تقييم مبدأ حكم القانون في دولة ما فانه من الضروري ان يكون هناك "فهم" جيد للقوانين و المؤسسات في الدوله " و هذا في حد ذاته حسب وجهة نظرهم غير كاف" ، الامر الذي يستدعي الاهتمام ب " كيفية " تطبيق تلك القواعد و القوانين في " الواقع العملي " علي المعنين بها).
للدلالة علي جدية هذا المشروع يمكن تتبع مراحل اعداده و منهجيته و التعرف عليه بدقة و تمعن حتي يصبح الحكم عليه موضوعيا نسبة لعملية المؤشر و حتمية تطبيقه علي نطاق دولي واسع. مر أعداد المؤشر بثلاث مراحل كانت الاولي هي اختبار منهجيته ميدانيا في 6 دول خلال العام 2008م. المرحلة الثانية كانت تطبيق المؤشر في 35 دوله في العام 2009م ، المرحلة الثالثة هي الانتقال بتطبيق المؤشر علي المستوي العالمي حيث يتم تطبيقه علي 100 دولة بحلول ديسمبر 2011م. يلاحظ المنهجية الدقيقة في اعداد المؤشر التي تم اتباعها من قبل الخبراء و الأكاديميين في عدد من الحقول العلمية ذات الصلة بحكم القانون. اشتمل ذلك علي مختلف انواع القوانين ، منها الجنائي ، التجاري ، قوانين العمل و الصحة العامة و تأثيرها علي الحياة العامة و الموقف القانوني للدولة الخاضعة للتقييم. لذلك وجدنا انه من المفيد تناول هذا الموضوع و تنبيه المختصين في المؤسسات الرسمية و منظمات المجتمع المدني و المشتغلين بالحق العام و سيادة حكم القانون في بلادنا ، بضرورة الاهتمام اللازم بهذا المؤشر و المشاركة في النقاش الدائر حوله ، لان السودان من أكثر المعنيين في ضوء ما يمر به من تداعيات.
تأتي بعد ذلك مصادر جمع المعلومات و هي التي تكسب المؤشر مصداقيته و قبوله. يتم الاعتماد علي مصدرين في جمع المعلومات ، من أجل توفير بيانات شاملة ومفصلة عن مدى تقيد الدول بمبدأ حكم القانون، المصدر الأول استطلاعات الرأي العام، باختيار مركز استطلاع للرأي رائدا في كل دولة ( في حالة وجوده بالطبع ، اذ لا توجد مثل هذه المراكز و المراصد في معظم الدول النامية ، مع ملاحظة اعتماد هذا المؤشر علي الحقول المعرفية المختلفة)، معتمدة على استطلاع عينة مقدرة بألف شخص في أكبر ثلاث مدن في كل دولة يشملها المؤشر في المرحلة المعينة. وهذا النوع من استطلاعات الرأي سوف يتم بصفة دورية ومنتظمة ، مرة كل ثلاث سنوات من أجل اختبار مدى تطبيق مبدأ حكم القانون على أرض الواقع ومراقبة تطوره عبر مرور الزمن، مما يعطي المؤشر المصداقية الضرورية.
أما المصدر الثاني فيتمثل في استمارات استبيان الرأي التي تم إعدادها بصورة دقيقة، وتضمنت عدد كبير من الأسئلة ذات الإجابات المفتوحة أو المغلقة، يتم استكمال بياناتها بواسطة خبراء في القانون التجاري والجنائي وقوانين العمل والصحة العامة داخل كل دولة. وهذه الاستمارات سوف يتم تحديثها مرة كل عام. تمت الاشارة الي ان المرحلة الحالية التي تم تطبيقها علي 35 دولة قد شملت من الدول الافريقية كل من كينيا ، نيجيريا ، غانا و جنوب افريقيا. اما علي مستوي الدول العربية فقد شملت كل من الاردن و المغرب.
أعترف القائمون علي المشروع باصطدامه بعدد من الصعوبات نسبة لكونه قد بدأ تصميمه بمحاولة التوصل إلى صياغة عملية يمكن من خلالها تعريف مبدأ حكم القانون، وللتوصل إلى هذا الأمر كان لابد للقائمين على إعداد المؤشر من مراجعة كل الأدبيات التي كتبت في هذا الموضوع. هذه المراجعة أظهرت أن هناك مجموعة من التحديات والصعوبات التي تواجه إعداد المؤشر.
كان من بين الصعوبات ضرورة مراعاة أن تكون العوامل والمؤشرات الفرعية - والتي على أساسها يمكن قياس مدى تطبيق مبدأ حكم القانون - متعارف عليها عالميًّا ومتلائمة مع كافة الثقافات الموجودة في العالم، دون أن تكون هناك تحيزات غربية أو أنجلو أمريكية أو غيرها من التحيزات الثقافية الأخرى. لذلك حاول القائمون علي الاعداد و - إلى حد كبير - باشتقاق المبادئ التي يقوم عليها المؤشر من المعايير والأعراف الدولية المتعارف عليها، ومن خلال مراجعة الدساتير الوطنية والدراسات الأكاديمية في هذه المجالات. وتم تنقيح المؤشر من خلال سلسلة من المشاورات مع عدد من الخبراء المنتمين إلى ثقافات مختلفة وإلى حقول معرفية وأكاديمية متنوعة، للتأكد من قابليته وصلاحيته للتطبيق لمختلف الثقافات حول العالم. لم تتوفر لدينا معلومات عن الجهات التي تنتمي اليها دولنا و ثقافاتنا التي شاركت في الاعداد و النقاش ، لكن و حتي لا نكتفي بالتفرج و القدح غير المفيد ، فمن الافضل التعرف علي هذا الموضوع عن قرب و المشاركة فيه قبل فوات الاوان. يتيح ذلك تضمين ما يلزم من وجهات نظر و مرجعيات تضمن الحقوق و تراعي الخصوصيات.
من التحديات التي واجهت إعداد المؤشر أيضا ، أن ( أي محاولة للتوصل إلى تعريف شامل لهذا المؤشر تواجه بمعضلة الاختلاف بين ما يسميه الخبراء المفهوم البسيط “Thin” لمبدأ حكم القانون، أو المفهوم في حده الأدنى، والذي يركز على القواعد الرسمية والإجرائية هذا من ناحية، والمفهوم المعقد “Thick” من ناحية ثانية. هذا الأخير يتضمن مجموعة من السمات الجوهرية المهمة، مثل الحكومة الذاتية "Self-government" ومجموعة الحقوق والحريات الأساسية)، التقرير.
ظهرت تلك المعضلة من جهة أولى في أنه لكي يكتسب المؤشر قبولاً واسعًا ويحقق أكبر استفادة ممكنة، لا بد أن يكون قابلاً للتطبيق على نطاق واسع بالنسبة لنظم سياسية واجتماعية مختلفة، والتي لا تتصف ببعض السمات التي توجد في النظم الديمقراطية، ومن جهة ثانية تم التأكيد - من قبل القائمين على إعداد المؤشر – على ضرورة أن يكون أكثر من مجرد منظومة من القواعد، على اعتبار أنه يجب أن يعبر عن منظومة من القوانين الإيجابية لحماية حقوق الإنسان الأساسية، يتم ضمانها وحمايتها تحت مظلة القانون الدولي، ولذلك فإن من الأفضل تسميتها بـ "الحكم بالقانون "Rule by Law" وليس "حكم نظام القانون" “Rule of Law System" ونتيجة للنقاش والجدل - حول التوفيق بين المفهوم البسيط والمفهوم المعقد لحكم القانون - والذي دار بين الخبراء ، تم التوصل إلى أربع مجموعات من المبادئ العالمية والتي تمثل في جوهرها أساسًا لمبدأ حكم القانون يمكن بيانها على النحو التالي:
أولاً: يجب أن تكون الحكومة والعاملين فيها ووكلاؤها مسئولين أمام القانون. ثانيًا: يجب أن تكون القوانين واضحة ومعروفة للجميع ومستقرة وعادلة، وتحمي الحقوق الأساسية للمواطنين، بما فيها أمن الأفراد وملكياتهم الخاصة. ثالثًا: إمكانية الوصول إلى العملية التي يتم من خلالها تنفيذ القانون بسهولة، وأن تكون عادلة وذات فاعلية.رابعًا: ضمان سهولة الوصول إلى العدالة من خلال مجموعة من القضاة والمحامين وممثلي السلطة القضائية الذين يتمتعون بالاستقلال والكفاءة، وأن يتوفر العدد الكافي منهم، وأن تتوافر لهم الموارد والإمكانيات التي تمكنهم من القيام بمهامهم على أكمل وجه، فضلا عن ضرورة أن تكون طريقة تشكيل وتكوين هذه العناصر عاكسة لتركيبة المجتمعات المحلية التي يعملون فيها. ما أحوجنا الي جميع تلك المبادئ و القيم التي تشكل صمام أمان لمجتمعنا من التشرذم و الضياع.
قمنا باستعراض جزء من التقرير الخاص بهذا المؤشر المهم و الذي سيتم تطبيقه علي نطاق واسع في العالم و استعرضنا اهم جوانبه كما جاء بالمصدر الذي اعتمدنا عليه ، المحدد في مطلع المقال. من جانب اخر تجنبنا التعليق المفصل عليه ، نسبة لعدم الاختصاص ، علي امل ان يقوم المختصون في مجال القانون و القانون الدولي و القوانين الإنسانية الدولية بدراسة تفاصيل المؤشر و تحديد رؤيتهم حوله. ما يلينا من ناحية الحقوق و الحريات الاقتصادية و ما يليها من سيادة حكم القانون فسنتعرض لها متي ما ارتبط ذلك الأمر بشأن اقتصادي معين ، و تلك شئون عده لا يخلو منها يوم و لا تحيد عنها قضية اقتصادية سواء في التنمية بمختلف مفاهيمها او بالعدالة و قسمة الثروة و توزيع الدخول او في مجالات الفقر و التباين الاجتماعي او الوظائف التوزيعية المختلفة للسياسة الاقتصادية العامة.
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]