ما بعد التوقيع

 


 

 

بشفافية –
في لحظة يفترض أن تكون فارقة ما بين تجربة الأعوام الثلاث الماضية التي أبرزت الكثير من السلبيات والمعيقات التي حالت دون تحقيق أهداف الثورة، وكلفت البلاد سقوط أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى، وعمقت الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وأدت الى اضطراب وخلل أمني كبير، بسبب انقلاب 25 أكتوبر الذي قطع مسيرة التحول المدني الديمقراطي، تم أمس بقاعة الصداقة في احتفال مغلق التوقيع النهائي على وثائق الاتفاق الاطاري بين المكون العسكري والعديد من القوى المدنية والسياسية وبمشاركة إقليمية ودولية مقدرة..
وبهذا التوقيع الذي يجئ عقب مفاوضات ماراثونية متطاولة امتدت لأشهر وتراوحت بين صعود وهبوط وتلاق وافتراق وتصعيد وتهدئة، تكون البلاد قد دخلت فعليا في مرحلة جديدة تعد من أخطر وأدق المراحل، خاصة وأن هناك كما ذكرنا بالأمس في هذه المساحة، قضايا مرحلة لما بعد مرحلة الاتفاق الاطاري، وهي قضايا في غاية الحساسية والتعقيد وتمثل قنابل موقوتة، اما تنفجر أو يتم ابطال مفعولها، وهي العدالة والعدالة الانتقالية وإصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية ومراجعة اتفاق جوبا للسلام وتفكيك نظام المخلوع، ويضاف الى ذلك مهمة تشكيل مؤسسات الانتقال المناط بها التأسيس لدولة سودانية ونظام سوداني مختلف كلية عما سبق، وهذه عملية ليست يسيرة اذ أنها مجابهة بتحديات وصعوبات جمة وقضايا وأزمات محورية عديدة، وهذا من قدر الثورات والهبات والانتفاضات التي تهب في وجه الأنظمة الفاشلة والفاسدة والمستبدة، أن ترث الخراب والدمار على كل الصعد، اقتصاد منهار ونسيج اجتماعي مهترئ وسلام مفقود وخدمات متدهورة وحريات مسلوبة وفساد متفشي وغبائن ومظالم مستشرية، وهذه والله تحديات يشيب لهولها الولدان وتتصدع وتخر من ثقلها الجبال (والله يجازي اللي كان السبب)
نعم تم التوقيع أمس بما يماثل ضربة البداية للفترة الانتقالية التي ستدشن أعمالها رسميا اذا قدر للموقعين على الاتفاق الاطاري من الطرفين المضي قدما بالتفاهمات حتى الوصول لمرحلة التوقيع النهائي، ولكن يبقى المطلوب النهائي ليس فقط هو توقيع من وقعوا، اذ لابد لجموع الشعب ان تقول رأيها أيضا وتحدد موقفها، اما وقعت اذا ما وجدت في الاتفاق ما يمثلها ويعبر عنها ويحل ضوائقها، وكذا الحال بالنسبة للثوار المستعصمون بثورتهم وكامل أهدافها والمتمسكون بعدالة تأخذ لرفاقهم الشهداء حقهم، أو لم يوقعوا اذ جاء الاتفاق النهائي قاصرا وعاجزا عن ان يطول قامة الشعب ودون بسالة الثوار، فلا رجاء في اتفاق ان لم يكن فاصلا ومحققا للفلسفة العميقة التي يستبطنها الشعار الثوري (تسقط بس)، لاسقاط كل العقليات القديمة وطرائق الحكم البالية التي تعاقبت على السودان وجعلته مثل (جمل العصارة) يدور حول نفسه ويكرر مشاكله وأزماته المزمنة، بينما هو يمتلك كل المقومات والموارد التي تجعل منه ماردا يزاحم بقوة كل الدول الكبيرة والمتقدمة،
وما يريده الشعب من قوى التغيير سواء كانوا الجذريين أو القحتاويين أن يكون التغيير الذي تتسمى به ليس فقط باسقاط الانقلاب، فإسقاط الانقلاب ليس هدفا لذاته، وإنما هو وسيلة للوصول إلى دولة مدنية ديمقراطية عادلة، فماتمر به البلاد هو مرحلة فاصلة ودقيقة وحساسة للغاية، واحتمالات الفشل والتراجع واردة إن لم يتحلوا بالحكمة وسعة الصدر ويراعوا أسباب النجاح.. فبلدنا بالمقابل مهدد بالكثير..
الجريدة

 

آراء