العبقرية والجنون: اشتقاق كلمة genius من جِن العربية!

 


 

 

كلمة genius "جِينْيَس" في الإنجليزية واللغات الأوربية الأخرى تعني عبقرية وهي مشتقة من كلمة "جِن" العربية، بحسب ما استخلصناه من المعاجم والمراجع الإنجليزية.
يقول معجم أكسفورد للغة الإنجليزية إن كلمة genius دخلت الإنجليزية من اللاتينية وإنها مشتقة من كلمة genni "جني" والتي يشرحها بقوله: "روح قرين للإنسان ويتخذ بعض الأمكان سكناً".
وهذا هو معنى الجن في العربية لكن المعجم المذكور لا يشير في هذا السياق من قريب أو بعيد إلى الأصل العربي لكلمة (جني) أو إلى وجود هذه الكلمة ومشتقاتها في العربية.
ومعروف لدى الباحثين أن كثيرا من المفردات العربية دخلت اللغات اللاتينية في العصور الوسطى عن طريق الإسبانية التي ورثت حضارة الأندلس العربية. وما يؤكد ذلك أن المراجع الإنجليزية ذات الصلة تجمع على أن كلمة "جِينْيَس" بمعنى (عبقرية) لم تستقر في اللغات الأوربية إلا في القرن السادس عشر الميلادي، ولكنها تضرب إضرابا تاماً عن ذكر الأصل العربي للكلمة.
وغني عن الذكر القول إن العرب كانت تعتقد أن الشعر توحي به الجِّن التي تسكن وادي عبقر، وأن لكل شاعر شيطانه الذي يلهمه الشعر. ثم نسبوا إلى هذا الوادي كل صاحب ملكة عقلية خارقة أو موهبة بازة في الفنون والعلوم وغيرها، فقالوا: عبقري وصاحب عبقرية.
وشرح معجم أكسفورد لكلمة genni "جني" بأنه "روح قرين للإنسان ويتخذ بعض الأمكان سكناً"، ينطوي على إشارة واضحة إلى قرين الشاعر الذي يلهمه الشعر وإلى وادي عبقر الذي يسكنه هذا الجني.
وحتى التعبير الإفرنجي genius loci "جينيس لاكي" وهو لاتيني والذي يترجم إلى العربية: "عبقرية المكان"، مأخوذ من النسبة إلى وادي عبقر المكان الذي يسكنه الجن موحي وملهم الشعر.
هذا، والأمر الذي يدعو للتأمل هو أن حدس القدماء بنسب الشعر إلى قوى خفية لم يخب، غير أن هذه القوى الخفية كامنة على الأرجح في ذات الإنسان وليست خارجه، وهي قواه الباطنة أو ما يسمى بالعقل الباطن أو اللاوعي واللاشعور. ومن عجائب الموافقات أن كلمة شعر في العربية مشتقة من الشعور وهو يشمل اللاشعور بالضرورة.
جاء بمعجم لسان العرب: الشعر القريض، وقائله شاعر لأنه يشعر ما لا يشعر به غيره أي يعلم. وسُمي شاعراً لفطنته. الرجل يشعر شعراً. ويقال شعرتُ لفلان أي قلتُ له شعراً. وليت شعري أي ليت عِلمي أو ليتني عَلِمتُ". انتهى.
ويقول ابن رشيق في كتابه (العمدة في الشعر) إلى أنه "إنما سميّ الشاعر شاعراً، لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره". انتهى.
وفي العصر الحديث نحت بعض الاتجاهات الفنية والأدبية إلى التعويل على البعد الغيبي (اللاشعور) في كتابة الشعر مثل الحركة السيريالية التي اسسها الشاعر والطبيب النفسي الفرنسي "اندريه بريتون" سنة 1924 وتقول السريالية إنها تهدف إلى تحرير النشاط الأدبي والفني من سلطة العقل والمنطق بالمراهنة على نشاط العقل الباطن وتوظيف لغة الحلم.
ويعتقد السيرياليون أن هنالك منطقة (برزخا) في العقل الباطن يقترن ويمتزج فيها الوعي باللاوعي، والعقلي باللاعقلي، والواقعي بما فوق الواقعي، فهي أشبه بمنطقة (الأعراف) Limbo بين الجنة والنار، حيث الجحيم الشخصي للمبدع الذي منه تخرج الأعمال الأدبية والفنية.

abusara21@gmail.com

 

آراء