ما هى مؤهلات الحكام

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم


مقدمة:
من بديهيات أمور الحياة أن لكل عمل شروط ومتطلبات ومؤهلات لا بد أن تتوفر عند من يتقدم لأداء هذا العمل. والإنسان يفني قسطاً مقدراً من حياته لكي يكتسب المعارف والمهارات الضرورية التي تؤهله لأداء عمل ما يكون فيه كسب عيشه وعماد حياته. ومن البديهي بطبيعة الحال حين يتقدم شخص لشغل وظيفة أو طلب عمل ما, أن أول ما يسأل عنه هي مؤهلاته وخبراته والتدريب العملي والنظري الذي تلقاه في مراحل تعليمه الذي تؤهله لأداء هذا العمل أو تلك الوظيفة. هذه من البديهيات والأمور الاعتيادية اليومية. الشيء المحير أن أهم عمل وأهم وظيفة تمس حياة الناس جميعاً – الحاكم - لا أحد يسأله عن مؤهلاته التي تؤهله للحكم!! فما هي مؤهلات الحكام؟ ولماذا يغفل الناس عن مطالبة الحكام بإبراز شهاداتهم التي تؤهلهم لحكم العباد؟ يجب أن نقرر بدءاً بأن أحد النواميس الكونية الثابتة هي أن يوكل كل عمل إلى حاذقه, الرجل المناسب في المكان المناسب, أي إعطاء الخبز إلى خبازه., وإلا انفرط العقد واختلط الحابل بالنابل. فإذا ما تقدم للحكم وقيادة الناس من لا تتوفر فيه الأهلية, فسوف يكون العباد والبلاد عرضة لمخاطر مهلكة.
الشعوب ليست حقول تجارب لحكام فاقدي الأهلية:
إذا كان أي عمل أو وظيفة يتطلب مؤهلات لأدائه على أتم وجه لانجاز الغاية منهdeliver the goods, فهذا الشرط أولى ما يكون بالحاكم الذي تكون على يده حياة الناس ومصائر الشعوب. إن ما نراه ماثلاً أمامنا اليوم من تخلف وفقر وجهل وجوع وحروب وخراب في كثير من بلدان العالم الثالث – وفي رهط مقدمتها السودان- يمكن إرجاعه لتجارب حكم فاشلة وحكام فاشلين بسبب عدم أهليتهم للحكم مبتدءاً. أصبحت هذه الشعوب حقول تجارب لحكام فاقدي الأهلية على مختلف انتماءاتها وخلفياتهم:
* دكتاتوريون
* عسكريون
* اسلامويون – ثيوقراطيون
* نخبويون – ارستقراطيون
* رأسماليون – أثرياء وتجار
* أدعياء - للوجاهة وتكملة الشخصية
الديكتاتوريون والعسكريون يحكمون بالقهر والجور ويظلمون العباد. الإسلامويون يرفعون راية الإسلام, وما إن يتمكنوا من الحكم, حتى تظهر حقيقتهم الانتهازية حين يتخلون عن شعارات الإسلام التي كانوا رفعوها لخطب ود الجماهير, ويتكالبوا على الدنيا وجمع المال وظلم الناس والابتعاد عن جوهر الدين, وتصير الدولة مغنما لهم يأخذون من الدين ما يروق لهم يفسروا به ويبرروا جورهم وظلمهم وأكلهم أموال الناس بالباطل. فرفع شعار الدين ماهو الا غطاء يستر حقيقة عورتهم فى السعى الى الحكم بدافع شهوة السلطان لأجل التسلط والتجبر يجوسون فى الديار بغيا وعدوانا. النخبويون المولودون وفى أياديهم ملاعق من ذهب, لاشئ يربطهم بهموم المواطن من مأكل ومشرب ومسكن وصحة وتعليم, وما أمر الحكم عندهم إلا تكملة للأبهة والمجد وكمال السؤدد glory. فلا حرص لهم على تحقيق حوائج الناس والسعي إلى إسعادهم إلا بقدر ما يحفظ العلاقة المتباعدة بين السيد والمسود. الأثرياء والأغنياء من الرأسماليين وأصحاب التجارات والمصالح حين يتسلمون الحكم, يكون همهم الأول والأخير تربية تجاراتهم ورعاية مصالحهم وتكثير أموالهم على حساب المواطنين المنهوكين. هناك صنف آخر من الأدعياء الناعقين يدبجون الخطب الرنانة والكلام المنمق لا لوجه الحق والعدل, بل للجلوس على كرسي الحكم بقصد الوجاهة وتكملة الشخصية التي - وهي بعيدة عن السلطان- تجدها خواء لا شيء فيها أخوى من جوف أم موسى.

حيرة الشباب المبررة في اختيار القادة:
من المؤكد أن بلداننا قد ابتليت في تاريخها الحديث بواحد أو مجموعة مركبة من أنظمة الحكم الفاشلة هذه والحكام الفاشلين. والحيرة التي يعيشها الشباب اليوم في اختيار القادة الملهمين visionary leaders الذين يجب أن تعقد لهم ألوية قيادة مسيرة الشباب اليوم هي حيرة مبررة اجهة إننا جربنا كل هذه الأنظمة الفاشلة والحكام الفاشلين, فأين الاتجاه؟

المؤهلات: المعيار الذهبى الأوحد لاختيار القادة:
المعيار الذهبى لاختيار الحكام ومن يتولون قيادة المجتمع هو أن يكونوا مؤمنين إيمانا صادقا بكرامة الإنسان وحقه الرباني في العيش الكريم والحرية, والمناكفة في الدفاع عن حقوق الناس ونصرتهم والوقوف مع حقوقهم بصلابة لا تعرف المهادنة في الحق والذود عن المصلحة العامة بكل الوسائل  staunch defender of the public good.
هذا هو المعيار الأوحد والمؤهل الأول لكل من يروم قيادة الناس.وذلك لأن الغاية من تولي الحكم, هو صون حقوق الناس وصون كرامتهم والسعي إلى إسعادهم وراحتهم و"رفاهيتهم".فالحكم الراشد والحاكم الصالح يقاس نجاحه أو فشله بمدى استقرار المجتمع وتقدمه ورفاهيته وسعادة أفراده. وهذا نجده يتكرر دائما في الرسائل بين الحكام والرؤساء "متمنين التقدم والرفاهية والازدهار". ولعل أبلغ دليل على فشل الحكم فى السودان هو حالة التعاسة والبؤس وشظف العيش وسوء الحال التى يعيشها الناس اليوم. فإذا كان من يروم قيادة الناس مؤمنا إيمانا صادقا بالرسالة الأولى والغاية الكبرى من تولى الحكم وهي العمل على إسعاد الرعية وصون حقوقهم وكرامتهم, فإن الله سوف ييسر لهم أمر القيادة إن شاء الله بسبب إيمانه الحق بهذه الرسالة الربانية. أما إذا كان من يروم الحكم والقيادة لا يؤمن بهذه الرسالة أصلاً, ولا يحترم حقوق الناس ولا يعتبر كرامتهم, فهو قد فشل في المؤهل الأول والأساس في تولي القيادة, وإذا ما قيض له أن يتولى الحكم, فتكون الأمة قد ابتليت بلاءا عظيما, ويكون الله سبحانه وتعالى قد سلط عليهم من "لا يرحمهم" و"لا يخافه".
السؤال الهام: كيف يمكننا أن نتعرف على مثل هذا الشخص المؤهل للحكم:
هو الشخص المؤمن يصدق بكرامة الإنسان يسهر على صون حقوقهم وينافح عن مصالحهم ويهب حياته دفاعاً عن الحق والعدل وصون الحقوق.

تخيروا خيار القوم:
تعرفوا على خياركم الذين تمتلئ نفوسهم بحب الخير للآخرين وشهد لهم منذ الصغر بالتفاني في خدمة الآخرين والايثار ومكارم الأخلاق. جاء في الأثر عن نبي الرحمة المهداة عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أنه كان عرف عنه منذ صباه الصدق والأمانة حتى لقب بالصادق الأمين, ما ألف قلوب قريش حوله والقبول بتحكيمه لمعرفتهم بسيرته النقية وصدقه وأمانته فوقع اختيارهم عليه ليكون حكماً فيما شجر بينهم حين وضع الحجر الأسود في القصة المعروفة.

كيف تختار الدول المتقدمة قادتها:
تختار الدول المتقدمة قادتها من بين من عرف عنهم الإيمان والصدق في قول الحق ومناصرة العدل وحقوق الناس, بين من أبلوا بلاء حسناً في جبهات الصد عن الحقوق والمصلحة العامة  the public good ممن لهم مواقف مشهودة في ساحات النضال العام بالكلمة الصادقة القوية والكتابة في الوسائط وتنوير الرأي العام وتعرية الفساد ومناصرة الحريات والحقوق لتحسين ظروف الناس في حياتهم العامة. وقف أحد اللوردات في مجلس العموم البريطاني في أخريات القرن التاسع عشر, محذراً الحكومة من الآثار البعيدة الضارة بأمن واستقرار المجتمع نتيجة لإهمال الحكومة معالجة مشكلات البطالة والفقر وسوء أحوال الناس المعيشية بسبب قوانين العمل الصارمة والجائرة  التي تعمل على حماية مصالح أرباب العمل والشركات على حساب العمال البسطاء. محذرا أن تجاهل معالجة هذه المشكلات تضر ضرراً بليغاً باستقرار وسلامة المجتمع, وسوف تجر على الحكومة مشكلات عصية تصعب معالجتها. كان أن ولد على أثر ذلك مشروع قرار"قانون الفقراء" "the poor law" الذي شرّع لحقوق العمال وتحسين أحوال عملهم ومعاشهم, وتحديد مستويات الأجور وضمانات أخرى بما يحفظ على العامل كرامته وعيش أسرته وادخارا معقولاً وتقاعداً يحفظ له حقوقه في كبره.
اختار الشعب الأمريكي أوباما رئيساً لأقوى دولة في العالم, كما اختار الدكتورة سوزان رايس ممثلة للأمة الأمريكية في مجلس الأمن, كما اختار قبلها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندلزا رايس - وكلهم من الأمريكيين المنحدرين من أصول أفريقية. ولا يعني هذا أن الغالبية البيضاء في أمريكا قد تخلت فجأة عن عنصريتها البغيضة تجاه السود والملونين, ولكن لأن هؤلاء النفر لهم سجلات ناصعة في المنافحة عن الحقوق ونصرة الحق والعدل منذ أن كانوا طلاباً في المدارس والجامعات فاختيارهم للقيادة جاء لأجل النفع العام الذى هم أهل لأنجازه بسبب ايمانهم به.

نماذج من رجالات الإدارة البريطانية في السودان:
على الرغم من كونهم مستعمرين وغير مسلمين, إلا أن رجال الإدارة البريطانية في السودان يعطونا مثالاً حياً لما يجب أن يتصف به من يروم قيادة الناس وحكمهم. فالغاية أصلاً من الحكم كما أسلفنا هي رعاية حقوق الناس والسهر على مصالحهم ومعايشهم. في أول خطاب دفع به إلى حكومته, حدد ونجيت باشا حاكم عام للسودان, حدد أهداف حكومته بهذه الكلمات:
إن المهمة الأولى التي عكفت حكومة السودان عل أدائها تنصب في المقام الأول في تمكين المواطنين الاستفادة من معطيات الحضارة المعاصرة the benefits of civilization, وذلك بتوفير الأمان - بقدر الإمكان - للناس فى أشخاصهم وفي ممتلكاتهم, وبتحسين وسائل الاتصال عبر تلك الفيافي الممتدة من الصحاري... التي تنداح ما بين المراكز الآهلة بالسكان وأماكن الإنتاج... وبإضافة وسائل الري الصناعي... وبالإضافة إلى مجرى نهر النيل العظيم وخط السكة الحديد الذي يربط السودان بمصر, بناء ميناء جيد ومرفأ للسفن على البحر الأحمر يسهّل الاتصال بالداخل, بما يمكّن المواطنين من الحصول على متطلباتهم من الخارج وبحيث يجدوا أسواق خارجية لتسويق منتجاتهم الطبيعية (ونجيت باشا: من كتاب الزراعة في السودان  Agriculture in the Sudan 1959 صـ34) (ترجمة الكاتب).
بعث كشتر- الحاكم العام للسودان- بمذكرة (أمر) لكل المآمير والمفتشين جاء فيها:
إن المهمة التي أمامنا جميعاً, خاصة المآمير والمفتشين, هي كسب ثقة الناس, وتطوير مصادر إنتاجهم, والارتقاء بهم إلى مستوى أعلى. وهذا يمكن أن يتحقق فقط عن طريق التعاون الوثيق مع طبقة أعيان الأهالى  the better class of natives.
كان من نتاج هذه السياسات- التي جعلت من الإنسان محورها للارتقاء به وتحسين أحواله وتوفير الأمان والطمأنينة والعيش الكريم له, إن ازدهر الاقتصاد وعم الرخاء. فقد كان مزارعو مشروع الجزيرة يتابعون من قراهم وحواشاتهم ارتفاع ونزول أسعار القطن اليومية في بورصة القطن العالمية بلندن, وذلك لجودة شبكة الربط التلفونى المباشر مابين الجزيرة ولندن فى تلك الأيام المبكرة. كما أن مزارعي الجزيرة وصلوا درجة من البحبوحة وسعة العيش بما توفر لهم من نقد أن الناس كانوا يستأجرون عربات التاكسي من قرى الجزيرة إلى الخرطوم وإياباً لأداء واجبات المشاركة في الأفراح والأتراح.
كما استتب الأمن على نحو غير مسبوق في عموم ربوع البلاد, وعم الأمن والنظام. كتب هندرسون معلقا على نتاج هذه السياسات والثمرات الطيبة في حياة الناس:
أن تجد امرأة تذهب للبئر دون أن يصحبها أحد, أو تجدها راجعة من السوق بعد الظلام تتجاذب إطراق الحديث وتضحك مع صويحباتها, أو أن تجد شخصاً يسافر لمسافات بعيدة من دون سلاح... كلها أشياء تعتبر اصلاحات طيبة في أعين المواطنين... ثم أنها أصبحت مقبولة فيما بعد كأشياء اعتيادية, وحين تحدث انتهاكات لحالة السلم والأمن, فقد كان يروّع الرأي العام السوداني لحالات الانتهاكات التي كانت تمر دون اهتمام  في دمشق أو بغداد.

نماذج من الحكم الوطنى فى السودان:
فى خطبة له بعد أن تأكد أن الأخوة فى جنوب الوطن صوتوا باغلبية ساحقة على الانفصال, أعلن الرئيس البشير أن شمال السودان سيطبق الشريعة الاسلامية ويتبنى الهوية العربية. لم تكن الضائقة المعيشية التى تطحن الناس وتتفكك بسببها الاسر وتنتشر بسببها لرذيلة, لم تكن من اهتمامات الرئيس حتى يوليها حيزا للالتفات اليها, أو الى أى شئ يمس حوائج الناس ليرينا ماهى برامجه لمعالجة هذه المسائل الحياتية الهامة. انظر الهوة السحيقة مابين أول خطاب لونجيت باشا – المستعمر الكافر - وهمه الأول برعاية مصالح السودانيين, وبين خطاب البشير - المواطن السودانى المسلم - وغلظته وتنكره للرسالة الأولى والواجب الأهم وهو رعاية مصالح الرعية!!
أين نحن اليوم وانتهاكات حقوق الناس التى تتم كل يوم على مرأى ومسمع الجميع وملايين من الأنفس تزهق في السودان ولا أحد يحرك ساكناً!! أين نحن اليوم ومشروع الجزيرة الذي كان درة وفخراً وإنجازاً إنسانياً رائعاً يحكي روعة التلاحم بين الحاكم والمحكوم, كيف قد تم تدميره وتدمير بنيته وتشريد مزارعيه!! والبنى التحتية العظيمة التي بناها المستعمرون أصبحت حطاماً وهشيماً بدلاً أن نبني عليها. أين الإهتمام بحقوق الناس وتنمية مصادر عيشهم وأرزاقهم والإهتمام بهم وهم اليوم أتعس الشعوب على البسيطة, بينما حكامهم أصبحوا من أثرى أثرياء العالم!! أين سياسات الحكومة وبرامجها وخططها في الإرتقاء بالناس والمجتمع, والتعليم قد انهار والصحة انهارت ومؤسسات الدولة انهارت, أين الخطط والبرامج والاقتصادية والاجتماعية للارتقاء بحياة الإنسان!! ليس شيء من هذا مما ينفع الناس, بل الحديث والخطب تتحدث عن تطبيق الشريعة والحدود والويل والثبور لكل من يخالف الحدود!!
إن مهمة الحكام هي توفير أسباب الحياة الكريمة للانسان في عيشه وأمنه وعافيته حتى يتمكن من القيام بأداء واجبه الرباني في الحكمة من خلقه وهي عبادة الله جل جلاله: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" صدق الله العظيم. هذه هى الغاية من خلق الإنسان. والله سبحانه وتعالى وحده القادر على حساب عباده على أدائهم أو تقصيرهم في أداء واجبهم في العبادة. الحاكم مهمته توفير الأسباب الحياتية - كوننا بشر- لتمكين الإنسان من القيام بواجبه في عبادة الله خالقه. ليس من واجب الحاكم إجبار العباد على العبادة: "لا تهدي من أحببت لكن الله يهدي من يشاء" صدق الله العظيم.
الذين يتحدثون عن الدين والشريعة ليسوا أهلا للحكم. لأن من يهمه الدين والشريعة, يجب عليه أولا أن يسعى لتوفير الطروف الحياتية الضرورية للناس التي تمكنهم من أداء واجبهم في العبادة. فيجب أن ينصب همه أولاً على تحسين أحوال الناس في معاشهم وعافيتهم وأمانهم وتوفير العيش الكريم لأسرهم وعيالهم, وهذه كلها مساءل حياتية تستوجب العناية بها, وتستوجب على من يروم قيادة الناس أن يكون له نهجاً وخططاً وبرامج واضحة - اقتصادية واجتماعية وتنموية وتعليمية وغيرها مما يمس حياة الناس اليومية. من دون ذلك يكون حديث الجماعات الإسلامية عن الحكم باسم الدين, ما هو إلا غطاء باسم الدين للاستيلاء على السلطة والتحكم في رقاب الناس, وظلمهم وأكل أموالهم بالباطل كما دلت على ذلك تجربة الإسلامويين في السودان. فهؤلاء لا شيء يؤهلهم للحكم بسبب ضعف إيمانهم بحقوق الناس مبتدءاً. فلم نسمع عنهم منافحة أو ذوداً عن حقوق الناس وحرياتهم وصون كرامتهم بل هم أول وأخطر من ينتهك تلك الحريات والحرمات.
الذين يريدون أن يحكموا باسم الدين لايؤمنون بحقوق الناس وحقوق المواطنة, بل يعتبرون عامة الناس غوغاء ودهماء من العوام لايجوز الأخذ برأيهم, بل تتنرل عليهم الأوامر والتشريعات من "أهل الحل والعقد". ,أهل الحل والعقد هو نوع من الديكتاتورية باسم الدين – مجموعات من علماء السلطان المتفقهين فى مسائل مثل حديث الذبابة, لا يفقهون شيئا فى فنون السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية وموازين القوى وهياكل الأمم المتحدة , تعقيدات العولمة ومسائل التجارة الدولية والتعرفة, قضايا التنمية المتوازنة والمستدامة ومشاكل البيئة, قضايا التقنيات الحديثة والجدل الطبى حول هندسة الوراثة والجينات والاستنساخ, لايعرفون كثيرا عن قوانين الحرب والاستراتيجيات ودور المؤسسات العسكرية, لا يفقهون كثيرا فى اختلاف الملل والنحل بسبب عدم معرفتهم باللغات الأجنبية للوقوف على أنماط حياة الشعوب الأخرى ومناهج تفكيرها. هذه الجماعات من "أهل الحل والعقد" من علماء السلطان هم الذين يفتون فى شؤؤن الأمة اليوم عن جهل مستحكم بما يدور فى واقع العالم المعاصر. ولذلك فأمتنا تعيش فى عالم آخر غير عالم اليوم, والشعوب مغيبة لأنه ليس هناك فى الأصل اعتبار لرأيها وحقوقها.

حديث الدكتور الترابى عن بن لادن:
أدهشنى حديث الدكتور الترابى حين قال انه عندما التقى بالشيخ أسامة بن لادن فى الخرطوم فى التسعينات من القرن المضى, اكتشف أنه شخص محدود المدارك. تمنيت أن لو واصل الدكتور الترابى حديثه ليصل به الى النتيجة المنطقية وهى أنه اذا كان تنظيم القاعدة بكل ماله من قوة وأتباع يقف على قمة زعامته رجل محدود المدارك, فهذا شخص لايصلح لقيادة تنظيم بحجم تنظيم القاعدة, ناهيك عن التطلع لقيادة العالم. وينسحب ذلك على كل من على شاكلته, وهم قطعا دونه بكثير فى المدارك, فلا أهلية لهم للقيادة بسبب محدودية مداركهم. السؤال الذى ينبغى أن نواجه به الدكتور الترابى: أو أليس الذين أتى بهم الدكتور الترابى لحكم السودان من العسكر والأمنجية هم من شاكلة محدودى المدارك الذين لا يصلحون للحكم والقيادة؟ الشاهد أن التحدث باسم الدين للسيطرة على الحكم يأتى فى الغالب من أناس هم أبعد ما يكونون عن روح الدين الحق الذى يدعو لنصرة الحق واقامة العدل ورعاية حقوق العباد.

خاتمة:
كثير من الناس ممن يسعون للحكم والقيادة يسعون لذلك بلبوس مزركشة وطرائق عدة دون أن تكون لديهم المؤهلات الحقيقية للقيادة. لكن المعيار الذهبي الذي ينبغي أن تستهدى به مسيرة الشباب المظفرة بإذن الله هو اختيار القادة الأخيار ممن شهد لهم بالصدق والثبات على مبدأ احترام كرامة الإنسان امتثالا لقوله تعالى "ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر" (صدق الله العظيم), وقوله صلى الله عليه وسلم "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق": ممن ديدنهم الذود عن الحق والعدل ومناصرة حقوق الناس, ممن لهم نضالات مشهودة في الساحات العامة بثباتهم على هذه المبادئ الإنسانية السامية, وما عداهم ماهم  الا منافقون وطلاب سلطة.                  

د. أحمد حموده حامد
fadl8alla@yahoo.com
الخميس 26 مايو 2011  الموافق 23 جمادى اللآخر 1432ه

 

آراء