محاكمة البشير وقيادات الحركة الاسلامية امام محاكم عسكرية مختلطة بعد نهاية الحرب

 


 

 

الذي يجري في السودان من جرائم وانتهاكات ظلت ترتكب طيلة ايام الحرب الجائرة يستوجب حشد كل الطاقات من اجل الاسراع بالفصل بين صحيح الدين والخطاب التكفيري التدميري والسيل المنهمر من الابتزاز وتجريم الناس والاتهامات المتكررة بخيانة الدين والوطن وعودة الحملات الغير قانونية لعسكرة الدولة والمجتمع بواسطة عصابات واعوان الحركة الاسلامية المزعومة . خاصة وان الاسلام الدين والمعتقد لايعاني من ازمة تستوجب تدخل تجار الدين وخوارج اخر الزمان وهذه الاطوار المتقدمة من الارهاب والابتزاز .
الخطر الاكبر اليوم يتمثل في خطاب التهييج الديني ومخاطبة مشاعر الناس بالترويج لجرائم اغتصاب للنساء لاتتوفر حتي هذه اللحظة اي ادلة مادية او قانونية علي حدوثها علي الاقل في العاصمة السودانية الخرطوم بواسطة احد اطراف الحرب الراهنة وتحديدا قوات الدعم السريع وحتي اذا حدثت جرائم اغتصاب فمن المرجح ان تتم بواسطة مافيات الجرائم الجنائية المتورطة في النهب والسرقات ومايجري في السودان اليوم امر لم يحدث منذ ان ظهرت الدولة السودانية الي الوجود وخلال كل مراحل التحولات والانقلابات والصراعات المسلحة علي السلطة في السودان .
علي سبيل المثال لقد سقطت العاصمة السودانية الخرطوم لمدة ثلاثة ايام علي يد قوات غير نظامية تابعة للمعارضة وتحالف الجبهة الوطنية السودانية في الثاني من يوليو 1976 واختفت الدولة والقيادة السياسية للبلاد الرئيس نميري ومن معه لمدة ثلاثة ايام لم تكسر خلالها نافذة لمسكن او مرفق عام او متجر وظلت الشرطة تعمل رغم كل تلك الظروف وكذلك المستشفيات واصلت العمل خلال الاربعة وعشرين ساعة تعمل خلالها في استقبال بعض الجرحي والمصابين من المدنيين و قوات المعارضة والجيش ..
واندلع بعد ذلك قتال عنيف استمر ليوم واحد باليل والنهار في اطراف العاصمة السودانية وداخل وحدات القوات المسلحة وحول القيادة العامة للجيش السوداني في موقعها الراهن وسط المدينة وانتهت المعارك وعادت الامور والحياة الي طبيعتها بعد 72 ساعة فقط ولم يكن هناك دمار او انقاض تحتاج الي رفعها ولم ترتفع طائرة واحدة في سماء الخرطوم وتم التنسيق بين القيادة البديلة للجيش السوداني التي ظلت تعمل من مقر سري في منطقة جبل الاولياء وبين القيادة السياسية المصرية واجهزة الامن والجيش في الجارة الشقيقة مصر بعد ان رصدت اجهزة الاستطلاع الامريكية شاحنات محملة بالاسلحة قادمة من داخل الاراضي الليبية في طريقها الي الخرطوم لدعم قوات المعارضة السودانية وتم اخطار القيادة السودانية البديلة التي كانت تدير الازمة بواسطة بعض الجهات الامريكية وتم تكليف القيادة المصرية بواسطة القيادة السودانية البديلة للجيش السوداني بالتعامل مع الموقف وفق تقديرات مشتركة لما يمكن ان يحدث اذا دخلت تلك الاسلحة العاصمة السودانية .
فقامت طائرات تابعة لسلاح الجو المصري علي ايام الرئيس السادات باعتراض تلك الشاحنات بالقرب من الحدود السودانية الليبية وقامت باطلاق قنابل دخانية وبالفعل هرب كل الموجودين داخل تلك الشاحنات وتم القاء القبض عليهم وهم علي قيد الحياة بواسطة قوات حرس الحدود السودانية وتم تدمير تلك الشاحنات التي كانت تحمل تلك الاسلحة لاحقا بواسطة مقاتلات مصرية ..
الخلاصة والعظة والعبرة من كل تلك التفاصيل الوارد ذكرها والتي حصلت علي تفاصيلها من الرئيس السوداني السابق جعفر نميري اثناء فترة اقامته في مصر بعد سقوط نظامه تكمن في تلك الدرجة العالية من المهنية والشجاعة الاخلاقية التي كانت تميز المؤسسة العسكرية السودانية وقدرتها العالية في ادارة الازمات في ظل الظروف الاقليمية والدولية ايام الحرب الباردة بتحالفاتها المعروفة الي جانب ادارة الازمات الداخلية والحرص علي ارواح الناس ..
القوات المسلحة السودانية قبل زمن الاخوان شاركت علي مدي سنين طويلة ضمن القوات العربية علي جبهات المواجهة مع اسرائيل اثناء حروب الاستنزاف ثم تحولت الي تامين الامن الداخلي في بعض المدن المصرية اثناء حرب اكتوبر 73 .
وشارك الجيش السوداني ايضا في تامين العاصمة اللبنانية بعد انتهاء الحرب الاهلية الدامية في لبنان بتكليف من المنظمة الدولية ولايزال الناس في تلك البقاع الجميلة يتذكرون انتشار اولئك السمر الميامين في مداخل العاصمة اللبنانية وطرقها الداخلية وهم يتبادلون التحايا مع اهلها وينتشرون بينهم الاحساس بالامن الذي افتقدة الناس في السودان منذ اليوم الاول للردة الحضارية والاحتلال الاخواني المسلح للبلاد في 30 يونيو 1989 وحتي يومنا هذا .
الامر مختلف جدا اليوم والموجودين في قيادة الجيش السوداني الراهنة اناس يجهلون كل شئ عن ادارة الدولة و عبارة عن احصنة طروادة وادوات تستخدم ويتم التحكم فيهم من علي البعد لصالح مشروع عقائدي ارهابي متلون ومخادع يقوم علي البلطجة والارهاب وهذه هي جذور كل مايجري اليوم في السودان من فظائع ..
والخلافات والصراعات السياسية علي السلطة لم ولن تتوقف لا في السودان ولاغيرة ولكن ليس الي هذه الدرجة التي يتم فيها تدمير بلد كامل باسم الله والدين الاسلامي الذي لايعاني ولن يعاني من ازمة لا في السودان ولا في كل بلاد العالم الاسلامي الافتراضي بطريقة تستدعي هذا الهياج والتخوين والتكفير المفارقة المؤلمة ان الاسلام الذي يقتل باسمة الناس في السودان و مصر وليبيا وسوريا والعراق وايران وكل بؤر الارهاب الديني الطائفية والسياسية خمينية واخوانية يحتل اليوم قائمة اكثر الاديان نموا وانتشارا في العالم شاء من شاء وابي من ابي وانكر من انكر والامر ليس رجم بالغيب ولكن من واقع الارقام الصادرة عن مراكز علمية واكاديمية متخصصة في البحث العلمي في الولايات المتحدة الامريكية وبلاد غربية تتحدث عن الاسلام باعتباره اكثر الاديان نموا وانتشارا في العالم وكل ما ورد ذكره في هذا الصدد متاح بادق التفاصيل علي الشبكة المعلوماتية والامر لاعلاقة له بالسياسة ولا بكل المنظمات والحركات السياسية المعروفة في العالم الاسلامي الافتراضي ولكنها قدرة الله وحدة وبفضل مجهودات اناس مغمورين من المهاجرين الاوائل لتلك البقاع النائية والبعيدة.
الحرب الراهنة في السودان اشعلتها الحركة الاسلامية المزعومة بكل ارثها القبيح والمعروف خلال ثلاثين عام مارست خلاله القتل بلاحدود واستباحت الدماء والارواح والفساد في الارض والتعالي في البنيان بدون وجه حق .
فشلت كل القوي السياسية السودانية في مواجهة الاسلاميين خلال الثلاثين عام واكثر كما فشلت في مساعدة الشعب السوداني وحمايته من شرورهم لاسباب كثيرة لايتسع المجال لذكرها وحتي هذه اللحظة يستمر الفشل والتخبط وعدم الواقعية وانتظار الحلول والمعالجات القادمة من وراء الحدود دون التقدم بمبادرة وطنية واحدة علي صعيد العدالة وتصفية اثار الاستبداد الاخواني المزمن والطويل المدي وخير دليل علي الفشل والاهمال الخطير في ادارة الامور بعد سقوط النظام تلك المحاكمة والمهزلة المتعجلة للرئيس المعزول وقيادات الحركة الاسلامية في قضية عنوان الاتهام الرئيسي فيها " تدبير انقلاب عسكري " لم يكن له اي وجود استنادا الي ادلة مادية واثباتات قانونية دامغة عن حقيقة الذي جري في الخرطوم ليلة الثلاثين من يونيو 1989.
الامر المؤسف ان تقوم هيئة الاتهام في المحاكمة المشار اليها باصدار بيان تطالب فيه السلطات في بلد لاتوجد فيها حكومة باعتقال قيادات الحركة الاسلامية الهاربين من العدالة وسجن كوبر هكذا وبمنتهي حسن النية يطلبون من الجهات التي تولت العملية وتهريب هولاء المطلوبين باعادة اعتقالهم ثم تطور الامر عن طريق تسريبات متعمدة في هذا الصدد تهدف الي اثارة البلبلة وصرف الانظار عن جرائم الحرب التي ترتكب علي مدار الثانية وعن عمليات القصف الجوي في عمق اعماق مدينة الخرطوم وعاصمة النيلين الجريحة بواسطة طيران الحركة الاخوانية التي تدير الحرب .
لابد من نهاية لهذه الحرب وهي قادمة لامحالة والخوف كل الخوف من ان يعيد التاريخ نفسه ويغرق الناس في التفاصيل والجدل العقيم والابتزاز وحقي وحقك والجلابة والهنود الحمر والمركز والهامش والسودان البنفسجي الذي سيحل مكان سودان 56 الانيق لينتهي السودان في مرحلة مابعد الحرب الي النموذج السابق ذكرة الذي انتهي اليه جنوب السودان علي يد الانفصاليين الجنوبيين واخرين .
لابد من شرعية ثورية واقعية بعد هذه الحرب تقوم انابة عن الامة السودانية باعادة الحقوق واتخاذ خطوات ثورية بتجميد محاكمة الرئيس المعزول عمر البشير وقيادات الحركة الاسلامية واعادة محاكمتهم امام محاكم عسكرية مدنية مختلطة في الاتهامات القديمة بشن الحرب علي الدولة في 30 يونيو 1989 مضاف اليها الاتهام بشن الحرب الراهنة وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ومحاسبة كل من شارك بالتحريض والكلمة والقول والفعل علي استمرار هذه الحرب علي اي مستوي وتقديم تجربة عدلية تحظي برضاء المواطن السوداني واحترام كل شعوب العالم ومن هنا تبدأ المعركة الحقيقية لاعادة البناء السياسي والاقتصادي للبلاد ووضع حد لهذه السلسلة المؤلمة الطويلة المدي من ادمان الفشل وعدم الواقعية في ادارة الازمة الوطنية والسلوكيات والمعالجات الانصرافية المدمرة والاستسلام .

https://www.facebook.com/mohamed.siddig.355/

 

آراء