مختارات رمضانية (5) .. جمع وتصنيف : عبدالله حميدة

 


 

 

لاديبنا السوداني العالمي الطيب صالح مقال بديع عن شهر رمضان تم نشره في عمود له بمجلة المجلة اللندنية قبل خمسة عشر عاما ، نورد شذرات منه لما فيه من حلاوة السرد والرؤي الفلسفية والروحية. واللمسات الإنسانية العميقة التي يتداخل فيها (العام) مع ) الخاص) ، ويمتزج فيها الماضي بالحاضر علي الطريقة التي تميزت بها معظم كتاباته.

يقول الطيب - وهو يومذاك صبي- يصف ساعة الافطار :
( وقبيل المغيب نجيء بسفر الطعام من البيوت ونجلس مع كبارنا ننتظر تلك اللحظة الرايعة حين يؤذن مؤذن البلدة – غير بعيد منا – الله اكبر معلنا نهاية اليوم. وكنت في تلك الايام – قبل ان يقسو القلب ويتبلد الشعور – احس ان ذلك النداء موجه لي وحدي ، كأنه يبلغني تحية من آفاق عليا انني انتصرت علي نفسي.)
تم يصور احاسيسه الروحية المرهفة لحظة ذهاب الظما وابتلال العروق حين يحسو حسوات من ( الابري ) و( الحلو مر ) فيقول :
(هذان الشرابان لا يوجدان إلا في السودان وهما مرتبطان برمضان ولهما رايحة عبقة فواحة . تلك وروايح اخري كان خيالي الصبي يصورها في ذلك الزمان كانها تاتي من المصدر الغامض نفسه الذي ياتي منه شهر رمضان )
ثم يربط الطيب ربطا محكما -يثير الاعجاب – بين طاقة الشعور بالعزة والمنعة والطمانينة والثراء الذي يتركه الصيام في نفوس اهله تجاه الحكم الانجليزي للسودان في ذلك الحين وبين الواقع السياسي المغبون الذي جاء بعد خروج المستعمر من البلاد ،فيقول :
(ولعل الانجليز خرجوا آخر الامر لانهم ضاقوا باحساس الحرية ذاك لدي السودانيين كانهم لم يفهموا او رفضوا ان يفهموا انهم امة مهزومة مستعمرة.
( الاحساس بالمذلة والهوان حدث لهم بعد ذلك علي ايدي بعض ابنائهم الذين انتزعوا الحكم من الذين ورثوه من الانجليز ، ومنهم من كان صبيا مثلي في ذلك الزمان الاغر وجلس علي بقعة رمل كما جلست ، مع آبائه واجداده في افطار شهر رمضان.)
ويلخص الطيب – في ثنايا المقال – شعور صايم رمضان في اليوم الاول منه ثم في خواتيمه فيقول :
(اذا انقضي اليوم يحس الصايم انه قد قطع شوطا مهما في رحلة حياته. واذا انقضي الشهر بطوله ، يشعر حقا انه يودع ضيفا عزيزا طيب الصحبة ولكنه عسير المراس. )

 

aha1975@live.com

 

آراء