مرة اخري ،أنصفوا الأطباء … بقلم: د. حسن بشير محمد نور – الخرطوم
24 March, 2010
يمكن ان نقوم بطرح سؤال مهم هو : هل الطبيب انسان ، مثله مثل غيره من البشر يولد و و يمرض يموت و يأكل الطعام و يمشي في السواق ام انه كائن من جنس اخر غير البشر؟ اذا كان الطبيب انسانا مثل غيره فيجب انصافه في عمله و مستحقات ذلك العمل المادية و المعنوية و توفير البيئة الصالحة لممارسة مهنته حتي يستطيع ان يؤدي عمله بكفاءة و ان يخضع للمحاسبة عند تجاوز قوانين العمل المحددة لممارسة مهنة الطب. كيف يمكن للاطباء العمل في بيئة غير مناسبة و في ظروف مادية و نفسية محبطة و غير ملاءمة للانتاج و العطاء؟ كيف يمكن محاسبة الطبي علي التقصير في عمله و علي أي خطأ طبي يقع فيه و هو يعاني من الظلم و يستجدي حقوقه المشروعة المدرجة في الموازنة و الميزانيات و المنصوص عليها في عقود العمل؟ لا يمكن لذلك ان يحدث في دولة تحترم انسانها و تهتم بصحته و تسهر علي رعاية المرضي و تأخذ بيدهم الي حين الشفاء او القضاء حسب اقدارهم. الاهتمام بالطبيب من صميم الاهتمام بالخدمات الاجتماعية و من صميم ضمان كفاءة العمل و الانتاج و بالتالي الرقي و الازدهار. سبق لنا ان تعرضنا لموضوع الاخطاء الطبية و كيفية التصدي لها و من ضمن ما استندنا اليه في ذلك الوقت ( في شهر مايو من العام 2008م) المؤلف الممتاز للدكتور عبد الله محمد منجود عثرت عليه من خلال البحث في محركات النت و عنوانه " الممارسات الطبية بين خطأ الطبيب و مضاعفات المرض"
اورد الكاتب في ذلك المؤلف "" انه في العام 319 هجرية امر الخليفة العباسي (المقتدر) ابراهيم ابن ابي اصيبعة بمنع جميع الاطباء من المعالجة الا من امتحنه رئيس الاطباء في ذلك العهد و هو (سنان بن ثابت بن قرة) و كتب له رقعة بما يطلق له التصرف فيه من الصناعة ، و قد امتحن في بغداد وحدها وقتذاك (800 طبيب) عدا الذين لم يدخلوا الامتحان لشهرتهم و علو شأنهم في الطب ، حدث ذلك حسب إفادة المرجع المذكور بعد ان علم الخليفة ان طبيبا من اطباء بغداد اخطأ في مداواة مريض مات و قد غرم ذلك الطبيب دية المريض و منع من ممارسة مهنة الطب. ينصب الاهتمام في هذا المقام بالجانب الخاص بالتفرقة بين الموت بسبب العلاج و الموت بسبب القصد الجنائي و يندرج السبب الاول ضمن ما يعرف اليوم بالاخطاء الطبية بينما يتوسع السبب الثاني في نواح عدة تتداخل تفاصيلها في القوانين الجنائية . و نسبة لعدم الاختصاص فلن اخوض كثيرا في التفاصيل و لكن الجدير بالذكر هو اهتمام الدولة الاسلامية في ذلك الوقت بوضع ضوابط حول ممارسة مهنة الطب و قد سبقت في ذلك اوربا بكثير و تجدر الاشارة هنا الي مؤلف ( ابن سيناء) " القانون في الطب ". فما علينا الا العمل علي احياء ذلك الارث العظيم و الاستفادة منه في حياتنا العصرية الاكثر تعقيدا. اذا كان الطبيب يحاسب عند الخطأ فيجب ان يكافأ عند القيام بعمله و يحفز لتجويد الانتاج و ان تلبي مطالبه الضرورية لممارسة عمله الانساني بالشكل الذي يجعله مرتاح الضمير و يمكن ان يتقبل المحاسبة عند الخطأ.
في ظل الحديث عن الخدمات الطبية في السودان و تجويدها يفتح الباب امام شكاوي ألمواطنين ضد الاطباء عند الخطأ يمكن لذلك ان يحدث نوع من المعاناة النفسية للأطباء التي يمكن ان تضر بممارسة مهنتهم بشكل كفؤ و بثقة و طمأنينة. لذلك تحتاج المتابعة و الضبط و المحاسبة الي معايير و قوانين مختصة و منصفة في مهنيتها للأطباء و العاملين في المهن الصحية. يتطلب ذلك وضع قوانين طبية مفصلة في السودان يشترك في إعدادها الخبراء في مختلف المجالات و التخصصات اللازمة للدقة و الإحكام و مراعاة جوانب الحقوق و الواجبات و استيفاء شروط العدالة . يعني ذلك ان محاسبة الأطباء حتي عند ارتكاب الأخطاء لا يمكن ان تتم بشكل متعسف او متسرع و بدون استيفاء الشروط القانونية و المهنية المنظمة للممارسة مهنة الطب ، فكيف يحاسبون عند المطالبة بحق مشروع و بدون ضوابط للمحاسبة؟. يستدعي ذلك الاستماع للاطباء و العاملين في المهن الطبية و توسيع مشاركتهم في كل ما يتصل بشئون الخدمة. للخروج من الازمة الراهنة المرتبطة باضراب فئة مهمة من الاطباء لابد من اشراك المختصين في القانون و الطب و التخصصات العلاجية و الدوائية و البنيات التحتية للخدمات الصحية و الدواء و المداواة و توفر مستلزمات العمل الاساسية من كوادر متخصصة و فنيين و اجهزة و معدات مع الوفاء بجميع الحقوق الخاصة بالعمل و شروط بيئته. يأتي بعد ذلك استشارة بيوت الخبرة العالمية المشهورة حتي يأخذ كل ذي حق حقه و ان تكفل الحقوق و الواجبات للجميع بدلا عن التعامل المتشنج المشدود حد القطع.
يعمل اطباء السودان و العاملون في التخصصات الطبية و الصيدلية و غيرها في ظروف صعبة جدا و يقع عليهم عبء كبير لذلك لا يجب الخوض في العقاب الجماعي او استخدام اساليب ملتوية في العمل و التعيين و سد النقص حتي لا يصيب ذلك مهنة الطب في مقتل. لابد من وضع النظام اللازم لضمان سير العمل في الحاضر و المستقبل بشكل كفء ، و هنا تبرز للعيان مسئولية الدولة عبر المؤسسات المختصة. من المفيد فتح باب النقاش لمعالجة المشكلات الكثيرة في المجال الصحي مع عوامل الخصخصة و العلاج التجاري و سبل كسب العيش و التأهيل و التدريب و التصنيع و الاستيراد و التخزين و التصريح بالعمل الخاص الي اخر القائمة الطويلة. نرجو ان يكون ما حدث و ما يجري الان مناسبة لفتح الباب لمناقشة وضع قوانين طبية تراعي جميع الجوانب حتي يكون العمل مثمرا و يسير في اتجاه التطور و التجويد بدلا ان تجر الممارسات الخاطئة الي ما يشبه ما حدث للرياضة بعد " ثورة الرياضة الجماهيرية" سيئة الذكر ، في سبعينيات القرن الماضي.
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]