مزمل أبو القاسم والخطاب الإعلامي المتلهف

 


 

 

كتب الأستاذ الجامعي د. محمد عبد الحميد

في مقال له بعنوان (مكالمة البرهان وبن زايد؛ تفاصيل ما جرى) قدم الصحفي د. مزمل ابو القاسم سرداً لحيثيات كثيرة من وجهة نظره بعضها ينطوي على مغالطات وبعضها يجب التأمل فيها تقديرا لخطورة الموضوع المطروح وانعكاسه على مجريات الحرب في السودان ودور الكاتب في تناول الموضوع بكل ما ينطوي عليه من حساسية مع بلد (الإمارات) شاءت الأقدار أن يكون لها تأثيراً ونفوذاً على مجريات الأحداث في السودان. قبل الولوج للموضوع لابد من محاولة قياس مستويات فهم الكاتب لبعض الأمور وفقاً لتناوله لها... فقد أتى كمقدمة لسرد تفاصيل موضوعه على دور رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد. وفيما يبدو أن الكاتب غير ملم بالفرق بين الوسيط والمبعوث وهذا أمر مهم في حد ذاته لأهمية دور أبي أحمد في سياق القضية المطروحة فقد أورد الكاتب ما نصه حول دواعي زيارة أبي أحمد الخاطفة للسودان وفي هدفها الثاني : (طرح وساطة إثيوبية تستهدف تجسير الهوة ومعالجة الخلاف السوداني الإماراتي بتواصل مباشر بين الطرفين سعيا لإنهاء الحرب.) واضح نصاً هنا أن وصف أبي أحمد أنه وسيط Broker. ثم وبعد قليل يقول أبو القاسم نصاً :(وفي الطريق نقل أبي أحمد للبرهان رغبة القيادة الإماراتية في التواصل المباشر معه لحل الأزمة) هنا واضح أن أبي احمد يلعب دور المبعوث Envoy والفرق بينهما كبير. غير أن ذلك لم يمثل اي شي لأبي القاسم رغم أن دور أبي احمد لن ينتهي بمجرد إجراء المكالمة إن كان وسيطاً حسب تداعي الأحداث بعد ذلك كما سيظهر لاحقاً خاصة بعد اللغط الذي أثير حول المكالمة إعلاميا.
على عموم الأمر، ففحوى ما كتبه مزمل ابو القاسم حول المكالمة الهاتفية باختصار أن الإمارات "غدرت ببرهان" ولم تلتزم بتعهدها بعدم نشر تفاصيل المكالمة.
فقد تكفل بذلك أبو القاسم من عنده وحسب كلامه أن البرهان وجّه لوماً شديد اللهجة لإبن زايد للدرجة التي أُضطر فيها للتمهيد بقوله :(وإبتدر البرهان المكالمة بمطالبة بن زايد بأن يوسع صدره ويتقبل ما سيقوله على حدته وقسوته) ثم سرد البرهان شواهد على تدخل الإمارات في الحرب بدعم للمتمردين....إلخ
إذن ماذا كان رد فعل بن زايد على كلام البرهان حسب كلام أبو القاسم؟؟ عند سماع حديث البرهان يقول أبو القاسم :(تلقى الرئيس بن زايد حديث الرئيس البرهان بهدوء، وقال له إن تلك الإتهامات كتيرة عليهم وأنهم حريصون على أمن السودان واستقراره ورفاه شعبه وأنهم سيحققون فيما ذكره البرهان) يمكن ملاحظة أن إستخدام كلمة بهدوء تنم عن شخص تعرف على لغة جسد بن زايد وقتها أو نبرة صوته كأنه قد حضر المكالمة، إضافة الي أنه يريد القارئ أن يأخذ انطباعا بأن البرهان "قرّع" بن زايد وأن بن زايد لشدة وقع التقريع طأطأ رأسه وقال إن هذا الاتهام كتير عليهم لكنهم سيحققون فيما قاله البرهان.
وكلمة تحقيق هذه لا يمكن أن تصدر من رئيس دولة متهمة بتأجيج حرب، فالتحقيق يجرى لتأكيد البراءة أو الضلوع في أمر ما.. ولا يمكن أن تجريه دولة حول سياستها تجاه دولة أخرى. كأن ضلوعها في الحرب قد قام به " متفلتون" دون علم الرئيس. أو كأن ضلوع الدولة في الحرب يماثل عملية "شفشفة" لقرية نائية في اصقاع الجزيرة.
من جهة أخرى، فقد أكد أبو القاسم أن مكتب البرهان حرص على توثيق المكالمة وتسجيلها كاملة لإثبات الكيفية التي تم بها الإتصال والتأكيد على صحة الخبر الذي نشره الجانب السوداني وعن تفاصيل المكالمة...إلخ ذلك يعني أن أبو القاسم قد اطلع على تسجيل المكالمة الأصلي لذلك كتب بكل هذه الثقة النافية للشك.. لكن إذا كان الأمر أمر تشكيك في قضية "تنبأ" فيها الجانب السوداني أن الإمارات "ستغدر" بهم وتنشر معلومات غير سليمة، كان من الأجدر والحالة هكذا ألا يطلع عليها أبو القاسم فقط، بل يطلع عليها جميع أهل السودان بإعتبارهم أصحاب المصلحة الأساسية حتى يقفوا على حقيقة الموقف بدلاً عن أن تأتيهم الحقيقة عبر افتضاح عطر أبو القاسم... وهنا المفترض أن يبرز دور (أبي احمد - إثيوبيا) فهو إذا كان وسيطا يجب أن يكون ملم بكل تفاصيل المكالمة إن لم يكن طرفا فيها ويشهد على ما جرى فيها من تسريبات وغيره بحسم الجدل الدائر وليس أي شخص آخر..طالما انه قد هندس هذا اللقاء حسب ما أورد أبو القاسم، فقد كان يمكن أن يلجأ إليه السودان بإعتباره الوسيط بحيث يحاط علما بالخرق الإماراتي بدلاُ عن تترك هذه المهمة ليقوم مزمل أبو القاسم بتناولها كما يتناول مباريات الهلال والمريخ.
عموماً ما دوّنه قلم مزمل أبو القاسم بهذا التلهف الإخباري لا يصب في مصلحة السودان في هذا الظرف الدقيق من الحرب وتطوير العلاقة مع الإمارات إن كان هنالك ثمة مَن يطمح في تطويرها على المستوى السوداني الرسمي.
د. محمد عبد الحميد

wadrajab222@gmail.com

 

آراء